Monday 25 Nov 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
مقالات
 
رجب سعد السيد موارد العـالـم  
تشرين الأول (أكتوبر) 2003 / عدد 67
 يؤكد تقرير "موارد العالم" الذي صدر مؤخراً أن وسائل العلم والتكنولوجيا والاقتصاد تبقى قاصرةً ما لم يتحقق عنصر العدالة، وهو لا يتأتى إلا إذا أحكمنا سيطرتنا على أمور بيئتنا. والعدالة عنصر مثير للجدل، ويرتبط ببعض التساؤلات، مثل: كيف تتحدد المسؤوليات بين الدول الصناعية الكبيرة والدول النامية إزاء قضية بحجم قضية الانبعاثات الغازية المسببة للتغيرات المناخية الكونية؟ وما هي درجة الشفافية المطلوب توفرها في سياسات الطاقة القومية؟ وكيف نوفق بين حق المواطن في التعرف على الأخطار التي يحتمل أن تتعرض لها أسرته من مصانع الكيماويات القريبة من موقع منزله، واعتبارات الأمن التي ترى أن نشر معلومات عن هذه المصانع على الملأ يجعلها متاحةٍ أيضاً لعمليات الإرهاب؟

 

رجب سعد السيد

"موارد العالم 2002 – 2004" ينضم إلى سيل لا ينقطع من التقارير، تنعى إلينا تزايد عدد الأنواع من الكائنات الحية المعرّضة لخطر الانقراض، وجهود علمية لا تتوقف عن رصد مظاهر تدهور متسارع في عديد من الأنظمة البيئية والموارد الطبيعية. هذه، وغيرها، علامات على "هبوط حاد" في قلب البيئة العالمية، وعلى انفلات زمام السيطرة على أحوال البيئة، الذي تغذيه عوامل كثيرة، منها الفساد الاقتصادي والإداري، والقرارات الفوقية التي تتجاهل مشاركة المجتمعات المحلية بما يمكن أن توفره لدعم هذه القرارات من معلومات وخبرات. وقد صدر التقرير مؤخراً عن معهد موارد العالم والبنك الدولي وبرنامج الأمم المتحدة الانمائي وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة.

أورد التقرير نتائج استطلاع حول توفر المعلومات البيئية للجمهور. فتبين أن المعلومات الجيدة المتاحة تنحصر في العناوين العامة والكوارث الكبيرة التي لا يمكن التستر عليها. أما المعلومات عن التلوث الصناعي، ومشاريع توليد الطاقة واستثمار الموارد الطبيعية، والتزام المصانع بالمعايير البيئية، وحوادث التلوث داخل المصانع، فتبقى سرية لا يمكن للجمهور التحقق منها. وظهر أيضاً أن 60 في المئة من السكان غير راضين عن القدر المتوفر من المعلومات البيئية.

وفي الجداول الملحقة بالتقرير أرقام غير مشجعة عن العالم العربي. فمشاركة الدول العربية في المعاهدات الدولية ضعيف، وتنفيذ "الأجندة 21" للتنمية شبه معدوم، خاصة على مستوى البلديات وأجهزة الحكم المحلي. فبينما يبلغ معدل البلديات المشاركة في تنفيذها إثنتين في كل بلد عربي، يصل إلى 2042 في ألمانيا و429 في إيطاليا و28 في الفيليبين. وحتى في مصر، البالغ عدد سكانها سبعين مليون نسمة، لا يتجاوز عدد أجهزة الحكم المحلي المشاركة في تنفيذ "الأجندة 21" السبعة.

وتظهر الجداول انخفاضاً في نسبة الاراضي الوطنية المحمية داخل العالم العربي مقارنة مع مساحة البلد الاجمالية، وفق معايير الاتحاد الدولي لصون الطبيعة. فبينما لا تقل هذه النسبة عن 5 في المئة في معظم دول العالم، وتتجاوز 20 في المئة في أكثر من 22 دولة بينها الدنمارك والنمسا والمانيا واندونيسيا وتنزانيا واوغندا، وتصل الى 36,8 في المئة في فنزويلا، تبقى خجولة جداً في معظم البلدان العربية، حيث أنها أقل من 1 في المئة في ثمانية بلدان، وترتفع إلى 9,7 في المئة في مصر و41 في المئة في عُمان و38 في المئة في السعودية (تحتل معظمها محمية عروق بين معارض في الربع الخالي). أما مساحة الغابات الطبيعية، فنقصت بين عامي 1990 و2000 في لبنان واليمن، وارتفعت في مصر وعُمان والامارات.

كما تظهر الجداول أن العالم العربي ما زال من أفقر مناطق العالم في المياه العذبة، وأكثرها إنتاجاً للمياه المحلاّة. ويلاحظ أن معظم البيانات الاقتصادية للدول العربية غائبة عن الجداول.

مرض "الفشل البيئي"

التقرير هو العاشر في سلسلة من التقارير، تصدر كل سنتين وتعالج قضايا بيئية أساسية. وهو يعزز بعض الأفكار والتوصيات التي جاءت بها قمتا الأرض الأولى والثانية، ويمكن تلخيصه في كلمات قليلة بسيطة: إن الفوضى والتخبط يضربان معظم أنظمتنا البيئية وموارد العالم الطبيعية. وهذا معناه أننا نعاني ما يمكن تشخيصه بـ"الفشل البيئي". وهو مرض ناتج، في الغالب، من قرارات اتخذتها برامج التنمية القومية، دون الارتكان إلى قدر كاف من المعلومات، وفي غياب الاستشارات السديدة، وبلا دعم من السكان المحليين. كما يؤكد التقرير على الحاجة الملحة لإجراء تغييرات من شأنها كبح جماح التدهور في أحوال بيئة العالم. وفي الاحتفال بإصدار هذا التقرير، اعترف كلاوس توبفـر، المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، بأن ثمة خللاً في العمل البيئي، وقال: "لقد خطونا خطوات كبيرة سريعة، وحققنا قدراً من النجاح في المزج بين مختلف قطاعات المجتمع، وبين أصحاب المصالح المتباينة، وجعلنا من إنقاذ الأرض قضية الجميع، وأصبحت الحكومات ورجال الأعمال والمجتمع المدني، بل المواطن الفرد، أكثر وعياً بما هو مطلوب. وهم، جميعاً، يؤدون ما عليهم. غير أن ما قمنا به لم يكن كافياً، وثمة ضرورة ملحة لمزيد من العمل المركز المشترك".

وهنا، تجدر الإشارة إلى أن الوضع الحالي للبيئة في العالم يفجر انتقادات حادة لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، الذي يتهمه بعض المراقبين بالتقصير في أدائه، وبأنه أصبح مثل اللاعب الاحتياطي، أو الهامشي، في نظام الأمم المتحدة، ويطالبون بإعادة بناء هذا البرنامج، وتحويله من برنامج تابع للمنظمة العالمية إلى وكالة متخصصة مستقلة، تحمل اسم منظمة البيئة العالمية  (WEO)، قادرة على مواجهة منظمة التجارة العالمية  (WTO)، ببرامجها وفعالياتها التي تتجاهل الاعتبارات البيئية أو ـ في أحسن الأحوال ـ لا تعطيهـا القدر المناسب من الاعتبار.

ويؤطّر التقرير معنى التحكُّم البيئي في خمسة عناصر رئيسية:

- أولاً: مؤسسات التحكّم البيئي، وتشمل: الوزارات واللجان الإقليمية لمراقبة حدود التلوث ومجالس الحكم المحلي والمنظمات التجارية والصناعية والكيانات الدولية مثل الأمم المتحدة ومنظمة التجارة الدولية والقوانين المنظمة للشؤون البيئية والاقتصادية والمعاهدات والمحاكم والمجالس العدلية.

- ثانياً: حقوق المشاركة والتمثيل للأطراف المعنية بالشأن البيئي. ويجيب هذا العنصر على تساؤل: ما هي الآليات التي يستطيع العامة من خلالهـا التدخل في وضع القواعد المنظمة لاستغلال الموارد الطبيعية، أو معارضتها؟ ومن يملك حق تمثيل هؤلاء العامة؟ إن ذلك يتطلب وجود قوانين تضمن حرية تداول المعلومات وضرورة عقد جلسات استماع عامة ومقابلات ومناظرات بين الشعب والمسؤولين، والسماح بفترة تجري فيها مناقشة أي خطط بيئية مرتقبة قبل تنفيذها وتسهيل إجراءات التقاضي وانتخابات حرة لممثلي الفئات المعنية، وضرورة وجود منظمات أهلية تمثل السكان المحليين أو أصحاب المصالح المتعارضة.

- ثالثاً: تحديد مستوى السلطة المناسب لاتخاذ القرار البيئي. وقد يتطلب الأمر أن يتخذ القرار على المستوى المحلي، إذا كان متصلاً بجانب محدود من نظام بيئي كبير، أو بجزء من مورد طبيعي. أما إذا كان القرار حول نظام بيئي مترامي الأطراف، أو مورد طبيعي ضخم، فيتم تصعيد مستوى اتخاذ القرار ليكون قومياً، أو قد يلزم تخطي الحدود السياسية ومشاركة أكثر من دولة في صنع القرار.

- رابعاً: الشفافية وحق مساءلة متخذي القرارات البيئية، على المستويين العام والخاص. ففي أوقات الأزمات والكوارث الطبيعية، على سبيل المثال، تثور تساؤلات مثل: لماذا حدثت الكارثة؟ ومن المسؤول عن تفاقمها وزيادة خسائرها؟ إن المسؤولية البيئية لا تزال خافية عن معظم الناس. فهم لا يعرفون من المسؤول عن اتخاذ، أو عدم اتخاذ، القرارات المناسبة المرتبطة بتطوير واستغلال وإدارة الأنظمة البيئية. ويؤكد هذا التقرير على أن المساءلة ينبغي أن تتسع لتشمل القدرة على مجازاة المتسبب في القصور البيئي.

- خامساً: الحيازة وحقوق الملكية. وهذا عنصر هام جداً من عناصر السيطرة البيئية. فالملكية هي وسيلة الهيمنة على الأرض والموارد الطبيعية، إذ تعني بسط النفوذ على موارد المياه والمناجم والغابات والمصايد. والمالك هو المسيطر على منافذ الموقع الذي يمتلكه، وله الكلمة العليا في تحديد كيفية ومواعيد استغلاله. ومن جهة أخرى، فإن عدم استقرار الملكية، وانعدام التوافق بين الإدارة الحكومية والملاّك من سكان الأرض الأصليين، والتباين في توزيع هذه الملكية والحقوق المترتبة عليها، وافتقاد المساواة في هذا التوزيع، تمثل مصادر محتملة للنزاعات بين مختلف الأطراف، كما تؤدي إلى قرارات بيئية ضعيفة وغير صائبة. ويوضح التقرير أن ضمان الملكية مسألة مهمة وضرورية لأي إنسان يعتمد في معيشته على الأرض أو على حقوق استغلال مورد طبيعي.

من الملاحظ أن معظم الأفكار الواردة في هذا التقرير سبق أن تضمنتها تقارير وإصدارات أخرى للبنك الدولي، مثل "تقرير التنمية في العالم" WDR الصادر هذه السنة تحت عنوان "تنمية مستدامة في عالم متغير"، وكذلك "تخضير الصناعة ـ مبادئ جديدة للمجتمعات والأسواق والحكومات" الذي ظهر عام 2000، ثم الإصدار المعنون "إعداد مجتمعات مستدامة" الصادر عام 2001. ففي تقرير التنمية، يرد تأكيد على أن السياسات السيئة، وفقدان السيطرة، في العقود القليلة الماضية، أديا إلى كوارث بيئية وإلى تفاوتات فادحة في المداخيل، بالإضافة إلى هزات اجتماعية عصفت ببعض بلدان العالم، مما يستدعي تركيزاً أكبر على خطط حماية الثروات الطبيعية والقدرات الاجتماعية، ويتطلب عقد تحالفات جديدة على المستويات المحلية والقومية والعالمية لتحديد طبيعة هذه المشاكل ومواجهتها.

وجاء في ذلك التقرير أيضاً تأكيد على ضرورة أن تعمل حكومات العالم النامي على توفير الشفافية لمشروعاتها وخططها، وأن ترحب بالمساءلة والاستجواب حولها، وعلى تأمين حق المعدمين في حيازة الأرض، وتوفير الخدمات التعليمية والصحية. كما يوصي إصدار البنك الدولي عن تخضير الصناعة بأهمية تقوية الرأي العام عن طريق امداد العامة بالمعلومات، كوسيلة لمكافحة التلوث.

إنها الأفكار والأطروحات نفسها التي طالعناها في تقرير موارد العالم 2002 - 2004، وربما بالكلمات ذاتها. لذا يحق لنا أن نتساءل: لماذا التكرار وإهدار الجهد والوقت والمال؟

النص الكامل بالانكليزية على موقع معهد موارد العالم: www.wri.org

 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
جوان سيسلي (لندن) السيد غرين يبني لغير البشر
فتيحة الشرع ـ دمشق صيدلية الطبيعة ثروة للاقتصاد
راغدة حداد (دوربان) قمة المحميات
أحمد حوري (غوتنبرغ) غوتنبرغ: المدينة المستدامة
ماري عبود أبي صعب موناكو متحف البحار
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.