طريق واسعة هادئة يجتازها المسافر قبل أن يبدأ بانحدار يقوده إلى بقعة نادرة من الأرض تتوسط وادي الأردن. يلف هذه البقعة دفء الطبيعة وحكايات التاريخ القديم. فلقد ظل البحر الميت منذ فجر الزمان يمنح الإنسان الصحة والمتعة والهدوء الساحر.
يكثر حديث الباحثين والخبراء في أيامنا عن أن هذا البحر يموت بتناقص مياهه، وهو الذي يعتبر أعمق نقطة في العالم على اليابسة، إذ ينخفض عن سطح البحر بنحو 400 متر. لكن مياهه الغنية بأملاح الصوديوم والبوتاسيوم والبرومين والمنغنيز، وموقعه وخصائصه الفريدة، قد لا تشي بذلك.
البحر الميت ليس ميتاً تماماً، لكنه في خطر. ذلك ما تشير إليه لوحتان رئيسيتان في المتحف الذي يتحدث عن وضعه ومستقبله. فقد وجد العلماء فيه 12 نوعاً من البكتيريا التي تعيش في المياه المالحة، علماً أن نسبة ملوحته تعادل عشرة أضعافها في بحار العالم.
متحف البحر الميت هو الجزء الرئيسي لمجمع «بانوراما» ذي الإطلالة الرائعة على المنطقة. وهو أحد المتاحف الفريدة في الأردن، وقد افتتح رسمياً عام 2006. ويجثم المجمع على مرتفعات الزارا، على بعد 18 كيلومتراً من البحر الميت نحو 75 كيلومتراً من العاصمة عمان. وتديره الجمعية الملكية لحماية الطبيعة.
يقول علاء مجاهد، مدير المتحف الشاب، إنه أول متحف للتاريخ الطبيعي في الأردن. وهو يروي قصة البحر الميت عبر التاريخ من خلال أربعة أقسام رئيسية، هي: أصل البحر الميت، والنظام البيئي في منطقته، والانسان في حوضه، ومستقبله.
وتتولى الجمعية تشغيل هذا الموقع السياحي وإدارته وتسويقه. ويعمل فيه أفراد من المجتمع المحلي. ويتم تطوير برامج تعليمية وثقافية تستهدف بشكل خاص طلاب المنطقة، بالإضافة إلى برنامج لحماية طبيعتها ونشر التوعية البيئية وتنشيط حركة السياحة من خلال شبكة تربط الموقع بالمواقع القريبة، ومنها محمية الموجب الطبيعية.
وقد تم تنفيذ وتشغيل مشروع الطاقة الشمسية في مجمـع بانـورامـا لتوليد الكهرباء من مصدر نظيف ومتجـدد للطاقة.
جذب سياحي واستثمار ضخم
لم يتوقف البحر الميت عن إبهار العالم منذ أقدم الأزمنة. ويقال إن المزايا العلاجية لمياهه التي تزخر بالأملاح والطين اكتشفت قبل ألفي عام. وقد أصبح مركزاً اقتصادياً تبنى عليه صناعات عدة، منها صناعة الملح والمستحضرات العلاجية والتجميلية التي يشتهر بها.
وتضج شواطئ البحر الميت بالحياة طوال العام، حيث يتوافد المواطنون والأجانب للاستمتاع بدفئه وجماله وسهولة السباحة في مياهه. وتمتد الفنادق الراقية والاستراحات على شاطئه الشرقي. وقد أصبحت المنطقة موقعاً جاذباً لسياحة المؤتمرات، مع إنشاء شبكة طرق واسعة وتوافر مختلف الخدمات والتسهيلات.
وتـوقعت شـركة تطـوير المناطق التنموية الأردنية بلوغ حجم الاستثمارات السياحية المحققة في منطقة البحر الميت خلال سنة 2012 نحو 300 مليون دينار (424 مليون دولار) توفر 1500 فرصة عمل. وتتضمن استراتيجية وزارة السياحة إقامة مزيد من المنشآت السياحية في المنطقة.
كادر
البنك الدولي: قناة البحرين مجدية
بعد سنوات من الدراسة، توصل البنك الدولي مؤخراً إلى أن من الممكن استخدام البحر الأحمر في إعادة تزويد البحر الميت بالمياه، معتبراً أن مثل هذا الربط يمكن أن يكون مجدياً. وتدور فكرة الوصل بين البحرين منذ أكثر من قرن، لكن المشروع لقي أهمية جديدة بعدما تبين أن مستواه ينخفض بمعدل يزيد على المتر سنوياً.
وذكر تقرير البنك الدولي بشأن دراسة الجدوى أن أفضل طريقة لنقل المياه من البحر الأحمر ستكون عبر خط أنابيب تحت الأرض لمسافة 180 كيلومتراً شمالاً، إلى البحر الميت الذي يقع في أدنى بقعة برية على كوكب الأرض على نحو 400 متر تحت مستوى سطح البحر. وأضاف التقرير أن التيار الناتج عن مرور المياه من مستوى مرتفع إلى مستوى منخفض سيتيح أيضاً إقامة محطات لتحلية المياه وإنتاج الكهرباء على طول المسار.
وانتقدت جماعات بيئية التقرير، محذرة من الآثار العكسية للمشروع، مثل إمكانية تغيير الطحالب والمواد المعدنية الجديدة لون مياه البحر الميت، أو تلوث ينابيع المياه العذبة في المنطقة بمياه البحر. لكن البنك وجد أن هذه الآثار السلبية "يمكن تخفيفها والسيطرة عليها إلى مستوى مقبول".
وقد أدى تحويل مياه نهر الأردن عنه لاستخدامات الزراعة والشرب الى انحسار مياهه بوتيرة متسارعة مخلفة وراءها شاطئاً صحراوياً صخرياً مليئاً بالحفر الخطرة. كما ساهمت المصانع التي تستخرج الأملاح والمياه المعدنية من البحر في تغيير شكل الشاطئ.
وتقول دراسة البنك الدولي إن القناة الواصلة بين البحرين ستمر عبر الأراضي الأردنية وتكلف نحو 10 بلايين دولار، وستنقل نحو بليوني متر مكعب من المياه سنوياً. وإذا تمت الموافقة على المشروع، فقد يتطلب الأمر نحو عشر سنين قبل بدء العمل فعلياً. وقد أقيمت مشروعات مشابهـة في كل من جنوب أفريقيا والبرازيل وفي وسط أريزونا في الولايات المتحدة.