الرياض ـ خاص بـ"البيئة والتنمية"
الحياة البرية في المحميات السعودية بدأت تزدهر من جديد، مع الخروج من مضاعفات موجة الجفاف التي ضربت منطقة الخليج في السنوات الماضية. فقطعان المها العربي (الوضيحي) تتجول بحرية في موطنها الطبيعي، بعد إطلاقها ضمن مراحل إكثارها في الاسر، والأرنب والذئب والضبع والثعلب الرملي والزواحف تسرح بين الكثبان، والحياة النباتية والطيور تشهد انتعاشاً.
وقد أظهرت استطلاعات اجريت مؤخراً أن المها العربي تكاثر هذه السنة في محميتي محازة الصيد وعروق بني معارض، ما يؤشر لنجاح برنامج اكثارها واطلاقها في الطبيعة، الذي تتولاه الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وانمائها.
محمية محازة الصيد
"محازة الصيد" هي المحمية الوحيدة المسيجة بالكامل في السعودية، إذ أنها تمثل المختبر الحقلي التجريبي لأبحاث ومشروعات إعادة توطين الأنواع الحيوانية الفطرية، المنماة تحت الأسر في مراكز الأبحاث التابعة للهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وانمائها. وتضم المحمية عدداً من المسيجات المتفاوتة المساحة، تم تخصيصها لإكثار الأنواع الفطرية المختلفة تحت الأسر، وإعدادها للإطلاق في البرية، حيث تعيش معتمدة على نفسها في تدبير غذائها ومقاومة أعدائها الطبيعيين.
وقد تم حتى الآن إطلاق أعداد كبيرة من المها العربي وغزال الريم وطيور الحبارى والنعام الأحمر الرقبة في المحمية. وتجرى دراسة سلوكيات هذه الحيوانات المعاد توطينها، ومتابعة انتشارها، وتسجيل عاداتها وتحركاتها اليومية، لضمان نجاح عمليات إعادة التوطين، التي تتم في المناطق المحمية المفتوحة، مثل عروق بني معارض حالياً، ومحمية حرة الحرة والخنفة في المستقبل.
وتجرى متابعة حالة قطعان الأنواع الفطرية، المعاد توطينها في المحمية، بشكل متواصل. كما يتم متابعة التغيرات التي تطرأ على الغطاء النباتي، الذي تعتمد عليه هذه الأنواع في تغذيتها، ومدى تأثره بحالة الجفاف التي تسود المملكة منذ سنوات. وقد تم إطلاق 109 طائر من طيور الحبارى في المحمية خلال العام المنصرم، كان البعض منها من إنتاج 1999، ليصل بذلك عدد طيور الحبارى التي تم إطلاقها فيها حتى نهاية العام الى 415 طائراً، نفق عدد منها بسبب الافتراس، وبقي معظمها في المحمية. ويبدو أن الجفاف الذي يسود جو المحمية منذ بضع سنوات قد أثر سلباً على القدرة التكاثرية الطبيعية لهذا الطائر.
ويرجع معظم أسباب نفوق الطائر في المحمية الى افتراسها بواسطة الثعالب والقط الرملي، حيث يعتبر الثعلب الأحمر ألدّ أعدائها. ولذلك يجري بشكل مستمر إمساك الثعالب والقطط الرملية، ونقلها وإبعادها عن المحمية، للمحافظة على الطيور المعاد توطينها فيها. وقد لوحظ أن الثعلب الأحمر قد انحسرت أعداده المترددة على المحمية، ربما بسبب إصابته بالسعار "الكلب"، وكذلك انحسرت أعداد القط البري، وهي المفترسات الرئيسية للحبارى في المحمية، وتم إمساك 18 ثعلباً من نوع روبيللي، إلا أنه ليس من المعروف عن هذا النوع، مهاجمته للحبارى. وربما كانت المفترسات للحبارى حالياً هي الظربان والبوم العقابي. وتدل الدراسات التي أجريت في المحمية، على أنه يتوافر فيها الغطاء النباتي وأنواع الحشرات الكافية لتغذية الحبارى. وتدل المسوحات الحقلية في المحمية، ودراسات حصر أعداد المها العربي فيها، على أن قطيع المها العربي في المحمية يضم حوالى 415 رأساً.
وقد تم تسجيل 26 حالة نفوق بسبب نقص التغذية وجفاف الجسم الناتج عن اضمحلال الغطاء النباتي، بسبب حالة الجفاف الشديد التي سادت أخيراً، كما تم تسجيل 24 حالة ولادة خلال العام.
تم إخضاع 36 رأساً من المها، المعاد توطينها في المحمية، لمتابعة دقيقة مستمرة للتعرف على سلوكياتها، منها 20 أنثى و16 ذكراً. وقد اتضح من نتائج المتابعة، التي استمرت لعدة سنوات، وجود تباين كبير في سلوكياتها، حيث تراوح نطاق انتشارها من 473 الى 2035 كيلومتراً، وكان انتشار الإناث، بوجه عام، أكبر من انتشار الذكور، خاصة في موسم ارتفاع درجات الحرارة، ربما لزيادة احتياجها للغذاء، بسبب الحمل والإرضاع. وقد تراوح معدل الحركة اليومية من كيلومتر واحد إلى عشرة كيلومترات. ويعتقد الباحثون ان هذه النتائج تعود إلى ظروف تسييج المحمية، حيث يحد السياج من حركة المها، الذي يعرف عنه أنه حيوان واسع التحرك، ومن طبعه حب الاستكشاف.
ويقدر متوسط عدد غزلان الريم الباقية في المحمية بنهاية العام بحوالى 833، ويتراوح تقدير العدد الكلي للغزال في المحمية من 432 إلى 1734. ويرجع نقصان عدد الغزلان الى نسبة النفوق العالية التي أصيب بها، نتيجة استمرار سيادة الجفاف في المحمية خلال العام، حيث تم جمع حوالى 410 جمجمة لغزلان نافقة بسبب الجفاف. وهذا العدد أقل كثيراً من العدد الذي نفق خلال عام 1999. وبلغ عدد الولادات المسجلة في المحمية خلال العام، من الغزلان 21 ولادة، نفق منها عشرة صغار.
وأسفرت المسوحات الحقلية التي أجريت في المحمية عن تسجيل وجود 133 نوعاً من الطيور الفطرية فيها، منها تسعة أنواع تسجل لأول مرة في المحمية. وتشكل الطيور المهاجرة المشتية والعابرة معظم هذه الأنواع، إذ تصل نسبتها إلى 70 في المئة.
محمية عروق بني معارض
تعد محمية "عروق بني معارض" في جنوب غرب صحراء الربع الخالي من أهم المحميات البرية لاحتوائها على أكثر من 75 نوعاً من النباتات البرية والعديد من الحيوانات والطيور البرية. شهدت المحمية عام 1995 أول برنامج لإعادة توطين المها العربي وغزال الريم في البيئات الطبيعية غير المسيجة في السعودية، وكان ذلك برعاية صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام ورئيس مجلس إدارة الهيئة.
وفقاً لأحدث الإحصائيات ونتائج المراقبة عن بعد والملاحظة الميدانية، التي استمرت لمدة 21 يوماً، للحيوانات البرية المعاد توطينها في محمية عروق بني معارض، تبيّن أن الحالة الصحية لجميع أفراد قطيع المها العربي الذي يتكاثر ذاتياً فيها بين جيدة وممتازة.
وكان الباحثون قد رصدوا 235 موقعاً شوهد فيها المها العربي في المحمية. كما شوهد 31 وليداً للمها ونحو 150 غزال ريم إضافة الى 32 غزال إدمي. وقد سجلت حالة صيد واحدة لغزال ريم في الجزء الشرقي من المحمية. وبتحليل نتائج المراقبة اتضح أن 85 في المئة من المها شوهدت فرادى أو في مجموعات مكونة من فردين أو ثلاثة. وتكونت أكبر القطعان من 14 مهاة. أما عن مصدر الحيوانات المشاهدة، فقط كانت نسبة الحيوانات المرباة في الأسر 44,7 في المئة منها، ونسبة الحيوانات المولودة في البرية 51,9 في المئة، أما التي لم تحدد فكانت نسبتها 3,4 في المئة نظراً لعدم التعرف عليها لبعدها عن الباحث.
وكانت العاصفة الممطرة في نيسان (ابريل) 2002 قد شجعت على تحسن ملحوظ في إنتاجية القطيع خلال السنة الحالية، لما للمطر من تأثير مباشر على الغطاء النباتي وبالتالي وفرة الغذاء وتحسن ظروف الحياة. فكانت ذروة الولادات خلال النصف الأول من شهر شباط (فبراير) حين شوهدت 70 في المئة من الولادات من أمهات مرباة في الأسر إضافة الى 30 في المئة من حيوانات برية. ويذكر أن المحمية تستقبل متوسط أمطار سنوية يقل عن 50 ملليمتراً وتتعدى حرارة الجو فيها 50 درجة مئوية في الصيف.
وتقع محمية عروق بني معارض شمال منطقة نجران عند التقاء الحافة الغربية للربع الخالي مع الجزء الجنوبي لنهاية سلسلة جبال طويق، وتمتد على مساحة 11980 كيلومتراً مربعاً، أي أكبر من مساحة لبنان. وهي تتميز بتنوع بيئاتها الطبيعية بين جبال وهضاب جيرية متقطعة ووديان وكثبان رملية تعتبر نماذج طبيعية هامة لمحمية ذات أنماط حماية متعددة. وتعد المحمية آخر المواطن التي شوهد فيها المها العربي في شبه الجزيرة العربية قبيل انقراضه عام 1973. وإلى جانب ما يذكر عن وجود المها العربي وظبي الادمي وظبي العفري السعودي والوعل والنعام العربي وطيور الحبارى فيها، فإنها لا تزال تؤوي أنواعاً عديدة من الحيوانات منها الأرنب البري والوبر والذئب والضبع المخطط والقط الرملي وثعلب الرمال وغيرها. كما تم تسجيل أكثر من مئة نوع من الطيور فيها، تزايدت أعدادها على أثر تحسن وازدهار الحياة النباتية. ومنها الحبارى والصرد الرمادي والقطا والحجل العربي والرخمة المصرية والعديد من أنواع القنابر. ومن الزواحف الضب والورل وغيرها.
وتتمتع المحمية غطاء نباتي غني يتمثل في أشجار السمر والسرح والغضى والأثموم وأشجار الطلح والبان والحرمل والطرف والعشار، مع شجيرات وأعشاب متنوعة. وبعد نجاح إعادة توطين المها العربي وظباء الريم في المواقع ذات الطبيعة الخاصة في المحمية، لوحظ أن أعداد المها في ازدياد مضطرد حيث ضمت المحمية في منتصف عام 2002 قرابة 200 رأس، ومن ظباء الريم نحو 900 رأس ومن ظباء الادمي نحو 90 رأساً.
وقد تم اعلان محمية عروق بني معارض، عام 1995، ضمن المنظومة الوطنية للمناطق المحمية، التي تضم حتى الوقت الحاضر ست عشرة منطقة معلنة من جملة أكثر من مائة منطقة مرشحة بغرض المحافظة على التنوع الأحيائي النباتي والحيواني فيها، واستثماره بطرق مستدامة من خلال حماية مواطن التنوع الطبيعية وتنمية الحياة الفطرية، وبخاصة الأنواع المهددة بالانقراض مثل المها العربي وغزال الريم وغزال الادمي التي اختفت من العديد من مناطق وجودها بسبب الصيد الجائر.
يتضمن موقع الهيئة على الشبكة الالكترونية arabianoryx.com التفاصيل الدقيقة للتاريخ الطبيعي للمها العربي وتوزيعه الجغرافي والوصف الظاهري والتصنيف العلمي وحقائق متنوعة عن جوانب الحياة مثل الغذاء والحركة في المواطن الطبيعية الجديدة والسلوك والتكاثر والدفاع عن النفس وغيرها في إطار "البرنامج السعودي للمحافظة على المها العربي".