المجلس الحاكم لبرنامج البيئة أصبح جمعية عمومية
«يونيب» يجدد شبابه
الزئبق والكيماويات الصناعية على رأس المفاوضات الدولية، وذوبان الجليد يهدد حركة الملاحة العالمية، وثلث غذاء العالم في القمامة بسبب سياسات العالم الغربي. هذه من أبرز المحاور التي تمت مناقشتها في اجتماع المجلس الحاكم لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة والمنتدى البيئي الوزاري العالمي في نيروبي
محمد أمين ـ «البيئة والتنمية» (نيروبي)
يقولون إن الخطوات الأولى لأي طفل غالباً ما تكون الأبطأ والأصعب، إلى أن تتحسن الأمور تدريجاً بالممارسة ومرور الوقت. وبالمثل يمكن تشبيه حال الدورة السابعة والعشرين للمجلس الحاكم لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة (يونيب) التي عقدت في نيروبي من 18 إلى 22 شباط (فبراير).
فهذه الدورة التي حملت شعار «ريو+20 من النتائج إلى التنفيذ» كانت بالفعل سعياً حثيثاً لتحويل توصيات ريو إلى واقع ملموس، رغم صعوبات العمل والتنسيق، وخاصة مع تضاعف عدد أعضاء المجلس الحاكم من 58 عضواً تنتخبهم الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى 193 دولة تشكل كامل أعضاء المنظمة الدولية. وقد حضر منهم مندوبو 147 دولة. وطوال أسبوع كامل ظلت حركة الوفود تدب بين القاعات ولجان العمل نهاراً وليلاً سعياً للاتفاق على مستقبل «يونيب»، الأمر الذي أطال انتظار توصيات اجتماعات المجلس الحاكم حتى الساعات الأخيرة من اليوم الختامي للمؤتمر.
على المستوى التنظيمي، قررت الدول تحويل مسمى «اجتماعات مجلس حكام يونيب» إلى «جمعية الأمم المتحدة العمومية للبيئة في يونيب» United Nations Environment Assembly of UNEP، على أن يعقد أول اجتماعات هذه الجمعية الوليدة السنة المقبلة في نيروبي. وبالتالي، فإن ولاية رئيس مجلس الإدارة المنتخب الدكتور حسن عبدالقادر هلال، وزير البيئة السوداني، ستكون لمدة سنة واحدة وليس سنتين كما يُفترض.
ويرى خبراء أن أهم ما في هذا التشكيل الإداري الجديد أنه يجعل قرارات جمعية يونيب نافذة دونما حاجة الى التصديق عليها في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. كما أنه يساهم في توطيد دور يونيب كبرنامج معني بتشكيل السياسات البيئية الدولية بناء على مخرجات البحوث العلمية، وتلك كانت واحدة من أهم توصيات قمة ريو+20.
وفي ما يتعلق بالشق المالي، ساهمت قرارات ريو+ 20 في زيادة الموازنة المخصصة ليونيب من 0,25 في المئة إلى 1,2 في المئة من مجمل موازنة الأمم المتحدة لسنة 2014، الأمر الذي يلبي الحاجة الملحة إلى سد العجز المالي ليونيب وتمويل الأبحاث والفعاليات.
وخلال كلمته الختامية، أوضح المدير التنفيذي ليونيب أخيم شتاينر أن وزراء البيئة سعوا لتفعيل وثيقة ريو التي تحمل عنوان «المستقبل الذي نريده»، من خلال دعم وتعزيز العديد من المشاريع والمبادرات. ومنها دعم 30 دولة للتحول نحو الاقتصاد الأخضر، وتعزيز السياسات البيئية المبنية على البحوث العلمية، إضافة الى تدعيم القوانين البيئية إزاء القضايا الملحة، ودعم مشاريع الطاقة المتجددة.
ومن القرارات الهامة التي تم تأييدها في الجلسة الختامية تأسيس مركز وشبكة تكنولوجيا المناخ (CTCN) ليكون الذراع العلمي والتكنولوجي للاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة بشأن تغير المناخ. كما تم التصديق على إطار العمل العشري لتطوير أنماط الاستهلاك والإنتاج المستدامة (10YEP)، وهو أحد البرامج الهادفة لفصل النمو الاقتصادي عن استهلاك الموارد الطبيعية، مع تحفيز الدول ومؤسسات المجتمع المدني على تبني سياسات ومبادرات الاقتصاد الأخضر.
وفي ما يتعلق بملف المواد الكيميائية، أوصى اجتماع المجلس الحاكم بعقد مؤتمر دولي في اليابان في شهر تشرين الأول (أكتوبر) المقبل للتصديق على اتفاقية الحد من استخدامات الزئبق، الذي ما زال يستخدم في المجالات الصناعية والطبية وأثبتت الدراسات مخاطره الكبرى على الصعيدين الصحي والبيئي.
ويذكر أن المجموعة الأوروبية وبعض الدول الأفريقية بزعامة كينيا حاولت تفسير قرار ريو بترقية المستوى التمثيلي ليونيب وتوسيع صلاحياته على أنه تحويل للمنظمة الى «وكالة متخصصة». وهذا يعني استقلالها عن الجمعية العمومية للأمم المتحدة وقطع التمويل من ميزانية الأمانة العامة وحصره بمساهمات الدول الأعضاء. غير أن الولايات المتحدة التقت مع آخرين في معارضة هذا التوجه كلياً، على اعتبار أن فتح باب العضوية لجميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة مع زيادة مساهمة الأمانة العامة تدبير كافٍ لتقوية البرنامج مع احتفاظه بقدرته على التنسيق بين هيئات الأمم المتحدة المختلفة، لأن البيئة ليست موضوعاً مختصاً مثل الصحة والزراعة، بل تتقاطع فيها اختصاصات عديدة.
مستحضرات التجميل تحت الشبهة
أعلن فريق بحثي دولي على هامش المؤتمر رصد عدد من المخاطر الكبرى لسلسلة من المركبات الكيميائية التي تؤثر بشكل ملحوظ على الغدد الصماء في جسم الإنسان، خاصة في مرحلتي تكون الأجنة والبلوغ. وأوضح الدكتور أكي برغمان، الأستاذ في جامعة استوكهولم والباحث الرئيسي للدراسة، أن تقدماً طفيفاً تحقق على المستوى البحثي برصد بعض آثار هذه المركبات الكيميائية المتوفرة في كل ما يحيط بنا من منظفات ومبيدات وأجهزة إلكترونية وحتى في مستحضرات التجميل. وأضاف أنه، في الوقت الراهن، هناك اشتباه في تأثير نحو 800 مركب كيميائي مختلف على الغدد الصماء وإحداثها خللاً في إفرازات الهورمونات الجنسية أو هورمونات النمو، ما يزيد احتمالات الإصابة بالعديد من الأمراض التي ما زالت مجهولة الأسباب، مثل سرطان الثدي وسرطان البروستات ومرض السكر وبعض الإعاقات الذهنية وانخفاض أوزان المواليد وانخفاض معدلات الخصوبة لدى الرجال.
وباستبعاد المسببات الوراثية، أظهرت معظم المؤشرات العالمية ارتفاع نسب الإصابة بهذه الأمراض خلال العقود الأخيرة التي انتشرت خلالها معدلات التعرض للكيماويات بمستويات مرتفعة. وكان تقرير يونيب السنوي نبه إلى ضآلة حجم المعرفة بالمخاطر البيئية للكيماويات الصناعية المستخدمة عالمياً. فمن بين 95 ألف مركب كيميائي تم رصد مخاطر 2600 مركب فقط من حيث السمية، مما يتطلب مزيداً من الجهود الدولية والأبحاث.
ثلث غذاء العالم في القمامة
حظيت قضية إهدار الطعام باهتمام قطاع كبير من المشاركين في المؤتمر، خاصة بعدما أظهرت تقارير يونيب ومنظمة الأغذية والزراعة (فاو) إهدار ثلث المنتجات الزراعية والغذائية التي ينتجها العالم. وحذر البريطاني تريستان ستيوارت من أن العالم يخسر سنوياً 1,3 بليون طن من المنتجات الغذائية لأسباب عديدة، من أهمها اشتراط سلاسل المتاجر في الدول الغربية على مزارعي الدول النامية أن تكون الخضر والفواكه التي يتم استيرادها ذات معايير قياسية محددة ومواصفات شكلية. وهذا يدفع المزارعين إلى تحويل مئات آلاف الأطنان المرفوضة علفاً للحيوانات وسماداً للأرض، حتى إن كانت صالحة للاستهلاك البشري.
وسعياً لجذب اهتمام الحاضرين لهذه القضية المهمة، التي تتطلب تغيير قوانين تصدير المنتجات الغذائية وزيادة وعي المستهلك العالمي، دعا ستيوارت وزراء البيئة والوفود الرسمية وممثلي يونيب والمؤسسات الدولية إلى حفل عشاء، وأطعمهم أطباقاً معدة من 2000 طن من الخضر والفواكه التي أنتجتها المزارع الكينية ورفضتها الأسواق الأوروبية بسبب عامل المواصفات الشكلية.
مسار جديد للملاحة العالمية
من القضايا الأخرى التي طرحت على هامش المؤتمر أثر ذوبان الجليد في القطب الشمالي على حركة الملاحة العالمية، وتحديداً في قناتي السويس وبناما، وهو ما تضمنه فصل كامل في تقرير يونيب السنوي. وتقول الدكتورة تيسا جفريز، المحررة الرئيسية للتقرير، إن معدل ذوبان الجليد في القطب الشمالي تضاعف باطراد خلال السنوات الأخيرة كأحد توابع التغير المناخي، ما أدى إلى فتح الطريق لملاحة بحرية خلال أشهر الصيف لتربط أوروبا بآسيا، وهي أقصر بنسبة 35 الى 60 في المئة من مسار الملاحة التقليدي. وهذا يعني أن المسار الجديد سيؤثر على حركة التجارة الملاحية والخدمات اللوجستية في البحر المتوسط ودول جنوب شرق آسيا، وعلى عدد السفن التي تمر عبر قناة السويس.
في العام 2011 عبرت 30 سفينة ما بين الدول المحيطة بالقطب الشمالي. وفي العام 2012 عبرت أول سفينة صينية هذا المسار الملاحي. وطبقاً للتقرير، فخلال العامين الماضيين سنت روسيا قانوناً لتعزيز حركة الملاحة التجارية عبر المسار الجديد، وتعهد الرئيس الروسي بوتين زيادة هذه الحركة 40 ضعفاً بحلول سنة 2020. إضافة إلى ذلك، أظهر التقرير تضاعف الرحلات البحرية السياحية إلى القطب الشمالي. كما أشار إلى الاهتمام المتزايد لشركات البترول في هذا الإقليم، حيث تشير دراسات إلى أنه يحوي 30 في المئة من المخزون العالمي للغاز الطبيعي و13 في المئة من المخزون العالمي للبترول الذي لم يستغل بعد.
كل هذه الأنشطة الملاحية والتعدينية ستزيد انبعاثات الكربون في منطقة القطب الشمالي وتقضي على المساحة المتبقية من الجليد، وسيكون لها الأثر الكبير على ارتفاع مستوى سطح البحر وغرق الشواطئ.
العرب... حضور رسمي ضعيف
وسط هذا الاهتمام الدولي الكبير، بدا الحضور العربي لفعاليات المؤتمر ضعيفاً جداً. واكتفت الحكومات العربية بالتمثيل الصامت في غالب الجلسات وغرف النقاش. وباستثناء مشاركة مصر والمغرب، بدا الحضور العربي بلا أجندة محددة أو مقترحات مؤثرة حول مستقبل يونيب. ونشط وفد المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) في الاجتماعات والمفاوضات. كما نظم طاولة مستديرة حضرتها مجموعة كبيرة من المندوبين، قدم خلالها تقريره حول البصمة البيئية في الدول العربية، وتحدث فيها وزير البيئة والمياه الإماراتي الدكتور راشد بن فهد ووزير البيئة الفلسطيني الدكتور يوسف أبوصفية.
كما عقدت جمعيات أهلية في المنطقة العربية جلسة خاصة بعنوان «قصص خضراء من غرب آسيا»، للتعريف بالأنشطة والفعاليات التي تقوم بها تلك الجمعيات من سورية والبحرين والإمارات والسعودية في مجال البيئة والشباب والتنمية المستدامة والتوعية. وتم خلالها عرض فيلم وثائقي لـ «أفد» حول تجارب عربية ناجحة في التحول الى الاقتصاد الأخضر. وقالت آمنة بحيري، الممثلة الإقليمية عن الجمعيات الأهلية لمكتب يونيب الإقليمي في غرب آسيا، إن عدداً من المنظمات الأفريقية طلبت التواصل والتوأمة وتبادل الخبرات مع جمعيات عربية مشاركة في المؤتمر، مضيفة: «رغم ضعف الإقبال العربي، إلا أننا نسعى كل عام للتغلب على هذه المشكلة وفتح أبواب للتواصل، سواء بين الجمعيات العربية أو مع صناع القرار في العالم العربي».
وعن أهم المقترحات التي طرحها العرب للتعاون مع يونيب، قال الدكتور جمال الدين جاب الـله، مدير إدارة البيئة والتنمية المستدامة والوزير المفوض في جامعة الدول العربية، إن من المقرر عقد عدد من ورش العمل في البلدان العربية لتعريف الخبراء بمخاطر الزئبق، إضافة الى أنشطة أخرى متعلقة بالتنمية المستدامة والاقتصاد الأخضر. وأضاف أنه خلال لقاء المجموعة العربية بمدير يونيب التنفيذي تم بحث سبل إجراء عدد من الدراسات حول الوضع البيئي في ليبيا وما نتج عن أعمال العنف والصراعات على مدار قرابة عامين من كوارث في التربة والمياه وغيرها، إضافة إلى دعم المراكز الإقليمية للكيماويات والنفايات في البلدان العربية مثل مركز بازل في القاهرة ومركز استوكهولم في الكويت ومركز روتردام في الجزائر.
وطالبت المجموعة العربية بإعادة تقييم الوضع البيئي في قطاع غزة بناء على الدراسة التي أجراها يونيب عام 2007، وتشكيل لجنة مشتركة من يونيب والجامعة العربية وفلسطين لبحث سبل خفض الملوثات البيئية الناتجة عن الغارات ا