بقلم خالد السليمان
من المقاربات الثورية تطوير تكنولوجيات ترفع الإنتاج إلى الحد الأقصى في فترات الذروة وتنقصه في فترة انخفاض الطلب، إضافة إلى تصدير الكهرباء من "القدرة النائمة" إلى بلدان تتزامن ذروة الطلب فيها مع فترة انخفاض الطلب في السعودية
تشكل استراتيجية الطاقة المستدامة في المملكة العربية السعودية حجر الزاوية لاستدامة الطاقة في المنطقة وخارجها. فضمان مستقبل أفضل لأطفالنا وأحفادنا يقتضي أن نكافح جميعاً لخلق مستقبل طاقوي عملي للجميع.
يجب أن يكون هذا الجهد جماعياً، وأن يكون الوصول الى الطاقة متاحاً على نطاق واسع، وأن تكون الطاقة معقولة الكلفة ومستدامة وتستخدم بدرجة مثلى من الكفاءة. هذه هي الخصائص التي تميز رؤية الملك عبدالله بن عبد العزيز للنظام الطاقوي المستقبلي في السعودية، الذي بلغ الذروة بإنشاء مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة. لكن هذه الخصائص مرغوبة عالمياً أيضاً.
منذ البداية، عملنا على رسم مستقبل طاقوي للسعودية، بحيث يكون مرتبطاً ومنسجماً مع النظم الطاقوية الإقليمية والعالمية، بدءاً بمنطقة مجلس التعاون الخليجي ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، امتداداً إلى منطقة الاتحاد الأوروبي. إن اقتراحنا هو اقتراح للعمل سوية، قائم على حل عملي اقتصادياً لأجل الجميع. والعمل معاً هو في الواقع لمصلحة مستقبل الطاقة في السعودية ومستقبل الطاقة للجميع.
التحدي الرئيسي الذي يواجهه قطاع الكهرباء السعودي هو أن 45 في المئة من قدرة لتوليد المركبة تبقى معطلة خلال فترة انخفاض الطلب في الشتاء وفترات من الربيع والخريف. وسبب ذلك أن التبريد يشكل أكبر مستهلك للكهرباء، بنسبة تزيد على 50 في المئة أثناء فترة الذروة. وتنقص بشكل كبير أثناء فترة انخفاض الطلب. هذا يعني أنه بحلول سنة 2030، عندما تبلغ ذروة الطلب 100 جيغاواط، فان 45 جيغاواط من الطاقة المركبة على الأقل سوف تبقى معطلة.
إحدى مقاربات التصدي لهذه المسألة هي تطوير تكنولوجيات ترفع الإنتاج الى الحد الأقصى أثناء فترة الذروة وتُنقصه أثناء فترة انخفاض الطلب. وللطاقة الشمسية هذه الصفة المميزة، وهي خيار ممتاز لتخفيف جزء من هذا التحدي. لكن لا يمكنها القيام بذلك منفردة.
لذلك، استكشفنا امكانية تصدير الكهرباء من "القدرة النائمة" أثناء فترة انخفاض الطلب، إلى بلدان تتزامن ذروة الطلب فيها مع فترة انخفاض الطلب لدينا. وأظهرت دراستنا أن الاستثمارات في الشبكة اللازمة لنقل الكهرباء المولدة في السعودية الى الاتحاد الأوروبي لا تزيد على 18 في المئة من مجمل الاستثمار اللازم لتركيب قدرة التوليد.
اذا تحقق هذا الربط القوي، فستكون الفوائد الاقتصادية الشاملة ضخمة. وإذا قمنا جماعياً بتخفيض الحاجة الى تركيب قدرة توليد بنسبة 10 إلى 20 في المئة، مع إمكانية مقايضة الطاقة جماعياً، فستكون التوفيرات هائلة. إن مقايضة الطاقة هي مجرد جانب واحد للتعاون الطاقوي، لكنه جانب مهم جداً.
هذه هي رؤية مشروع "ديزرتك"، الطامح إلى إنتاج الطاقة المتجددة في الصحارى العربية لتأمين الحاجة المحلية وتصدير الفائض إلى أوروبا. ونحن في السعودية في وضع يمكننا من دعم هذه الرؤية وجعلها تتحقق بالمشاركة مع الجميع.
النفقات والاستدامة
عملياً، لا يوجد مكان على الأرض لا يحوي مصدراً للطاقة المتجددة. إنها فقط مسألة حصاد الطاقة ونقلها وإيصالها بشكل صحيح واقتصادي. هذه فذلكة أساسية لمضامين عميقة: الطاقة، بشكل أو بآخر، متوافرة بكثرة في طبيعتها الخام، سواء أكانت أشعة شمسية أو عصف رياح أو تيارات بحرية.
أشعة الشمس هي أساساً عديمة النفقات. لكن إذا لم يطور أحد البلدان نظامه الخاص بحصاد الطاقة الشمسية، أو جزءاً جوهرياً منه، فيكون في الواقع مستورداً للطاقة الشمسية. ومن حسن الحظ أن إتاحة نظم حصاد الطاقة بكلفة معقولة ليس أمراً صعباً جداً. وسبب ذلك في الأساس أن جزءاً كبيراً من كلفة نظم حصاد الطاقة الشمسية هو في الخدمات، بما في ذلك التصميم والهندسة والمشتريات والإنشاء والتركيب والتشغيل والصيانة.
وبالنسبة الى السعودية، أظهر تحليلنا أن في امكاننا توطين أكثر من 85 في المئة من سلسلة متطلبات القدرة الطاقوية المتجددة في البلاد خلال السنوات العشرين المقبلة.
ومن الطبيعي التفكير في الاستدامة على أنها مرادفة لمفاهيم العناية بالبيئة، والتنمية البشرية، والحيوية الاقتصادية. لكن الاستدامة تعني أكثر في ذلك. فاذا تم تطوير سلسلة المتطلبات المحلية بالشكل المناسب، فان الاستدامة تعني هنا "أمن الإمدادات"، كما تعني الكفاءة والتوفير، وهي أيضاً تمكّن من تطوير قطاعات أخرى. فالطاقة المتجددة مثلاً يمكن أن تؤدي دوراً مهماً جداً في جعل تحلية المياه المالحة عملية مستدامة في بلدان تفتقر الى مصادر المياه العذبة.
بالنسبة الى السعودية وبلدان أخرى كثيرة، تشكل الطاقة المتجددة قطاعاً استراتيجياً جديداً. والفرصة متاحة لتعظيم التنمية الاقتصادية بشكل ذكي. وثمة استنتاج أكيد، أنه لا يوجد حل طاقوي وحيد يناسب جميع الظروف. لكن من المألوف أن نسمع تأييداً قوياً لتكنولوجيا معينة لتوليد الطاقة، وقد يكون القصد حميداً من هذا التأييد.
تبين وثيقة "طاقة الصحراء 2050" الكلفة المقدرة للكهرباء في الاتحاد الأوروبي والشرق الأوسط وشمال أفريقيا. لكن الحلول التكنولوجية المقترحة صنفت تكنولوجيات توليد طاقة الشمس والرياح في مجموع واحدة. أعتقد أن ذلك يستحق إعادة نظر جذرية. وبما أن تكنولوجيا طاقة الرياح ناضجة عملياً، فان حصول تخفيضات ضخمة في التكاليف الرأسمالية ليس متوقعاً كثيراً خلال السنوات الثلاثين المقبلة.
وإذا أضفنا الى ذلك محدودية مواقع الرياح ذات الامكانات العالية، فان هذا يعني بالتأكيد أنه عندما يتم احتلال أفضل المواقع المناسبة سوف تزداد كلفة توليد الكهرباء من الرياح.
أعتقد أن ذلك لا ينطبق على الطاقة الشمسية. فنوعية الموارد الشمسية منتظمة إلى حد ما في الحزام الشمسي الممتد في كل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وهي من الأفضل في العالم. ويترافق مع حالة الموارد المؤاتية هذه كون التكاليف الرأسمالية للنظم الفوتوفولطية الشمسية والطاقة الشمسية المركزة آخذة في الانخفاض سريعاً، ما يعني أنه كلما ازداد عدد التيراواط ساعة المولدة من الطاقة الشمسية، انخفضت كلفة الكهرباء.
هذا لا يعني عدم الثقة بطاقة الرياح. بل على العكس، أعتقد أن تكنولوجيا الرياح، خصوصاً في منطقتنا، تتناسب أكثر مع متطلبات تحلية المياه المالحة. فالطلب على المياه المحلاة يعتمد على الحجم لا على الوقت. وتتمتع عملية التحلية بميزة تخزين ملازمة تمكن من حصاد طاقة الرياح كلما هبت عبر شفرات توربينة، وهذا نادراً ما يحتاج الى إدارة فعالة للحمل أو تخزين إضافي. وهو ما سيكون مطلوباً لاستقرار الشبكة إذا استعملت الرياح لتشغيل محطة تقليدية.
طاقة نووية ومتجددة
لقد أسندت الحكومة السعودية الى جامعة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة مهمة ادخال الطاقة المتجددة والنووية بشكل مستدام الى مسرح الطاقة السعودي، بالشراكة مع جهات معنية رئيسية في السعودية وخارجها. ويقدر أن يزيد الطلب الذروي في السعودي على 120 جيغاواط خلال 20 سنة. لكن الحاجة الى احتياطات تشغيل كبيرة قد يجعل قدرة التوليد المركبة المطلوبة أكبر من 120 جيغاواط بحلول سنة 2032.
وكما ذُكر سابقاً، فإن التحديات الرئيسية التي يواجهها قطاع الكهرباء السعودي هي تعطل قدرة التوليد المركبة بنسبة 45 في المئة خلال فترة انخفاض الطلب، وكون التبريد يشكل 50 في المئة من الطلب على الكهرباء خلال فترة الذروة.
استناداً الى جميع هذه الحقائق، والحاجة الى حلول مستدامة وعملية اقتصادياً، يدعو الحل المقترح الشامل للسعودية الى انتاج 50 في المئة من مجمل الطاقة المولدة بحلول سنة 2032، بالتيراواط ساعة، من مصادر غير أحفورية، وتحديداً الطاقة النووية والطاقة المتجددة، ما يخفض مجمل استهلاك الهيدروكربونات في قطاعي الطاقة والتحلية بنسبة 50 في المئة خلال عشرين سنة.
إن قدرة التوليد الإجمالية التي يدعو اليها هذا السيناريو هي وصل 54 جيغاواط من القدرة المتجددة بالشبكة العامة خلال 20 سنة. وهي تتكون من طاقة شمسية بقدرة 41 جيغاواط، وطاقة رياح بقدرة 9 جيغاواط، وتحويل النفايات الى طاقة بقدرة 3 جيغاواط، وطاقة حرارة جوف الأرض بقدرة 1 جيغاواط.
تضمن الرؤية الملكية أن تبقى السعودية لاعباً قوياً في إنتاج الطاقة وشريكاً موثوقاً في توفير الطاقة للأجيال القادمة.
الدكتور خالد السليمان نائب رئيس مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة في الرياض.