Thursday 21 Nov 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
كتاب الطبيعة
 
جزر الهبريدز  
أيلول (سبتمبر) 2003 / عدد 66
 غيليان دايكس (جزيرة لويس)
واحة من الهدوء في عالم صاخب، تمتد بمهابة شمال غرب اسكوتلندا. انها سلسلة جزر الهبريدز (Hebrides)التي بشواطئها الحالمة وحياتها البرية ووعودها بحس المغامرة في أحضان الطبيعة، موقعاً مميزاً للسياحة البيئية.
يضم أرخبيل الهبريد مجموعتين من الجزر. الاولى تعرف بالجزر الخارجية أو الغربية، وأهمها جزر لويس وهاريس ويويست الشمالية والجنوبية وبنبكولا واريسكي وبارا. وهي تمتد حوالى 230 كيلومتراً، وفي معظم الأماكن لا ترتفع الأرض أكثر من بضع عشرات الأمتار عن سطح البحر. وتضم المجموعة الداخلية جزر سكاي وروم وكول وتيري. وهذه الجزر فريدة من نوعها. فالشواطئ الرملية الناعمة تحيط بأرض ذات جمال فطري، وقد إذ اتخذتها أعداد لا تحصى من الأنواع النباتية والحيوانية ملاذاً لها.
استوطن الإنسان جزر الهبريد منذ أكثر من 6000 سنة، وفيها آثار كثيرة تعود إلى ما قبل التاريخ. وهي تشكل معقلاً للحضارة الغيلية ولغتها التي لها لهجاتها المحلية بين أهالي الجزر المختلفة. وقد تأثرت كثيراً بالبلدان الاسكندينافية، إذ حكمها الفايكنغ من القرن التاسع حتى العام 1280، وأطلقت على أماكن كثيرة فيها أسماء نروجية الأصل، خصوصاً في الشمال وتشكل هذه الجزر أحد أهم القفار البريطانية الباقية، وتعتبر من أكثر الأماكن روعة وسحراً في العالم. وهي تؤلف 1.3 في المئة من كتلة اليابسة في بريطانيا، لكنها تحتوي على 15 في المئة من المياه العذبة في البلاد، وتضم أكثر من 6000 بحيرة عذبة وبحرية.
تكونت جزر الهبريد من أقدم الصخور الصوانية المكشوفة. وهي غالباً رمادية اللون، تتخللها عروق خشنة من المعادن البيضاء والداكنة المضغوطة في خطوط متراصفة بفعل تحركات الأرض. وقد ويقول الجيولوجيون ان هذه الصخور المتحولة الملتوية تشكلت منذ أكثر من 3000 مليون سنة، عندما نحتت أنهار جليدية الجبال الشاهقة فكونت أودية جزيرة هاريس على شكل حدوة حصان ومرتفعات جزيرتي لويس ويويست. وفي هذا الأرخبيل أعلى أجراف صخرية في بريطانيا.
وفي هاريس تعرضت الصخور للتعرية من التراب الذي كان يغطيها، وتناثرت مع صخور جرفتها الأنهار الجليدية، فكونت موقعاً هلالي الشكل يدعى "سطح القمر". وهاريس هي أكثر جزر الهبريد مرتفعات، وتقع فيها قمة كليشام التي هي الأعلى إذ يبلغ ارتفاعها 799 متراً، ومنها يمكن إلقاء نظرة على مجموعة الجزر كلها في يوم صاف وصولاً إلى أرخبيل سانت كيلدا غرباً. ويحفل الساحل الشرقي في جنوب هاريس بالخلجان الصخرية المدهشة، في حين يتكون الساحل الغربي من شواطئ رملية وسهول منخفضة واسعة خصبة تدعى باللغة الغيلية "ماتشير" (machir)، وخصوصاً في جزيرة بنبكولا التي هي من أندر الموائل الطبيعية في أوروبا. أما لويس فهي أندر كبرى الجزر وأكثرها انخفاضاً، وتغلب على طبيعتها البحيرات العذبة والمستنقعات العشبية.
شواطىء الحرير
جزر الهبريد، ببيئتها المنعزلة الآمنة التي لم يعبث بها الإنسان، شكلت ملاذاً لكثير من الأنواع النباتية والحيوانية النادرة التي تضمها مساحة صغيرة، مما جعلها ذات أهمية ايكولوجية عالمية. فمياهها تزخر بالكائنات البحرية، مثل الحيتان والدلافين والفقم وأسماك القرش والسلمون وقنافذ البحر (التوتياء). وتحوي شواطئها أكبر مستوطنات طيور الاطيش (gannet) والبفن (puffin) والغلموت (guillemot) في بريطانيا وأكبر مستوطنات الفلمار (fulmar) في العالم. كما تحوي أكبر تجمع لثعالب الماء (القضاعات) في أوروبا. وتؤوي مرتفعاتها طيور الطيهوج والتدرج والجوارح المهيبة، مثل النسر الذهبي، وصقر الجلم الصغير وصقر البوزارد الجوال والأرانب والخراف الهبريدية ذات الوجه الأسود. ومن طيورها المميزة، الصّفرد المراوغ (elusive corncrake) ذو الصراخ المتواصل الذي تشكل الجزر المعقل الوحيد المتبقي له. وتعبر أعداد كبيرة من الطيور المهاجرة، المخّوضة والغطاسة والمغردة.
وكانت الغزلان الحمراء أدخلت الى الجزر، فتكيفت مع طبيعة الأرض الوعرة التي يكتنفها الخث والمستنقعات، وهناك حالياً أكثر من 4000 غزال أحمر في جزيرتي لويس وهاريس، ونحو 850 في يويست الشمالية و350 في يويست الجنوبية. وفي الجزر ثلاث محميات طبيعية وطنية و11 منطقة محمية خاصة وأكثر من 53 موقعاً ذات أهمية علمية خاصة.
أرخبيل سانت كيلدا في الغرب موقع للتراث العالمي، ويشكل أقصى امتداد للجزر البريطانية. وتعتبر جزره البركانية، بمنحدراتها الصخرية الشاهقة، أهم محطة لتكاثر الطيور البحرية في شمال غرب أوروبا، حيث يتواجد في هذا الموقع أكثر من مليون طير في المجموع. وإضافة إلى جزر أوركي شمالاً، يؤوي أرخبيل الهبريد أكثر من 40 في المئة من الفقم الرمادية الموجودة في العالم و10 في المئة من الفقم الاسكوتلندية الشائعة الموجودة في أوروبا.
وفضلاً عن هذه الثروة الحيوانية، تُنبت الجزر أكثر من 1000 نوع مختلف من الزهور البرية التي تم تسجيلها. فمن الخشخاش والسحلبيات (الاوركيديا) التي تغطي السهول المنخفضة الواسعة إلى زهور المستنقعات وخلنج المرتفعات، تزدان الجزر في أشهر الربيع والصيف بحلل من الألوان الزاهية.
وتضم شواطئ الهبريد أكبر محتوى من الأصداف في اسكوتلندا، لذلك تبدو وكأنها استوائية عندما يسطع نور الشمس على المياه الفيروزية. فالساحل الغربي يتعرض لأمواج أطلسية عنيفة سحقت هذه الأصداف وحولتها إلى أجزاء ناعمة شبيهة بالحرير. وكثرة الخلجان والسواحل الضحلة المترامية الأطراف أدت إلى نشوء امتدادات واسعة من الرمال البيضاء. وفي جزيرة يويست الجنوبية شاطئ ساحر من هذا النوع يمتد على أكثر من 35 كيلومتراً.
ويبلغ ارتفاع المد حوالى خمسة أمتار، فتغتسل الشواطئ مرتين في اليوم، مما يضمن نظافتها ويمحو باستمرار أي أثر للاقدام. والمياه المحيطة بالجزر صافية ونظيفة، فلا يصل إلى الشواطئ إلا الأعشاب البحرية والأخشاب التي يجرفها الموج. ويغطي الخث مساحات كبيرة من الجزر، وهو تربة ليفية داكنة اللون تكونت نتيجة تحلل نباتات وأشجار ميتة، ويشكل قشرة ملساء على المرتفعات والصخور المتموجة، ورسوبيات عميقة في المنخفضات الرطبة والأحواض الصخرية.
جنة الرياضيين
تسهل طبيعة جزر هبريدز مزاولة مختلف أنواع الرياضة. فهي محاطة بمياه المحيط الأطلسي والخلجان التي تشكل مكاناً مثالياً لمزاولة رياضة التجذيف ومراقبة الطيور والحيوانات البحرية. وتجتذب الأمواج العالية هواة ركوب الأمواج على مدار السنة. وتحت الأمواج يجد الغواصون جنة من الشعاب المرجانية والمغاور وغابات الأعشاب البحرية في مياه صافية نظيفة. ويحوي أرخبيل سانت كيلدا، تنوعاً مذهلاً من الحياة البحرية يجعله واحداً من أشهر مواقع الغوص وأغناها في العالم. أما هواية تسلق المنحدرات البحرية والجبلية فما زالت بحاجة إلى روادها، حيث هناك الكثير من المواقع التي تنتظر من يستكشفها ويسميها. وتوفر البيئة الطبيعية أماكن رائعة للمشي وركوب الخيل والدراجات ورياضات أخرى.
لكل من فصول السنة طابعه الخاص في جزر هبريدز. فهي تنعم بطقس لطيف في الربيع إذ تطول ساعات النهار وينكمش الليل حتى ساعتين فقط، فتكون الشمس ساطعة والأجواء صافية والبحار هادئة. وفي أواخر الربيع تتفتح الأزهار في السهول المنخفضة التي تضم نحو 45 نوعاً في كل متر مربع. وفي آذار ونيسان (مارس وابريل) تضع النعاج مواليدها، فتمتلئ الحقول بالحملان الصغيرة التي لا تكف عن الحركة والوثب. وفي الصيف يدب النشاط في الجزر، فتعج السهول المنخفضة بالأزهار، وتؤوي الشواطئ مئات الأنواع من الطيور البحرية والطيور المخوضة، بعضها معشش وبعضها مهاجر يتوقف للاستراحة قبل متابعة رحلته. ففي جزيرة يويست يعشش أكثر من 17.000 زوج من الطيور المخوضة خلال أشهر الصيف. وتكبر الحملان في هذا الوقت وتزداد حركتها، لكن الجوارح المحلقة فوق الهضاب ترصد حركاتها طمعاً بلحمها الطري. وفي الخريف تنتعش الحياة في المياه المحيطة بالجزر، حيث تشاهد الحيتان والدلافين وهي تأكل وتلهو. ولا تخلو أشهر الشتاء من النشاط. فالفقم يمكن رؤيتها في الخلجان والموانئ، وتشاهد حيوانات بحرية ثديية أخرى قبالة الشاطئ. وتقترب الغزلان من الطرق بحثاً عن طعام. ويمكن مشاهدة الأرانب البرية القطبية والنسور الذهبية تجوب المستنقعات المقفرة، حيث ترتاح طيور مهاجرة كثيرة قبل متابعة طريقها إلى موائلها في غرينلاند وكندا.
ولا تبخل جزر الهبريد بالعطاء عندما يهبط الظلام. فلياليها أفضل الأوقات لمشاهدة الشفق القطبي، أي الأنوار الشمالية (aurora borealis). وهذه ظاهرة عجيبة من الأشكال والأحزمة الضوئية التي تتحرك فتشكل تصاميم متغيرة تضيء السماء. ومنشأها الشمس التي تطلق أحزمة من البلازما، أي غيوماً من الجزيئات ذات الشحنات الطاقوية العالية تعرف بالرياح الشمسية. وما يجعل الجزر موقعاً مثالياً لمشاهدة هذه الظاهرة انعدام أنوار الشوارع وضباب المدن وهبوب رياح أطلسية نقية تبقي الأجواء صافية نسبياً.
فهل يظل تدخل الإنسان بمنأى عن هذا القفز المميز ليبقى منيعاً وتحفظ ثرواته النادرة ذخراً للمستقبل؟
جزر الهبريد الاسكوتلندية
أرخبيل في غرب اسكوتلندا يتلاقى فيه جمال الطبيعة
صورة فضائية لجزر الهبريد التي تبدو مثل قوس قبالة الساحل الاسكوتلندي
جنة الرياضيين: ركوب الدراجات
زوار الجزر وصيد الأسماك
جنة الرياضيين: تسلق الجبال
رياضة التجديف
الشفق القطبي
سرب طيور بحرية عند المغيب
قطيع من الفقم قبالة الجزر
مرجان في مياه جزيرة لويس
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.