انحدرت القطة المنزلية من سلالات برية في الشرق الأوسط. وعاشت مدللة في مساكن الناس منذ قرون. واصطحبوها معهم الى بقاع جديدة، فانتشرت وتحوّل بعضها قططاً برية من جديد. وسواء كانت القطط أليفة معلوفة أم برية جائعة، فهي تلجأ الى الصيد، فتقتل الطيور والثدييات الصغيرة والسحالي وغيرها.
في الأماكن الخالية أصلاً من القطط، تكون وسائل دفاع الحيوانات المحلية ضد هذا المفترس الجديد ضعيفة أو معدومة. وفي أماكن خالية من المفترسات الثديية، مثل نيوزيلندا وجزر موريشوس، أبادت القطط أنواعاً محلية، وهي مستمرة في التقليل من أعداد أنواع أخرى. وفي اوستراليا، تشكل القطط الدخيلة سبباً محتملاً لانقراض حيوانات نادرة. وفي القارة الأميركية، تفترس القطط المنزلية الدخيلة، التي صارت برية، أنواعاً صغيرة تحجم عنها القطط المحلية الكبيرة. وتوفر المنازل للقطط الملجأ والطعام والماء وأماكن التكاثر، في مناطق لم تكن لتقدر على العيش فيها لولا ذلك. وفي هذه الحالة تفترس أنواعاً محلية ضعيفة، في موائل لا يمكن للقطط الوصول اليها عادة.
هذه أمثلة على أن حيواناً "لطيفاً" كالقطة يكون له أثر مدمر على الحيوانات المحلية متى عاش خارج موئله الطبيعي.
والنظم الايكولوجية في الجزر، التي نشأت أصلاً في عزلة، سريعة التأثر على نحو خاص بالأنواع الدخيلة، لاحتوائها على أعداد قليلة نسبياً من الأنواع النباتية والحيوانية. ويزداد انقراض الأنواع بوتيرة لا سابق لها في جزر كثيرة. وقد أصدر الاتحاد الدولي لصون الطبيعة مؤخراً دراسة شملت مئة نوع دخيل باعتبارها الأخطر في العالم.
فالنمل المجنون مثلاً، الذي أطلقت عليه هذه التسمية لحركاته المسعورة، غزا نظماً ايكولوجية وسبب أضراراً بيئية من جزر هاواي الى جزر سيشل وزنجيبار. وفي جزيرة كريسماس في المحيط الهادئ أقام مستعمرات ضخمة في الغابة المطيرة وعاث فساداً في جميع الموائل، وقضى على ثلاثة ملايين من السرطانات الحمراء في 18 شهراً. وهذه السرطانات تؤدي دوراً هاماً في النظام الايكولوجي الغابي في الجزيرة، اذ تساعد في تحلل الأوراق والأغصان اليابسة التي تكسو أرض الغابة. وتفترس جماعات النمل المجنون الديدان والمفصليات والزواحف والطيور والثدييات على أرض الغابة وفي أشجارها فتمنع تكاثرها. وقدرة هذا النمل على "رعي" وحماية الحشرات القشرية الماصة لنسغ الأشجار هي من أكثر سلوكياته تدميراً. ومع أن غزوه حتى الآن اقتصر على 5 في المئة من الغابة المطيرة في الجزيرة، فان العلماء يخشون من أن طيوراً معرضة للخطر، مثل الأطيش الذي لا يعشش في أي مكان آخر من العالم، قد تنقرض قريباً بسبب تبدل موئلها أو انقضاض النمل عليها.
أفعى الشجر البنية كانت تعيش في اوستراليا واندونيسيا وبابوا نيوغينيا وجزر سولومون. ويعتقد أنها تسللت الى غوام على متن طائرات حربية في أربعينات القرن الماضي. وفي غياب مفترسات طبيعية، وتوافر الفرائس، تكاثرت بأعداد كبيرة. وبحلول السبعينات عم انتشارها الجزيرة، وأحدثت أضراراً اقتصادية وايكولوجية واسعة النطاق. وكثيراً ما تتسبب في قطع التيار الكهربائي. وإضافة الى لدغاتها للسكان، أوشكت أن تقضي على طيور الغابة الفطرية. وتشكل هذه الأفعى خطراً كبيراً على التنوع البيولوجي في جزر استوائية أخرى. وهي قادرة على التخفي في حمولات السفن والطائرات، وفي فتحات عجلات الطائرات، فوصلت الى أماكن بعيدة مثل جزر ميكرونيزيا وهاواي والبر الأميركي واسبانيا.
أعشاب وأمراض دخيلة
أدخلت العشبة البحرية الضارة "كوليربا" الى البحر المتوسط عام 1984، ربما مع نفايات أكواريوم موناكو. ويعتقد أنها من سلالة أكثر قدرة على التحمل من العشبة الاستوائية الأصلية. وقد تكيفت مع المياه الباردة وانتشرت في الجزء الشمالي من المتوسط، فشكلت خطراً كبيراً على النباتات والحيوانات البحرية. وكونت مستعمرات جديدة، وانتشر خطرها في البحر بكامله لقدرتها على الالتصاق بأبدان السفن المبحرة والانتقال الى مواقع بعيدة. وانتشار هذه العشبة يمنع الاوكسيجين عن موائل الأعشاب البحرية المحلية التي تحتضن صغار الاحياء المائية. وفي حزيران (يونيو) 2000، اكتشف غطاسون بالقرب من مدينة سان دييغو الأميركية رقعة من هذه العشبة طولها 20 متراً وعرضها 10 أمتار، ويعتقد أنها حدثت نتيجة إقدام أحدهم على تفريغ خزان سمك في مصرف لمياه الأمطار. لكن الغزو اكتشف مبكراً واتخذت اجراءات لاستئصاله.
وصلت ملاريا الطيور الى جزر هاواي بواسطة طيور غريبة اقتناها المستوطنون الأوائل. لكن هذا المرض كان يحتاج الى ناقل لينتشر. وهذا أصبح ممكناً بعد ادخال البعوض المنزلي عن طريق براميل مياه في سفينة مبحرة عام 1826. ونفقت طيور محلية بسرعة لعدم وجود مناعة لديها ضد هذا المرض. وهددت طيور فريدة، مثل آكل العسل الملون. وساهمت ملاريا الطيور، من خلال البعوض الذي ينقلها، في انقراض عشرة أنواع من الطيور المحلية على الأقل في هاواي، وهي تهدد المزيد.
وهناك خنازير برية كانت أهلية في الأصل ثم فرت أو أُطلقت. وانتشرت في مناطق كثيرة من العالم، حيث تلحق الضرر بالمحاصيل والمواشي والممتلكات وتنقل أمراضاً كثيرة، بينها الحمى القلاعية. وهي تنبش التربة بحثاً عن الديدان وجذور النباتات، وتنشر الأعشاب الضارة، وتعطل دورات النظم الايكولوجية مثل تعاقب الزروع، وتقتات بالأحياء البرية. وتشمل وجباتها السلاحف والطيور والسحالي وغيرها.
ثمار مدمرة
تستوطن غوافة الفراولة البرازيل، لكنها انتشرت في فلوريدا وجزر هاواي وبولينيزيا الاستوائية وجزر فوكلاند وموريشوس رغبة بثمارها. وهي تكوّن أجمات كثيفة، وتظلل النباتات المحلية في الغابات والأحراج الاستوائية. وكان لها أثر مدمر على الموائل الفطرية في جزر موريشوس، وتعتبر النبتة الأكثر ضرراً في هاواي. وهي تستفيد من الخنازير البرية التي تتغذى على ثمارها فتنشر بذورها في أماكن جديدة.
أما شجرة الميكونيا الزينية، التي تستوطن أميركا الجنوبية، الى حديقة نباتية في جزيرة تاهيتي عام 1937. واستهوت أوراقها الحمراء والبنفسجية الضخمة أصحاب الجنائن. وانتشرت في البرية عن طريق الطيور الآكلة للثمار، فاكتسحت نصف الجزيرة. وهي تتسبب في انزلاقات ترابية بسبب جذورها السطحية المجسّيّة، وتظلل أشجار الغابات نظراً لانتشارها السريع وكثافتها. ويقدر العلماء أن عدة أنواع نباتية محلية في الجزيرة معرضة لخطر الزوال نتيجة خسارة موائلها بسبب هذه الشجرة. وقد تم ادخالها أيضاً الى جزر أخرى في المحيط الهادئ، وما زالت تباع للزينة في بلدان استوائية.
وتبدو سمكة البعوض الصغيرة، التي تستوطن المياه العذبة في شرق وجنوب الولايات المتحدة، تبدو مسالمة الى أبعد الحدود. الا أنها أصبحت مؤذية في كثير من المجاري المائية حول العالم بعد ادخالها اليها أوائل القرن الماضي لمكافحة البعوض بيولوجياً، حيث اعتبرت أكثر فعالية من مفترسات البعوض المحلية. فقد أخذت تلتهم بيوض الأسماك المرغوبة تجارياً، وتفترس الأسماك واللافقريات المحلية النادرة. ويصعب استئصال هذه السمكة متى انتشرت، لذلك فان أفضل وسيلة للتقليل من ضررها هي الحد من انتشارها.
يستوطن النمس الهندي الصغير الشره مناطق شاسعة تمتد من ايران مروراً بالهند وصولاً الى ميانمار وشبه جزيرة مالاي. وتم ادخاله الى جزر موريشوس وفيجي وهاواي وجبال الانديز الغربية في أواخر القرن التاسع عشر لمكافحة الجرذان، التي أدخلت خطأ وباتت تشكل خطراً على مزارع قصب السكر ومحاصيل أخرى. لكن هذه التجربة المبكرة خلفت آثاراً كارثية. فالحيوانات المحلية في الجزر نشأت من دون أن يهددها مفترس ثديي سريع الحركة، لذلك لم تقوَ على مقاومة النمس. فتسبب في انقراض أنواع كثيرة من الطيور والزواحف والبرمائيات المتوطنة، وهو يهدد حالياً أنواعاً أخرى، منها أرنب "أمامي" الياباني النادر، كما أنه ناقل لداء الكلب.
وتعتبر ياقوتية الماء المتوطنة في أميركا الجنوبية هي من أسوأ النباتات المائية في العالم. فأزهارها الارجوانية والبنفسجية الجميلة جعلتها نبتة زينة شائعة في الأحواض المائية في القارات الخمس. ونموها سريع جداً، اذ تتضاعف أعدادها خلال 12 يوماً فقط. ويسد انتشارها المجاري المائية فيعيق حركة القوارب والسياح والصيادين. وهي تمنع ضوء الشمس والاوكسيجين من دخول عمود المياه وبلوغ النباتات المغمورة. كما تظلل النباتات المحلية وتطبق عليها فتقلص الى حد كبير التنوع البيولوجي في النظم الايكولوجية المائية.
ويستوطن الحلزون الذئبي الوردي المفترس الذي يستوطن جنوب شرق الولايات المتحدة، تم ادخاله الى جزر في المحيطين الهادئ والهندي منذ خمسينات القرن العشرين كوسيلة لمكافحة نوع دخيل آخر هو الحلزون الافريقي العملاق، الذي جُلب ليكون مصدر غذاء فأصبح آفة زراعية. وفي جزر بولينيزيا الفرنسية في المحيط الهادئ قضى الحلزون الذئبي السريع الحركة على أنواع مستوطنة محلية في وقت قصير. ومن الأنواع المهددة حلزون الأشجار "بارتولا" الذي نشأ منفصلاً عن أنواع أخرى في أودية معزولة وتميز بخصائص فريدة. وقد فقدت أعداد كبيرة منه، والاعداد الباقية اليوم موجودة في حدائق الحيوان والمحميات. لقد تسبب الحلزون الذئبي الدخيل، الذي كان الهدف منه مكافحة نوع غريب آخر بيولوجياً، في خسارة جوهرية للتنوع البيولوجي.
وتم ادخال سمك فرخ النيل الى بحيرة فيكتوريا في افريقيا عام 1954 لمواجهة الهبوط الحاد في مخزونات الأسماك المحلية نتيجة الصيد المفرط. فساهم في انقراض أكثر من 200 نوع من الأسماك المحلية بافتراسها أو منافستها على الغذاء. ولحم فرخ النيل يحوي كمية من الزيوت تفوق ما يحويه لحم الأسماك الأخرى. لذلك يقطع مزيد من الأشجار لاضرام النيران اللازمة لتجفيفه. وساهمت انجرافات التربة والسيول الناتجة عن ذلك في ازدياد مستويات المغذيات في البحيرة، مما عرضها لغزوات الطحالب وياقوتية الماء. وهذا أدى بدوره الى نفاد الاوكسيجين في البحيرة ونفوق مزيد من الأسماك. وحال الاستغلال التجاري لفرخ النيل دون ممارسة السكان المحليين طريقتهم المعتادة في صيد الأسماك. وهكذا ألحق ادخال هذا النوع من السمك الى البحيرة أضراراً كبيرة بالبيئة والجماعات المحلية التي تعتمد عليها.
الأنواع الدخيلة خطر داهم. وضررها المتفاقم وما ينطوي عليه من خسائر يفوق أضعافاً الفوائد الآنية المرتجاة. فلينتبه المسؤولون عن المحميات الطبيعية، بشكل خاص، لأخطار إدخال نباتات وحيوانات غريبة الى الموائل الطبيعية. فما كان القصد منه خيراً قد ينقلب شراً يستحيل إصلاح عواقبه.