Friday 22 Nov 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
موضوع الغلاف
 
الاقتصاد الأخضر في عالم عربي متغيّر  
تشرين الثاني/ نوفمبر 2011 / عدد 164

هل تستطيع أنماط التنمية التقليدية تطوير المجتمعات العربية وضمان رخائها؟  كيف نخلق وظائف منتجة لعشرات ملايين العرب العاطلين عن العمل؟ هل لدى الدول العربية سياسات في التنمية الاقتصادية المستدامة؟ كيف تؤثر النشاطات الاقتصادية والتزايد السكاني على الموارد الطبيعية؟ هل الدول العربية مؤهلة للتنافس في عالم يتجه نحو أنماط اقتصادية «منخفضة الكربون»؟ هل يكون التحول الى الاقتصاد الأخضر هو الحل؟

هذه بعض الأسئلة التي يجيب عنها التقرير السنوي الرابع للمنتدى العربي للبيئة والتنمية «الاقتصاد الأخضر في عالم عربي متغيّر». وهو يطرح خيارات للتطور الاجتماعي والاقتصادي مع الحفاظ على التوازن الطبيعي واستدامة الموارد. ويغطي التقرير ثمانية قطاعات: الطاقة، المياه، الزراعة، النقل والمواصلات، الصناعة، ادارة النفايات، المدن والمباني الخضراء، السياحة. وفي ما يأتي أبرز استنتاجاته وتوصياته

 

كان الأداء الفعلي للاقتصادات العربية سيئاً خلال العقود الأربعة الماضية. وقد تبنت البلدان العربية نماذج جريئة للنمو الاقتصادي، لكنها في هذا السبيل قوضت التقدم في المسائل الاجتماعية والبيئية. وأسفر ذلك عن أشكال من الفقر والبطالة وتهديدات الأمن الغذائي والمائي والتدهور البيئي. هذه النواقص لا تنم بالضرورة عن معوقات طبيعية، بل هي نتائج خيارات سياسية.

 

مواطن الضعف هذه في أداء الاقتصادات العربية ساهمت بشكل كبير أيضاً في تدهور الأوضاع الاجتماعية. وأدى استمرار الفقر والبطالة الى تهميش اجتماعي، زادت تباينات المداخيل في تفاقمه. وتسببت التأثيرات الكلية لهذه النواقص في عدم استقرار اجتماعي وسياسي. وتُظهر مطالب التغيير في البلدان العربية أن التوترات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية المتعاظمة، وما ينتج عنها من تداعيات على الأمن المعيشي، أصبحت لا تحتمل.

 

تقرير «الاقتصاد الأخضر في عالم عربي متغير»، الصادر عن المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد)، يدعو الى نموذج تنموي متجذر في اقتصاد أخضر. فمن المبادئ الأساسية للاقتصاد الأخضر إعطاء وزن متساو للتنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية والاستدامة البيئية. ويرى التقرير أن تلبية هذه الأهداف الثلاثة يوفر أساساً سليماً لمعالجة نواقص الاقتصادات العربية، من تخفيف الفقر والبطالة، إلى تحقيق أمن غذائي ومائي وطاقوي، إلى توزيع أكثر عدالة للمداخيل. إلى ذلك، يركز الاقتصاد الأخضر على الاستعمال والتوزيع الكفوءين للأصول الطبيعية من أجل تنويع الاقتصاد، وهذا يوفر مناعة في وجه تقلبات الاقتصاد العالمي وضغوطه الركودية.

 

ويمكن فهم التوترات العامة التي تسببها نماذج التنمية العربية من خلال تفحص المؤشرات في مجموعة من الأبعاد. فالفقر ما زال يهيمن على 65 مليون نسمة في البلدان العربية. وانعدام الأمن الاقتصادي يتفاقم مع ارتفاع مقلق لمعدلات البطالة التي بلغت 14,8 في المئة من السكان، وهي تصل إلى 27,3 في المئة في صفوف الشباب. وبشكل إجمالي، سجلت هذه الاقتصادات ارتفاعاً يقل عن 0,5 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي الحقيقي للفرد من العام 1980 إلى 2004. وتلقي هذه الأرقام ظلالاً من الشك على قدرة الاقتصادات العربية، وفق هيكليتها الحالية، على خلق 51 مليون وظيفة جديدة يُتوقّع أن تكون مطلوبة بحلول سنة 2020، لمجرد استيعاب الداخلين الجدد إلى ميدان العمل، مع إبقاء معدلات البطالة الراهنة على حالها.

 

وما برحت تطغى على استراتيجيات التنمية العربية استثمارات في المنتجات السلعية الاستخراجية المخصصة لأسواق التصدير. وتتطلب هذه الصناعات استثمارات أولية مرتفعة، لكنها تولد مستويات عمالة منخفضة. وعلى رغم أن هذا النموذج يولد نمواً مرتفعاً في الناتج المحلي الاجمالي، فهو يجعل الاقتصادات العربية أكثر عرضة لتقلبات الأسواق العالمية، في حين يخفق في خلق فرص عمل جديرة بالاعتبار. ويشكل انعدام تنوع المداخيل سبباً رئيسياً للضعف البنيوي للاقتصادات العربية.

 

 

 

تحديات البيئة والتنمية

 

تواجه الموارد المائية أزمة حادة في معظم البلدان العربية، مدفوعة غالباً بسياسات تشجع على الإفراط في الاستهلاك وتجيز المبالغة في استغلال الموارد المائية الشحيحة المتوافرة، ما يجعل الأجيال المقبلة تدفع ثمن السياسات الراهنة. وفي البلدان العربية اليوم أكثر من 45 مليون نسمة يمثلون نحو 10 في المئة من عدد السكان يفتقرون إلى مياه نظيفة وخدمات صرف صحي مأمونة.

 

ويشكل الأمن الغذائي تهديداً كبيراً آخر، يدفعه بشكل رئيسي إهمال القطاع الزراعي وتخلفه، الأمر الذي يؤدي إلى سوء الإنتاجية الزراعية وانخفاض كفاءة الري وضعف خدمات الإرشاد الزراعي المقدَّمة إلى المزارعين. وقد بلغت الفاتورة الصافية لمستوردات السلع الغذائية الرئيسية 30 بليون دولار عام 2008، بما فيها 18,3 بليون دولار للحبوب. ويسبب تصاعد فواتير المستوردات الغذائية عجزاً تجارياً كبيراً، ويرهق الموازنات العامة للبلدان العربية ويجعلها عرضة لحظر الصادرات من قبل بلدان أخرى.

 

وما تزال الاقتصادات العربية تستنزف الموارد الطبيعية المتجددة بشكل غير مستدام، تحفزها أرباح قصيرة الأجل. وهذا يتسبب بإفقار الموارد الأرضية والمائية الشحيحة وتقليل قيمتها للأجيال المقبلة. ويقدَّر معدل الكلفة السنوية للتدهور البيئي في البلدان العربية بنحو 95 بليون دولار، أي ما يعادل 5 في المئة من مجموع ناتجها المحلي الاجمالي عام 2010.

 

ويفتقر نحو 60 مليون نسمة في البلدان العربية إلى خدمات طاقة يمكن تحمل نفقاتها، ما يحد من الفرص المتاحة لهم لتحسين مستويات معيشتهم. وأصبح أمن الطاقة هماً جدياً للبلدان المستوردة للنفط بسبب ارتفاع أسعاره. وتعتبر اقتصادات عربية عدة من بين الأقل كفاية حول العالم في مجالات الطاقة، قياساً على انبعاثاتها الكربونية السنوية للفرد وبوحدة الناتج المحلي الاجمالي. ومع تصاعد الطلب على الكهرباء في هذه البلدان، فإن سياسة بناء المزيد من محطات الطاقة ودعم الأسعار لن تبقى مستدامة اقتصادياً.

 

ركزت سياسات النقل في البلدان العربية على إنشاء الطرق السريعة والعادية بدلاً من النقل العام الجماعي. وأدى غياب سياسات تدخّل فعالة في قطاع النقل إلى زحمات سير خانقة في المراكز الحضرية، وسوء نوعية الهواء في كثير من المدن، وتدهور الأراضي.

 

تعاني المدن العربية من حالات فوضوية في أنماط استخدام الأراضي، ومن تمدد حضري مفرط. وهذا ما يجعل نظم البنى التحتية غير قادرة على دعم سكانها بالشكل المناسب.

 

وساهمت الهجرة من الأرياف وارتفاع تكاليف السكن في كثير من المدن العربية في انتشار أحياء البؤس، التي تعاني من نقص الخدمات الأساسية أو غيابها تماماً.

 

ويتصف استخدام الطاقة والمياه في الأبنية، خصوصاً التجارية والحكومية، بعدم الكفاءة على نحو ينذر بالخطر. ولا تتناسب المقاربة المعولمة للعمارة والبناء في المنطقة بشكل كاف مع الظروف المناخية المحلية. وهذا يؤدي إلى استهلاك مبدِّد للطاقة.

 

ويعاني قطاع إدارة النفايات في البلدان العربية من التخلف ونقص الاستثمار وممارسات عالية الخطورة للتخلص من النفايات، ومن أنظمة غير وافية وضعف معايير التخلص من النفايات. وفي كثير من البلدان العربية، يبقى أكثر من 50 في المئة من النفايات المولدة بلا تجميع. وكثيراً ما يمارس الحرق في الهواء الطلق في مواقع المكبات، ما يجعل النفايات المتحللة تلوث الهواء والتربة والمياه الجوفية والسطحية.

 

 

 

تغيير المسار: التحول الى اقتصاد أخضر

 

يتطلب التحول الى اقتصاد أخضر مراجعة السياسات الحكومية وإعادة تصميمها لتحفيز تحولات في أنماط الإنتاج والاستهلاك والشراء والاستثمار. وتقدم فصول تقرير المنتدى العربي للبيئة والتنمية سياسات وأوضاعاً تمكينية ستكون مطلوبة للتحول الى اقتصاد أخضر في ثمانية قطاعات ذات أولوية.

 

يدعو التقرير الحكومات العربية الى إيلاء التنمية الريفية الزراعية أولوية، كهدف سياسي استراتيجي لتخفيف الفقر في الأرياف وعكس اتجاه سنوات الاهمال. هذا التحول السياسي، مقروناً بخدمات إرشاد زراعي جيدة التصميم، سوف يمكِّن المزارعين من تحسين نوعية البذور وكفاءة الري وحفظ التربة والمحاصيل الزراعية والممارسات المستدامة. ومن شأن إعادة الحيوية الى القطاع الزراعي أن تزيد حصته في القوة العاملة المنتجة، على نحو يحسّن مستويات المعيشة ويحد من هجرة أهل الأرياف الى المدن. وإذا ارتفعت نسبة العمال الزراعيين في المنطقة العربية، نتيجة هذا التحوّل، إلى 40 في المئة من القوة العاملة، فسوف يولّد ذلك أكثر من 10 ملايين وظيفة في القطاع. إضافة الى هذا، من المتوقع أن يحقق التحول الى الممارسات الزراعية المستدامة وُفورات في البلدان العربية تراوح بين 5 و6 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي، أي ما مقداره نحو 100 بليون دولار سنوياً، نتيجة ازدياد الانتاجية المائية وتحسين الصحة العامة وحماية أفضل للموارد البيئية.

 

التحولات في سياسات قطاع المياه يجب أن تبدأ بادخال إصلاحات مؤسسية وقانونية تؤثر في استخدام المياه وتنظيمها وحوكمتها. وعلى البلدان العربية أن تركز على سياسات تضبط وتنظم الوصول الى المياه، وتعزز كفاءة الري واستخدام المياه، وتمنع تلوث المياه، وتقيم مناطق محمية حيوية لموارد المياه. يجب العمل على زيادة نسبة مياه الصرف المعالجة من 60 في المئة حالياً إلى ما بين 90 ـ 100 في المئة، كما يجب زيادة نسبة المياه المعالجة التي يعاد استخدامها من 20 في المئة حالياً إلى مئة في المئة. ولا بد من تطوير تكنولوجيات جديدة للتحلية محلياً، خاصة باستخدام الطاقة الشمسية.

 

بالنسبة الى قطاع الطاقة، يقترح التقرير استثمارات مستدامة في مجالات الكفاءة وفي مصادر الطاقة المتجددة، من خلال الجمع بين المقاييس التنظيمية والحوافز الاقتصادية. وإذا انخفض معدل الاستهلاك الفردي السنوي للكهرباء في البلدان العربية الى المعدل العالمي، من خلال إجراءات كفاءة الطاقة، فسوف يولد ذلك وفورات في استهلاك الكهرباء يقدَّر أن تصل الى 73 بليون دولار سنوياً. وإذا خفض دعم أسعار الطاقة بنسبة 25 في المئة، فسوف يحرر ذلك أكثر من 100 بليون دولار خلال مدة ثلاث سنوات، وهذا مبلغ يمكن تحويله لتمويل الانتقال الى مصادر الطاقة الخضراء.

 

على البلدان العربية أن تضع استراتيجيات منخفضة الكربون للتنمية الصناعية، تحفزها فرصة التطور الى اقتصادات فعّالة في مجالات الطاقة. وهذا يعزز المنافسة الصناعية المحلية وتنوع المداخيل وخلق فرص العمل. ويقدر الانخفاض العملي في متطلبات الطاقة لكل طن من المنتج في حدود 30 في المئة. فعلى سبيل المثال، من شأن تعزيز كفاءة الطاقة في صناعة الاسمنت أن يخفض استهلاك الطاقة بنسبة 20 الى 40 في المئة لكل طن من الاسمنت. وهذا يمنح الشركة المنتجة أفضلية من خلال انخفاض تكاليف الطاقة.

 

ومن أهم الاجراءات لتخفيض الانبعاثات اعتماد تكنولوجيات الانتاج الأكثر كفاءة في المصانع الجديدة، وتجهيز المحطات القائمة بمعدات كفوءة بالطاقة حيثما كان ذلك عملياً من الناحية الاقتصادية. ويقدَّر أن يؤدي تخفيض متطلبات الطاقة بنسبة 30 في المئة، نتيجة عمليات صناعية أكثر جدارة، الى وفورات سنوية مقدارها 150,000 بليون كيلوواط ساعة، أو 12,3 بليون دولار.

 

أما في قطاع النقل، فيطالب التقرير بسياسات تدعم نظم النقل العام الجماعي، وبمعايير لفعالية وقود السيارات. وقد ثبت أن لهذه التدخلات السياسية كلفة منخفضة نسبياً، في حين تنتج أرباحاً اقتصادية واجتماعية وبيئية مرتفعة خلال فترة زمنية قصيرة. وتشمل الفوائد تقديم خدمات نقل موثوقة ومأمونة وكفوءة في مردود الطاقة وضمن قدرة الجميع، وفي الوقت نفسه تقلل التلوث وزحمة السير والتمدد الحضري العشوائي. وبتحقيق هدف لتخضير 50 في المئة من قطاع النقل، نتيجة ارتفاع فعالية الطاقة وازدياد استعمال النقل العام والسيارات الهجينة (هايبريد)، تتولد وفورات تقدر بنحو 23 بليون دولار سنوياً.

 

ومن أجل خلق مجتمعات مدينية صحية وتنافسية اقتصادياً وقادرة على توفير مستويات معيشة عالية لسكانها، يدعو التقرير الى تبنّي أنظمة تصنيف الأراضي والتنمية المختلطة الاستعمالات. كذلك يجب تكييف مقاربات التصميم التقليدية في العمارة العربية، التي تستجيب للاعتبارات البيئية في كثير من الحالات، وتطبيقها حين تكون ملائمة، بحيث تساهم في الاستدامة البيئية والاجتماعية والثقافية.

 

وبالنسبة الى الأبنية، فإن مقاربة تصميمية شمولية، تدمج المبادئ البيئية في شكل المبنى ومواده ووجهته والمعدات المركبة فيه وجوانب أخرى، تستطيع أن تحقق مكاسب أعلى في كفاءة الطاقة. وتعتبر معايير كفاءة الأبنية أفعل المحركات المؤسسية للتأثير في ممارسات البناء. ومن المتوقع أن يسفر دمج اعتبارات فعالية الطاقة في تصميم الأبنية عن انخفاض بنسبة نحو 29 في المئة في الانبعاثات الكربونية بحلول سنة 2020، ما يخفض الاستهلاك بمقدار 217 بليون كيلوواط ساعة ويولد وفورات بمقدار 17,5 بليون دولار سنوياً. الى ذلك، فإن إنفاق 100 بليون دولار في تخضير 20 في المئة من الأبنية القائمة في البلدان العربية خلال السنين العشر المقبلة، باستثمار ما معدله 10,000 دولار لكل مبنى لتركيب تجهيزات حديثة، يُتوقَّع أن يخلق أربعة ملايين فرصة عمل.

 

 

 

تحولات في السياسات والنظم الاقتصادية

 

يشير التقرير الى حاجة ملحة لتحول أساسي في التصدي لمسألة النفايات البلدية الصلبة، من الرمي العشوائي والحرق والطمر الى مقاربة إدارية لهذا المورد تسعى الى جني أرباح إيجابية من النفايات باعتماد التقليل وإعادة الاستعمال والتدوير والاسترداد. ويمكن أن يؤمن تخضير قطاع إدارة النفايات للبلدان العربية 5,7 بليون دولار سنوياً. وتساهم الإدارة الخضراء للنفايات في خلق الوظائف، لأنها تعتمد على الأيدي العاملة وتحفز الطلب على المنتجات والنظم والخدمات في صناعات أخرى، كما توفّر فرصاً استثمارية فريدة في إعادة التدوير وإنتاج السماد العضوي وتوليد الطاقة. ويمكن استعمال النفايات الغذائية العضوية، التي تشكل 40 إلى 80 في المئة من النفايات البلدية في البلدان العربية، كمادة أولية لإنتاج السماد العضوي للاستعمال الزراعي وتوليد الغاز الحيوي (بيوغاز) للحلول مكان الوقود الأحفوري. ويمكن استخدام النفايات الزراعية كمادة أولية محتملة لإنتاج الوقود الحيوي (بيوفيول).

 

في البلدان العربية حالياً، ما زال التخطيط الاقتصادي السائد مرتبطاً بنمو قصير الأجل للناتج المحلي الاجمالي، وبحلول سريعة، مع إهمال الأسباب الكامنة للفقر، وانعدام العدالة، والبطالة، والتدهور البيئي. ومن الواضح أن الاستجابة السياسية لهذه النواقص وما يرتبط بها من تباينات في الدخل والقدرات لم تكن كافية على الاطلاق.

 

يدعو تقرير المنتدى العربي للبيئة والتنمية الى استجابة ترتبط بالتحوّل نحو اقتصاد أخضر. ويشدد بقوة على أن المنطقة غير مضطرة الى الاختيار بين التنمية الاقتصادية والمساواة الاجتماعية والنظم الايكولوجية السليمة. فالاقتصاد الأخضر، في تصميمه، يسعى الى تحقيق أهداف سياسية اقتصادية واجتماعية وبيئية. وسوف تحتاج التغيرات التي يقترحها التقرير الى تحولات في السياسات والنظم الاقتصادية.

 

 

 

إن الانتقال الى تنمية خضراء ليس حدثاً فورياً يمكن تحقيقه بقرار واحد يُتَّخذ على مستوى عال. بل يجب اعتباره عملية طويلة وشاقة، توجهها نظرة سياسية من الأعلى الى القاعدة ومشاركة جماهيرية من القاعدة الى فوق. هذه المقاربة تعطي التحول الشرعية السياسية والاجتماعية المطلوبة لضمان حشد الجهود على نطاق واسع لجعل هذا التحول حقيقة.

 

 

 

كادر

 

مصرف لبنان يُشجّع التحوّل إلى الأخضر: مبادرة وطنية لكفـاءة الطاقـة المتجددة

 

بيار الخوري

 

يقوم مصرف لبنان بدعم القروض الخضراء التي يمكن الحصول عليها لقاء فائدة متدنّية تبلغ حوالى 2 في المئة فوق تكلفة التمويل. كان الغرض الأساسي من هذه القروض التي تقدّمها المصارف التجاريّة هو دعم المشاريع الصناعية والزراعية الصديقة للبيئة، لكن تمّ التوسّع في نطاقها لتشمل دعم العمارة الخضراء والسياحة البيئية، وكذلك تجديد المرافق القائمة لتتلاءم مع المعايير البيئية المعتمدة.

 

ولزيادة الاستفادة من هذه الآليّة تمّ الاتفاق بين مصرف لبنان وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي على إنشاء «المبادرة الوطنيّة لكفاءة الطاقة والطاقات المتجدّدة»، بهدف تمويل مشاريع كفاءة الطاقة وأنواع الطاقة المتجدّدة والعمارة الخضراء في جميع أنحاء الأراضي اللبنانية.

 

ولتسهيل التعاون في هذا المجال وقّع مصرف لبنان وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، في 14 حزيران(يونيو) 2010، مذكّرة تفاهم لتكون إطاراً لتنسيق العمل بينهما من أجل جذب الجهات المانحة والمنظمات الدولية لدعم المبادرة الوطنية لكفاءة الطاقة والطاقات المتجددة. كما يقومان بتنظيم برامج لنشر التوعية وبناء القدرات تستهدف المصارف التجارية والمستهلكين في لبنان لزيادة الإقبال على مشاريع كفاءة الطاقة والطاقة المتجددة.

 

ومن المقرّر أن تقوم المبادرة الوطنية بوضع مجموعة معايير لتقييم الأهلية الفنية لطلبات القروض الخضراء، وذلك لتسهيل إجراءات الحصول على القروض. وسوف يتمّ الاستناد إلى هذه المعايير للتوصّل إلى التقييمات والإثباتات الفنية الخاصة بالمشاريع الخضراء المقدّمة لمصرف لبنان عبر المركز اللبناني لحفظ الطاقة ومقرّه في وزارة الطاقة والمياه.

 

وفي موازاة ذلك، وقّع الاتحاد الأوروبي مع مصرف لبنان عقد منحة بقيمة 15 مليون يورو وبرنامج القروض الميسّرة «كفالات»، المخصّص لتوفير التمويل اللازم للمشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم، وذلك لتشجيع الاستثمار في مجالات كفاءة الطاقة وتقنيّات الطاقة المتجددة.

 

ويؤمل أن تساهم المبادرة الوطنية لكفاءة الطاقة والطاقات المتجدّدة في زيادة حجم الاستثمارات بحدود نحو 500 مليون دولار في السنوات القليلة المقبلة لتمويل المشاريع بمعدلات فائدة متدنّية جداً قد تصل إلى الصفر في المئة، وفترات سداد طويلة الأجل يمكن أن تصل إلى 14 سنة، على أن تُعطى أيضاً فترات سماح متفاوتة.

 

بيار الخوري مدير المشاريع في المركز اللبناني لحفظ الطاقة، لبنان.

 

 

 

كادر

 

نداء هلال

 

استخلاص غـاز حقل الشاهين النفطي في قطـر

 

في كثير من حقول النفط، يتم انتاج كميات كبيرة من الهيدروكربونات مع النفط الخام عند استخراجه الى السطح. هذا يصح على حقل الشاهين في قطر، حيث يتم إنتاج 300 ألف برميل نفط يومياً، تحتوي على نسبة كبيرة من هذا الغاز «المصاحب». وعندما تم حفر آبار الحقل، الذي يقع على بعد 70 كيلومتراً قبالة ساحل قطر الشمالي الشرقي عام 1992، كان هناك طلب صغير على الغاز. لذلك، كان الغاز المصاحب يُحرق عادة، في عملية تعرف بـFlaring، وهي تساهم في انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري وتغير المناخ. واضافة الى ذلك، حرق الغاز هو هدر للموارد والايرادات. لكن الطلب على الغاز ارتفع منذ ذلك الحين، وتم تصنيف قطر، التي هي من كبار المنتجين، بين أعلى نافثي الانبعاثات الكربونية للفرد في العالم.

 

عمليات حقل الشاهين وحدها كانت مسؤولة عن 20 في المئة من حرق الغاز في قطر، حيث يُستخدم فقط 3 في المئة من الغاز المصاحب للاستهلاك في الموقع. وفي العام 2004، أطلقت شركتا ميرسك أويل قطر وقطر للبترول مشروع استخلاص واستخدام غاز حقل الشاهين النفطي بغية تأهيله بموجب آلية التنمية النظيفة. في الحقل الذي تبلغ مساحته 2214 كيلومتراً مربعاً والذي يقع فوق حقل الشمال للغاز، وهو الأكبر في العالم، تم تركيب مرافق جديدة لتجميع الغاز المصاحب ونقله الى منصة ألفا في حقل الشمال، وتحويله لاحقاً الى معمل معالجة الغاز في مسيعيد. ومنذ ذلك الحين، يتم انتاج نحو 6,2 مليون متر مكعب من الغاز المصاحب في الحقل يومياً، بما في ذلك الغاز الطبيعي الجاف وغاز البترول المسال والمكثفات. ومن تلك الكمية، يتم تحويل 3,5 مليون متر مكعب يومياً الى مسيعيد من أجل الاستهلاك المحلي والتصدير، ويتم استهلاك 850 مليون متر مكعب يومياً في الموقع لتوليد الطاقة والحرارة، ويُحرق فقط 1,1 مليون متر مكعب يومياً.

 

 

 

المشروع هو الأكبر في قطر لتخفيض الانبعاثات الكربونية، إذ يبلغ معدل التخفيض 2,5 مليون طن في السنة. وهو يساهم أيضاً في جهود كفاءة الطاقة في البلاد من خلال زيادة الامدادات من دون أن يرفع ذلك استهلاك الوقود الأحفوري. وإضافة الى ذلك، تؤكد شركتا ميرسك أويل قطر وقطر للبترول أنهما تضعان آلية جديدة لتمويل التكنولوجيات الخضراء وتشجيع تطوير مشاريع نموذجية قائمة على التكنولوجيات النظيفة في قطر والشرق الأوسط.

 

كادر

 

تُعرّف المياه الافتراضية بأنّها المياه المتضمَّنة في منتَج ما، لا في المعنى الواقعي، بل في المعنى التقديري. كما تُسمّى «المياه المدمجة» أو «المياه الدخيلة»، وهذه التسمية الأخيرة تشير إلى أنّ استيراد المياه الافتراضية إلى بلد ما يعني استخدام المياه الخارجية المنشأ بالنسبة للدولة المستوردة. لذا ينبغي إضافة المياه الدخيلة إلى المياه الأصيلة للبلد. وبالتالي فإن المياه الافتراضية، وهي صافي استيراد المياه في بلد شحيح الماء، يمكن أن تخفف الضغط على الموارد المائية الخاصة بكل دولة، كما يمكن اعتبارها مورداً بديلاً للماء، علماً أن استخدام هذا المصدر الإضافي يمكن أن يكون أداة لتحقيق الأمن المائي الإقليمي.

 

المياه الافتراضية: على العرب استيراد منتجات كثيفـــة  الاستهـلاك للماء بدلاً من إنتاجهـا

 

وينقل المزارعون والتجار في منطقة الشرق الأوسط كميات من الماء تساوي تدفّقات النيل إلى مصر أو نحو 25 في المئة من إجمالي المياه العذبة المتوافرة في المنطقة. وتسمّى المياه المستوردة بهذه الطريقة «المياه الافتراضية».

 

تجمع المياه الافتراضية وإنتاجية المياه بين المفاهيم الزراعية والاقتصادية، مع التركيز على الماء كأحد عوامل الإنتاج الأساسية. وبينما يهتم الجانب الزراعي بكميات المياه المستخدمة لإنتاج المحاصيل، يعالج الجانب الاقتصادي التكاليف البديلة للمياه، وهي قيمتها في الاستخدامات الأخرى التي يمكن أن تشمل إنتاج محاصيل بديلة أو استغلالها في نشاطات بلدية أو صناعية أو ترفيهية.

 

وتتوافق فكرة المياه الافتراضية مع مفهوم الإدارة المتكاملة للمياه، حيث ينبغي أن تؤخذ في الحسبان مختلف جوانب العرض والطلب على المياه عند تحديد الاستغلال الأمثل لموارد المياه المحدودة. كما أن هذا المفهوم يمكن أن يخفض الأعباء المالية الناتجة عن تطوير بنية تحتية جديدة لتوزيع المياه. وينبغي، على وجه الخصوص، النظر في التكاليف البديلة لاستخدام المياه، التي تعتبر جزءاً أساسياً من فكرة المياه الافتراضية، وذلك عند محاولة توزيع موارد المياه الشحيحة بشكل فعّال.

 

ونظراً إلى أن المياه سلعة نادرة، ينبغي النظر إليها من الزاوية الاقتصادية وتخصيصها وتوزيعها بفعالية بناء على قيمتها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية في الاستخدامات البديلة. وهكذا يُعتبر مفهوم المياه الافتراضية مفهوماً جذّاباً من الناحية الاقتصادية، فهو يتيح للبلدان الشحيحة الماء حلاًّ قيّماً بالنسبة لأمنها الغذائي، وذلك باستيراد منتجات كثيفة الاستهلاك للماء بأسعار زهيدة بدلاً من استخدام المياه لإنتاج منتجات كثيفة الاستهلاك للماء ومنخفضة القيمة.

 

على كل حال، ما زال مفهوم المياه الافتراضية مثيراً للنقاش في مجالات التجارة الدولية بالمنتجات الزراعية، كما هي الحال بالنسبة للمنتجات التي تصدرها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وهي ذات أسعار مدعومة بشكل عالٍ، مما يجعل الأسعار المحلية في الدول المستوردة غير ملائمة للمنافسة وذات نتائج عكسية على تطوّر الزراعة في تلك البلدان. يُضاف إلى ذلك أنّ القلق بشأن الحصول على الأغذية من دون تأخير وبلا انقطاع، بسبب نقص الامدادات أو فرض قيود على التصدير، يمكن أن يُعيق اعتماد مبادئ مفهوم المياه الافتراضية. إنها مسألة خلافية بامتياز تعكس بكل وضوح ذلك التشابك القائم بين المياه والزراعة والسياسة.

 

في ظل هذه الظروف، يجب على الدول العربية أن تزيد فعالية استخدامها المياه الافتراضية إلى أقصى حدّ ممكن، وأن تتبنى سياسات مرنة لتوظّف المياه الافتراضية في سبيل الأمن الغذائي وفقًا للإمكانات الزراعية والمزايا النسبية. كما ينبغي أن تُبنى هذه السياسات على تقييم شامل للبدائل من أجل الأمن الغذائي، مع جملة خيارات عملية تؤدي إلى تحقيق أفضل المنافع الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. وإذا كان استخدام المياه الافتراضية يمكن أن يخفّف الضغوط على موارد المياه القليلة في المنطقة، فإن التعاون بين الدول العربية وفقاً للمزايا النسبية في الموارد الزراعية هو أمر ضروري لتعزيز أمن الإمدادات الغذائية.

 

 

 

كذلك فإن ضمان توافر الأغذية على المدى البعيد من خلال مفهوم المياه الافتراضية أمر يمكن تحقيقه، على أساس تبادل المنافع بين دول عربية لديها أموال قابلة للاستثمار وبلدان أخرى نامية تتمتع بمساحات أراضٍ واسعة وموارد مائية كافية.

 

المنتدى العربي للبيــئة والتنمية يقترح من أجـل اقتصـاد عـربي أخضـر:

 

7 مبادرات  إقليمية للتعاون العـربي

 

 

 

إلى جانب بذل الجهود على الصعُد الوطنية لتسهيل التحوّل إلى الاقتصاد الأخضر، ينبغي تفعيل التعاون بين الدول العربية. وسعياً لتحقيق هذه الغاية، يقترح المنتدى العربي للبيئة والتنمية عدداً من المبادرات الإقليمية، على أن تعمل على إنشائها وإدارتها الحكومات والمؤسسات الإقليمية مثل جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي

 

 

 

المؤسسة العربية للتنمية المستدامة

 

ثمّة حاجة إلى مؤسسة عربية إقليمية لتوجيه صانعي السياسات العامة والمؤسسات في البلدان العربية. ويمكن للمؤسسة العربية للتنمية المستدامة، المقترحة، القيام بهذه المهمة عن طريق تحديد أنواع السياسات العامة اللازمة للتحول إلى الاقتصاد الأخضر. وتضمّ مهمّات المؤسسة توضيح وتقدير فوائد وتكاليف سياسات القطاع المقترحة، التي تشتمل على الحوافز وإشارات الأسعار والدعم والحسومات أو الإعفاءات الضريبية والمنح وآليات التمويل الأخضر والتخفيضات التي لا تزيد الأعباء الضريبية، إلى جانب آليات أخرى. وينبغي أن تؤخذ بعين الاعتبار، عند تقييم السياسات، مسائل مثل العدل والإنصاف، والتأثير على الفئات المعنية، والمضاعفات المحتملة على جميع شرائح السكان، خصوصاً الفقراء. وينبغي أن تناط بهذه المؤسسة مهمة تنظيم دورات تعليمية سريعة للتنفيذيين حول السياسات، وذلك لتنمية وتطوير قدرات صياغة السياسات العامة لدى صانعي السياسات العرب في المراتب المتوسطة. ويمكن كذلك إقامة حلقات دراسية واجتماعات توجيهية لصانعي السياسات لنشر أفضل الممارسات وتبادل الخبرات حول سياسات التنمية المستدامة.

 

 

 

الصندوق العربي للأبحاث والتنمية

 

ستكون هناك حاجة إلى التكنولوجيات والمنتجات والأساليب الخضراء المبتكَرة لتلبية احتياجات تحوّل المنطقة إلى الاقتصاد الأخضر. ومما يحثّ على التجديد أعمال البحث والتنمية المنفذة والمموَّلة محلّيّاً. لذلك فإن الاستثمار فيها ضروري لتمهيد السبيل أمام العرب للاطلاع مباشرة على الابتكارات في مختلف مراحل التنمية. والصندوق العربي للأبحاث والتنمية المقترح يمكن أن يوفّر التمويل اللازم لدعم نشاطات البحث والتنمية في مؤسسات الأبحاث ومنظّمات القطاعين العام والخاص والجامعات. وبالإضافة إلى تحويل المفاهيم الخضراء إلى منتجات جديدة، فإن البحث والتطوير أساسيان لخلق وانتهاز الفرص التي تقود إلى هوامش ربح مرتفعة وتوسّعات اقتصادية.

 

 

 

المركز العربي للطاقة المتجدّدة

 

لا تزال برامج الطاقة المتجدّدة ذات النطاقات المختلفة، في جميع بلدان المنطقة، مبعثرة وفي طور الاختبار بمعظمها وتفتقر إلى التنسيق الإقليمي. لذلك يقترح إنشاء المركز العربي للطاقة المتجدّدة، لدعم اعتماد حلول الطاقة المتجدّدة في المنطقة وتنسيق العمل بين المبادرات الوطنية لتسهيل التعاون وتبادل الخبرات.

 

 

 

المركز الإقليمي للمجتمعات المستدامة

 

بالنظر إلى سرعة وتيرة التوسع الحضري وحركة البناء في المنطقة وانعكاس ذلك على طلب الخدمات وتوفيرها وتوزيعها، من الضروري جدّاً تبنّي مبادئ وممارسات التصميم الحضري المستدام في إدارة تنمية المدن. يُكلّف هذا المركز بمهمّة نشر أفضل ممارسات أنماط استخدام الأرض ومشاريع تطوير الأبنية المتعدّدة الأغراض وقواعد تصنيف الأراضي والنموّ الذكيّ. كما يُنتظر أن يطوّر المركز معايير وكودات البناء من أجل تشييد مبانٍ خضراء ومستدامة تشمل إعادة تدوير مياه الصرف والنفايات الصلبة.

 

 

 

الشبكة الإقليمية للإنتاج الأنظف

 

تحتاج البلدان العربية إلى إنشاء شبكة فعّالة من مراكز وطنية للإنتاج الأنظف، وذلك لتشجيع نشر أفضل الممارسات في الإنتاج النظيف والعمليات النظيفة. تتولّى هذه الشبكة مهمّة تطوير قدرات المصنِّعين على التحوّل إلى أنماط إنتاج أكثر استدامة وتخفيض توليد النفايات واستخدام الموارد بكفاءة.

 

 

 

المشاريع الزراعية الإقليمية

 

ثمّة حاجة ماسة لتعزيز التعاون بين البلدان العربية في مجال الزراعة المستدامة. ويؤمّل أن يؤدّي التعاون والمبادرات المشتركة في ميدان الزراعة إلى تحسين استخدام الأرض وموارد المياه إلى أقصى حدّ ممكن في المنطقة، على أساس المزايا المقارَنة لكل بلد، مع المساهمة في الأمن الغذائي للمنطقة وتنميتها الريفية. وإذا ما وُضعت مشاريع زراعية إقليمية، فإنها تجمع في بوتقة متكاملة موارد مختلف الدول العربية، بما فيها الأرض والأيـدي العاملة والماء والموارد المالية والخبرة. وينبغي أن تهدف مشاريع الزراعة المستدامة الإقليمية إلى إيجاد وظائف جديدة وزيادة إنتاجية الأراضي المزروعة والتمكّن من زراعة أكبر مساحات ممكنة من الأراضي الصالحة للزراعة عن طريق استخدام ممارسات الزراعة المستدامة.

 

 

 

شبكة المواصلات الإقليمية العربية

 

 

 

على الدول العربية أن تدرس إنشاء شبكة سكك حديد كفوءة ونظيفة ومعقولة الكلفة لتربط بينها جميعاً. وستسهّل هذه الشبكة انتقال الأفراد ونقل البضائع، وبالتالي تعزّز حركة التجارة والتكامل الاقتصادي الإقليمي. ولا شك في أن شبكة السكك الحديد سوف تخفّض تكاليف النقل والمواصلات وتتيح الوصول إلى الأسواق الإقليمية ـ وهو أمر غير ممكن من دونها ـ وتنشّط اقتصادات القرى والبلدات والمدن، وحتى المناطق، التي تمرّ بها. ومن شأن كل ذلك تشجيع الأنشطة الاقتصادية الزراعية والصناعية والسياحية والثقافية والتعليمية والخدماتية. وينبغي إعطاء أولوية لدراسة إمكانية تسيير القطارات بالطاقة الكهربائية.

 

حاجة ملحّة الى إصلاح السياسات والممارسات

 

 

 

الزراعة المهمَّشة

 

تستهلك 85٪ من الميـاه

 

نتيجةً لعشرات السنوات من السياسات الحكومية المنحرفة والإهمال والاستثمارات ذات التوجّهات الخاطئة، وصلت الزراعة في المنطقة العربية إلى الوضع المتقلقل الذي تتخبّط فيه الآن. فلقد افتقرت الاستراتيجيات الزراعية للحكومات العربية إلى التوجّه التكامليّ اللازم لتعزيز التطوّر وتخفيف وطأة الفقر في المناطق الريفية، حيث البنى المؤسسيّة والتنظيمية هزيلة والخدمات الإرشادية الفعّالة معدومة. ونجم عن ذلك تهميش صغار المزارعين ووقوعهم في الديون. أما المساعدات الخارجية من مؤسسات التمويل وهيئات التنمية الدوليّة، فقد أفاد منها كبار الملاّكين وموظفو الدولة والشركات المتعدّدة الجنسية. وهذا ما زاد في تهميش المزارعين الصغار والفقراء.

 

يلاحظ أن معظم أنظمة الري في البلدان العربية غير فعّالة. وتستهلك الزراعة حاليّاً أكثر من 85 في المئة من موارد المياه العذبة الطبيعية المتوافرة، مع كفاءة استهلاك لا تتجاوز 50 في المئة ويمكن أن تتدنّى حتى 30 في المئة في العديد من الدول العربية. ومع تنامي الطلب على الماء للاستعمال المنزلي والصناعة، لا بد أن يصبح تخصيصه وتوزيعه في العقود المقبلة موضع خلافات ونزاعات. وكثيراً ما أهملت السياسات والممارسات الزراعية في البلدان العربية حماية الموارد الطبيعية والأنظمة البيئية، ممّا أدّى إلى تأكل التربة وانجرافها وتدهور الأراضي والتمَلُّح وتلوّث الماء ونضوب طبقات المياه الجوفية. وتشكّل هذه الآثار الخارجية ضغوطاً متزايدة على الموارد الزراعية المحدودة، مع تحقيق فوائد قصيرة المدى ومتوسطة المدى على حساب الاستدامة الزراعية البعيدة المدى. لذا نجد أن إنتاجية المحاصيل في العالم العربي متدنية جدّاً، خصوصاً محاصيل الحبوب والبقول الحبّيّة والعلف.

 

من هنا تبرز الحاجة إلى منهج أكثر استدامةً لاستغلال الأراضي المحدودة وموارد المياه الشحيحة، على أن يجمع هذا المنهج بين إصلاح السياسات وأفضل الممارسات الزراعية. وينبغي البدء بتقديم الدعم والإعانات وإصلاح الأراضي، وجعل تمكين المزارعين والعمال الزراعيين محور استراتيجيات النمو الاجتماعي والاقتصادي الأوسع. ولا مهرب من معالجة مشكلة تركّز الأراضي في ملكيّات قليلة نسبيّاً، ومشكلة العائلات الزراعية التي لا تملك أرضاً. وهناك حاجة أيضاً الى السياسات الملائمة للمحافظة على استدامة موارد المياه السطحية والجوفية وضمان كفاءة استخدامها في الري، مع التشديد على إنتاجية الماء بدلاً من رفع مستوى الغلّة لكل وحدة من الأرض إلى أقصى حدّ ممكن. وإذا ما طبّقت هيكلية مناسبة للحوافز والأنظمة، فقد يكون ذلك عاملاً مفصليّاً في رفع كفاءة الري، وهذا بدوره يؤدي إلى زيادة إنتاجية الماء والمحاصيل ويخفّف التأثيرات السلبية على البيئة.

 

ويمكن أن يكون لهذه الإصلاحات في السياسات نتائج جوهرية على الأمن الغذائي والمائي العربي. ويُتوقّع تحقيق نتائج جيدة إذا ما تمّ رفع إنتاجية الحبوب من مستواها الحالي المتدني، البالغ 1700 كيلوغرام لكل هكتار في ست دول عربية (الجزائر ومصر والعراق والمغرب والسودان وسورية) إلى المستوى العالمي البالغ 3700 كيلوغرام لكل هكتار، خصوصاً إذا قُرن ذلك بتحسين كفاءة الري بنحو 70 في المئة. فحينذاك سيرتفع الإنتاج الإجمالي للحبوب في هذه الدول الست بمقدار 50 مليون طن، ما يكفي لتغطية النقص الحالي البالغ 20 مليون طن، وحتى توفير فائض يبلغ نحو 30 مليون طن سنة 2030، و12 مليون طن سنة 2050. وإذا تمكن السودان وحده من رفع إنتاجية الحبوب لديه من مستواها الحالي البالغ 567 كيلوغراماً لكل هكتار إلى المعدّل العالمي، فإنه سيزيد إنتاجه من الحبوب بنحو 28 مليون طن سنوياً، وهذه كمية تزيد عن العجز في إنتاج الحبوب سنة 2030 المقدّر بنحو 20 مليون طن.

 

ونظراً إلى سيطرة الزراعة المطرية في العالم العربي، يتحتّم تركيز الاهتمام على التدابير التي تحسّن إنتاجية هذه المحاصيل. ويمكن تحقيق هذا الهدف إذا توفّرت معطيات النوعية المناسبة واستخدمت بكميّات ملائمة. ولا غنى البتّة عن الأبحاث للتوصّل إلى أفضل المعطيات واكتشاف الأنواع المستَنبتة المقاومة للجفاف والمحاصيل التي تحتمل الملوحة. كما ينبغي تعزيز ودعم الأساليب الزراعية ـ البيئية الجديدة التي تحمي التربة والأراضي والمياه، مثل أساليب الزراعة العضوية والزراعة الحافظة.

 

يُلاحَظ أنّ سوق المنتجات الزراعية العضوية، على الصعيد العالمي، نمَت من 15 بليون دولار عام 1999 إلى 55 بليون دولار عام 2009. وتوفّر الزراعة العضوية وظائف لكل هكتار تزيد أكثر من 30 في المئة عما توفره أنماط الزراعة التقليدية. لذا فإن دعم الزراعة المستدامة في البلدان العربية سوف يُنتِج فرص عمل ومداخيل جديدة لسكان الأرياف، مع إيجاد سوق مخصّصة للمنتجات الزراعية العربية في الأسواق الدولية.

 

عموماً، لا يمكن إنكار أهمية الاستثمار في التنمية الاقتصادية الريفية. فخلال العقدين الماضيين، هبطت حصة قطاع الزراعة في القوة العاملة في المنطقة العربية من 44 في المئة إلى 29 في المئة. فإذا ما أُعيد إحياء القطاع الزراعي فإن حصته في القوة العاملة ستزداد، ممّا سيحسّن مستويات المعيشة ويقلّل الهجرة من الريف إلى المدن. يشار إلى أن رفع نسبة عمال الزراعة في القوة العاملة في المنطقة العربية إلى 40 في المئة سوف يولّد ما يتجاوز 10 ملايين وظيفة جديدة في القطاع (من 27,5 مليون إلى 37,8 مليون)، استناداً إلى تقديرات عدد السكان عام 2010. ونظراً إلى أن 76 في المئة من الفقراء في المنطقة العربية يعيشون في المناطق الريفية، فإن توفير الانتعاش الاقتصادي والاجتماعي للمجتمعات الريفية والزراعية سوف يفضي إلى تعزيز العدالة والاستقرار.

 

كادر

 

إن اعتماد الاستراتيجيات المختلفة المذكورة يمكن أن يوفّر للبلدان العربية منافع جسيمة وملموسة. فالتحوّل إلى الممارسات الزراعية المستدامة، مثلاً، يُنتظَر أن يمكّن الدول العربية من توفير ما بين 5 و6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي نتيجةً لزيادة إنتاجية الماء ورفع مستوى الصحة العامة وحماية الموارد البيئية. وانطلاقاً من أرقام الناتج المحلي الإجمالي للبلدان العربية عام 2010، فإن إجمالي التوفير سيبلغ 114 بليون دولار. كما أن إعادة إحياء القطاع الزراعي عن طريق الاستثمارات المناسبة والأبحاث والتطوير ستؤدي إلى تخفيض الواردات على مدى السنوات الخمس المقبلة بنسبة 30 في المئة، في أقل تقدير، وبالتالي تدعيم الأمن الغذائي. وسينجم عن ذلك توفير المنطقة مبلغ 45 مليون دولار خلال هذه السنوات الخمس.

 

مزارع عضوية في مدننا؟

 

 

 

هالة الشاوي

 

يحصل الإنتاج الزراعي في معظم البلدان بعيداً عن الأنظار والمناطق الحضرية. ويقطع النزوح إلى المدن الروابط بين الناس وغذائهم. ولا تلتزم معظم المزارع بالمعايير العامة، فتعامل الحيوانات بطريقة غير إنسانية وتسبب آثاراً بيئية جانبية. لكن ماذا لو لم يكن علينا الاختيار بين المزارع والمدن؟ ماذا لو عشنا في بيئات صحية تجمع الاثنين معاً عبر زراعة غذائنا في حدائق حضرية؟ فمن شأن هذا تنقية الهواء، وتلطيف المساحات المدنية الملوثة بصرياً، وزيادة إنتاج الغذاء المحلي، والاقتصاد في كلفة الغذاء. ومن شأنها أيضاً تصريف فضلات الطعام إذا أعيد تدويرها واستعمالها كسماد، إضافة إلى تقليل انبعاثات الكربون الناجمة عن نقل الأغذية من مزارع بعيدة.

 

لكن قبل نقل هذه الزراعة إلى المدينة، يجب أن تكون خالية من المخاطر الصحية البيئية وعملية من حيث المساحة والمسافة. فالممارسات الزراعية التقليدية غير مشجعة للقوة العاملة في المدن، إذ تتطلب مساحات واسعة من الأراضي، وقد تسبب مشاكل صحية للعاملين (من جراء المبيدات المسرطنة). علاوة على ذلك، تعتمد المدخلات الاصطناعية التقليدية كالأسمدة والمبيدات، على الوقود الأحفوري، وهي غير مستدامة بيئياً. وينتج عن استخدامها، على سبيل المثال، تلوث المياه الجوفية بسبب تسرب الفوسفور والنيترات.

 

الزراعة العضوية هي بديل إيكولوجي مناسب للمدن، وقطاع نامٍ على أطراف مدن أميركا الشمالية. وتزيد المزارع العمودية التي تعمل بالطاقة الخضراء استخدام الموارد الحضرية في الزراعة بشكل كبير، بما فيها الأرض والنفايات العضوية. وهذا ما يشرحه ديكسون ديسبومبير في كتابه «المزارع العمودية» (2010)، ويظهر في الشكل. وتبرز تكنولوجيات جديدة لتجهيز مزارع عضوية صغيرة، منها الروبوتات التي تزيل الأعشاب الضارة، ما يقلل الحاجة إلى عمالة للتعشيب، وهو أصعب المراحل في الزراعة العضوية. وهناك أيضاً روبوت نموذجي لإكثار النباتات، هو «هورتيبوت» في الدنمارك. وقد طور روبوت في اليابان يقلل الحاجة إلى العمالة الزراعية ويزيد تنافسية المحصول إزاء الأعشاب الضارة. وبإمكان الروبوتات إبعاد الآفات بطريقة ميكانيكية، مثل «سكيربوت» الذي يبعد العصافير الآكلة للأسماك عبر رش المياه.

 

 

 

يمكن لبلد صغير مثل لبنان أن يكون أسرع من البلدان ذات الاقتصادات الكبيرة في تبني تقنيات الزراعة العضوية الحضرية الجديدة، لأن حاجته ملحة لتخضير المدن وزيادة الأمن الغذائي. ولعل المزارع العضوية الحضرية المتطورة تكنولوجياً فكرة جيدة في بلد يتلقف الأفكار الجديدة بسرعة.

 

الدكتورة هالة الشاوي هي مديرة شركة «المزارع العضوية الحضرية» في تورونتو، كندا، ومصممة معدات عملية صغيرة لتحويل فضلات الطعام إلى سماد عضوي.

 

 

 

 

 

النقل والمواصلات زحمة وتلويث وتخلّف

 

يعاني قطاع النقل في البلدان العربية من نواقص كثيرة ومن سوء أداء فادح. وهذا يعود، بالدرجة الأولى، إلى عدم كفاية قدرات المؤسسات العامة على تطوير الاستراتيجيات اللازمة للتدخّل بشكل مناسب وتخصيص الاستثمارات بشكل فاعل وتحسين القدرات التنظيمية. ونتيجة لذلك، لم تتحقِّق لقطاع النقل، في الغالب، القدرات اللازمة لتوفير خدمات مواصلات موثوقة ومأمونة ومعتدلة الكلفة. وعلى رغم ارتفاع الطلب على خدمات المواصلات في البلدان العربية، لا تزال شبكات النقل العام غير متطوّرة وتدفع الناس إلى الاعتماد على السيارات الخاصة. فقد لوحظ مثلاً أنّ زيادة أعداد السيارات راوحت بين 7 و10 في المئة سنوياً في الأردن، وهذا الوضع شبيه بما يحدث في الدول العربية الأخرى. وعلى رغم توظيف الاستثمارات في شبكات الطرق وبناها التحتية في العقود القليلة الأخيرة، فإن أداء هذا القطاع يظل ضعيفاً نتيجةً للازدحام الشديد في المراكز الحضرية وتدنّي جودة الهواء في العديد من المدن وتدهور الأراضي وارتفاع معدلات انبعاثات الغازات المسبّبة للاحتباس الحراري.

 

ولعل أسباب التمدّد العمراني في المدن العربية وطول مسافات الانتقال وزيادة استخدام السيارات تعود إلى النموّ غير المنظّم وضعف التخطيط. فقد نجم عن إنشاء المزيد من الطرق السريعة نقص مساحات الأراضي الزراعية حول المراكز الحضرية مثل عمّان والقاهرة. وتعاني شبكات النقل الإقليمية من عدم الكفاءة والتأخيرات. وتبلغ الوفيات والإصابات في حوادث السير على الطرق في عدد من الدول العربية نسباً عالية بالمقارنة مع مناطق أخرى من العالم، وذلك ما يسبّب المعاناة وفقدان المداخيل وارتفاع تكاليف الرعاية الصحية. وهذه جميعاً تُترجَم خسائر اقتصادية.

 

وقطاع النقل العربي مستهلك كبير للطاقة عديم الكفاءة، وهو مسؤول عن 32 في المئة من إجمالي استهلاك الطاقة و22 في المئة من مجمل انبعاثات الغازات المسبّبة للاحتباس الحراري في البلدان العربية. كما ان رداءة نوعية الوقود وكثرة السيارات القديمة عاملان يساهمان، إلى حدّ بعيد، في تدنّي جودة الهواء في أجواء عدد من المدن العربية. وتُعتبر انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وتلوث الهواء من أخطر تداعيات سياسات النقل الحالية وأوضاع البنية التحتية. فمثلاً، بلغ متوسط إجمالي تكاليف أضرار تلوث الهواء عام 2006 في الأردن 161 مليون دولار أو 1,15% من الناتج المحلي الاجمالي. وبلغت تقديرات تكاليف الرعاية الصحية بسبب تلوث الهواء (وهو ليس ناجماً عن وسائل المواصلات وحدها) 10,9 بليون دولار في العام 2008 في 16 دولة عربية، وذلك يوازي 1,2 في المئة من مجموع الناتج المحلّي الاجمالي فيها.

 

هذه الأنماط في قطاع النقل في الدول العربية تعوق أي محاولة لخلق وظائف جديدة وتعزيز التنمية الريفية الاجتماعية ـ السياسية وتطوير التكامل الإقليمي. فالمدن العربية تكاد تختنق من جراء ازدحام المرور ورداءة نوعية الهواء والتلوّث الضوضائي وضعف الرؤية، وكل ذلك لا يبشّر بالخير بالنسبة لرفاه سكان تلك المدن أو قدراتها التنافسية الاقتصادية.

 

ويحرم غياب النقل العام الجماعي الملائم في العديد من المدن العربية كثيراً من المجتمعات من الوصول إلى المراكز الاقتصادية والخدمات الاجتماعية. ويؤدي ذلك إلى خسائر فادحة في الإنتاجية الاقتصادية تراوح بين 3 و10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلد. ويزيد غياب النقل العام الجماعي الملائم من تفاقم التفاوت الاجتماعي والتهميش.

 

يشار إلى أن تدخّلات السياسات الحكومية المؤثرة في تخطيط وتمويل النقل وأنظمته وتكنولوجيات السيارات يمكن أن تشكّل الأساس الضروري لدفع التغيير نحو قطاع نقل مستدام أو أخضر. وينبغي أن يكون هدف هذه السياسات توفير خدمات نقل موثوقة ومأمونة ومتدنية الكلفة، على أن تكون كفوءة في استهلاك الطاقة، وفي الوقت نفسه تخفيض التلوث والازدحام والتمدّد العمراني العشوائي.

 

ومن التدابير التي ثبتَ تدني كلفتها نسبيّاً، مع وفرة فوائدها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية خلال فترة قصيرة، الاستثمار في النقل العام الجماعي وفرض معايير اقتصاد استهلاك الوقود للسيارات. فالمنهجية الخضراء في تخطيط النقل والمواصلات سوف تحدّ من توريد السيارات وإنشاء الطرق السريعة لتلبية الطلب المتنامي، وستحوّل التركيز، بدلاً من ذلك، إلى إدارة الطلب على المواصلات بتعزيز النقل العام ووضع حوافز لزيادة نسبة إشغال السيارات وتخفيض المسافات التي تقطعها. ولا بد من التذكير بأنّ التدابير والإجراءات التي تؤثر على أنماط الانتقال وتقلّل الاعتماد على السيارات الخاصة هي أجدى وأبعد أثراً من الاستثمارات التي تُصرف على إنشاء الطرقات وتمديد الطرق السريعة، وهذه في الغالب معالجات موقتة.

 

لذا ينبغي تطوير قدرات مؤسسات النقل العام وأدائها تمهيداً لاعتماد استراتيجيات المعالجات الصحيحة. ويجب توجيه الموارد المالية نحو توسيع شبكات النقل العام وغير ذلك من ممارسات إدارة الطلب، وتحسين سبل الوصول إلى المناطق الريفية والجماعات المهمّشة، واستخدام تقنيات النقل الأخضر.

 

ومن الضروري جداً توظيف الأموال في النقل العام، سواء أكان في شبكة مترو الأنفاق، أو المترو السطحي، أو القطارات، أو الحافلات، أو شبكات النقل في المجاري المائية. وستنجم عن ذلك وفورات مالية كبرى في الميزانيات العامة، إلى جانب المساهمة في التطور الاجتماعي ـ الاقتصادي وتخفيض انبعاثات الغازات المسبّبة للاحتباس الحراري وتحسين نوعية الهواء.

 

 

 

إذا ما تمّ تحقيق هدف مُزمَع بتخضير قطاع النقل بنسبة 50%، نتيجةً لرفع كفاءة الطاقة وزيادة استخدام النقل العام والسيارات الهجينة (هايبريد)، فيمكن توفير 280 بليون كيلوواط ساعة سنوياً أي ما قيمته 23 بليون دولار. ومن الممكن تحقيق كفاءة الطاقة في النقل بالسكك الحديد بنسبة تصل الى 40%. كذلك يمكن بحلول سنة 2015 تحقيق تحسن بنسبة 20% في معايير كفاءة استهلاك الطائرات للوقود أكثر مما كانت عام 1997، وبنسبة تصل إلى 50% سنة 2050. ويقدّر أنّ تحويل 25% من جميع الرحلات الجوية الأقصر من مسافة 750 كيلومتراً إلى خطوط السكك الحديد السريعة سنة 2050، يمكن أن يؤدي إلى تخفيض نحو 0,5 بليون طن من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون سنوياً. وإذا ما تحوّل 25% من جميع الشحن على الطرقات لمسافات تزيد على 500 كيلومتر إلى السكك الحديد، فيمكن تجنب 0,4 بليون طن من ثاني أوكسيد الكربون سنوياً. وإن انخفاضاً بنسبة 50% في انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون المرتبطة بقطاع النقل في البلدان العربية يخفّض خسائر الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1,5 ـ 5%. وإذا ما اعتمدت النسبة المتوسطة البالغة 3,25%، فالحاصل هو توفير سنوي بمقدار 61,8 بليون دولار (على أساس مستويات الناتج المحلي الإجمالي في البلدان العربية عام 2010).

 

كادر

 

مترو دبي: لتخفيض الطلب علىالسيارات والوقود

 

 

 

بدأ تشغيل مترو دبي في شهر أيلول(سبتمبر) 2009. ويُتَوَقَّع أن يؤدي، عند إكمال توسيع شبكته، إلى إنقاص عدد السيارات في دبي (الذي يبلغ حالياً مليون سيارة) بنسبة 30 في المئة، وبالتالي إلى تخفيض الطلب على امتلاك السيارات الخاصة. ويُنتظر أن يحقّق المشروع توفيراً في تكاليف الوقود مع ضمان ظروف أفضل للانتقال إلى أماكن العمل والحدّ من هدر الوقت في الطرق المزدحمة.

 

 

 

 

 

الـمـدن العـربيـة

 

فوضى عمرانية في غياب الأخضـر

 

تعاني المدن العربية من سوء التخطيط الحضري، وتسودها أنماط فوضوية من استخدامات الأراضي والتمدّد العمراني المفرط. وكان لنموها غير المنظّم عدّة نتائج سلبية. فقد توسّعت بسرعة مذهلة، حتى إنّ منظومات بناها التحتية، كتلك المرتبطة بالنقل وإمدادات الماء والكهرباء وإدارة النفايات، أصبحت جميعها مقصّرة عن تلبية حاجة السكان. وهكذا نجد أن ازدحام حركة المرور وضعف التخطيط يعيقان بشدّة التنقّل في تلك المدن.

 

وارتفعت مستويات تلوّث الهواء، الناجم بالدرجة الأولى عن انبعاثات السيارات، إلى مستويات عالية جداً في المدن الكبرى في العالم العربي. كما تعاني عدّة مدن من مشاكل في إدارة النفايات الصلبة ومياه الصرف. وكان للنقص في شبكات مياه الصرف الكفوءة أثره في اللجوء غالباً إلى التخلّص منها بشكل غير قانوني، حيث ينتهي بها الأمر عادةً إلى الشوارع أو المياه الساحلية. علاوةً على ذلك، يخوض العديد من المدن العربية الأكثر ثراءً حالياً غمار تحوّلات حضرية هائلة، في سباق لإحراز وضعية المدينة العالمية والتحوّل إلى عاصمة إقليمية لعالم المال أو الثقافة أو التعليم أو الإعلام أو الطب. لكن حجم ونوعية هذه المشاريع العامة الكبرى يثيران تساؤلات جدّية، لا حول الغربة الثقافية ودور الهوية في التطوير الحضري فحسب، بل أيضاً حول الاستدامة البيئية.

 

بلغ التدهور البيئي داخل المدن العربية وحولها حداً ينذر بالخطر. فتلوّث الهواء والماء والتربة أصبح الآن مصدر خطر صحي بالغ وتهديداً لعدّة أنشطة هامة على الصعيد الاقتصادي، خصوصاً المتعلقة بإنتاج الغذاء. ولقد قُضي على العديد من الأنظمة البيئية والأراضي الزراعية في المدن العربية وفي محيطها نتيجةً للنموّ الحضري غير المخطّط. وكان من نتيجة ذلك النموّ تلف مساحات من أراضٍ زراعية محدودة ومناطق محرّجة ومراعٍ وأجسام مائية كالجداول. وهناك نقص شديد في المساحات الخضراء العامة، وهي بمثابة متنفّسات للمدن ومواقع يحتاجها السكان للراحة والاستجمام. وبالنظر إلى أوضاع المدن في الولايات المتحدة، يتبين أن معظمها يمتاز بوجود 20 ـ 40 متراً مربّعاً من المساحات الخضراء لكل فرد من السكان. وفي المقابل، ليس في دبي، التي بذلت جهوداً جبارة لتطوير مناطق خضراء عامة، سوى 14 متراً مربعاً لكل فرد. أما في بيروت فالرقم هو متر مربع واحد للفرد.

 

ويلاحظ أن أسعار الأراضي وتكاليف البناء في المدن العربية تجعل التوصل إلى حيازة المسكن المناسب فوق طاقة كثيرين. ونتيجة لاستحالة التوصل إلى مساكن لائقة معقولة الكلفة، انتشرت الأحياء الفقيرة حيث الخدمات الأساسية غير كافية، إن لم تكن معدومة، وحيث الأوضاع المتعلّقة بحيازة الأراضي غامضة. وتعتبر أحياء البؤس بؤراً بيئية، إذ تنعدم فيها أنظمة إدارة النفايات الصلبة ومعالجة مياه المجاري. وفي مقابل انتشار المساكن العشوائية التي تؤوي فقراء المدن، ازداد انتشار المجمّعات الخاصة المسوّرة ومشاريع تطوير الضواحي الفسيحة حيث يقيم السكان الأثرياء. غير أن هذه المشاريع التطويرية القليلة الكثافة السكانية تزيد الفرز الاجتماعي ـ الاقتصادي في المدن، وتساهم في زيادة التمدد العمراني وتوسيع التخوم الجغرافية للمدن إلى مستويات خطرة صحياً، ما يؤدي إلى عدم كفاءة منظومات البنية التحتية وارتفاع تكاليفها وضعف أدائها.

 

 

 

تصميم حضري مستدام

 

هناك أيضاً سوء كفاءة مستفحل في استهلاك الطاقة، وقد انتشر في جميع القطاعات والمدن وأنشطتها، حيث إنّ بعض البلدان العربية كانت من بين الدول العشر الأولى في انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون بالنسبة للفرد وبالنسبة لكل وحدة من الناتج المحلي الإجمالي. وتستأثر المباني، في المتوسط، بـ35% من مجمل استهلاك الطاقة النهائي في البلدان العربية. والاتجاه السائد في المنطقة هو قطاع البناء الذي نشأ وتطوّر من دون إيلاء الاعتبارات البيئية والاجتماعية أي اهتمام.

 

إن استخدام الطاقة والمياه في الأبنية الموجودة حاليّاً في أنحاء المنطقة، وخصوصاً في المباني التجارية والعامة، يفتقر إلى الكفاءة إلى حدّ خطير. ففي معظم الأبنية التجارية، تُعتبر أنظمة التدفئة والتهوئة وتكييف الهواء المركبة حالياً من أدنى الخيارات المتاحة في كفاءة الطاقة، لأنها قائمة على التوفير في الكلفة بدلاً من الفاعلية. وممّا يزيد تفاقم هذه الممارسة الدعم الكبير للكهرباء في معظم بلدان المنطقة، حيث إن دعم الطاقة في العام 2006، مثلاً، تجاوز 7,1% من الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة.

 

وتبرز تحدّيات كثيرة تحول دون قيام أي مبادرة لوضع أنظمة وكودات لكفاءة الأبنية. ومن أهمّ هذه التحديات نقص المعرفة الكافية داخل هذه الصناعة نفسها، وضعف إمكانات الابتكار ضمن سلاسل الإمدادات في قطاعات البناء المحلية لتلبية الطلب على مواد ومكوّنات أجود، وضعف القدرات المؤسسية داخل الدوائر الحكومية لمراقبة الشروط البيئية وتطبيقها.

 

ولا بد لمعالجة هذه النواقص من منهجية جديدة في تخطيط المدن وإدارتها التنظيمية، مبنية على أساس مبادئ التصميم الحضري المستدام بيئياً. وينبغي أن يشتمل مثل هذا التوجّه على حماية الأراضي الزراعية في المدن وحولها، وضمان سلامة موارد المياه الطبيعية، وإيجاد نظام نقل عام مأمون، وتصميم أبنية ذات كفاءة في استخدام الطاقة، واعتماد استخدام الماء بكفاءة، وصيانة المساحات الخضراء المفتوحة التي تضمّ أنواع النباتات المتوطنة، وإعادة النظر في مفهوم إدارة النفايات لاعتماد إعادة التدوير بشكل واسع. هذه الجهود سوف تخلق مجتمعات حضرية سليمة وذات إمكانات اقتصادية تنافسية، توفّر لسكّانها معيشة لائقة.

 

 

 

تصنيف الأراضي

 

لتسهيل التحوّل إلى مدن وأبنية خضراء، ينبغي «تخضير» عدد من الممارسات الحالية وإدخال تدابير خضراء جديدة. ويُعتبر تصنيف الأراضي عمرانياً من أهمّ الأدوات الفعالة في سياسات التخطيط الحضري التي يمكن أن تتبعها سلطات المدن والبلديات. وهو يحدد، بشكل أساسي، ما يمكن بناؤه وموقعه داخل المدن وحولها، ومقدار المساحات التي يمكن بناؤها. وينبغي أن يستند حكّام المدن إلى آليات مناسبة للشفافية والمحاسبة، وذلك لتحصين موظفي البلديات في وجه شركات التطوير العقاري وجماعات المصالح الاقتصادية المتمكنة الذين قد يحاولون التدخل في قوانين تصنيف الأراضي أو التلاعب بها، كي تكون القرارات المتخذة في سبيل المصلحة العامة فوق كل اعتبار.

 

من أهم فوائد تصنيف الأراضي أنه ينظم الكثافة السكانية في أحياء المدن ومشاريع تطوير الأبنية المتعدّدة الأغراض. وهذا يتيح توفيراً أفضل للخدمات الحضرية المتنوعة، كما يسهل وجود المراكز السكنية والتجارية والتعليمية والثقافية والترفيهية متقاربة، ممّا ييسّر التنقّل بينها ويعطي السكان حرية التمتّع بما تقدّمه المدارس والمحلات التجارية والمكاتب والحدائق العامة وغيرها من المرافق، الموجودة على مسافات قريبة من مساكنهم، وبالتالي يخفّض ازدحام المرور في المدن. وتحتاج المناطق الحضرية الكثيفة السكان الى شبكات نقل عام فعّالة لتسهيل الانتقال بين أنحاء المدينة، علماً أن هذه الكثافة السكانية تجعل شبكات النقل العام مجدية اقتصادياً. يُضاف إلى كل ذلك أن المدن العربية بحاجة ماسة إلى توفير مساحات ملائمة للمشاة، وحتى لراكبي الدراجات حيث يمكن ذلك.

 

ولعل إمكانات تحقيق أفضل النتائج تكمن في منهجية التصميم المتكامل الذي يجسّد المبادئ البيئية في جميع مراحل التصميم، ومنها شكل البناء واتجاهه وتجهيزات التدفئة والتبريد وسائر النواحي المعمارية. فنسبة الكلفة إلى العائد في عناصر التصميم «المنفعِلة»، التي لا تستخدم الأنظمة الميكانيكية والكهربائية، هي أفضل بكثير من النسبة في حالة العناصر «الفعّالة» التي تستند إلى تقنيات أحدث. لذا ينبغي الاستفادة القصوى من عناصر التصميم المنفعلة التي تستفيد من المناخ لتدفئة المباني أو تبريدها مثلاً، وذلك قبل الاستثمار في العناصر التقنية الحديثة. ويُتوقّع أن يؤدي دمج اعتبارات كفاءة الطاقة في تصميم المباني إلى تخفيض نحو 29% من الانبعاثات المرتقبة سنة 2020. ونظراً لأن قطاع المباني في الدول العربية يستهلك 748 بليون كيلوواط ساعة سنوياً، فإن تطبيق نسبة التخفيض هذه تعني إنقاص 217 بليون كيلوواط ساعة من الاستهلاك سنة 2020، وفي ذلك توفير 17,5 بليون دولار سنوياً.

 

 

 

البناء الأخضر

 

في ماخصّ أعمال الإنشاء وموادّ البناء، فإن كودات البناء ومعاييره هي الأداة المؤسسيّة المؤثرة في ممارسات الإنشاء واختيار المواد. وتستطيع الحكومات وضع سياسات للمشتريات ومواصفات العقود وتنفيذ البناء وقواعد البناء التي تنظم المقاييس البلدية. وبالإضافة إلى تكنولوجيا التصميم والإنشاء، يمكن تحسين الأداء البيئي للمباني عن طريق اختيار التركيبات والمكوِّنات مثل أنظمة التدفئة والتبريد والإضاءة والأجهزة وتمديدات الماء. والتوفير الناتج من ترويج استخدام الأجهزة المنزلية وتجهيزات الإنارة والأدوات المكتبية الموفّرة للطاقة، يمكن أن يصل إلى نحو 50% من التكاليف الحالية.

 

يساهم تحويل الأبنية التقليدية إلى أبنية خضراء في معالجة مشكلة البطالة في المراكز الحضرية، ويخلق كوادر جديدة من العاملين ينتظر أن تكون لها سوق متنامية في المنطقة وفي أنحاء العالم. ففي دراسة أُجريت في الولايات المتحدة، وُجد أنّ تحويل المباني إلى خضراء يولّد ما بين 10 و14 وظيفة مباشرة و3 أو 4 وظائف غير مباشرة في مقابل كل مليون دولار يُنفق على تحسينات الكفاءة. وينتظر أن يصل ذلك في المنطقة العربية إلى ضعفي هذا المعدّل أو ثلاثة أضعاف، نظراً لانخفاض معدّلات إنتاجية العمال وعوامل الكلفة. لذا فإن إنفاق 100 بليون دولار لتخضير 20% فقط من الأبنية الموجودة حالياً في البلدان العربية على مدى السنوات العشر المقبلة، باستثمار 10,000 دولار في المتوسط على كل مبنى لإدخال تعديلات التحسين، يُتوقّع أن يحتاج إلى 4 ملايين وظيفة جديدة، علماً أن فترة استرداد رأس المال بالنسبة لتعديلات كفاءة الطاقة والماء تتراوح بين سنتين و7 سنوات تبعاً لمستوى الدعم.

 

ولتخضير قطاع البناء أيضاً جانب اقتصادي وآخر اجتماعي. فإلغاء دعم الماء والطاقة، مع استخدام جزء من التوفير الناجم عن ذلك في مشاريع الإسكان الاجتماعية الخضراء، يساعد في رفع عبء تكاليف الخدمات الأساسية عن كاهل العائلات المتدنية الدخل (عن طريق تحسين الكفاءة). وفي هذا السياق، يمكن أن يكون الاستثمار في المباني الخضراء مكمّلاً للاستراتيجيات الأخرى في تحسين وصول الفقراء إلى الخدمات الأساسية وتحسين ظروفهم المعيشية. وفي الوقت نفسه، فإن تعديل الدعم يزيل أحد أهم عوامل اختلالات الأسواق، ويوفّر المبررات الاقتصادية للمباني الخضراء في سوق الإسكان. وبناء على ذلك، سيكون لتعزيز ممارسات البناء الأخضر انعكاسات بالغة الأثر على التحوّل الحضري المستدام والتنمية الاجتماعية ـ الاقتصادية، في منطقة تعرف حالياً توسّعاً حضرياً متسارعاً وتعاني من معدّلات بطالة مرتفعة.

 

تشير التقديرات إلى أن مقدار الإنفاق على البناء والإنشاء في البلدان العربية سيصل سنة 2012 إلى 116 ـ 233 بليون دولار. وإذا تعهّدت الحكومات العربية بتخضير قطاع الإنشاء، فإن الإنفاق سيزداد بنسبة 20% في أقلّ تقدير، ممّا سيزيد الاستثمارات بين 23 و46 بليون دولار في السنة نفسها، على أن هذه الاستثمارات الإضافية الخضراء ستُوجِد 10% من الوظائف الجديدة الخضراء في السنة نفسها.

 

إن مناهج التصميم التقليدية في العمارة العربية هي، في معظم الأحيان، أكثر ملاءمة لاستيعاب المتطلّبات البيئية. وتأخذ هذه المفاهيم بعين الاعتبار كثيراً من المعارف العصرية المتعلقة بالتصميم المناخي ـ أي عملية تحديد وفهم وضبط التأثيرات المناخية في موقع البناء – لتوفير جوّ مريح وصحّي للسكّان. ومن أهم مميّزات التصميم التقليدي المستدام بيئياً احتواء المبنى على مكوّنات مثل أبراج الرياح والفناءات الداخلية والمساحات الخضراء ونوافير الماء وعناصر التظليل، وتوجيه موقع المنزل وغيره من وسائل استخدام الطاقة المنفعلة في العمارة التقليدية. هذا التراث العمراني العريق في المنطقة ينبغي الرجوع إليه واستلهامه وتطبيقه حيث يكون ذلك ملائماً في ظل الظروف المعاصرة، على أن يكون مكمّلاً للتقنيات الحديثة ومساهماً في تحقيق الاستدامة البيئية والثقافية.

 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.