حملة إريكا كويلار لإنقاذ حيوان الغواناكو هي انطلاقة لحماية غران شاكو، تلك البراري الشاسعة في أميركا الجنوبية التي تجتاحها المشاريع الزراعية وممارسات قطع الأشجار. وقد أهلتها هذه الحملة للفوز بجائزة رولكس للمبادرات الطموحة
بول جيفري
القوي وحده يبقى على قيد الحياة في براري جنوب بوليفيا الظمأى. هنا، في الماضي، عاشت حيوانات الغواناكو، أسلاف اللاما، متحدية المناخ القاسي. ثم قدم الانسان، وقطع الأشجار، وأقام الأسيجة التي احتجزت هذه الحيوانات الرشيقة، واصطادها طمعاً بلحومها.
انخفضت أعداد الغواناكو بشكل حاد. وفي حين مازال نحو 500 ألف رأس في براري غران شاكو، لم تبق إلا ثلاث مجموعات معزولة تقدر أعداد كل منها بنحو 200 رأس في بوليفيا والباراغواي والأرجنتين.
تتهدد الغواناكو أخطار كثيرة، منها الصيد غير المشروع والرعي الكثيف للماشية والقطع العشوائي للأشجار. يضاف إلى ذلك إنشاء الطرق ومد خطوط أنابيب الغاز وإقامة منطقة عسكرية، ما خلَّف قطعاناً صغيرة معزولة وراثياً بعضها عن بعض.
مصير الغواناكو
محنة الغواناكو هي موضع اهتمام عالمة أحياء بوليفية شابة متحمسة منذ أكثر من عشر سنين. فقد نالت إريكا كويلار درجة الدكتوراه من جامعة أكسفورد عام 2011، وكان موضوع أطروحتها هذا الحيوان المنتمي إلى عائلة الجمال، وهو أكبر حيوان ثديي في غران شاكو. لكن كويلار ترى أن الغواناكو ليس وحده في خطر: "حماية غران شاكو هي التي حفزتني، فمصير الغواناكو يؤذن بمصير مجموعة كاملة من الأنواع الأصغر حجماً".
غران شاكو امتداد شاسع متنوع بيولوجياً لمروج عشبية وغابات جافة، لكنه لم يلق اهتماماً كافياً من العلماء والباحثين، الذين اجتذبتهم منطقة الأمازون الضخمة في الشمال. وقد يبدو غران شاكو ضئيلاً بالمقارنة، لكنه يؤوي تنوعاً مذهلاً من الحياة النباتية والحيوانية التي تراوح من آكلات النمال المطوقة الى طيور الفلامنغو وفهود الجاغوار.
تأمل كويلار إنقاذ غران شاكو من أزمته البيئية بتجنيد السكان المحليين كحلفاء في حماية الطبيعة. ويبشر عملها ليس فقط بالحفاظ على هذه المنطقة المهددة وعلى الغواناكو التي تعيش فيها، وإنما أيضاً بتصحيح الطريقة التي تمارس بها نشاطات الحماية في القارة الأميركية.
لقد استجابت حكومات المنطقة ببطء لتحديات الحماية. ومن الاستثناءات إقامة متنزه كاليا الوطني عام 1997 في شرق بوليفيا، حيث بدأت كويلار العمل عام 1999 الى جانب سكان أصليين يتولون إدارة المتنزه، لتحسين التعامل مع الأراضي العشبية حفاظاً على الغواناكو والأحياء البرية الأخرى.
دربت كويلار 17 بوليفياً من السكان الأصليين في كاليا ليكونوا «مساعدي علماء أحياء» (parabiologists). فلقنتهم الطرق العلمية للحماية. وتحت إشرافها، تحول هؤلاء الصيادون الى خبراء حماية مهرة، بدأوا يوثقون محنة الغواناكو ويضغطون من أجل استخدام الأراضي بمزيد من المسؤولية. وهكذا بات سكان المنطقة يتحملون مسؤولية حمايتها.
امرأة قائدة
واجهت كويلار عقبات كثيرة في سعيها الى حماية تشاركية، بما فيها مقاومة السكان لتولي امرأة دوراً بارزاً كهذا. لكنها كافحت من أجل إدخال النساء أيضاً في برنامجها التدريبي. تقول: "في تقاليد السكان الأصليين، تُمنع النساء من ممارسة أعمال معينة. على سبيل المثال، الصيادون دائماً من الرجال. ولقد حاولت إدخال نساء في برنامج مساعدي علماء الأحياء، لكني لم أنجح كثيراً. ومع ذلك هناك بعض الفتيات اللواتي يردن أن يصبحن مفتشات ومديرات موارد، ويدرس بعضهن هذه التخصصات في الجامعة المحلية. إذاً هناك أمل".
شكل عمل كويلار بصيص رجاء وسط التدهور المريع للنظام الايكولوجي في غران شاكو. يقول هيرنان تورس، الناشط البيئي البارز في تشيلي: "بمساعدة زملائها المحليين، أظهرت الأخطار التي تتهدد بقاء الغواناكو، وأشركت المجتمع المحلي في حمايتها. وكانت النتائج إيجابية، إذ ازدادت أعداد الغواناكو بشكل كبير".
ويضيف لويس إمونز، الباحث في معهد سميثسونيان في واشنطن: "إريكا مؤثرة إلى أبعد الحدود، وشجاعة جداً. لقد حافظت على الغواناكو بجهدها الشخصي. باشرت برنامج الحماية وأقنعت السكان المحليين بالإقلاع عن صيد الغواناكو كلياً تقريباً. فالحماية لا يمكن فرضها من الخارج. إنها تنجح فقط إذا رأى الناس أنهم إذا تركوا المناطق المحمية بسلام ازداد عدد الحيوانات، وإذا تركوا أشجاراً ازدادت كمية المياه التي يحصلون عليها. من المهم فعلاً تدريب السكان المحليين جيداً بحيث يفهمون هذه الأمور. وقد دربت إريكا كثيرين. من الصعب قيام امرأة قائدة في بوليفيا. لكن الناس يصغون إليها. إنها رائعة في التعامل مع الناس، وهي لا تسمح لشيء بأن يوقفها".
تعاون الدول الثلاث
التزام كويلار حماية غران شاكو بمساعدة السكان المحليين أهَّلها للفوز بجائزة رولكس للمبادرات الطموحة عام 2012. وسوف تمكنها المنحة المالية البالغة 105 آلاف دولار من توسيع برنامجها التدريبي في غران شاكو إلى داخل الأرجنتين والباراغواي، ناسجة شبكة من المواطنين العاملين على حماية بيئتهم.
نجاح كويلار يشجع الحكومات الثلاث المتشاركة في تحمل مسؤولية غران شاكو على العمل معاً بأساليب جديدة. وهذا تحد صعب في منطقة متنازع عليها منذ أكثر من قرنين، حيث أزكت المصالح الأجنبية عداوات للسيطرة على هذه الأراضي الجافة. وفي السنوات الأخيرة، أدت فورة زراعة محاصيل الوقود الحيوي الى تسريع زوال الغابات في أجزاء من غران شاكو، ما جعل حملة كويلار أكثر إلحاحاً.
وحيثما أخفق السياسيون، ترى كويلار أن السكان المحليين، إذا دعمتهم حكومات المنطقـة، يمكنهم اتبـاع نمط حياة مستداماً وحماية بيئتهم الفريدة وما فيها من نبات وحيوان. وهي تريد أن يؤدي "مساعدو علماء الأحياء" هؤلاء دوراً رئيسياً في صنع السياسة على جميع المستويات، من القرية المحلية الى الوكالات الوطنية المسؤولة عن الحماية. هذه المشاركة سوف تخلق لهم فرص عمل أيضاً.
تأمل كويلار أن يساهم برنامجها الموسع في إنشاء محميات للحياة البرية ضمن الأراضي التي تمتلكها المجتمعات المحلية، وأن يشجع الرعاة على الإدارة الصديقة للبيئة. وإذا حدث ذلك، فسوف يتوسع مدى انتشار الغواناكو وتشغل أراضي جديدة للتكاثر.
وقد بدأت كويلار تلتقي مسؤولين وعلماء في البلدان الثلاثة، تشجعها تحالفات جديدة بينها في مجال إدارة الموارد الطبيعية. وتقول: "بيئة غران شاكو تتدهور سريعاً. لكننا ما زلنا قادرين على حماية الغواناكو وما تبقى من غران شاكو إذ تعاونت البلدان الثلاثة".
الصور: Thierry Grobet Rolex Awards