تنفرد محافظة ظفار بمحصول النارجيل، أو جوز الهند، الذي يعتبر من المحاصيل القومية لسلطنة عُمان ويحظى بأهمية اقتصادية وسياحية كبرى. وهو يتميز بكثرة استخداماته ونواتجه، مثل ماء النارجيل وزيته وأليافه ومخلفاته التي تدخل في العديد من الصناعات، ويعتبر المحصول الثاني بعد الموز الذي تتميز ظفار بزراعته منذ عصور قديمة، حيث تعتبر الموطن الوحيد لزراعة النارجيل في المنطقة العربية.
وقد أجرت وزارة الزراعة والثروة السمكية عام 2000 إحصاء شاملاً للنارجيل في محافظة ظفار. فأشارت النتائج إلى وجود أكثر من 179 ألف نخلة نارجيل، منها 169 ألفاً من الصنف المحلي الذي يتميز بعلوه وكثافة إنتاجه وتحمله للملوحة والعطش. ويتركز 99% من العدد الإجمالي في الشريط الساحلي لولايتي صلالة وطاقة. وتقدر أعداد الأشجار المثمرة بـ142 ألفاً، والإنتاج السنوي بـ 7 آلاف طن. لكن ثمار النارجيل تواجه حالياً مشكلات لإصابتها ببعض الأمراض والآفات، كما يواجه المزارعون صعوبة في عمليات التسويق.
وقد التقينا بعدد من أصحاب المزارع. فقال محاد بن سعيد الشنفري من صلالة ان في مزرعة عائلته نحو 150 نارجيلة إلى جانب مزروعات أخرى. ولكن معظم الشجر قديم، وتكثر به الآفات والأمراض، ولا يتم تجديده إذ ليس من ورائه مردود مالي جيد "حيث يتم تسويقه عن طريق العمالة الوافدة". وخلال السنوات الماضية لم يتم رش النارجيل لمكافحة آفاته، وقد نفذت عمليات رش مؤخراً عندما كثرت الشكاوى.
وقال عوض بن محمد سعيد، وهو صاحب مزرعة، ان أصحاب الشركات الزراعية يستغلون المزارعين اذ يحرثون أراضيهم، بأجر مرتفع يبلغ ثلاثة ريالات للساعة (الريال يعادل 6،2 دولار)، في حين ان الحراثة التابعة للحكومة (المديرية العامة للزراعة) تبلغ رسومها ريالاً واحداً فقط. "ولكن عندما نطلب الحراثة من المديرية تتأخر كثيراً جداً".
أما علي بن محمد الحاج الشنفري الذي يملك مزرعة في صلالة، فقال إن في مزرعته العديد من المزروعات، مثل الموز والنارجيل والفيفاي والليمون وأنواع من الفاكهة والخضار وبعض المحاصيل الحقلية. وعن مشكلة الحراثة قال انه كان يوجد في السابق مراكز زراعية في كل من عوقد والحافة والفرض والدهاريز وطاقة، لتوزيع مستلزمات الزراعة من بذور وأسمدة وتوفير الحراثات لكن هذه المراكز أغلقت ولا يوجد بديل لها، "إضافة إلى إلغاء التسويق الزراعي مؤخراً، بحيث أصبح تحت سيطرة العمالة الوافدة، كما أن الجهات المعنية لا توفر لنا البذور والمبيدات بالشكل الكافي".
التقينا المهندس مسلم بن أحمد سهيل تبوك، مساعد المدير العام للتنمية الزراعية في محافظة ظفار، فأخبرنا أن شجرة النارجيل تعرف بشجرة الحياة. فهي معمّرة تعيش عشرات السنين ولا ينقطع عطاؤها. وثمارها عندما تبلغ من العمر خمس سنوات. وأول ظهور للثمر يكون صغيراً، ولا يحتوي على ماء إلا متى وصل إلى الحجم النهائي وتكوّن القحف من الداخل. ثم يتكون اللب ويكون خفيفاً وطرياً، وهي المرحلة المحببة لأكل اللب وشرب الماء. وتلي ذلك مرحلة الزيادة في كثافة اللب، ويكون الماء في الثمرة حامضاً وغير مرغوب، ويستخدم حينها في إعداد إضافة للطعام. ثم تأتي مرحلة نقصان ماء الثمرة، ويتغير لون القحف من الأبيض إلى الأسود. ويمكن استخلاص الزيت في هذه المرحلة، ولكن الكمية تكون قليلة. وأخيراً تأتي مرحلة جفاف ماء الثمرة نهائياً، وينفصل اللب عن القحف، وفي هذه المرحلة يستخدم في صناعة الزيوت وبعض أنواع الكاكاو.
وحول شكوى المزارعين من عدم رش النارجيل لمكافحة الآفات التي تهاجمه، قال المهندس تبوك ان المحصول تعرض في الآونة الأخيرة للعديد من الآفات الزراعية التي أدت إلى أضرار اقتصادية كبيرة، من أبرزها آفة حلم ثمار النارجيل الذي ينتمي إلى العنكبيات أو الاكروسات، وهو دودي الشكل ولا يرى بالعين المجردة، وتكثر أعداده مع ارتفاع درجات الحرارة في شهري نيسان وأيار (ابريل ومايو)، وتقل في فترة هطول الأمطار الموسمية في الخريف، ثم تبدأ في الارتفاع ثانية في تشرين الأول وتشرين الثاني (أكتوبر ونوفمبر). ويقدر الفاقد من جراء الإصابة بهذه الآفة بأكثر من 30% من الإنتاج، بالإضافة إلى تساقط الثمار الصغيرة في بداية العقد وتخشّب الكبير منها وتلفها.
وحول الحد من استعمال المبيدات أو ترشيد استهلاكها، لما تسببه من أضرار في اختلال التوازن الحيوي حيث يتم القضاء على الأعداء الطبيعية لهذه الآفة، وتظهر حشرات وآفات مقاومة للمبيدات، إلى جانب مخاطر إحداث تسمم للإنسان والحيوان، أضاف المهندس تبوك: "ان محطة البحوث الزراعية في صلالة أجرت العديد من التجارب البحثية لإيجاد أفضل الطرق للقضاء على هذه الآفة، مع وضع الأولية لحماية البيئة المحيطة. ولعل أبرز الدراسات تقييم أثر المعاملات الفلاحية من تسميد وتنظيم عمليات الري، وكذلك تقييم الفعالية الحيوية لبعض المبيدات في مكافحة الآفة، وتقييم مقاومة أصناف النارجيل المختلفة المصابة بهذه الآفة، وتقييم إمكان استعمال المستخلصات النباتية في المكافحة".
ما هي أعراض الإصابة بآفة حلم ثمار النارجيل؟ يقول الدكتور ابراهيم بركات، مساعد رئيس مختبر بحوث الحشرات في محطة بحوث صلالة، ان للحلم أجيالاً عديدة طوال العام. فدورة حياته قصيرة، حيث يتغذى على الثمار مباشرة بعد عقدها، وطوال فترة التغذية يختبئ عند قاعدة الثمرة (القنابة). وهو يتكون من ستة أغطية متداخلة، ويمتص عصارة الثمرة بفمه الماص. ونتيجة لذلك تأخذ البتلات عند قاعدة الثمرة اللون الأصفر، وهو أول مؤشر للإصابة، ومن ثم يتحول إلى البني، وفي حالة الإصابة الشديدة يمتد ليشمل سطح الثمرة الذي تظهر عليه تشققات تبدأ من قمعها. ولذلك يجف سطحها ويصبح مشوهاً وفلّيني الملمس، وبالتالي يقل حجم الثمرة وحجم اللب والزيت، بل يتغير طعمه. وهكذا تقل كمية الإنتاج وجودته.
وفي تقييم لاستعمال المبيدات، قال الدكتور بركات ان "مايكوتال" (مبيد حيوي) و"مايتاك" و"اكريليت" أعطت أفضل النتائج. وثمة مقترحات بحثية عديدة لاختبار عوامل أخرى بغرض توفير البدائل الحيوية لمكافحة حلم ثمرة النارجيل وغيره من الآفات الزراعية. وهناك تعاون مع المديرية العامة للزراعة والبيطرة في ديوان البلاط السلطاني لتوفير مثل هذه البدائل. وأضاف أن المديرية العامة للزراعة والثروة السمكية في محافظة ظفار وضعت برنامجاً زمنياً لمكافحة هذه الآفة، حيث تم رش جميع أشجار النارجيل المثمرة في شهر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي بمبيد "مايتاك"، وشكلت عشر فرق ووضع برنامج إعلامي وإرشادي طوال أيام الحملة التي استمرت شهراً، مع اتخاذ التدابير اللازمة لحماية الحيوانات ونحل العسل ومصادر المياه المكشوفة، رغم أن الرش كان أرضياً ومركزاً على الثمار المصابة فقط بواسطة مكائن الضغط العالي.
سعيد الشاطر ("الوطن"، مسقط)