لن يؤدي التدخين الى تغيير مناخ العالم ولن يؤثر في ثقب الأوزون. لكنه يقتل ملايين البشر سنوياً ويتسبب بمرض مئات الملايين. وليس علينا انتظار مضاعفاته على صحة الناس عشرات السنوات، كما ننتظر أخطار ثقب الأوزون وتغير المناخ، اذ ان أخطاره المباشرة القاتلة معنا اليوم.
1,1 بليون شخص في العالم يدخنون حالياً. ويتعاطى التدخين 47% من الرجال و12% من النساء. وفي عام واحد استهلك نحو بليون شخص أكثر من 5 تريليون سيجارة. والصين أكبر منتج ومستهلك للتبغ، ومن كل ثلاث سجائر يتم تدخينها في العام سيجارة تدخن في الصين.
والتدخين يقتل واحداً من كل مدخنَيْن، ونصف الضحايا يموتون في منتصف العمر. وهو سيقتل نصف بليون شخص خلال القرن الحالي، ونصيب البلدان النامية سبع وفيات من كل عشر.
كتبه: عماد فرحات، مع مساهمات من نائلة علي (دمشق)، خالد مبارك (عمان)، فاضل البدراني (بغداد) عبدالسلام حمحوم (تونس)، يوسف شراب (دبي)
راجعه: الدكتور جورج سعاده، رئيس قسم التدخين في منظمة الصحة العالمية / مكتب بيروت
قدمت سلوى فطور الصباح إلى زوجها، فصاح في وجهها قائلاً: "هل تريدينني أن أفطر على لحم بطني؟" وأشعل سيجارة، أردفها بأخرى، قبل أن يتناول فطوره.
وعى لبيب طفولته على رائحة الدخان وأعقاب السجائر المرمية في أرجاء المنزل. فقد توارثت الأسرة التدخين، وقضى الأب بالسرطان بعدما ظل يدخن أكثر من عشرين عاماً متواصلة. والأم مصابة بتصلب الشرايين الذي يحتاج إلى علاج دائم، وعلى رغم ذلك لا تترك التدخين، وهي ما زالت صبية لكن التجاعيد حفرت خطوطاً عميقة في وجهها.
رائدة، التي تقدم بها العمر، تعتبر الدقائق التي تقضيها مع السيجارة متعتها التي تنسيها آلام الظهر والرقبة المزمنة. وهي تعرف أنها تحاول الهروب من وجع لتقع في وجع آخر تكشفه لها الأيام.
أبو عبدالله، الذي قارب الثلاثين وله ثلاثة أطفال، يحاول للمرة الثانية ترك التدخين. فقد تعاطاه منذ سن الثانية عشرة بمعدل 20 سيجارة في اليوم، وجرب الأصناف المحلية والاجنبية والنارجيلة والسيجار، ويعتبرها كلها ممتعة. لكن تعرضه لنوبات قلبية متكررة جعله يترك التدخين عازماً أن يكون قراره مبرماً.
هذه أمثلة من الواقع العربي عن التدخين. وهو ممارسة يرجع تاريخها إلى قرون خلت، حين كان المدخنون القدامى يحرقون أعشاباً معينة ويستنشقون دخانها، ثم استعملوا أدوات مختلفة لهذا الغرض. وموطن التبغ الأول هو القارة الأميركية، حيث عثر في بعض الحفريات على آثار يعود تاريخها إلى أكثر من 600 سنة قبل الميلاد، ومن بينها غليون من الفخار. ووجد كريستوفر كولومبوس مكتشف القارة عام 1492 أن بين سكانها من يدخن التبغ. وعندما بلغ جزر الهند الغربية، وجد السكان يستنشقون دخان أوراق محترقة ملفوفة على شكل قصبة، وكانت تلك أوراق تبغ.
ومع مرور الزمن انتشر التبغ في القارة الاميركية والدول الاوروبية ومناطق أخرى، وكان يزرع في الحدائق. وما ان انتهى القرن السادس عشر حتى كانت اوروبا كلها عرفت استهلاكه بطرق مختلفة، من الاستنشاق والمضغ إلى تدخين الغليون والسيجار. لكن السجائر لم تعرف في اوروبا الا في القرن التاسع عشر، فتعلق بها الروس أولاً وتبعهم الفرنسيون. ثم اكتسحت موجة التدخين بريطانيا وأميركا حيث تم تصنيع السجائر آلياً لتغزو بلدان العالم.
5 تريليون سيجارة سنوياً
التبغ من الأعشاب الحولية، وينتمي إلى الفصيلة الباذنجانية السامة، ونبتته ترتفع عن الأرض نحو مترين. وتستعمل الاوراق فقط لصنع التبغ، أما الجذور والسوق فلا تنفع في الحصول على تبغ جيد.
وهناك نحو أربعين نوعاً معروفاً من نبتة التبغ، منها التنباك الهافاني، والايراني (العجمي)، والعدني، وذيل الجمل، والصيني، والفرجيني، واليوناني، والتركي، والبلغاري، والياباني. وأشهرها النوع الشائع الذي يحمل الاسم العلمي Nicotiana tabacum، ويمتاز بأوراقه الكبيرة وأزهاره الوردية اللون وثماره في شكل أغلفة صغيرة تحتوي على عدد كبير من البذور.
وقد تعددت طرق وأشكال استعمال التبغ وتدخينه مسايرة للأذواق. فمنها السيجارة، والسيجار، والغليون، والنارجيلة، والجوزة التي تشبه النارجيلة لكنها أصغر حجماً، والسعوط أو النشوق، والمضغ، وحتى الحقن في الشرج. وقد عم التدخين العالم، حيث يتعاطاه 47% من الرجال و12% من النساء. ومن مجموع المدخنين الذي يبلغ 1,1 بليون، أي واحد من كل ثلاثة بالغين، يوجد 800 مليون في البلدان النامية، منهم 700 مليون من الرجال و300 مليون في البلدان المتقدمة. ويتوقع أن يصل عدد المدخنين في العالم إلى 1,6 بليون سنة 2025.
في الماضي، كان التبغ يمضغ أو يُستنشق دخانه بواسطة أنواع مختلفة من الغلايين. وما زالت هذه العادات مستمرة إلى يومنا هذا، لكنها آخذة في التراجع، اذ باتت السجائر تستأثر بنحو 85% من مجموع الاستهلاك. وفي العقدين المنصرمين زاد استهلاك التبغ عالمياً نحو 75%، وفي عام واحد استهلك نحو بليون مدخن أكثر من 5 تريليون سيجارة (التريليون ألف بليون).
وفيما يزداد انتشار التدخين في البلدان النامية، فهو آخذ بالانخفاض في البلدان المتقدمة. ففي الولايات المتحدة، مثلاً، كان أكثر من 55% من الرجال يدخنون في ذروة استهلاك التبغ في منتصف القرن العشرين، وانخفضت هذه النسبة إلى 17% عام 1997. وفي هذه الاثناء، ازداد انتاج السجائر الأميركية أربعة أضعاف لمزيد من الصادرات إلى الاسواق الخارجية. ويزداد استهلاك التبغ في البلدان النامية سنة بعد سنة، وكأن الزيادة التي تنتجها شركات التبغ الاميركية ينبغي أن تمتصها السوق العالمية.
وتعتبر الصين أكبر بلد منتج ومستهلك للسجائر في العالم. فمن كل ثلاثة سجائر يتم تدخينها في العالم اليوم هناك سيجارة تدخن في الصين، وما بين 60% و90% من الذكور الذين يزيد عمرهم على 15 عاماً يدخنون.
وفي فرنسا، بقيت نسب المدخنين المنتظمين ثابتة طوال السنوات العشر الأخيرة، حيث عوض الارتفاع في انتشار التدخين بين النساء عن انخفاضه بين الرجال. وأظهرت احصاءات في أوائل التسعينات أن 40% من البالغين يدخنون، ويشكلون 48,2% من الرجال و32,8% من النساء، وأن 32,5% ممن تراوح أعمارهم بين 12 و18 عاماً كانوا يدخنون بانتظام. وفي بريطانيا، يشكل المدخنون المنتظمون 35% من البالغين. وقد انخفضت نسبة التدخين في السنوات العشرين الأخيرة من 52% إلى 33%. وفي البلدان المتقدمة عموماً، ينخفض التدخين بنسبة 10% سنوياً، بينما يزيد في آسيا وأميركا الجنوبية بوتيرة تتعدى الزيادة في عدد السكان بنسبة 7%، وبنسبة 18% في أفريقيا.
التدخين عند العرب
وفي الشرق الأوسط وشمال افريقيا، أي في المنطقة العربية، تبلغ نسبة المدخنين بين الرجال حوالى 44% وبين النساء 5%. وتتفاوت نسب المدخنين بين بلد وآخر. ففي لبنان، مثلاً، أظهرت دراسة أجريت عام 1997 على عينة من المواطنين، أعمارهم 19 عاماً فما فوق، ان نسبة التدخين تبلغ 60,7% عند الذكور و47% عند الاناث. ويختلف انتشار التدخين باختلاف العمر. ووجدت أعلى نسبة تدخين (59,5%) عند الذين تراوح أعمارهم بين 30 و39 عاماً، وهؤلاء يمثلون 31,5% من اجمالي عدد السكان. وتدخين السجائر هو الأكثر انتشاراً، اذ يمارسه 95% من المدخنين. ويبلغ معدل السجائر التي يدخنونها يومياً 23,3 سيجارة للفرد. ويشعل 20% من المدخنين 40 سيجارة أو أكثر في اليوم، فيما 67,5% يدخنون 20 ـ39 سيجارة، و16% يدخنون 6 ـ 19 سيجارة، و11% يدخنون 5 سجائر أو أقل. ويختلف معدل السجائر التي تدخن يومياً باختلاف الجنسين، اذ يدخن الذكور 27,4 سيجارة في مقابل 18,3 سيجارة للاناث. وذا يختلف أيضاً بحسب الوضع المهني، حيث لوحظت أدنى نسبة عند المدرسين (16,8 سيجارة) وأعلى نسبة عند العاطلين عن العمل (34,8 سيجارة). لكن النسبة لا تختلف باختلاف المستوى الثقافي. ويشعر 56% أنهم أكثر قدرة على التركيز عندما يدخنون، و82,3% أنهم يتحررون من الضغوط، و52,1% أنهم أكثر تنبهاً، ويرتاح 18,6% إلى وجود سيجارة بين أصابعهم، ويفضل 44,7% طعم التبغ، ويستسيغ 68,7% رائحته. وللنارجيلة شعبية في لبنان، اذ تبلغ نسبة مدخنيها 14%، ثلثهم من المدخنين المنتظمين. والمعلومات عن التدخين في لبنان محدودة، على رغم أن حجم المشكلة كبير. ويأتي لبنان في المرتبة الرابعة عالمياً من حيث معدل استهلاك السجائر الاميريكة، وفي المرتبة التاسعة من حيث معدل تدخين السجائر عموماً.
وفي سورية، أظهر مسح وطني حول استهلاك التبغ أجرته وزارة الصحة عام 1999 أن شريحة تشكل 25,85% من عدد السكان وبعمر 15 عاماً فأكثر تدخن يومياً ما يزيد على 15 سيجارة للفرد. وتبين أن نسبة انتشار التدخين عند الذكور بهذا العمر تصل إلى 46,66%، أي نحو 2,3 مليون مدخن، بينما تنخفض عند الاناث إلى 7,67% أي 430 ألفاً، بمجموع يصل إلى 2,73 مليون. يضاف اليهم المدخنون العرضيون الذين لا يتعاطون التدخين يومياً ونسبتهم 3,04% للذكور و2,25% للاناث. وكشف المسح أن التدخين أكثر انتشاراً في المدن منه في الريف. ويأتي المطلقون في مقدمة المدخنين، يليهم ذوو التعليم المتدني ثم العاملون في المهن الخدمية. وهذا يظهر الارتباط بين التدخين والحالة الاجتماعية والمادية والتعليمية، حيث يبدأ معظم التدخين في سن الشباب كنوع من الترويح عن النفس ليتحول إلى إدمان. ويتعاطى المدخنون السوريون أصنافاً كثيرة، منها الأجنبي المستورد ومدخنوه من أصحاب الدخل المرتفع، ومنها ما هو منتج محلياً. ويدفع المدخنون نحو 15 بليون ليرة سورية سنوياً (300 مليون دولار) ثمناً للسجائر. وتؤكد مصادر طبية أن فاتورة زراعة وصناعة التبغ في سورية خاسرة قياساً على الفاتورة الصحية والاقتصادية التي تترتب على المدخن وأسرته ورب عمله والدولة. أما مصادر مؤسسة التبغ فترى أن هذا القطاع مربح اقتصادياً، لأنه يوفر فرص عمل لنحو مليون شخص يعملون في زراعة التبغ من خلال 225 ألف رخصة تعطى سنوياً، وتصل قيمة المحاصيل التي تدفع لهم إلى نحو بليوني ليرة (40 مليون دولار).
وفي الاردن، تبين الاحصاءات أن المدخنين يشكلون 44% من البالغين الذكور و5% من البالغات، و32% من الشبان و11% من الشابات. وبينت احدى الدراسات ان معدل انتشار التدخين بلغ 63% عموماً، وعند الاطباء 51%، والمهندسين 68%، والجنود 76%، والقطاع الجامعي 62%، وسائقي التاكسي 84%، والعمال 80%، والمدرسين 65%، ورجال الاعمال 74%، والصحافيين 79%، والميكانيكيين 89%، وربات البيوت 37%. وأظهرت دراسة أخرى أجريت عام 1996 أن نسبة الذكور المدخنين من الفئة العمرية 25 سنة فأكثر بلغت 48%، في حين بلغت نسبة الاناث المدخنات 10%، وكانت نسبة الاقلاع عن التدخين 10%. وفي دراسة مسحية لانتشار التدخين بين الشباب من 13 إلى 15 سنة أظهرت النتائج أن 19,3% يدخنون، وهم يشكلون 14,5% من الاناث و25% من الذكور، وأن أهم أسباب التدخين تقليد الآخرين (37%) وسهولة الحصول على السجائر (29%) وأثر وسائل الاعلام والاعلان (2,8%). وبحسب احصاءات 1990، بلغت الاراضي المزروعة تبغاً في الاردن 1,1% من اجمالي الاراضي القابلة للزراعة، ما يعادل 33500 دونم (الدونم 1000 متر مربع)، في حين بلغ انتاج التبغ غير المصنع 2800 طن سنوياً والمستوردات 1700 طن. ويصنع الاردن أربعة بلايين سيجارة سنوياً، فيصدر 300 مليون سيجارة ويستورد 55 مليوناً. ويعمل في قطاع زراعة التبغ 1500 مزارع يستخدمون ما بين 15 و20 ألف عامل، في حين يعمل 700 شخص في تصنيع التبغ. وبلغ استهلاك الفرد الاردني البالغ 1680 سيجارة سنوياً في التسعينات.
ويستهلك العراق ما بين 20 و25 ألف طن من التبغ سنوياً. وأفادت احصائية اجريت عام 1999 أن نسبة المدخنين بلغت 40% بين الذكور البالغين و5% بين الاناث البالغات، و5% بين الذكور الذين يقل عمرهم عن 16 سنة و1% بين الاناث من هذه الفئة. وتتناقص نسبة المدخنين بين البالغين وتتزايد بين المراهقين والشباب. وينتشر التدخين بنسب متفاوتة بين مختلف فئات المجتمع، علماً أن 30% من الأطباء و60% من عمال الصحة يدخنون. ومن أسباب تزايد نسبة المدخنين ظروف الحصار الاقتصادي المفروض على العراق منذ عام 1990. وبلغت كمية السجائر المستهلكة عام 1998 نحو بليون علبة، 90% منها انتاج وطني. وبلغ عدد السجائر المستهلكة 1200 لكل فرد بالغ في السنة. ويأتي العراق في المرتبة الخامسة والخمسين في قائمة الدول المستهلكة للتبغ، وتأتي بولندا في أول القائمة (3620 سيجارة للفرد في السنة) واثيوبيا في آخرها (90 سيجارة للفرد في السنة).
وفي الامارات العربية المتحدة، أظهرت دراسة أجريت على عينة من تلاميذ المدارس الاعدادية والثانوية في أبوظبي ودبي والشارقة ورأس الخيمة في الثمانينات أن 49% منهم بدأوا التدخين في المرحلة الاعدادية (13 ـ 16 عاماً) و38% في المرحلة الابتدائية (6 ـ 12 عاماً)، و13% في المرحلة الثانوية (17 ـ 20 عاماً). واستمر 53% في التدخين مجرد تسلية، و35% لأنهم يعانون مشاكل خاصة، و21% غيرة من زملائهم، و5% لكي يظهروا بمظهر الرجال. وتبين أيضاً أن 35% يدخنون بمعدل سيجارة إلى 5 سجائر في اليوم، و32% من 5 إلى 10 سجائر، و20% من 10 إلى 15 سيجارة، و5% من 15 إلى 25 سيجارة. وأشار 44% منهم إلى أن معدلات التدخين تزداد عندهم في ظروف معينة مثل الامتحانات والغضب والخوف ومشاهدة المباريات الرياضية والاجازات في الخارج. ووجد أن 53% من المجموع لا يعلم أولياء أمرهم بأنهم يدخنون، في مقابل 47% كان أولياء أمرهم على علم بما يفعلون، وأن 95% كانوا على علم بأخطار التدخين على صحتهم.
وفي مصر، أظهرت دراسة ميدانية شملت أساتذة وطلاب كلية الطب في جامعة القاهرة أن التدخين منتشر بين الطلاب بنسبة 71%، ويقل بين الأطباء الحديثي التخرج إلى 66%، وبين أعضاء هيئة التدريس إلى 58%. ولدى 65% من المدخنين رغبة قوية في الاقلاع عن التدخين، لكن 43% فقط نجحوا في ذلك. و70% من الأطباء يهتمون بسؤال مرضاهم إن هم يدخنون أم لا، و41% ينصحون مرضاهم بالامتناع عن التدخين أياً كان سبب مرضهم.
وفي تونس، عرف التدخين في القرن السادس عشر عن طريق الاندلسيين، ثم الاتراك الذين رسخوا هذه العادة وأعطوها بعداً اجتماعياً. فبعد أن كان التدخين مقتصراً على أعيان البلاد، انتشر في أوساط العامة، خصوصاً في فترة الاستعمار الذي شجع عليه بتوفير السجائر والتبغ بأسعار زهيدة. وتشير الاحصاءات إلى أن 3,46 ملايين من سكان تونس يدخنون، يمثلون 56% من الذين تفوق أعمارهم الخامسة عشرة، ومنهم 1,7 مليون تراوح أعمارهم بين 15 و24 عاماً. وتعتبر السجائر من السلع الأكثر استهلاكاً في تونس، اذ يدخن المواطن التونسي ما معدله 1788 سيجارة سنوياً. ويبلغ معدل استهلاك التبغ 20 كيلوغراماً للفرد في السنة. أما نسبة المدخنين من عدد السكان فتبلغ 35,1% بحسب أحدث دراسة. وتبلغ نسبة المدخنات 11%، خصوصاً بين المثقفات اللواتي يسكنَّ المدن الكبرى. وللوسط المدرسي نصيب كبير من المدخنين، اذ يشمل 27,7% من الشباب، 35,5% ذكور و20% اناث. وتشير دراسة أجريت في منتصف التسعينات إلى أن 9% من المواطنين كانوا يدخنون النارجيلة، وغالبيتهم من الرجال، علماً ان النسبة ازدادت كثيراً في الآونة الأخيرة. ومن وسائل استهلاك التبغ في تونس ما يسمى "النفَّة"، يتعاطاها غالباً الرجال الكبار السن. أما استعمالها فهو عن طريق الأنف والفم، إذ تأتي في شكل مسحوق يوضع في جانب الفم أو يستنشق عن طريق الأنف كالسعوط. وتبلغ نسبة متعاطيها نحو 9%.
4 ملايين وفاة كل سنة
يساهم التدخين بقسط رئيسي من العبء المرضي العالمي. وفي البلدان التي تتفشى فيها هذه العادة، يموت واحد من كل مدخنَيْن قبل الأوان، ونصف هؤلاء يموتون في منتصف العمر. وقدرت الوفيات المبكرة التي لها علاقة بالتدخين عام 1990 بنحو ثلاثة ملايين، وارتفعت إلى أربعة ملايين عام 1999، ويقدر أن ترتفع إلى نحو 10 ملايين وفاة سنوياً في عشرينات القرن الحالي. وسوف يموت بليون شخص خلال هذا القرن بسبب استهلاك التبغ، منهم 150 مليوناً في العقدين الأولين. ويبلغ نصيب البلدان النامية سبع وفيات من كل عشر. ففي هذه البلدان قتل التدخين بين عامي 1950 و2000 أكثر من 60 مليون شخص. وبسبب طول الفترة الفاصلة بين بداية التدخين وتأثيراته الصحية، تمثل الوفيات الحالية عواقب التدخين الذي كان سائداً في خمسينات وستينات القرن الماضي.
يسبب استهلاك التبغ في الولايات المتحدة أكثر من 400 ألف وفاة ونفقات طبية مباشرة تبلغ أكثر من 50 بليون دولار في السنة. وفي الصين حالياً 50 مليون طفل سيموتون قبل الأوان من جراء التدخين. ويقتل التدخين حوالى نصف مليون صيني سنوياً، ويتوقع أن يزيد العدد إلى مليونين سنة 2020. ومن أصل 300 مليون صيني دون الـ29 عاماً سيقتل التبغ 100 مليون، أي الثلث. وفي الهند، يسبب التدخين وفاة 600 ألف إلى مليون فرد كل سنة. وفي بلدان الاتحاد السوفياتي السابق كان التدخين السبب في 14% من الوفيات التي حدثت عام 1990، ويتوقع أن ترتفع النسبة إلى 22% سنة 2020.
وفي سورية، أفادت التقديرات أن التدخين يسبب 17% من الوفيات في شكل عام، و30% من وفيات السرطان، و13% من وفيات الأمراض القلبية الوعائية، و66% من وفيات الداء الرئوي والانسداد. وفي العراق، يقتل التدخين في وقت مبكر 15 ألف شخص سنوياً، أي ما بين 40 و50 وفاة يومياً. وأفادت الدراسات أن كل 1000 طن من التبغ يقابلها 990 حالة مرضية جديدة تنجم عنها 650 وفاة. وفي تونس، يبلغ عدد الوفيات المنسوبة إلى التدخين 10 آلاف حالة سنوياً، ويعاني من الأمراض المزمنة التي يسببها 800 ألف شخص يمثلون 8,25% من عدد السكان.
أمراض التدخين
يحتوي دخان التبغ على عدة آلاف من الغازات والأجسام السامة، يمكن تصنيفها في أربعة أنواع أساسية، هي: النيكوتين الذي يؤثر على الجهاز العصبي ويسبب الادمان، وغاز أول أوكسيد الكربون الذي يتراكم في الدم ويحل مكان الاوكسيجين فيضعف وظائف الأعضاء، ومواد مهيجة تحدث التهاب انسجة الجهاز التنفسي وتحد من مقدرتها على الدفاع ضد الأمراض الجرثومية وملوثات الهواء، ومواد مسرطنة (أهمها القطران) تتراكم في الأنسجة وتسبب السرطان.
والتعرض القسري لدخان التبغ يزيد معدلات الاصابة بالتهاب القصبة الهوائية والالتهاب الرئوي وأمراض تنفسية أخرى، والتهابات حادة ومزمنة للأذن الوسطى، وازدياد نوبات الربو لدى الاطفال المصابين بالربو، وازدياد كبير في خطر حدوث متلازمة موت الرضيع المفاجئ أو الموت في المهد، وانخفاض وزن الاطفال الذين تلدهم حوامل يتعرضن للتدخين القسري. وهو يهدد الصحة العامة في أماكن العمل والمحلات العامة المقفلة.
ويعتبر التدخين سبباً معروفاً أو محتملاً لنحو 25 مرضاً مختلفاً، منها مرض الدماغ والقلب الاقفاري، وسرطان الفم والحنجرة والرئة والبنكرياس والمثانة، وتعفنات الجهاز التنفسي، والتهاب القصبات المزمن، والتضخم الرئوي، وتقرحات المعدة. وفضلاً عن الأضرار الصحية، هناك أضرار اجتماعية، مثل ايذاء الآخرين من جراء التدخين السلبي، والتعطل عن العمل نتيجة المرض، والحرائق التي يسببها القاء أعقاب السجائر في البرية، وتلوث الهواء الداخلي.
مكافحة التدخين
إثر ثبوت المضار الصحية والاقتصادية للتدخين، عمدت بلدان العالم إلى مكافحته والحد من انتشاره، وإن بدرجات متفاوتة. فقد بذلت جهود كبيرة للحد من استهلاك التبغ في الولايات المتحدة وكندا واوروبا الغربية، مما أدى إلى انخفاض مطرد في الطلب على منتجاته. وقد انخفض التدخين في الولايات المتحدة في السنوات العشرين الأخيرة من 43% أوائل الثمانينات إلى 30% عام 1986 إلى 28% في منتصف التسعينات و17% عام 1997. ويتوقع ان ينخفض أكثر إثر أول دراسة وطنية حول تعرض السكان للتدخين القسري، حيث تبين أن 87,9% من غير المدخنين يحتوي دمهم على مستويات ملحوظة من النيكوتين. ازاء هذا الوضع، وحفاظاً على مصالحها وامتيازاتها، عمدت شركات تصنيع التبغ الكبرى في الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وغيرها إلى توسيع أسواقها في البلدان النامية، حيث جهود مكافحة التدخين ما زالت متواضعة، ومنها البلدان العربية.
في لبنان، مثلاً، قوانين مكافحة التدخين غائبة عملياً. وتمثل تجارة التبغ والاعلان عنه جزءاً هاماً من الاقتصاد. ويجري الاعلان عن التبغ بحرية تامة. وتؤمن اعلانات السجائر عائداً لا يستهان به لوسائل الاعلان والاعلام. ويظهر كثير من الشخصيات السياسية والاجتماعية في مقابلات تلفزيونية وهم يدخنون. ولا تخلو المدارس من التدخين، ونادراً ما تنخرط في برامج تثقيفية للحد من انتشاره. وما زالت غالبية المستشفيات تتغاضى عن التدخين في حرمها، على رغم صدور قرار بمنع التدخين في المستشفيات وأماكن عامة أخرى. وتقتصر الحملات العامة الهادفة إلى التحذير من الأخطار الصحية للتدخين على يوم واحد طوال السنة، هو 31 أيار (مايو) اليوم العالمي لمكافحة التدخين.
ولا توجد في سورية حتى الآن دراسات حول حجم التدخين السلبي والأثر الاجتماعي والاقتصادي للأمراض والوفيات الناتجة عن التدخين والخسائر التي يتكلفها الفرد والدولة. وهذا يعوق جهود مكافحة التدخين الوطنية ورصد الميزانية اللازمة للتداوي، ويحرم سورية من مساعدات مادية وفنية دولية. وقد تنامت المسؤولية الوطنية تجاه التدخين ومضاره في السنوات الأخيرة، فصدر مرسوم تشريعي عام 1996 يقضي بمنع الاعلان عن التبغ والدعاية له، تلاه قرار صادر عن مجلس الوزراء باعتبار التاسع من أيلول (سبتمبر) من كل عام يوماً وطنياً لمكافحة التدخين. وصدرت عن معظم الوزارات والجهات العامة قرارات وتعاميم تقضي بمنع التدخين في مقراتها ومنشآتها وأماكن أخرى، بهدف منع الضرر الذي يسببه الدخان لغير المدخنين والحفاظ على بيئة العمل والأماكن العامة من آثار المواد الضارة في دخان السجائر.
وفي الاردن، صدر الكثير من التعليمات والقرارات التي تحظر التدخين في الأماكن العامة والدوائر والمؤسسات الرسمية. لكن التشريعات المعمول بها حالياً لا تكفي لمواجهة مخاطر التدخين، مما يوجب اعادة النظر في هذا الموضوع من النواحي القانونية والاقتصادية والصحية والانسانية.
وتمضي المملكة العربية السعودية منذ خمس سنوات في حملة واسعة للحد من انتشار التدخين، من خلال رفع الرسوم الجمركية المفروضة على استيراد منتجاته، وتخفيض نسبة النيكوتين والقطران إلى 1%، وحظر الاعلان التجاري عن السجائر في وسائل الاعلام المحلية. وتتجه المملكة إلى جعل مكة المكرمة والمدينة المنورة مدينتين خاليتين من التدخين، وحظر بيع منتجات التبغ فيهما. وستقوم بمحاصرة تدريجية لممارسة التدخين فيهما، على غرار ما فعلته الخطوط السعودية مؤخراً بمنع التدخين خلال الرحلات التي تدوم حتى ساعتين، مع توجه لمنع التدخين في الرحلات التي تصل مدتها إلى أربع ساعات.
وفي سلطنة عمان، منعت النارجيلة في المقاهي. وفي تونس تبذل جهود من أجل مقاومة التدخين والحد منه، تتمثل بحملات للكشف عن مضاره في اليوم العالمي لمكافحة التدخين في 31 أيار (مايو)، وفي الاسبوع المغاربي للصحة المدرسية. كما سُنّ قانون يحظر التدخين في الأماكن العامة.
تجارة رائجة
تنفق شركات صناعة التبغ 6 بلايين دولار سنوياً على الاعلانات المروجة للسجائر ومنتجات التبغ الأخرى. وهذه توجه إلى الشباب بنوع خاص، بحيث يخيل اليهم أن التدخين يكسبهم صفات الاثارة والجاذبية والرجولة والنجاح والاناقة والعصرنة. وتشير الأبحاث الى أن قرار تعاطي التدخين يتأثر بالحملات الترويجية. فاعلانات السجائر تظهر فيها شخصيات رياضية وفنية تعكس صورة ايجابية للتدخين، فيبدو المدخن شخصاً جذاباً ولافتاً للنظر. وفي الدول التي تحظر اعلانات السجائر، يتم ايصال "الرسالة" بطريقة حاذقة في الأفلام وأشرطة الفيديو، وبرعاية مناسبات رياضية وفنية واجتماعية.
وتملك شركات صناعة التبغ موارد بشرية ومالية وسياسية هائلة، تسخرها لمواجهة السياسات والحملات الهادفة الى حماية الناس من التدخين، ولا سيما القسري أي استنشاق دخان الآخرين. وهي تنفق ملايين الدولارات لاستمالة الجماعات المؤثرة في وضع القرار السياسي، ومواجهة البحوث العلمية التي تفضح مضار التدخين، وشراء ضمائر العلماء، واصدار دراسات زائفة. وكثيراً ما تقوم بالهاء الجمهور بعيداً عن هذه القضية بالتركيز على مخاطر ملوثات أخرى.
يقول الخبراء أن لا كمية تبغ مأمونة، لذلك فان قطع دابر هذه الآفة القاتلة لا يكون إلا بالاقلاع عن التدخين. وفي مواجهة جبروت صناعة السجائر العالمية، يتعين على المنظمات المهتمة بمكافحة التدخين اعتماد سياسة أكثر تشدداً، والاستعانة بكبار العلماء وعتاة المحامين لاثبات مخاطر هذه الآفة.
ولا غرو أن يأتي يوم تصبح فيه السيجارة شيئاً ممنوعاً، مثل المخدرات.
كادر
النارجيلة: 20 سيجارة في واحدة
النارجيلة، أو الشيشة، من التقاليد القديمة العميقة الجذور في تركيا، حيث كان الرجال والنساء يجدون متعة في تدخينها. وما زال هذا التقليد شائعاً إلى يومنا هذا، حيث يلجأ اليها المدخنون كضرب من ضروب الترويح عن النفس.
أتت النارجيلة أصلاً من الهند، لكنها كانت بدائية تصنع من قشور جوز الهند. ثم انتشر استعمالها في ايران، ومنها إلى بلدان العالم العربي. وفي تركيا تطور صنعها واتخذت شكلها الحالي الذي لم يتغير منذ بضع مئات من السنين. وانتشرت هناك منذ عهد السلطان مراد الرابع في القرن السابع عشر. ولاقت شعبية كبيرة لدى سيدات المجتمع في القرن التاسع عشر. ومع انتشار السجائر في أوائل القرن العشرين تراجع استخدامها.
وتتكون النارجيلة من أربعة أجزاء: الجزء العلوي الذي يوضع فيه التبغ والفحم، والاسطوانة التي تنقل الدخان نزولاً، إلى القارورة التي تحتوي على ماء، والانبوب الذي يوصل الدخان إلى الفم.
ليست جميع أنواع التبغ تصلح للاستخدام في النارجيلة. فالنوع الداكن اللون المستورد من ايران، وتدعوه العامة "التنباك العجمي"، هو المفضل لدى المدخنين التقليديين. وهو قوي المفعول، ويستخدم الفحم المصنوع من حطب السنديان لاشعاله. لكن بعض مدخني النارجيلة المحدثين يفضلون أصنافاً أخف، تنقع في عصير أنواع من الفواكه، مثل الكرز والعنب والتفاح، وحتى النعناع والورد، لتعطي نكهات مختلفة. وتستخدم لاشعالها غالباً أقراص من الفحم المصنَّع بدل الفحم النباتي.
وتفيد تقارير طبية أن النارجيلة لا تقل ضرراً عن السيجارة، بخلاف ما يعتقده كثيرون. بل يحذر الأطباء من انها أبلغ خطراً، لأن تدخينها المتواصل على مدى ساعتين يعادل تدخين نحو 15 سيجارة.
كادر
التدخين السلبي
في دراسة حول مفعول التدخين القسري، أو غير المباشر، أجراها في السنوات السبع الأخيرة 12 مركزاً لأبحاث السرطان في سبعة بلدان أوروبية تحت اشراف الوكالة الدولية لأبحاث السرطان التابعة لمنظمة الصحة العالمية، تبين أن هناك زيادة 16% في مخاطر الاصابة بسرطان الرئة لدى زوجات المدخنين اللواتي لا يدخن.
ومن أهم التأثيرات المرتبطة سببياً بالتعرض للدخان السلبي أو غير المباشر:
تأثيرات على النمو: وزن منخفض عند الولادة، موت فجائي للطفل.
تأثيرات تنفسية: التهابات حادة في مجرى التنفس السفلي لدى الأطفال (التهاب شعبي وذات الرئة)، اثارة نوبات الربو واشتدادها لدى الاطفال، أعراض تنفسية مزمنة لدى الأطفال، تهيج العينين والأنف لدى البالغين، التهاب الأذن الوسطى لدى الأطفال.
تأثيرات سرطانية: سرطان الرئة، سرطان جيوب الأنف، سرطان عنق الرحم.
تأثيرات قلبية وعائية: تعرض لأمراض القلب الاكليلية الحادة والمزمنة، وفيات بأمراض القلب.
كادر
التدخين حرام شرعاً
أصدرت دار الافتاء المصرية حكماً شرعياً بالحرمة القطعية للتدخين في فتواها الصادرة في 25 جمادى الأولى 1420هـ الموافق 5 أيلول (سبتمبر) 1999م. وجاء فيها:
"ان العلم قد قطع في عصرنا الحالي بأضرار استخدامات التبغ على النفس، لما في التدخين من أضرار تصيب المدخن وغيره ممن يخالطونه، ولما فيه من إسراف وتبذير نهى الله عنهما.
والله تعالى يقول: "ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً". ويقول عزَّ وعلا: "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين".
وعليه فإن التدخين حرام بكل المقاييس الشرعية.
الدكتور نصر فريد واصل
مفتي جمهورية مصر العربية