2013 سنة الانعطاف نحو الاقتصاد الأخضر؟
غارفن جابوش (واشنطن)
هناك حقيقتان تجعلان الاستثمار في الاقتصاد المقبل الناشئ أفضل مسار إلى أداء تنافسي طويل الأجل. الأولى هي أن الإبداع يفوز دائماً، والإبداع هنا يعني تحسين المردود الاقتصادي من دون زيادة المدخلات المادية أو الرأسمالية. هذه هي ببساطة الطريقة التي تعمل بها الرأسمالية، أي اصطياد أفضل الأفكار بالمال، وقد كانت أساس الثورة الصناعية. والحقيقة الثانية أن النجاح في تخفيف أسوأ تأثيرات التغير المناخي الكارثي اقتصادياً ومجتمعياً سوف يوفر نفقات هائلة، ويتيح فرصاً استثمارية إنتاجية، ويشكل حافزاً اقتصادياً لا يثمن.
منذ أكثر من عقد، وقبل أن نؤسس «غرين ألفا» الاستشارية أنا وشريكي جيريمي ديمز عام 2007، ونحن نتساءل متى سيختمر الوعي الشعبي لهاتين الحقيقتين. لا أزعم أننا حققنا ذلك حتى الآن، لكنني أستطيع القول إننا نلاحظ بالتأكيد تحولاً كبيراً في لهجة الصحافة العصرية والنقاد حول موضوع اقتصاد الاستدامة. وقد دفعني الاقتصادي الأخضر طوم كونراد إلى التفكير في هذه الأمور عندما طلب مني ومن استشاريين ومديرين ماليين آخرين أفكاراً حول سنة 2013، لمقال كان يحضره لمجلة «فوربس» حول الموضوع. فكلما فكرت في صياغة جواب، زاد إدراكي لمدى الزخم الذي لاحظته خلال الربع الأخير من العام الماضي. ولإعطاء فكرة عما أعنيه، سوف أعرض هنا مبادرات لبعض المؤسسات الذكية التي وضعت رؤية لاقتصاد مقبل وراحت تعمل لتحقيقه، بحيث يزدهر المجتمع من دون أن يتجاوز قدرات الطبيعة على الاحتمال أو يهدد أسس الاقتصاد العالمي.
● تقرير PricewaterhouseCoopers الصادر في تشرين الثاني (نوفمبر) 2012 بعنوان «هل فات الوقت لدرجتين؟» ينص صراحة على أن «الوقت حان من أجل التخطيط لعالم أكثر سخونة»، فإذا أراد العالم أن يحصر ارتفاع معدل الحرارة في درجتين مئويتين (3,6 درجات فهرنهايت) فعليه البدء بإبطاء انبعاثاته من ثاني أوكسيد الكربون بنسبة 5,1 في المئة كل سنة من الآن حتى سنة 2050. لكن هذا لن يحدث، لذلك نحن بحاجة إلى اتخاذ كل ما نستطيع من خطوات تخفيفية واقعية، وكذلك التخطيط للتكيف. وإذ تأتي هذه الأرقام والتوصيات من شركة محاسبة وتدقيق معتبرة عالمياً، فإنها تحمل تحذيراً شديداً، لكنها تشير أيضاً الى مدى ضخامة الفرصة المتاحة للاستثمار.
● تقرير المجلس الوطني للبحوث في الولايات المتحدة حول تغير المناخ والأمن الوطني، بعنوان «المناخ والإجهاد الاجتماعي: مضامين للتحليل الأمني»، الذي نشر في تشرين الثاني (نوفمبر) 2012، «تم إعداده بناء على طلب الاستخبارات الأميركية». وهو يلقي نظرة ثاقبة على النتائج الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لتغير المناخ. وينص جزئياً على أنه «من الناحية العملية، يعني تغير المناخ أن أعباء ضخمة للتكيف سوف تُفرض على جميع المجتمعات، وأن اضطرابات مناخية حادة غير معتادة سوف تحدث في أجزاء من العالم خلال العقد المقبل، وسوف تزداد تكراراً وحدَّة بعد ذلك. وثمة سبب وجيه لتوقع حدوث إخفاقات محددة في التكيف، تكون لها نتائج أكثر حدة من أي وقت مضى، ما يستدعي تدخلاً دولياً أضخم وأوسع نطاقاً مما كان متوقعاً أو مخططاً حتى الآن». وعندما يحصل هذا «التدخل الدولي الأضخم والأوسع نطاقاً»، فسوق يعني مزيداً من الفرص للشركات كي تقدم حلولاً. وفي هذه الحالة بالذات، يأتي الدافع الى التحول الاقتصادي من جماعة الأمن والاستخبارات. وكلما تباينت الأصوات التي تحث على التحول، أصبحنا أقرب الى انعطاف شعبي.
● البنك الدولي حذر أيضاً في تشرين الثاني (نوفمبر) 2012 من أن العالم على مسار سخونة مقدارها أربع درجات مئوية (7,2 درجات فهرنهايت) إذا لم يبدأ تخفيف الانبعاثات على الفور. وأكد أن هذه الزيادة في السخونة قد تنهك الاقتصاد العالمي، لافتاً على وجه الخصوص إلى «تحمض المحيطات» و«موجات السخونة القصوى» و«انخفاض المحاصيل الزراعية» و«مخاطر على نظم دعم الحياة البشرية». وأكد البنك في ختام التقرير على الحاجة الملحة إلى «زيادة الدعم للتكيف والتخفيف والنمو الأخضر والتنمية الذكية مناخياً».
● شركة MidAmerican Renewables ضخت أموالاً طائلة في مشاريع الطاقة المتجددة. وبالاضافة الى 11 بليون دولار تم استثمارها في طاقات متجددة خلال العام الماضي، أعلنت الشركة مؤخراً أنها تستثمر 2,5 بليون دولار إضافية لبناء محطة بقدرة 579 ميغاواط في مقاطعة لوس أنجلس. وقال المسؤول المالي في الشركة باتريك غودمان: «نعتقد أن الطاقات المتجددة هي الاستثمار الأفضل حالياً». أما مؤسس الشركة وارن بوفيت، الذي لا يستثمر كل هذا المال لمجرد أن يكون «أخضر»، فيلخص الفرصة السانحة كما يأتي: «سوف تتبع ذلك مشاريع رياح وشمس كثيرة أخرى، هذا شبه مؤكد».
● وزارة الدفاع الأميركية، التي تهتم أولاً بالأمن القومي وثانياً بالنفقات وتقليدياً لا تهتم كثيراً بالبيئة، وضعت مع ذلك أهم لائحة عرفتها الولايات المتحدة لمبادرات الطاقة المتجددة والنقل الأنظف والعديم الانبعاثات. لماذا؟ قال رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميرال دنيس ماكغين: «في النهاية، عندما نكتسب كفاءة في توليد مصادر طاقة مستدامة ومتجددة، فإننا كدولة نبني قوانا واستقرارنا الوطني». ما المدى الذي ستبلغه القوات المسلحة في هذه المشاريع؟ «إن وزارة الدفاع مهيأة لتصبح المحرك الأهم لثورة التكنولوجيا النظيفة في الولايات المتحدة»، بحسب كلينت ويلوك رئيس مؤسسة بايك للأبحاث الرائدة في مجال الطاقة المتجددة.
● ميونيخ ري، الشركة العالمية لإعادة التأمين، أصدرت تقارير مهمة حول المخاطر الاقتصادية لتغير المناخ. فقطاع التأمين ملزم بدفع تعويضات كلما حدثت كارثة مناخية، وقد طفح كيله. وأعلنت ميونخ ري في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي: «على المدى الطويل، يعتقد أن تغير المناخ الناجم عن النشاطات البشرية سيكون محركاً مهماً للخسائر... وهو يؤثر خصوصاً في تكوّن موجات الحر والجفاف والعواصف الرعدية، وعلى المدى البعيد في شدة الأعاصير الاستوائية».
● وكالة رويترز نشرت مقالاً يشرح لماذا نحتاج الى الاستثمار في ميدان تغير المناخ، «فسواء كنت تؤمن بتسبب الإنسان في الاحترار العالمي أم لا، لا يسعك أن تنكر أن تريليونات الدولارات سوف تنفق على تكنولوجيات لمعالجة الضرر الناجم عن تغير المناخ». نحن مقتنعون بأن المناخ يتغير، لذلك نعتقد بضرورة صرف هذه الدولارات على تكنولوجيات التخفيف والتكيف الملائمة، حتى بسرعة أكبر مما تفترض رويترز.
● منظمـة i350.org أطلقت حملـة «خـال من الوقـود الأحفوري». وقد بدأت الحملة تلقى تجاوباً. ونشرت المنظمة على موقعها الإلكتروني أن «عمدة سياتل مايك ماكغين أرسل كتاباً إلى صندوقي التقاعد في المدينة مؤخراً يطلب منهما رسمياً الامتناع عن الاستثمار في شركات الوقود الأحفوري وبدء عملية انتزاع استثماراتنا التعاقدية من هذه الشركات».
● القطاع المصرفي، البطيء التغير، يبدي علامات تآلف مع هذا الواقع. وقد أوردت صحيفة «نيويورك تايمز» على موقعها الالكتروني أدلة على «تغير الطقس في وول ستريت»، وذلك إلى حد بعيد نتيجة الإعصار ساندي الذي ضرب شارع وول ستريت وبورصته مباشرة. لكن، بالاضافة الى ذلك، «الحجة الجديدة الأخرى اقتصادية. فحتى هذه السنة كان للحساب السياسي حول تغير المناخ جانب واحد فقط، وقد حرصت شركات النفط والفحم على أن يعلم الجميع تكاليف مواجهة تغير المناخ. لكن أناساً قليلين أشاروا الى تكاليف عدم المواجهة، ولم يعد في الامكان تجاهلهم الآن».
لقد بدأ الرأي العام يتغير فعلاً. فبحسب تقرير «الدعم الجماهيري لسياسات المناخ والطاقة» الذي أصدرته جامعة ييل في تشرين الثاني (نوفمبر) 2012، «فان غالبية كبيرة من الأميركيين (77%) تعتبر أن الاحترار العالمي يجب أن يكون أولوية «عالية جداً» (18%) بالنسبة الى الرئيس والكونغرس، أو «عالية» (25%) أو «متوسطة» (34%)، في حين يقول واحد من أربعة (23%) إنه يجب أن يكون أولوية منخفضة».
ثمة اتجاهات إضافية عديدة تأخذ مجراها الآن، وقد تكون لها تأثيرات كبيرة على شركات الطاقة المتجددة وقيمة أسهمها خلال سنة 2013. وأهمها الأدوات الجديدة الناشئة للاستثمار الرابح في إيرادات محطات الطاقة الشمسية والريحية الكبيرة، وتحديث البنية التحتية لاستيعاب شركة كهرباء ذكية صديقة للطاقات المتجددة، خصوصاً حيث تضررت الشبكات (كما حدث بعد الإعصار ساندي). ويتيح كل من هذين الاتجاهين فرصاً وسبلاً جدية للاستثمار.
لكن، بالنسبة إلينا، فان الاتجاه الأكثر إثارة للإهتمام في الاقتصاد الكلي هو ببساطة أن الاقتصاد الأخضر بات يبدي دلائل على اقترابه من نقطة انعطاف جدية نحو السير في تيار الوعـي الجارف.
ونظراً إلى ما نعاينه، يبدو واضحاً أن الوقت هو الآن.
غارفن جابوش هو أحد مؤسسي شركة Green Alpha Advisors الاستشارية المختصة بشؤون الاستثمار، ومدير مؤشر GANEX لاقتصاد المستقبل، ومدير Sierra Club Green Alpha Portfolio