يعتبر نقص موارد المياه وتردي نوعيتها القضية البيئية الرئيسية في الأردن، ومسألة تتعلق بالأمن القومي والاجتماعي والاقتصادي. فالأردن يقع في منطقة شبه جافة تتصف بشح الأمطار وسرعة التبخر وقلة جريان المياه السطحية واستنزاف المياه الجوفية وغياب الموارد غير التقليدية للمياه. ويصل معدل تساقط الأمطار إلى 600 مليمتر سنوياً، يتبخر منها ما يزيد على 85%، وينساب الباقي في شكل فيضانات وسيول، وتخترق كميات قليلة طبقات التربة لتغذية الينابيع وأحواض المياه الجوفية.
بينت إحصائيات أجريت قبل أسابيع أن الاردن يستهلك 1021 مليون متر مكعب من المياه سنوياً. ويتوقع أن يرتفع الطلب إلى 1299 مليون متر مكعب سنة 2005 وإلى 1626 مليوناً سنة 2020. ويصل معدل طاقة مصادر المياه المتجددة والقابلة للتطوير الى 780 مليون متر مكعب سنوياً، منها حوالى 505 ملايين مياه سطحية و275 مليوناً مياه جوفية. يضاف إلى ذلك مخزون مائي عذب غير متجدد في حوض الديسي جنوب الأردن بحدود 140 مليون متر مكعب سنوياً. ويتم استخدام 69% من المياه للزراعة، و27% للأغراض المنزلية والشرب، و4% للأغراض الصناعية.
وفي تحليل الوضع المائي الأردني لعام 2001، يقدر العجز المائي بنحو 19% في فصل الصيف و13% على مدار العام. وتبلغ الاحتياجات المنزلية 300 مليون متر مكعب يتوفر منها 259 مليوناً، بينما تبلغ احتياجات الري 206 ملايين متر مكعب والمتاح هو 156 مليونا. وبلغ مستوى التخزين في السدود عام 2000 حوالى 160 مليون متر مكعب، أي ما يقارب 33% من مجموع طاقاتها التخزينية، مما يستدعي تقنين ري المزروعات خلال الصيف ما بين 30% و50%. وبلغ استهلاك الصناعات الرئيسية (فوسفات، بوتاس، أسمدة، اسمنت…) حوالى 40 مليون متر مكعب من آبارها الخاصة، أما الصناعات المعتمدة على شبكة المياه المنزلية فستواجه عجزاً مقداره 13%.
استهلاك يفوق التغذية
بهدف تأمين الحد الأدنى من احتياجات المملكة من مياه الشرب، التي تقدر سنوياً بـ300 مليون متر مكعب، تعتمد الحكومة على تنفيذ مشاريع مائية سريعة وانتقالية، أهمها مشروع الكوريدور غرب عمان الذي يؤمن 10 ملايين متر مكعب سنوياً، ومشروع اللجون الذي يؤمن 11 مليوناً منها 8 ملايين للعاصمة، وتحلية مياه حسبان التي تؤمن 30 مليوناً، وتحلية مياه العقبة التي يتوقع أن تؤمن 40 مليون متر مكعب. وهناك مشاريع مائية استراتيجية، أهمها مشروع الديسي الذي ينتظر أن يؤمن 100 مليون متر مكعب سنوياً وعلى مدى يتراوح بين 50 و100 عام، ولكن بكلفة عالية جداً تصل إلى 440 مليون دينار (الدينار 1,4 دولار) لبناء خط ناقل من الديسي إلى عمان بطول 310 كيلومترات. وهناك أيضاً مشروع سد الوحدة مع سورية، باعتباره يؤمن 225 مليون متر مكعب بكلفة 140 مليون دينار، لكنه ما زال يحتاج إلى قرار سياسي واضح لتبنيه.
ومن المشاكل المائية الكبرى في الأردن فاقد مياه الشرب في الأنابيب، الذي يصل إلى 54%، مما يعنى إضاعة 150 مليون متر مكعب سنوياً. ومنذ تمت خصخصة شركة المياه، كان إصلاح الأنابيب المائية أولوية، ولكن يجري العمل عليه ببطء حتى الآن. وتبقى مشكلة الضخ الجائر للآبار الجوفية الذي يؤدي إلى استنزافها، اذ يتجاوز الضخ معدل التغذية الطبيعي ويصل إلى 200%، ما يؤدي إلى ارتفاع ملوحة الآبار ويجعلها غير صالحة للري والشرب.
في المحصلة، تبقى حصة الفرد الأردني من المياه قليلة جداً، وتصل في أحسن الأحوال إلى 250 متراً مكعباً في السنة. وهذا أقل بكثير من خط الفقر المائي المتعارف عليه دولياً والذي يبلغ 1000 متر مكعب سنوياً. وتتناقص حصة الفرد مع الزيادة السكانية، باعتبار أن موارد المياه شبه ثابتة وكانت حصة الفرد تبلغ 2000 متر مكعب سنوياً في أوائل الخمسينات.
حوض الديسي وقناة البحرين
مشكلة المياه في الأردن ذات عدة أبعاد. فمن جهة، الشح الطبيعي يضعه في مصاف الدول الفقيرة بمصادرها المائية الطبيعية. ومن ناحية أخرى، التزايد الكبير وغير الطبيعي للسكان، الناجم عن التوتر السياسي في المنطقة وهجرة ثلاث دفعات من اللاجئين إلى الأردن أعوام 1948 و1967 و1990، والتضاعف الكبير في عدد السكان، ساهم في زيادة الطلب على المياه، فاختلت معادلة الطلب مقابل المتوفر. عندما استقل الأردن عام 1946، كان عدد السكان 350 ألف مواطن تصل مدة تضاعفهم إلى 20 سنة. ولو ترك النمو السكاني طبيعياً لوصل عدد السكان إلى 2,6 مليون مواطن عام 2000 بدلاً من 5,5 ملايين.
وتحاول الحكومة تنفيذ بعض الحلول الآنية والاستراتيجية لمشكلة نقص المياه. أهم هذه المشاريع هو مشروع جر مياه حوض الديسي إلى عمان. فثمة إجماع بين خبراء المياه على أن مخزون هذا الحوض يسد العجز المائي لأغراض الشرب في المملكة. وقد تفاوتت التقديرات المتعلقة بكميات المياه المخزونة في هذه الطبقة المائية من دراسة إلى أخرى، لكنها تشير إلى أن المخزون يتيح ما بين 60 و110 مليون متر مكعب سنوياً ولفترة تزيد على 50 عاماً، وباعتبار مياه هذه الطبقة غير متجددة نظراً لانقطاع التغذية عنها بسبب تغير الظروف الهيدرولوجية. وفي العام 1996 تم إعداد دراسة الجدوى الاقتصادية والفنية والبيئية والتمويلية لمشروع سحب المياه من الديسي إلى مناطق الوسط. ووفقاً لهذه التصاميم، فإن المشروع سيوفر سنوياً حوالى 100 مليون متر مكعب من المياه ذات الجودة العالية التي لا تتجاوز ملوحتها 250 جزءاً بالمليون، ولمدة 20 عاماً، مما يساهم في سد احتياجات بعض المناطق الجنوبية والوسطى بما فيها العاصمة عمان.
يأتي ذلك في ظل تراجع فرص تنفيذ مشروع قناة البحرين، بين البحر الأحمر ـ البحر الميت، الذي يقول بعض خبراء المياه انه الخيار المائي الاستراتيجي للأردن. لكن بالرغم من العبقرية التقنية والعلمية التي يمثلها هذا المشروع، فمن الصعب تنفيذه. فقد جرى البحث عن ممولين منذ بداية مفاوضات مدريد 1991، باعتبار أن السلام هو المتطلب الرئيسي قبل تنفيذه. إلا أن تردد الممولين في استثمار ثلاثة بلايين دولار في مشروع يقع على أرضية مضطربة سياسياً وجيولوجياً جعله أقرب إلى المستحيل.
وتعتمد فكرة القناة على ميلان الجاذبية، حيث سيتم ضخ المياه من البحر الأحمر إلى البحر الميت في قناة تتخللها عدة محطات لتحلية المياه وانتاج الطاقة الكهربائية. هكذا تتحول منطقة وادي عربة إلى منطقة زراعية ويعود منسوب مياه البحر الميت إلى سابق عهده. لكن لاسرائيل نظرتها الخاصة وتعريفها المختلف لقناة البحرين، ففي أيديولوجيا الصهيونية التوسعية فكرة قناة بين البحرين تعتمد التقنية ذاتها، لكنها تربط بين البحر المتوسط والبحر الميت، وهو مشروع أثبتت دراسات الجدوى مدى إضراره بالزراعة في وادي الأردن.
تحلية مياه البحر
من أهم مظاهر سوء الإدارة المائية في الأردن مشكلة الضخ الجائر من الآبار الجوفية. ويبلغ معدل الاستخراج الآمن 275 مليون متر مكعب سنوياً، في حين بلغ مجموع الضخ عام 1997 حوالى 485 مليون متر مكعب. وهناك نحو 400 بئر غير مرخصة تضخ حوالى 25 مليون متر مكعب سنوياً، و800 بئر من أصل 1650 بئراً يزيد الضخ منها عن 100 ألف متر مكعب سنوياً.
الخيار الأخير هو تحلية مياه البحر. وتتراوح كلفة المتر المكعب من مياه البحر المحلاة بين 1,18 و1,50 دولار. وإذا أضفنا إلى ذلك كلفة نقل المياه إلى عمان مثلاً، فإن السعر قد يتضاعف. ولذلك لا تعتبر تحلية مياه البحر خياراً مجدياً لتأمين مياه الشرب، لكنها قد تكون مفيدة لتأمين المياه للصناعات القائمة والتي ستقام في مدينة العقبة والمنطقة الاقتصادية الخاصة، حيث أن كلفة المتر المكعب للأغراض الصناعية تصل حالياً إلى دينار واحد، وبالتالي لن يكون هناك فارق كبير في الكلفة على الصناعة في العقبة.
عموماً، ستبقى قضية موارد المياه الشغل الشاغل للأردن ودول المنطقة كافة خلال القرن الحادي والعشرين. وسوف يتطلب الأمر كثيراً من السياسات الرشيدة والخيارات الاقتصادية الصعبة والابداعات التقنية للخروج من هذه المعضلة.
كادر
أفكار استراتيجية لحل مشكلة المياه في الأردن
للوقوف على خيارات وبدائل تقنية واستراتيجية لمواجهة مشاكل المياه في الأردن، التقت "البيئة والتنمية" الدكتور طالب أبو شرار مدير معهد الأراضي والمياه والبيئة في الجامعة الهاشمية. فطرح بعض الأفكار الاستراتيجية حول تطوير إدارة الموارد المائية كحلول مستقبلية. وأهمها تخفيف الضغوط الاستنزافية على المياه الجوفية بشكل متدرج، حتى الوصول إلى مستويات الاستخراج الآمنة، خاصة في الخزانات الجوفية غير المتجددة. وفي هذا المجال، ينبغي تقييم نجاعة عمليات استخراج المياه الجوفية لغايات ري المحاصيل الزراعية. ولهذا ينصح باستخدام معايير كمية ونوعية، أهمها عدم تخريب التربة الزراعية، وعدم تخريب المياه الجوفية من خلال الضخ الجائر أو التلوث الناجم عن إعادة شحن الخزان الجوفي بمياه ملوثة بالمخلفات الزراعية الكيميائية، إضافة إلى ضرورة استخدام معيار اقتصادي لتحديد كفاءة استعمال المياه في ري المحاصيل المختلفة يحدد عدد ليترات مياه الري اللازمة لإنتاج كيلوغرام واحد من المحصول. كما ينصح بعدم استنزاف المياه الجوفية لغايات ري الأشجار المثمرة في المناطق الصحراوية، لما في ذلك من هدر كبير للموارد المائية، بسبب تطرف الصفات المكانية والمناخية مقارنة بصفات البيئة الطبيعية لتلك الأشجار.
ويرى أبو شرار ضرورة عدم استنزاف المياه الجوفية الذي يؤدي إلى نضوب المياه السطحية أيضاً. ويؤكد على أهمية توفير موارد مائية عذبة في وادي الأردن، مع تطوير كفاءة استخدام المياه في الوادي على صعيدي تقنيات الري والتركيبة المحصولية، إضافة إلى توجيه جانب من المياه العادمة المعالجة ذات النوعية المحسنة إلى الري في المناطق الجبلية، تعويضاً عن الكميات المقتطعة لغايات الإدارة المثلى للأحواض المائية الجوفية.
ولا ينصح أبو شرار باستخدام المياه المعالجة بشكل مستمر في منطقة محددة من وادي الأردن، مقترحاً أسلوبي إدارة بديلين. أولهما استخدام المياه المعالجة مدة موسم زراعي واحد في منطقة محددة من الوادي، ثم الاستعاضة عنها بمياه عذبة وتحويل المياه المعالجة إلى منطقة أخرى. وثانيهما استخدام المياه العادمة المعالجة بالتناوب مع مياه عذبة وبكيفية تجريبية لري حزمة محاصيل، ويفضل استخدام هذا الأسلوب في المنطقة الشمالية. أما في المنطقتين الوسطى والجنوبية فيمكن ممارسة الأسلوب ذاته في حالة الري بالمياه ذات النوعية المتدنية.
أما في ما يخص موارد المياه المعدنية الحارة في وادي الأردن، استغلالها لري المحاصيل في الشتاء، وأيضاً في مجالات الصناعة صيفاً وشتاء، مقترحاً عدم مزجها بمياه قناة الملك عبد الله الزراعية، لأن هذا الإجراء سيفقدها ميزتها الحرارية الفريدة.