تتقاطر وفود من بلدان العالم لزيارة قرية صغيرة في ألمانيا، كي تطَّلع على تجربتها الفذة في التحول إلى استخدام الطاقة المتجددة.
تبعد فيلدهايم 60 دقيقة بالسيارة عن جنوب برلين، ويسكنها نحو 125 شخصاً. وهي القرية الألمانية الأولى والوحيدة المكتفية طاقوياً، ويقصدها خبراء طاقة وسياسيون دوليون.
قال يواكيم يباور، وهو مدرس سابق يرشد الزائرين عبر القرية الصغيرة النائية: «ينظرون إلينا كرواد، ويريدون معرفة ما إذا كان باستطاعتهم استنساخ نجاحنا. هنا لا يحرق أي فحم أو غاز. القرية نظيفة تماماً».
تستمد فيلدهايم الطاقة من 43 توربينة هوائية، ومحطة تدفئة تعمل بحرق نشارة الخشب، ومحطة لإنتاج الغاز الحيوي (بيوغاز) من فضلات المواشي ومخلفات الذرة.
تبلغ كلفة الطاقة المحلية 16 يوروسنت لكل كيلوواط ساعة، أي نحو نصف ما يدفعه الألمان في المتوسط، والذي يتراوح بين 27 و30 يوروسنت، بحسب «منتدى الطاقات الجديدة» في فيلدهايم، وهو مركز للمعلومات. وهي قريبة من الكلفة في بولندا، التي تولد كل كهربائها تقريباً من محطات تحرق الفحم الملوث والمسرف في الانبعاثات الكربونية، حيث يدفع أصحاب المنازل 14 سنتاً في المتوسط لكل كيلوواط ساعة. أما في الجمهورية التشيكية، التي تعتمد على الطاقة النووية لتوليد نحو ثلث طاقتها، فيدفع المقيمون نحو 15 سنتاً لكل كيلوواط.
كيف تحقق ذلك؟
مشروع فيلدهايم هو مجرد جزء صغير من تغييرات كاسحة في قطاع الطاقة عبر ألمانيا للتحول عن الفحم والطاقة النووية. وتهدف ألمانيا، التي يزيد عدد سكانها على 80 مليون نسمة، الى استمداد 80 في المئة من طاقتها من مصادر متجددة بحلول سنة 2050. وقد عززت إنتاج طاقة الرياح والطاقة الشمسية. وعلى أثر كارثـة فوكوشيمـا النوويـة في اليابان عام 2011، أعلنت ألمانيا أنها ستتخلى عن الطاقة النووية بحلول سنة 2022. لكن هذا التحول الطاقوي يعتبر تحدياً مكلفاً الى أبعد الحدود، إذ تقدر كلفته بنحو 550 بليون يورو (710 بلايين دولار) حتى سنة 2050.
خلال السنة الماضية وحدها، دفع المستهلكون الألمان 17 بليون يورو إضافية على الطاقة، بما في ذلك دعم مالي لتوليد الطاقة المتجددة. وتعكس فواتير الطاقة المنخفضة في فيلدهايم الإعانات المالية ومساعدات أخرى.
في البداية، تعيّن على جميع أصحاب المنازل في فيلدهايم الموافقة على دفع 3000 يـورو كرسوم لوصل خطوط الكهرباء والغاز الجديدة، وقطع الوصلات بالشبكة الإقليمية التابعة لشركة E.ON الألمانية. ثم تلقَّت القرية 850 ألف يورو دعماً من الاتحاد الأوروبي والحكومة لمساعدتها في تغطية كلفة خطوط الأنابيب الجديدة التي بلغت 2,2 مليون يورو.
ووافقت شركة الكهرباء المحلية «إنرجي كويل» على تركيب معظم توربينات الرياح في فيلدهايم، على أن تبيع الكهرباء الفائضة التي تولدها في السوق. وساهمت التعاونية الزراعية المحلية في المشروع، بالموافقة على استعمال نحو 350 هكتاراً من الأرض لزراعة الذرة اللازمة لمحطة إنتاج الغاز الحيوي.
ويقر المسؤولون بأن هذا الدعم الكبير قد لا يجعل فيلدهايم نموذجاً يحتذى في مدن كبيرة حول العالم أو حتى في ألمانيا. وقال وزير البيئة بيتر ألتماير خلال زيارته للقرية: «لا يمكن فعل ذلك بالطريقة نفسها في كل أنحاء ألمانيا. لكن أعتقد أنه نموذج يمكن احتذاؤه في كثير من المجتمعات الريفية». ويرى المرشد السياحي يواكيم يباور أن جزءاً من نجاح المشروع يعود إلى تآزر القرويين. وتقول بيغي كابيرت (41 عاماً) المقيمة في فيلدهايم: «الناس هنا يلتمّون بعضهم على بعض».
هناك بضعة مجتمعات أخرى حول العالم تسعى الى الاستقلال الطاقوي. ومن الأبرز مشروع مدينة مصدر في أبوظبي، المصممة لتكون أول مدينة محايدة كربونياً وخالية من النفايات في العالم. لكن افتتاحها، الذي كان مقرراً سنة 2019، تم تأخيره حتى سنة 2025، وأقر مسؤولون بأنها قد تحتاج الى رفد من مصادر طاقة خارجية.
يقول تشارلز وال، المدير في مؤسسة «إنفستك» لإدارة الأصول والاستثمارات، إن هدف ألمانيا توليد 80 في المئة من طاقتها من مصادر متجددة بحلول سنة 2050 ممكن تقنياً، لكنه قد يواجه صعوبات جدية بسبب ارتفاع التكاليف والحاجة الى قدرة توليد مساندة لتعويض التقلبات في إمدادات الطاقة المتجددة.