الدول العربية جاءت في أسفل قائمة المؤشر البيئي، الذي قُدِّم الى منتدى دافوس الاقتصادي العالمي في دورته السنوية الأخيرة في نيويورك. فبين 142 دولة شملها المؤشر، حلت دولتان عربيتان في المرتبتين 141 و142، وجاءت عشر دول عربية في مراتب تجاوزت المئة، بينما استطاعت ثلاث دول عربية فقط احتلال مراتب تقع في النصف الأول من المؤشر، أي أقل من سبعين. وللذين قد يتهمون التقرير بالتحيّز ضد العرب، انطلاقاً من "عقدة اضطهاد" مزمنة أخذت تنسحب مؤخراً على البيئة أيضاً، نشير الى أن بريطانيا جاءت في المرتبة 99، أي أسوأ من غينيا وتشاد وفيتنام. وجاءت الولايات المتحدة الأميركية في المرتبة 51، أي أسوأ من زيمبابوي وكوبا. علماً أن معظم الباحثين معدّي التقرير هم أميركيون وبريطانيون، وتقف وراءه اثنتان من أعرق الجامعات الأميركية: مركز جامعة يال للقانون والسياسات البيئية، ومركز علوم الأرض العالمي في جامعة كولومبيا.
هكذا، بينما كانت هيئات البيئة العربية تمتدح انجازاتها، في مؤتمرات معظمها للاستهلاك المحلي والعلاقات العامة، جاء المؤشر البيئي للمنتدى الاقتصادي العالمي ليضع أكثر من علامة استفهام على صدقيتها وجدية أعمالها. كما يضع على المحك جدية الالتزام السياسي العربي بموضوع البيئة.
مؤشر الاستدامة البيئية يقيس التقدم العام الذي تم تحقيقه في مجال الادارة البيئية في 142 بلداً. وهو يقيس الاستدامة البيئية من خلال علامات تعطى لمواضيع محددة ضمن خمسة عناوين رئيسية: الأنظمة البيئية من ماء وهواء وأرض، وتخفيف الضغط على البيئة، ومستوى العيش والصحة، والقدرة الاجتماعية والتكنولوجية والمؤسساتية، والمشاركة في الجهد العالمي لحماية البيئة.
لم تكن الدول الأغنى هي الأفضل، بالضرورة، في مؤشر الاستدامة البيئية. ففي بعض المؤشرات الفرعية، أدت الانماط الاستهلاكية المفرطة الناجمة عن الغنى الى ضعف في الاداء البيئي، كما في الولايات المتحدة. وفي الوقت عينه، احتلت معظم الدول الفقيرة المكتظة سكانياً درجات دنيا في القائمة، لأن ضعفها الاقتصادي يمنعها من العناية بالبيئة واقامة توازن بين ادارة الموارد والحاجات اليومية الملحة لشعوبها. بينما حصلت بعض الدول الفقيرة على معدلات جيدة في قطاعات محددة، ليس تعبيراً عن انجازاتها البيئية، بل لأن الركود الاقتصادي أدى الى تخفيف الانبعاثات وحدّ من التلوث وهدر الموارد.
الدول العشر الأعلى رتبةً في مؤشر الاستدامة البيئية كانت فنلندا والنروج وأسوج وكندا وسويسرا والأوروغواي وايسلندا والنمسا وكوستاريكا ولاتفيا. أما الدول العشر في أدنى القائمة فكانت الامارات العربية المتحدة والكويت وكوريا الشمالية والعراق وهايتي وأوكرانيا وكوريا الجنوبية والسعودية وسيراليون ونيجيريا. لم تتجاوز أية دولة المعدل في جميع المؤشرات، كما لم تكن أية دولة أقل من المعدل في جميع المؤشرات. وهذا يعني أنه لا توجد حالات ميؤوس منها، بل في مقدور كل دولة أن تحسّن من وضعها البيئي. كما أن ما من دولة يمكن أن تدّعي الوصول الى نهاية الطريق في مجال تحقيق الاستدامة البيئية.
الولايات المتحدة، التي حلت في المرتبة 51، حققت علامات متدنية في مجال التخفيف من النفايات والضغوط الاستهلاكية، وتلوث الهواء، وتعاون القطاع الخاص في حماية البيئة، والتعاون البيئي الدولي، بينما حصلت على علامات مرتفعة في مجالات نوعية المياه وتخفيف الضغط السكاني والصحة والتكنولوجيا والمشاركة في السلطة.
بريطانيا، التي حلت في المرتبة 99، وهو موقع متدن جداً لدولة صناعية متقدمة، حققت أدنى العلامات في تخفيف تلوث الهواء والماء والانفلات الاستهلاكي والتعاون في الحد من التلوث البيئي عبر الحدود، بينما حصلت على تقدير جيد في مجالات الصحة والتكنولوجيا والمشاركة الشعبية وتعاون القطاع الخاص.
فنلندا، الأفضل بيئياً في المجموعة، حققت تقديراً عالياً جداً في تعاون القطاع الخاص والعمل الدولي والعلوم والصحة والمياه والهواء، لكنها كانت تحت المعدل في مجال التقليل من النفايات والاستهلاك وتخفيض مستوى الغازات المسببة لتغير المناخ.
المغرب والأردن وتونس هي الدول العربية الوحيدة التي جاء ترتيبها في النصف الأول من القائمة. المغرب، في المرتبة 59، حقق درجات فوق المعدل في استخدام الأراضي وتخفيف تلوث الهواء وضبط الاستهلاك والعلوم والتعاون الدولي والحد من انبعاثات الغازات، بينما تدنى مستواه في نوعية الماء والتنوع البيولوجي والمشاركة الشعبية وتعاون القطاع الخاص.
أما الأردن، في المرتبة 60، فيتشابه وضعه مع المغرب، في ما عدا حصوله على ترتيب منخفض في مجال الادارة السكانية والكفاءة البيئية، وترتيب أعلى في المشاركة الشعبية ونوعية الهواء. وجاءت تونس في المرتبة 64، مع انخفاض في مستوى العلوم والتكنولوجيا والمشاركة الشعبية، ومعدلات مقبولة للمؤشرات الأخرى.
الجزائر ومصر جاءتا في المرتبتين 75 و76، مع انخفاض في معدلات القدرة التكنولوجية والعلوم والمشاركة الشعبية وادارة المياه. وحصلت مصر على تقدير منخفض في مجال التخفيف من تلوث الهواء، بينما كان مركزها جيداً في مجال التخفيف من الضغط على النظام البيئي.
لبنان احتل المرتبة 91، وحصل على تقدير سيىء جداً في ادارة المياه والأراضي وتخفيف تلوث الهواء والترتيب المؤسسي وتعاون القطاع الخاص، بينما حاز على درجات جيدة في الادارة السكانية والصحة والتكنولوجيا والعلوم والمشاركة الشعبية والالتزام بالعمل الدولي.
السودان حل في المرتبة 103، وسورية في المرتبة 108. وبينما حقق السودان درجات متدنية جداً في مجالات القدرة التكنولوجية والصحة والادارة السكانية والمشاركة الشعبية، تجاوز المعدل في التنوع البيولوجي وانخفاض ضغط الاستهلاك وقلة انبعاثات الغازات. أما سورية فتجاوزت المعدل في بضعة مؤشرات هي التنوع البيولوجي وتخفيف تلوث الهواء والحد من الضغوط الاستهلاكية والصحة، بينما كانت دون المعدل في المؤشرات الأخرى.
وجاء ترتيب عمان 113 وموريتانيا 125 وليبيا 127 والصومال 132 والسعودية 135 والعراق 139 والكويت 141 والامارات 142. وتتشابه نقاط الضعف لدى دول الخليج، التي حصلت على معدلات متدنية جداً في مجالات ادارة المياه وازدياد الضغوط الاستهلاكية وعمل المؤسسات وتدابير التخفيف من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري. وفي حين حصلت دول الخليج على معدلات جيدة في مجالات الصحة والعلوم وتخفيف الضغط البيئي، تفرّدت الكويت بتقدير فوق المعدل في موضوع المشاركة الشعبية.
الأرقام الخطيرة التي يطرحها تقرير الاستدامة البيئية لملتقى دافوس تدق ناقوس الخطر، وتضع علامات استفهام كثيرة حول جدية بعض الدول في التعاطي مع موضوع البيئة من ضمن خطة للتنمية المتوازنة. فالدول العربية، التي تجتمع منذ سنة تحضيراً لقمة الأرض الثانية في جوهانسبورغ الصيف المقبل، فشلت حتى الآن في عقد لقاء واحد يجمع وزراء البيئة والتخطيط والمال، ليتداولوا خططاً جدية في التنمية المستدامة، بحيث تأخذ التدابير البيئية طريقها الى التنفيذ من خلال قرارات اقتصادية ومالية تدخل في صلب السياسات الوطنية. وتكاد المعلومات عن وضع البيئة العربية، في تقرير "توقعات البيئة العالمية" الذي يصدره دورياً برنامج الأمم المتحدة للبيئة، أن تكون المرجع الوحيد عن المنطقة. غير أن المعلومات الأساسية التي يحتاجها هذا التقرير هي في معظم الحالات غير موجودة أصلاً، ويتم جمع ما تيسّر منها وتقدير بعضها الآخر. أما تقرير "مستقبل البيئة العربية" الذي أعده طلبه والخولي وتابت منذ سنتين، فقد فشلت مؤسسات البيئة العربية في الانطلاق منه لتحويله الى دراسات تفصيلية. فمعظم التقارير العربية الوطنية والاقليمية التي صدرت لاحقاً في اطار الاعداد لقمة جوهانسبورغ، تعطي صورة وردية وكأن الدنيا بألف خير، في صفحات من قصص الانجازات والسرد الانشائي وبقية أدبيّات البيئة.
في اختصار شديد، نحن بحاجة الى مؤسسات أبحاث بيئية عربية، والى دمج البيئة كجزء متكامل في خطط التنمية الوطنية. وفوق كل شيء، نحن بحاجة الى اعادة نظر جذرية في مؤسسات البيئة العربية، الوطنية والاقليمية.
واذا كان البعض يشكّك في نتائج التقرير البيئي لملتقى دافوس، نسأل لماذا كانت مؤسسات البيئة العربية غائبة عن هذا الملتقى، وأين هي التقارير البديلة التي قدمتها للدفاع عن موقع دولها على خريطة العالم البيئية؟
قبل سنة كتبنا أن مؤسسات البيئة العربية في غيبوبة. نأمل أن تكون مؤشرات دافوس البيئية صوت النذير الذي يقول لهذه المؤسسات: صح النوم.