Sunday 24 Nov 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
مقالات
 
رجب سعد السيد (الاسكندرية) رجـل عـدالـــة يدافع عن البيئة  
أيلول (سبتمبر) 2003 / عدد 66
 ذهبتُ للقاء المستشار محمد الجندي، المدَّعي العام المصري السابق والرئيس الحالي لجمعية "أصدقاء البيئة" وجمعيات أخرى تعمل في مجال رعاية الطفولة والحياة الاجتماعية في الإسكندرية، وفي ذهني عدد من الأسئلة. غير أن أوضح ما كان يهمني هو التعرف إلى هذا الرجل، الذي ما إن ترك أعلى منصة قضائية، عند بلوغه "سّن الاستيداع"، حتى أصبح واحداً من أبرز ناشطي البيئة في عالمنا العربي، يعطي قضاياها جُلّ جهده ووقته.
بدأت حديثي معه قائلاً إن رجلاً في مثل موقعه في سلك العدالة لم يكن، لشدة انشغاله، ليجد الوقت الكافي حتى ليتنفس، فمن أين جاءت اهتماماته البيئية؟
أجاب ان اتصاله بهذا المجال بدأ في الستينيات، أثناء عمله كرئيس للنيابة، من خلال جمعية الطب والقانون التي أسسها بعض أساتذة جامعة الإسكندرية، والتي كانت بمثابة "المدرسة التي تعلمتُ فيها معنى البيئة. وقد شاركت في أنشطتها، وتطلَّبت المشاركة أن أبحث في التشريعات الخاصة بالبيئة. وفي الوقت ذاته، كانت "نيابة الأحداث تابعة لي، كرئيس للنيابة، فاهتممت بقضايا الطفولة أيضاً، وهي غير بعيدة عن قضايا البيئة". ثم اختارته منظمة اليونيسف للمشاركة في الإعداد لمؤتمر حول اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل، عُقد في لإسكندرية في عام 1988. واستمر اهتمامه بالطفولة، إلى أن أصبح عضواً في المجلس القومي للطفولة. "أما اهتمامي بالبيئة، فقد بدأ بعد انتهاء خدمتي كنائب عام، لبلوغي السن القانونية. ووقتها، كانت الإسكندرية تعيش أسوأ أحوالها البيئية فدفعنا ذلك إلى تأسيس جمعية أصدقاء البيئة".
لم يشأ المستشار محمد الجندي أن يواصل العمل في الاتجاه ذاته، بأن يستمر كمحامٍ مثلما يفعل كثيرون غيره، استثمروا خبراتهم واتصالاتهم السابقة في أعمال خاصة. فاختار العمل الأهلي، ورأى فيه استكمالاً وامتداداً لرسالته في النيابة: الدفاع عن حقوق المجتمع. وفوَّض الأعضاء المؤسسون المستشار الجندي متابعة إجراءات إشهار جمعية "أصدقاء البيئة"، اعتماداً على خبرته بالشؤون القانونية. غير أن إجراءات الإشهار تعثرت، ووجدت الجمعية الوليدة نفسها في ساحة الوغى قبل أن تكتمل لها صفتها القانونية. لقد بدأت مواجهاتها ومعاركها وهي لا تزال في مرحلة التأسيس.
جماهير لا تتفرج فقط
كانت أولى المعارك ضد محافظ المدينة، الذي كان قد أهدى شارعاً متفرعاً من طريق الكورنيش إلى مقر منظمة الصحة العالمية في الإسكندرية، لتغلقه وتقيم عليه امتدادات لمبناها. اتصلت الجمعية بالمحافظ، وأوضحت له وجهة النظر البيئية، بالإضافة إلى وجهة النظر القانونية، التي ترى في ذلك تعدياً على الملكية العامة. لكنها فوجئت بالمحافظ، وكان رجل قانون، يرفض مجرد مناقشة الموضوع. فهو الحاكم المطلق للإقليم! وحاولت الجمعية استمالة رئيس مكتب المنظمة، فهدد بنقل المقر إلى خارج مصر إذا لم يحصل على الشارع محل النزاع. فقررت الجمعية الاحتكام إلى القضاء. وفوجئت بالعديد من المواطنين يطلبون قبولهم خصوماً منضمين إليها في قضيتها ضد الجهة الإدارية.
وكانت قضية "الشارع الجانبي" بمثابة البداية الناجحة لجمعية أصدقاء البيئة في الإسكندرية، إذ صدر حكم قضائي بإلغاء قرار إهداء الشارع إلى منظمة الصحة العالمية، وإزالة أي منشآت أقيمت في الموقع. وكان الشارع قد أعد فعلاً لوضع أساسات المبنى الإضافي للمنظمة، فتمت تسويته، وأعيد رصفه، فور صدور الحكم. وجاءت استجابة الجماهير رائعة، فكان الناس يزورون الموقع، ويضعون الزهور على جانبي الشارع الصغير الذي نجحت جمعية أصدقاء البيئة في استرداده. وهكذا، حفرت الجمعية اسمها في ضمير المجتمع السكندري، قبل أن تكتمل مقومات وجودها من وجهة النظر الإدارية. وكانت تلك هي قضيتها التالية ضد الجهات الإدارية، وتحقق لها الفوز بها أيضاً.
ويتحمس المستشار الجندي لدور الجمهور في دعم قضايا البيئة. وهو ليس ممن يرون أن الجماهير ما زالت تجلس في مقاعد المتفرجين، ولا تتفاعل بالشكل المأمول مع شؤون البيئة. ويقول إن الناس يبحثون عن القيادة والمردود، ويجب ألا يغيب عن بالنا عنصر التثقيف. فإذا توفرت المعرفة للناس، اهتموا وتفاعلوا، وأصبحوا إيجابيين.
ومن القضايا التي تصدت لها جمعية أصدقاء البيئة في الإسكندرية، وانتصرت فيها لصالح البيئة والمواطن السكندري، إلغاء قرار محافظ المدينة بتحويل حديقة كبيرة في منطقة سموحة إلى محطة باصات رئيسية، ومنع الضوضاء الصادرة عن مركبات ترام المدينة، والتصدي لقرار إداري بتخصيص جزء من حدائق الشلالات الشهيرة في قلب المدينة ليقام عليه فندق. كما واجهت الجمعية في ساحة القضاء جهات سيادية، اقتطعت مساحات كبيرة من شواطئ الإسكندرية وحولتها إلى نوادٍ فئوية، غير عابئة بالاعتبارات البيئية وبقيمة احترام الملكية العامة للشواطئ، ودون موافقة الجهات الفنية والإدارية المعنية. وقد صدر حكم قضائي يرفض ويستنكر ما حصل من انتهاكات للبيئة الساحلية، ويلزم بإزالة هذه الأندية المتعدية على البيئة. وللأسف الشديد، لا تزال تلك المؤسسات السيادية الجائرة على البيئة والملكية العامة تتجاهل هذا الحكم وترفض تنفيذه.
أين قانون البيئة؟
قلت للمستشار الجندي إن التجاوزات ضد البيئة لم تتوقف، على رغم أن لدينا قانوناً للبيئة عمره الآن عشر سنين. قال: "مشكلة القانون 4 لسنة 94، المعروف بقانون البيئة، أنه لم ينصّ على عقاب لمن يقيم مشروعاً دون إجراء دراسة تقييم الأثر البيئي. لقد أوجب إجراء الدراسة، ولكنه أغفل الجزاء. أضف إلى ذلك أن معظم الجهات الرسمية يتعامل مع الشأن البيئي بنوع من التعالي".
سألته:"وهل توافقني على أن الشأن السياسي يختلط بالبيئي، ويؤثر فيه، سلباً في الغالب؟ وانظر إلى مسألة توفيق أوضاع المؤسسات الصناعية الملوثة للبيئة، مثلاً".
قال: "نعم. لم تقم كل المنشآت الصناعية القديمة بتوفيق أوضاعها البيئية، إذ ان معظمها يتبع قطاع الأعمال العام، ويعاني من تعثر اقتصادي يجعله غير قادر على إقامة وحدات التنقية والمعالجة للمخلفات قبل أن يتخلص منها. ومع الاتجاه نحو الخصخصة، رؤي تأجيل برامج توفيق الأوضاع البيئية إلى ما بعد خصخصة هذه المنشآت. الأكثر من ذلك، أن سياسة توفيق الأوضاع البيئية افتقدت الحسم، وتداخل بها التخوف من الآثار الاجتماعية، لأن إغلاق المنشآت التي تعجز عن توفيق أوضاعها البيئية يعني تشريد العاملين فيها لتتفاقم مشكلة البطالة". لذلك، تابع الجندي، "أحجمت الحكومة عن تطبيق القانون بحزم على المصانع المخالفة. وقد لجأت وزيرة البيئة السابقة، نادية مكرم عبيد إلى أسلوب التفاوض، وتمديد المهلة المحددة للتوفيق، واستطاعت أن تقنع بعض أصحاب المنشآت في مناطق صناعية، مثل "10 رمضان" و"6 أكتوبر"، أن يستجيبوا لبرنامج توفيق الأوضاع البيئية بأسلوب جماعي، بإقامة محطات معالجة نفايات مشتركة لتقليل الكلفة".
ماذا تفعل الوزارة؟
نقلت للمستشار الجندي انطباعاً بأن الاهتمام بالبيئة، في العالم الثالث عموماً، لا يزال هامشياً. وقلت له إن جانباً كبيراً من مواطنينا لا يعرفون أن لدينا وزارة للبيئة، أو لا يشعرون بوجودها. وقد لاحظ كثيرون أن كلمة وفد مصر في قمة التنمية المستدامة في جوهانسبورغ عام 2002، ألقتها وزيرة التعاون الدولي وليس وزير البيئة. فهل يعكس ذلك حجم وزارة البيئة في مصر؟
قال: "أحب، أولاً، أن أوضح أن ليس لدينا وزارة للبيئة، بل وزارة دولة لشؤون البيئة. فجهاز شؤون البيئة هو الأساس، وقد أنشئ تابعاً لمجلس الوزراء. ولا بد لكل جهاز تابع لمجلس الوزراء من وزير يباشر أموره في المجلس. فمستوى الجهاز فوق مستوى الوزارة. أما تشكيل وفد مصر إلى جوهانسبورغ، فهو يعكس نظرة الإدارة لدينـا، إذ كان هدفها الحصول على منح من الدول الغنية، واستثمار قمة الأرض الثانية لتمويل مشروعات بيئية في مصر. والدكتورة فايزة أبو النجا هي الوزير المسؤول عن التعاون الدولي، وتدخل المعونات الخارجية في اختصاصها، كما أنها أقدر على التعامل مع المجتمع الدولي والمنظمات والهيئات العالمية، فهي سفير سابق.
واستطرد المستشار الجندي قائلاً، إننا، على أي حال، لا نزال بحاجة إلى مزيد من الجهد، تبذله الحكومة مجتمعة، وليس وزارة البيئة وحدها. نحتاج لجهود حكومية أولاً، وأهلية ثانيا. فأغلب مظاهر التدهور البيئي ناشئ من تقصير حكومي. وعلى سبيل المثال، لا يزال الصرف الصحي يلوث مسطحاتنا المائية، النهرية والبحرية. ولا تزال أعمال الصرف الصحي تنحصر في صب المخلفات في هذه المجاري المائية، بعد معالجة جزئية أو بلا معالجة على الإطلاق في كثير من المواقع. الأكثر من ذلك، أن شبكات الصرف الصحي  تغطي أقل من 30 في المئة من مساحة المجتمعات العمرانية بمصر. صحيح أن ثمة خطة لتغطية الجمهورية كلها خلال السنوات العشر القادمة، ولكن، إلى أن يتحقق ذلك، فإن مياهنا الطبيعية ستظل تستقبل مياه الصرف الصحي، المحملة بالصرف الزراعي والصناعي، بكل ما فيها من كيماويات زراعية سامة ومخلفات صناعية سائلة خطيرة.
وأحياناً، أضاف المستشار الجندي، يكون الأداء الحكومي في مواجهة مشاكل البيئة بطيئاً بصورة تؤدي إلى تضخم هذه المشاكل. فعلى سبيل المثال، رغم أن مدينة القاهرة تعاني منذ سنوات من ظاهرة "السحابة السوداء"، ورغم أن قانون البيئة يخوِّل وزير الداخلية اتخاذ ما يلزم من إجراءات لمواجهة المشاكل البيئية، فإن قرار وزير الداخلية الخاص بفحص عوادم السيارات لم يصدر إلا قبل شهور، بعد أن بُحَّ صوتنا في مجلس إدارة جهاز شؤون البيئة. والعجيب أن القرار لم يشمل إلا محافظتين، هما القليوبية والجيزة. أما القاهرة، التي تعاني من هذه السحابة التي تشارك في صنعها عوادم السيارات، فلا تزال تنتظر قرار الوزير. وستظل عوادم السيارات، لسنوات طويلة مقبلة، تعربد في هواء مدننا، وتشارك، مع انبعاثات غازية خطيرة أخرى من "قمائن" الطوب ومن "الفواخير" ومن "المجاير" ومن عمليات إحراق قش الأرز، في إفساد الهواء وإلحاق أضرار بالغة بصحة البشر.
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.