ثمة حقيقة بسيطة هي أن «التنمية غير ممكنة بلا طاقة، والتنمية المستدامة غير ممكنة بلا طاقة مستدامة». وهناك اجماع واسع على أن المسار الحالي للتنمية الطاقوية في العالم ليس مستداماً من النواحي الاقتصادية والبيئية والاجتماعية.
قبل ست وعشرين سنة، عام 1987، أصدرت اللجنة العالمية للبيئة والتنمية، المعروفة بلجنة برونتلاند، تقرير «مستقبلنا المشترك». قدم التقرير مفهوم التنمية المستدامة التي تقتضي أن يكسب الناس رزقهم من دون أن يدمروا الموارد الطبيعية والنظم الإيكولوجية الضرورية لتلبية احتياجاتهم واحتياجات الأجيال القادمة.
اليوم، على رغم بعض التقدم، ما زالت التنمية المستدامة مفهوماً متفقاً عليه عموماً، لكنها لم تصبح حقيقة عملية يومية على الأرض، خصوصاً في قطاع الطاقة. وتستمر معظم الاتجاهات غير المستدامة التي حذرت منها لجنة بورنتلاند عام 1987، بل هي تتسارع في بعض الحالات. على سبيل المثال، أصبح الطلب السنوي للبشرية على الموارد الطبيعية نحو ضعفي ما كان في ذلك الوقت، وأصبحت انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون أعلى 40 في المئة.
ومع ارتفاع عدد سكان العالم من 7 بلايين الى نحو 9 بلايين بحلول سنة 2040، ومع توقع ازدياد عدد المستهلكين من الطبقة الوسطى بمقدار 3 بلايين خلال السنوات العشرين المقبلة، سوف يرتفع الطلب على الموارد بشكل كبير. وبحلول سنة 2030، سوف يحتاج العالم الى طعام أكثر 50 في المئة على الأقل وطاقة أكثر 35 في المئة ومياه أكثر 30 في المئة، في حين تفرض المحدوديات البيئية قيوداً جديدة على الإمدادات.
ويساهم إنتاج الطاقة غير المستدامة واستهلاكها، أكثر من أي نشاط بشري آخر، في تدهور البيئة وتراكم غازات الدفيئة في الغلاف الجوي.
وسوف تحدد التنمية الطاقوية في المستقبل كمية انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون وسرعة ارتفاع مستوياته في الغلاف الجوي. وبحسب شركة «ماكينزي أند كومباني» الاستشارية العالمية، لم يبدأ بعد بناء أكثر من 70 في المئة من البنية التحتية الطاقوية المطلوبة في العالم بحلول سنة 2030، وسيكون معظمها في بلدان نامية.
16% من كهرباء العالم متجددة
القرارات التي تتخذ اليوم بشأن استدامة نظم الطاقة في المستقبل سوف تؤثر الى حد بعيد في قدرتنا على تخفيض تلوث الهواء وتحسين الأوضاع الصحية وتخفيف آثار تغير المناخ خلال العقود الثلاثة أو الأربعة المقبلة. في العام 2009، شكل الوقود الأحفوري 81 في المئة من إجمالي الطاقة الأولية العالمية، وتمثل انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون الناجمة عن إنتاج الطاقة واستهلاكها نحو 65 في المئة من الانبعاثات العالمية.
وقد أفادت وكالة الطاقة الدولية (IEA) أن تحقيق التخفيضات الكربونية التي يحتسب العلمـاء أنها مطلوبة بحلول سنة 2020 يقتضي توليد 28 في المئة من الكهرباء العالمية من مصادر متجددة، وصولاً إلى 47 في المئة بحلول سنة 2035. أما اليوم فتشكل الطاقات المتجددة نحو 16 في المئة من الإمـدادات الكهربائية العالميـة.
وبحسب «تقرير الوضع العالمي للطاقات المتجددة 2012» الصادر عن شبكة سياسة الطاقة المتجددة للقرن الحادي والعشرينREN 21))، شهدت السنوات الست الأخيرة نمواً كبيراً في تطور تكنولوجيات الطاقة المتجددة في أنحاء العالم، بما في ذلك أثناء فترة الركود العالمي. وازدادت استثمارات الطاقة بنسبة عالية بلغت 630 في المئة بين عامي 2004 و2010. وفي العام 2011، رغم تعثر الاقتصاد العالمي، بلغ الاستثمار في الطاقة المتجددة 257 بليون دولار. وعلى مستوى عالمي، تجاوز الاستثمار الصافي في قدرة الطاقة المتجددة الاستثمار في طاقة الوقود الأحفوري بنحو 40 بليون دولار. وشهد قطاع الطاقة الشمسية النمو الأقوى، معـززاً بانخفاض الأسعار ودعم حكومي. وهبط سعر الوحـدات الفوتوفولطيـة (PV) بنحو 50 في المئة خلال العام 2011، وهو الآن أدنى 75 في المئة مما كـان قبل أربع سنوات.
وما زالت طاقة الرياح في طليعة المصادر المتجددة بنسبة نموها التي ارتفعت عام 2011 إلى رقم قياسي جديد، وبات يستغلها أكثر من 80 بلداً.
وهناك تطور لافت على النطاق العالمي، هو تغير الانتشار الجغرافي للطاقة المتجددة، التي لم يعد تبنّي تكنولوجياتها مقتصراً على العالم المتقدم. فأكثر من نصف القدرة الحالية للطاقة المتجددة هو في العالم النامي، خصوصاً في آسيا. وتحتل الصين الصدارة في عدة مؤشرات لنمو الأسواق، بفضل خطتها الوطنية لزيادة الطاقة المتجددة الى 15 في المئة من مجمل استهلاكها الطاقوي بحلول سنة 2020. وهي كانت في العام 2010 المركِّب الأول لتوربينات الرياح والنظم الحرارية الشمسية، والمنتج الأكبر للطاقة المائية. وتقوم الصين أيضاًً بوضع خطط لفرض حدود على الانبعاثات ومقايضتها في سبع مدن وأقاليم كبرى، وذلك ليس وفق التزامات دولية، بل لأنها تريد تحفيز مزيد من الاستثمارات والتغيرات والتكنولوجية.
وتحتل الهند المرتبة الخامسة عالمياً في مجمل قدرة طاقة الرياح الحالية، وهي تتوسع حالياً في اعتماد الطاقات المتجددة الريفية، مثل الغاز الحيوي (بيوغاز) والوحدات الفوتوفولطية الشمسية. وتنتج البرازيل تقريباً كل الإيثانول المستخرج من السكر في العالم، وقد أنشأت محطات جديدة لتوليد الكهرباء بطاقة المياه والرياح والكتلة الحيوية، فضلاً عن نظم تسخين المياه بالطاقة الشمسية.
طاقة للفقراء
حتى الآن، كان نمو الطاقة المتجددة مدفوعاً بالسياسات الى حد كبير. وبحسب تقرير الوضع العالمي للطاقات المتجددة الصادر عن REN 21 اعتمد أكثر من 119 بلداً سياسات حكومية وأهدافاً محددة للطاقة المتجددة، كان لها أثر كبير في جذب الاستثمارات وتطوير الصناعات وتحقيق منافع اجتماعية وطنياً ومحلياً.
وتؤدي الطاقـة المتجـددة دوراً هـاماً في تعـزيز وصول الفقراء الى خدمات الطاقة العصرية. فهناك أكثر من 1,3 بليون شخص لا تصلهم الكهرباء، و2,7 بليون شخص بلا وسائل طبـخ نظيفة. ويقيم أكـثر من 95 في المئة من هؤلاء جـنوب الصحـراء الأفريقيـة وفي الهند وجـنوب شـرق آسيـا.
خلال السنوات الأخيرة، أحدث الغاز الصخري (gas shale)تحولاً سريعاً في مستقبل الطاقة في الولايات المتحـدة، وقد تنتشر عدواه الى مناطق أخرى في العالم. فالولايات المتحدة ليست وحدها ممتلكة هذه المورد، إذ ان أجزاء من كندا والمكسيك والأرجنتين والبرازيل وأوروبا والصين وعدة بلدان أفريقية تجثم فوق كميات كبيرة من الغاز. ويساهم الغاز الصخري الآن بثلث إمدادات الغاز في الولايات المتحدة، وقد يصل الى النصف تقريباً بحلول سنة 2035.
في 12 تشرين الثاني (نوفمبر) 2012، أصدرت وكالة الطاقة الدولية تقرير «مستقبل الطاقة في العالم 2012». وجاء فيه أن الولايات المتحدة مهيأة لتجاوز السعودية في إنتاج النفط بحلول سنة 2020، وسوف تصبح مصدّراً صافياً للغاز الطبيعي بحلول سنة 2020، وستكون مكتفية ذاتياً بالطاقة تقريباً بحلول سنة 2035. وأفادت الوكالة أيضاً أن الطلب العالمي على الطاقة سوف ينمو بأكثر من الثلث بحلول سنة 2035، وأن الصين والهند والشرق الأوسط سوف تحقق نحو 60 في المئة من ذلك النمو.
لدى المنطقة العربية وفرة كبيرة من موارد الطاقة المتجددة قادرة، وفق شركة «بوز أند كو»، على توليد أكثر من ثلاثة أضعاف مجمل الطلب الحالي على الطاقة في العالم. ومن الواضح أن لدى المنطقة فرصة لاستغلال الطاقة المتجددة من أجل دعم نموها الاقتصادي وأمنها الطاقوي، ولاحتلال موقع هام في الأسواق الدولية.
خلال السنوات الأخيرة، أظهرت عدة بلدان عربية اندفاعاً متنامياً لدعم انتشار الطاقة المتجددة، مع اعتماد مزيد من الأهداف والسياسات المساندة. ولتلبية هذه الأهداف الطموحة، يجب أيضاً تعزيز التعاون عبر الحدود واستقطاب الاستثمارات الوطنية والاقليميـة والأجنبيـة في المنطقة.
الدكتور محمد العشري نائب رئيس مجلس أمناء المنتدى العربي للبيئة والتنمية، وهو رئيس شبكة سياسات الطاقة المتجددة للقرن الحادي والعشرين (REN 21) وزميل أعلى في مؤسسة الأمم المتحدة والرئيس التنفيذي السابق لمرفق البيئة العالمي (GEF).