"كلنا أصدقاء للأوزون"، شعار تصدّر حملة إعلانية كبيرة أطلقها منذ فترة مكتب الأوزون في وزارة البيئة اللبنانية، الذي تموله الأمم المتحدة.
تذكّرتُ هذا الشعار حين قرأت مقررات اجتماع الدول الأعضاء في بروتوكول مونتريال حول الأوزون، الذي عقد مؤخراً في نيروبي. فقد جمّد اعتراض من الولايات المتحدة تطبيق اتفاق مسبق حول وقف استخدام "الميثيل برومايد"، وهو مبيد حشري نباتي مسبّب لترقق طبقة الأوزون، كان من المفترض أن يُمنع نهائياً في الدول المتقدمة مع مطلع سنة 2005. هذا المبيد يقتل حشرات تتكاثر في زراعات البيوت المحمية، خاصة لأصناف الفراولة والبندورة والبطيخ. فالمزارعون الأميركيون طلبوا استثناءهم من الالتزام بالموعد، لأنهم غير مستعدين لتحمّل كلفة البدائل، مما أدى إلى نسف الاتفاق.
ويعتبر بروتوكول مونتريال لحماية طبقة الأوزون من أكثر البرامج البيئية الدولية نجاحاً، لأنه ارتبط بخطة تنفيذية وتمويل لمساعدة الدول النامية في اعتماد مواد بديلة عن تلك المسببة لثقب الأوزون، خاصة الكلوروفلوروكربونات، التي كانت مستخدمة على نطاق واسع في مكيفات الهواء وعبوات الرذاذ التي ترش العطور وغيرها، ومبيدات زراعية مثل الميثيل برومايد. وقد تم بالفعل خفض استخدام هذه المواد بنسبة كبيرة في السنوات العشر الأخيرة.
الدول العربية شهدت نجاحاً ملحوظاً في تطبيق برامج استبدال المواد المضرة بطبقة الأوزون. فصناعة المكيفات في دول الخليج كانت سبّاقة في اعتماد بدائل لغاز الفريون. وحقق برنامج استبدال المبيدات المحتوية على ميثيل برومايد خطوات كبيرة في لبنان والأردن. وهذا كله مطلوب ومرغوب. غير أن احتجاج مزارعي الدول الصناعية الغنية أدى في النهاية إلى عرقلة البرنامج. إنها العقلية الاستهلاكية المتوحشة، التي تتوخى استمرار الربح السريع على حساب سلامة الناس وحماية الموارد والحفاظ على حقوق الأجيال المقبلة.
والمضحك المبكي أنه، في حين يعرقل كبار لوبي المزارعين الأميركيين قرار وقف استخدام مبيد الميثيل برومايد، تُنشر في الدول النامية إعلانات عنوانها "كلنا أصدقاء للأوزون"، ويتم الترويج لبرامج بدائل الميثيل برومايد بميزانيات تبلغ مئات ملايين الدولارات.
الأجدى أن تبحث الدول النامية عن مصالحها، أسوة بالمزارعين الأميركيين. فبينما ينفذ لبنان باعتزاز برنامجاً للحفاظ على طبقة الأوزون في الأجواء العليا، حمايةً للتوازن البيئي العالمي، ترتفع معدلات غاز الأوزون الأراضي القاتل في هوائه بنسب مخيفة، ناهيك عن مجموعة كبيرة من الغازات الملوِّثة الأخرى. ومع هذا، ليس هناك عمل فعلي وميزانيات موازية للملايين التي تُصرف على "برنامج ثقب الأوزون"، لمعالجة مشكلة تلوث الهواء، أقلّه بانشاء محطات رصد ثابتة. وبينما يتم الترويج لبدائل مبيدات الميثيل برومايد، ما زالت الاسمدة والمبيدات الكيماوية الزراعية الأخرى تستخدم على نحو منفلت، بلا أية رقابة فعلية، مما جعل بعض المنتجات المحلية من الخضر والفاكهة واللحوم والألبان من الأكثر تلوّثاً وسمّية.
وبينما تُطلق المشاريع المثيرة لحماية ثقب الأوزون، يصدر تقرير لبرنامج الأمم المتحدة الانمائي في لبنان، يتحدث عن "الغازات المنبعثة من الدفيئات، أي البيوت البلاستيكية، مثل ثاني أوكسيد الكربون"! هكذا حرفياً، يسيء تقرير رسمي تفسير أثر الاحتباس الحراري المسمى greenhouse effect، أي تحوُّل الأرض الى ما يشبه بيوت الزراعة المحمية التي تحبس حرارة الشمس، بسبب الغازات المنبعثة من الصناعة وتوليد الطاقة ووسائل النقل، مشيراً الى البيوت المحمية نفسها كمصدر للغازات.
فلنتعلم المبادئ الأولى قبل اطلاق الكلام الكبير. وقبل ثقب الأوزون، أو معه على الأقل، لنعالج مسائل محلية صغيرة تقتل الناس والبيئة، مثل المياه القذرة، ومكبات النفايات في الأرض والبحر، والهواء المريض بكل الانبعاثات.
على قدم المساواة مع مزارعي أميركا، نحن أيضاً لنا حقوق ومطالب وأولويات. فلن تُحل مشاكلنا ما دمنا نؤدي دور ببغاوات البيئة.
|