الطعام السليم يساهم في صحة جيدة، ولكن في هذا العصر يتعرض الناس لمواد غذائية مزيفة وضارة تنتجها صناعة الغذاء. وتمارس صناعة اللحوم في بعض البلدان حيلاً قذرة لتعظيم أرباحها على حساب جيب المستهلك وصحته. ومن هذه الحيل استعمال غراء اللحم، ومزج الفضلات في اللحم المفروم، وحقن اللحوم بالماء والمواد الملونة، وبيع اللحم المجلد على أنه طازج، واستخراج البروتينات من فول الصويا باستعمال مواد كيميائية سامة. يهدف هذا المقال الى توعية المستهلكين حيال اللحوم «الملغومة» وبعض المواد الغذائية المغشوشة
لا تدرك الغالبية العظمى من المستهلكين ما هو غراء اللحم (meat glue). إنه مسحوق أبيض لا طعم له يشبه السكر الناعم، يجعل قطع اللحم وأنواعاً أخرى من المواد البروتينية تلتصق بعضها ببعض بإحكام. واذا كنت تكثر من أكل اللحوم، فربما أكلت لحماً مغرّى من غير أن تدري.
غراء اللحم أو الثرومبيان، واسمه الكيميائي transglutaminase، هو أنزيم يُستمد من بلازما دم الأبقار والخنازير. وهو من عائلة الأنزيمات المخثِّرة التي تتيح لصق فضلات اللحوم بحيث تبدو قطعة متماسكة. وبخلاف الأنزيمات الطبيعية، فإن غراء اللحم منتج كيميائي.
لقد بات في إمكان المطاعم وتجار اللحوم بيع الفضلات على أنها لحوم ممتازة. فعندما يُطبخ اللحم المغرَّى، قد يتعذر حتى على الجزار المحترف معرفة الفرق. والمشكلة بالنسبة الى المستهلكين أن اللحوم المغرّاة تشبه اللحم الطبيعي، ولا يعلن عن الغراء في قائمة محتوياتها.
في الولايات المتحدة، يُعتبر غراء اللحم «منتجاً مأموناً»، إذ ان الدراسة الرئيسية التي أجريت للحصول على موافقة إدارة الغذاء والدواء (FDA) استنتجت ذلك. لكن ثمة معلومات أن هذه الدراسة مولتها شركة «أجينوموتو» اليابانية التي تصنع هذا الغراء.
من السهل استعمال غراء اللحم. فما عليك إلا أن تنثر محتوى ملعقة صغيرة منه على فضلات لحوم متنوعة، وتعجنها معاً، وترققها بواسطة الشوبك على غلاف بلاستيكي، ثم تضعها في الثلاجة. وبعد ست ساعات تصبح لديك شريحة لحم تشبه الفيليه الحقيقية. وباستخدام كيلوغرام من الغراء يمكن لصق أكثر من مئة كيلوغرام من فضلات اللحوم. ولكن يجب وضع كمامة خلال إجراء هذه العملية، فاستنشاق المسحوق يجعل الدم يتخثر في الرئتين.
يضاف غراء اللحم الى أنواع مختلفة من الأطعمة، وليس فقط الى اللحوم. فشرائح السلطعون (crab) المزيفة يتم تحضيرها بتثبيت شرائح لحم سمك القدّ معاً بواسطة غراء اللحم. وقطع الدجاج المصنعة (nuggets) قد تحتوي على غراء اللحم. كذلك الهمبرغر وبعض أنواع النقانق والألبان والأجبان والمعكرونة.
في مقابلة تلفزيونية على محطة KGO في سان فرنسيسكو (30/ 4/ 2012)، قال مالك شركة للحوم إن تغرية اللحم ممارسة شائعة، خصوصاً الـ «فيليه مينيون» المحضَّرة للمطاعم.
ماذا يفعل المستهلك؟
يتخوف بعض العلماء والأطباء من علاقة غراء اللحم بالتسمم الغذائي، محذرين من أن عدد الجراثيم في قطعة لحم مغرّاة هو أعلى مئات المرات مما في قطعة لحم طبيعية. وهذا قد يسبب حالات تسمم.
عام 2010، حظر البرلمان الأوروبي استعمال غراء اللحم، لذلك فان الأوروبيين لا يأكلون اللحوم المغراة الآن. لكن بالنسبة الى بقية العالم، لا توجد أنظمة تمنع استعمال غراء اللحم. لذلك فان الخوف الرئيسي يتعلق بعواقبه الصحية على البشر في المدى الطويل، وهي غير معروفة حتى الآن.
القصة الآتية هي شهادة أب في الولايات المتحدة:
«عانت ابنتي، التي لم تبلغ سن المراهقة، ألماً في المفاصل طوال سنوات. أخذناها الى أطباء واختصاصيين مختلفين، فلم يستطع أي منهم اكتشاف السبب. وكان طعامنا يشتمل على لحم بقري رخيص الثمن، يخرج منه ماء كثير عندما يذوب الثلج عنه. وهو يحافظ على شكله الجميل بعد طبخه، حتى لو قطعته الى مكعبات صغيرة. وبعدما قرأت مقالاً عن التلاعب بالمواد الغذائية، استنتجتُ أن اللحم مغرّى، فتوقفت عن شرائه. ولم يلبث الألم أن زال من ذراعي ابنتي، وخف كثيراً في رجليها، علماً أن أي عوامل أخرى لم تتغير في حياتها».
يجهل المستهلك احتواء اللحم على غراء عند شرائه. لذلك يجب فرض الإعلان عن محتواه لتمكين الناس من تمييز اللحوم المغرّاة واتخاذ خيارات سليمة. ولكي يحمي المستهلك نفسه، فقد يختار أن يأكل لحماً أقل، وأن يشتري من جزارين موثوقين، وأن يحفظ اللحم المضمون في الثلاجة لاستعماله طوال أشهر. يمكنه أيضاً أن يشتري منتجات عضوية، أو مباشرة من أسواق المزارعين، وبذلك يعرف من زرع الخضار ومن ربى المواشي. ويتحول كثيرون عن أكل اللحوم إلى الأسماك وبيض الدجاج البلدي والحليب الطبيعي، بالاضافة الى الحبوب والخضار والفواكه.
النبأ السار هو أن ثمة تحولاً أساسياً يحدث، وأن الناس حول العـالم، بما في ذلك المنطقة العربية، بدأوا يعون هذه الأمور، وأن كثيرين منهم يهتمون بصحتهم.
الطين الزهري
هل تساءلت مرة ما الذي يجعل أقراص الهمبرغر في مطاعم المأكولات السريعة تبدو طازجة جداً؟ السر ليس في كمية اللحم الطازج الذي تحويه، بل في استعمال مادة «معززة» لنوعية اللحم تعرف علمياً باسم هيدروكسيد الأمونيوم (ammomium hydroxide). هذه المادة تحول فضلات اللحم البقري المدهن الى خليط يسميه ناشطو حماية المستهلك «الطين الزهري» (pink slime or pink sludge) يستمتع آكلوه بشكله الشهي وطعمه اللذيذ. لكن ما هي كمية اللحم الحقيقي في هذه الأقراص؟
يُصنع الطين الزهري من فضلات اللحم البقري والدهن في المسالخ، إذ تمزج بمادة هيدروكسيد الأمونيوم لقتل الجراثيم، والنتيجة هي لحم طري زهري اللون.
استعملت بعض سلاسل مطاعم الهمبرغر العملاقة «الطين الزهري» لفترة، ثم أقلعت عنه. وبعد احتجاجات عارمة في أنحاء الولايات المتحدة، وافقت سلاسل السوبرماركت الكبرى على وقف استعمال هذه المادة المضافة في منتجات اللحم المفروم. لكن مسألة استعمال «الطين الزهري» في وجبات الغداء المدرسية في الولايات المتحدة ما زالت غير محلولة. وقد ينطبق ذلك ايضاً على مؤسسات مثل المستشفيات ودور العجزة والقوات المسلحة التي ربما تستعمل كميات كبيرة من هذا المنتج.
ظهرت المشكلة الى العلن في الولايات المتحدة عام 2008 عندما انكشف استعمال 2,75 مليون كيلوغرام من اللحم البقري المعالج بالأمونيا في البرنامج الوطني لوجبات الغداء المدرسية. ونتيجة لذلك، نجح ناشطو الغذاء الصحي وحماية المستهلك في استبعاد «الطين الزهري» من اللحوم التي تقدمها مطاعم ماكدونالدز وبرغر كينغ وتاكو بل. وتركت وزارة الزراعة الأميركية للمدارس خيار استبعاده من وجبات الغذاء. وأعلنت سلاسل سوبرماركت إقلاعها عن استعمال هذه المادة المضافة. وتساءل جايمي أوليفر في برنامجه على محطة USTV في كانون الثاني (يناير) 2012: «لماذا يعمد أي إنسان عاقل إلى وضع لحم محشو بالأمونيا في أفواه أطفاله؟»
قد يكون الشرق الأوسط محمياً من هذا المنتج اللحمي المصنَّع، بفضل الأنظمة الغذائية التقليدية. ولكن لا تتوافر معلومات بهذا الصدد، وقد تكون ثمة حاجة الى استقصاء الحقائق بعد انتشار مطاعم الوجبات السريعة التي باتت تحظى بشعبية واسعة، خصوصاً بين الأطفال والشباب.
مجلد أم طازج؟
للحم البقري المجلد قصة مظلمة أخرى في صناعة اللحوم. فكيف تتأكد من أن قطعة لحم جذابة في ثلاجة السوبرماركت هي طازجة فعلاً أم أنها كانت مجلدة أصلاً؟ اضغط على قطعة اللحم بإصبعك، فإذا كانت طازجة ظهرت حفرة حيث ضغطت، وإذا كانت مجلدة فلن يظهر أي أثر. هذا يدل على أن اللحم المجلد تم حقنه بالماء والفوسفات لحفظ رطوبته وزيادة وزنه والمحافظة على شكله. كذلك يتم حقن الدجاج والأسماك بالماء لزيادة وزنها، وهذا ما يجعلها تفقد جزءاً من وزنها بعد الطبخ. لكن هذا الحقن قد يلوث اللحم بالجراثيم.
وحذرت مؤسسة Rodale الأميركية، التي تروج مبادئ الصحة واللياقة البدنية والزراعة العضوية في العالم، من «خطورة المواد المضافة إلى الطعام المحتوية على الفوسفور، إذ يربطها الأطباء بازدياد الأمراض المزمنة لدى الأطفال وضعف العظام والوفيات الباكرة».
وهناك منتج آخر يكثر التزييف في إنتاجه هو قطع الدجاج المصنعة (nuggets). فما الذي تحويه فعلاً؟ بعد فرز لحوم الدجاج آلياً، أي توضيب الصدور والقوائم كل على حدة، تُسحق العظام والفضلات اللاصقة بها والجلود وتصنع منها القطع، بعد إضافة مستحضرات كيميائية مثل بوليسيلوكسان الثنائي المثيل وهو مادة مانعة للرغوة مصنوعة من السيليكون، وبيوتيل هيدروكينون الثالثي (FBHQ) وهو مادة كيميائية حافظة. في معظم الحالات، فإن نحو 50 في المئة فقط من محتويات هذه القطع هي دجاج حقيقي، والبقية تشمل مشتقات الذرة وسكريات ومواد تخمير ومكونات اصطناعية.
أما الـ «هوت دوغز» فتصنع من لحوم متدنية النوعية. ومن محتوياتها بقايا اللحوم والدهون، وحشوات نشوية، ومنكهات، ومواد حافظة اصطناعية. وقال أحد الخبراء الأميركيين: حتى لو اشتريت أفضل أصناف الهوت دوغز فلن تكون في أمان. إنها من أخطر الأطعمة التي يمكن أن تقدمها لأطفالك».
البرغر النباتي
هل يمكن القول إنه لا يمكن الثقة بأي منتج؟ فرح كثير من النباتيين مؤخراً بالتحول الى تناول البرغر النباتي كخيار صحي ينفع البيئة أيضاً.
لكن تقريراً حديثاً نشره معهد كورنوكوبيا للأبحاث الزراعية في ولاية ويسكونسن الأميركية أظهر أن معظم المأكولات غير العضوية المبنية على فول الصويا، التي يتم إنتاجها في الولايات المتحدة، تبلل بمزيج من المواد البتروكيميائية التي تستعمل لاستخراج بروتين الصويا. وتتكون معظم المغاطس الكيميائية المستخدمة من مادة هكسان بنسبة 50 الى 60 في المئة، وهي مذيب صناعي ثقيل ومزيل للشحوم. وأظهرت تحاليل أن منتجات الصويا تحوي ما بين 14 و22 جزءاً في المليون من الهكسان. وقد تخلت الولايات المتحدة منذ خمسينات القرن الماضي عن طريقة استخراج بروتين الصويا آلياً بواسطة الضغط، واعتمدت الطريقة الكيميائية.
ويسمح الاتحاد الأوروبي ببيع منتجات الصويا التي تقل مخلفات الهكسان فيها عن 10 أجزاء في المليون. لكن الولايات المتحدة لا تفرض مثل هذه القيود، ولا يتعين على المنتجين في الولايات المتحدة إجراء تحاليل للتأكد مما اذا كانت منتجاتهم تحتوي على آثار بتروكيميائيات ضارة. لذلك، لا يُعرف مدى تعرض المستهلكين لها، ولكن أبلغ عن ارتفاع غير معتاد في عدد الأورام الدماغية لدى أشخاص يعملون في صناعة استخراج بروتين الصويا.
قد يجازف البالغون ويتناولون مأكولات مبنية على الصويا، مثل التوفو وحليب الصويا ومشتقاته. أما الأطفال الصغار فقد لا يحتملون العواقب، علماً أن شركات لأغذية الأطفال، مثل إنفاميل وسيميلاك ونستله، تعتمد على الهكسان لاستخراج البروتين من منتجات الصويا.
الجهل خطر. فكيف نتأكد مما إذا كان طعامنا يحوي إضافات وسموماً اصطناعية؟ لعل البديل الآمن حتى الآن هو أن نأكل ما نحضره في المنزل من منتجات نعرف مصدرها ومحتواها.
حق المستهلك أن يعرف ماذا يأكل. في معظم الدول العربية هيئات رقابية ومختبرات تفحص المواد الغذائية، بما فيها اللحوم المحلية والمستوردة. وثمة بلدان، مثل لبنان، ليس فيها مختبر مركزي عامل لفحص السلامة الغذائية، فتجرى فحوص وتحاليل في مختبرات خاصة تكون غالباً تابعة لجامعات.
بعد كشف فضيحة اللحوم المغشوشة في أوروبا، بينت التحاليل أن نحو 5 في المئة من منتجات اللحم البقري في الاتحاد الأوروبي تحوي لحم خيل.
واعترفت المفوضية الأوروبية بأن التلاعب حصل فعلاً ومن الصعب تحديد مصدره بسبب تعقيدات شبكة المزودين «بحيث أن غشاً واحداً يمكن أن يؤثر بشكل خطير في عدد من البلدان».
لحم الخيل ليس ساماً، ولا يؤذي. ولكن إذا كان التلاعب بمحتويات المواد الغذائية شائعاً في الدول المتقدمة، حيث الرقابة دائمة وصارمة، فإلى أي مدى يتفشى التلاعب والغش في البلدان النامية، بما فيها العربية، حيث الرقابة محدودة أو معدومة أحياناً؟
كادر
5% من «لحم البقر» الأوروبي لحم خيول
فضيحة مزج اللحم البقري بلحوم الخيول في أوروبا زعزعت ثقة المستهلكين بمنتجات اللحوم الجاهزة وبصناعة الغذاء عموماً. وقد بينت نتائج اختبارات أجريت بتكليف من المفوضية الأوروبية ونُشرت الشهر الماضي أن نحو 5 في المئة من منتجات «اللحم البقري» في الاتحاد الأوروبي تحوي لحم خيل. فبعد ثمانية أسابيع من تحاليل الحمض النووي (DNA) لنحو 4000 منتج لحم بقري تبين أن 193 منها تحوي لحم خيل.
وأظهرت التحاليل أن لحم الخيل استخدم بطريقة غير مشروعة في فرنسا أكثر من أي بلد آخر في الاتحاد الأوروبي، بنسبة تزيد على 13 في المئة من المنتجات التي تم تحليلها.
كذلك تبين أن 0,5 في المئة من ذبائح الخيول الـ3000 التي تم تحليل عينات منها احتوت على آثار «فينيل بيوتازون»، وهو عقار ضار مُنع إدخاله في السلسلة الغذائية البشرية. وكانت الهيئة الأوروبية لسلامة الغذاء أصدرت بياناً يفيد أن بقايا هذه المادة ليست مدعاة قلق يذكر للمستهلكين، وأنه لا يوجد دليل على أن تناول لحم الخيل يشكل خطراً على الصحة.
وبعد صدور نتائج التحاليل قال مفوض شؤون الصحة والمستهلكين تونيو بورغ: «لقد أثبتت النتائج أن هذه المسألة تتعلق بالغش الغذائي وليس بسلامة الغذاء». وأكدت المفوضية الأوروبية أنها ستقترح إجراءات لتشديد الضوابط والرقابة على جميع مراحل السلسلة الغذائية.
وأكدت المفوضية أن لدى الاتحاد الأوروبي أحد أفضل نظم السلامة الغذائية في العالم، لكنه يعتمد على شبكة معقدة من المزودين. ففي سلسلة غذائية تمتد من رومانيا الى هولندا وجنوب فرنسا وبريطانيا، من الصعب تحديد المكان الذي حصل فيه الخلل. وشركات المواد الغذائية في بلدان الاتحاد الأوروبي متداخلة الى حد كبير، بحيث أن غشاً واحداً يمكن أن يؤثر بشكل خطير في عدد من البلدان.