حذر المؤتمر الرابع للمنتدى العربي للبيئة والتنمية من أن التدهور المستمر في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والبيئية قد يؤدي إلى مزيد من الانتفاضات الاجتماعية والسياسية في البلدان العربية. ودعا الحكومات إلى إعطاء اهتمام أكبر للتنمية الزراعية الريفية، وإحداث تحول في سياسات إدارة الطلب على المياه، واعتماد استراتيجيات لكفاءة الطاقة والطاقة الأنظف والطاقة المتجددة. وأوصى بوضع سياسة صناعية وطنية مؤاتية للصناعات المنخفضة الكربون، وبتوظيف استثمارات مستمرة في النقل العام، وبإدارة للنفايات تحقق قيمة منها بالتقليل من إنتاجها وإعادة استعمالها وتدويرها، وبتنفيذ ممارسات سياحية مستدامة. ودعا المؤتمر المنظمات والحكومات إلى إطلاق مبادرات إقليمية تتعلق بالاقتصاد الأخضر.
في ما يأتي عرض شامل لوقائع المؤتمر.
راغدة حداد وعماد فرحات (بيروت)
التدهور المستمر في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والبيئية ولّد اجهاداً شاملاً لمصادر الرزق والصحة والرفاه البشري، وقد يؤدي الى مزيد من الانتفاضات الاجتماعية والسياسية في المنطقة العربية. هذا ما حذر منه مؤتمر المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) الذي عقد يومي 27 و28 تشرين الأول (أكتوبر) في فندق حبتور جراند في بيروت وكان مكرساً لمناقشة التحول الى اقتصاد أخضر في العالم العربي. وأوصى المؤتمر الحكومات باعتماد نماذج للتنمية الاقتصادية تلبي طموحات الناس في الأمن الاقتصادي والعدالة الاجتماعية وكفاءة الموارد وحماية البيئة، مؤكداً أن أجندة التنمية الخضراء التي تسعى الى تحقيق توازن بين النمو الاقتصادي وحماية البيئة والعدالة الاجتماعية توفر أساساً سليماً لمعالجة نواقص الاقتصادات العربية.
وأظهر تقرير «الاقتصاد الأخضر في عالم عربي متغيّر»، الذي أطلقه المنتدى في افتتاح المؤتمر، أن خفض دعم أسعار الطاقة في المنطقة العربية بنسبة 25 في المئة سوف يحرر أكثر من 100 بليون دولار خلال مدة ثلاث سنوات، وهذا مبلغ يمكن تحويله لتمويل الانتقال الى مصادر الطاقة الخضراء. وبتخضير 50 في المئة من قطاع النقل في البلدان العربية، نتيجة ارتفاع فعالية الطاقة وازدياد استعمال النقل العام والسيارات الهجينة (هايبريد)، تتولد وفورات تقدر بنحو 23 بليون دولار سنوياً. وبإنفاق 100 بليون دولار في تخضير 20 في المئة من الأبنية القائمة خلال السنين العشر المقبلة، يُتوقَّع خلق أربعة ملايين فرصة عمل. وعلى البلدان العربية أن تعزز كفاءة الري واستخدام المياه وتمنع تلوثها، مع العمل على زيادة نسبة مياه الصرف المعالجة التي يعاد استخدامها من 20 في المئة حالياً إلى مئة في المئة. ومن شأن ذلك أيضاً تخفيض كلفة التدهور البيئي في المنطقة العربية البالغة نحو 95 بليون دولار سنوياً. وأظهر التقرير نتائج مشابهة في مجالات متعددة، كمردود الاستثمار في تخضير قطاعات النفايات والصناعة والسياحة والزراعة.
سليمان: تحصيل الضرائب على أساس حجم التلوث
أقيم المؤتمر برعاية رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال سليمان، وقد مثله وزير البيئة ناظم الخوري الذي ألقى كلمة الرئيس سليمان، فقال: «يشهد العالم نمواً متسارعاً لتجارة الخدمات والسلع البيئية مقارنة مع القطاعات التجارية العالمية الأخرى، في حين أن عالمنا العربي يبقى على هامش هذا القطاع، بنسبة أدنى من واحد في المئة من القيمة الاجمالية لهذه التجارة التي تبلغ نحو 618 بليون دولار أميركي». وأضاف أن نسبة الميزانية التراكمية التي تصرف على البيئة من الصناديق والمصارف العربية التنموية عبر قروض وهبات لا تتعدى 6 في المئة من ميزانيتها الاجمالية. واعتبر أنه «أمام المشاكل البيئية والاقتصادية والاجتماعية المزمنة، قد يكون موضوع مؤتمر «أفد» عن الاقتصاد الأخضر هو الحل من خلال الإصلاح المالي البيئي».
ودعا إلى الاقتداء بالدول الأوروبية في تحصيل الضرائب على أساس حجم التلوث وليس على أساس حجم الانتاج، مضيفاً: «يمكن لهذا النوع من الاقتصاد الأخضر الجديد أن يفتح أبواباً جديدة أمام القطاع الخاص العربي، يهدف الى إحداث فرص عمل للشباب العربي الواعد الذي لعب الدور الأساسي في التغيير الذي شهدناه في المنطقة».
حضر المؤتمر نحو 500 مندوب من 46 بلداً، 25 في المئة منهم من الحكومات والقطاع العام، و25 في المئة من القطاع الخاص، و20 في المئة من منظمات المجتمع المدني، و20 في المئة من الجامعات ومراكز الأبحاث، و10 في المئة من المنظمات الإقليمية والدولية، إضافة الى ممثلي 86 مؤسسة إعلامية عربية وأجنبية.
وحضرت وفود رفيعة المستوى من وزارات وهيئات البيئة في معظم الدول العربية، تميز بينها وفد الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة في السعودية، الذي انتدبه رئيس الهيئة ورئيس المكتب التنفيذي لمجلس وزراء البيئة العرب الأمير تركي بن ناصر بن عبدالعزيز، الذي غاب عن المؤتمر بسبب وفاة عمه الأمير سلطان. وقدم المؤتمر تعازيه الى السعودية حكومة وشعباً. كما حضرت وفود نيابية من العراق ومجلس الشورى السعودي، ووفود من صناديق التنمية العربية، إضافة الى عدد كبير من السفراء، وحشد من الديبلوماسيين ورجال الأعمال ورؤساء الشركات والهيئات الأعضاء في المنتدى العربي للبيئة والتنمية. وشارك أساتذة وطلاب من 18 جامعة عربية.
بدران: التغيير ممكن إذا توافرت الإرادة
رحب رئيس مجلس أمناء المنتدى العربي للبيئة والتنمية الدكتور عدنان بدران بالمشاركين، وقال: « قد يبدو غريباً للوهلة الأولى الحديث عن الاقتصاد الأخضر في الأوضاع غير المستقرة التي تمر بها المنطقة، سياسياً واجتماعياً واقتصادياً. لكن التمعّن في الموضوع الذي يطرحه المنتدى يُظهر أن التحول الى الاقتصاد الأخضـر يمكن أن يساعد في نقل العالم العربي الى اتجاه جديد في التنمية يؤمن الاستدامة والاستقرار، في البيئة كما في الاقتصـد». وأوضح أن من المبادئ الأساسية للاقتصاد الأخضر إعطاء وزن متساوٍ للتنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية والاستدامة البيئية. وتلبية هذه الأهداف الثلاثة توفر أساساً سليماً لمعالجة نقاط الضعف في الاقتصادات العربية، من تخفيف الفقر والبطالة، الى تحقيق أمن غذائي وطاقوي، الى توزيع أكثر عدالة للمداخيل. ومن صفات الاقتصاد الأخضر أيضاً أنه يركز على الاستخدام الكفوء للأصول الطبيعية من أجل تنويع الاقتصاد، وهذا يوفر مناعة في وجه تقلبات الاقتصاد العالمي.
وعن سبل تأمين الاستثمارات المطلوبة لتنفيذِ مقترحات التقرير للتحول الى الاقتصاد الأخضر، قال بدران: «هذا ليس مستحيلاً اذا توفرت الارادة. فلنتذكر أنه عقِبَ الانهيار الاقتصادي الذي ضرب العالم عام 2008، ازدادت الميزانيات المخصصة للتسلح بنسبة 7 في المئة عام 2009، أي ما يتجاوز مئة مليار دولار. إن توفير هذا المبلغ فقط يكفي لمجابهة تحديات تغيّر المناخ والانتقال الى الاقتصاد الأخضر».
ولاحظ بدران أن الشركات الأجنبية بدأت تنفيذ برامج ضخمة للتحول الى الاقتصاد الأخضر، مدعومة بسياسات حكومية ملائمة، متمنياً أن تحذو الشركات العربية حذوها.
وعُرض الفيلم الوثائقي «التغيير الأخضر» الذي أعده المنتدى، وهو يتناول دور الاقتصاد الأخضر في وضع حد للفقر والبطالة، وتحقيق الأمن في الماء والغذاء والطاقة، وتحقيق توزيع أكثر عدلاً للدخل. ويعرض مشاريع تعتمد الاقتصاد الأخضر تم تنفيذها في العالم العربي.
صعب: أعمال المنتدى في سنة
تحدث أمين عام المنتدى العربي للبيئة والتنمية نجيب صعب، فقال: «الاصلاحات السياسية تؤدي إلى وضع حد للفساد كما لسوء إدارة الموارد الطبيعية. ولا بد للحكومات الأكثر تمثيلاً لشعوبها أن تعمل بإرادة سياسية أقوى لادارة الموارد الطبيعية والحفاظ على البيئة».
وقدم صعب تقريراً عن أعمال المنتدى لسنة 2011. فضمن برنامج المسؤولية البيئية لقطاع الأعمال، أقام المنتدى ورش عمل حول كفاءة المياه، بناء على الدليل الذي أصدره، بدأت نتائجها في اتجاهات جديدة للسياسات. وتم تقديم تقرير المنتدى لعام 2010 حول المياه العربية ومناقشته مع مسؤولين من جميع القطاعات، وصولاً الى توصيات لاصلاحات في السياسات المائية. وأعد المنتدى مبادرة للاقتصاد العربي الأخضر، وأقام ثلاث ورش عمل واجتماعات تشاورية حولها في سبع عواصم.
وشارك المنتدى في مفاوضات تغير المناخ، وعمل مع العديد من الوفود العربية للتوصل إلى مواقف متقدمة، حتى إقرار تقنية احتجاز الكربون وتخزينه (CCS) في مؤتمر كانكون، كإحدى آليات التنمية النظيفة. كما شارك في إعداد ستة تقارير وخطط عمل إقليمية ودولية للتكيف مع تغيّر المناخ في المنطقة العربية. (راجع نص التقرير في ملحق «أخبار المنتدى العربي للبيئة والتنمية» في هذا العدد).
وأصدر المنتدى دليلاً عملياً لكفاءة الطاقة في المنطقة العربية وللادارة البيئية في قطاع الأعمال. كما أعد دليلاً شاملاً في التربية البيئية لاستخدامه في المناهج التربوية والتعليم. وتم توسيع التعاون مع وسائل الاعلام الأعضاء، حيث تنشر 12 صحيفة يومية رائدة في جميع أنحاء العالم العربي صفحات بيئية أسبوعية أو شهرية بالاشتراك مع المنتدى.
وأعلن صعب أن تقرير المنتدى لسنة 2012 سيكون عن البصمة البيئية للدول العربية، مع تحليل علمي لقدرتها على تلبية حاجات سكانها منفردة ومجتمعة.
ستير: العالم العربي يمكن أن يتبوأ القيادة
ألقى الدكتور أندرو ستير، المبعوث الخاص للبنك الدولي حول تغير المناخ، ونائب الرئيس، وأحد كبار مهندسي مؤتمر قمة الأرض الأولى في ريو عام 1992، كلمة رئيسية حول الترابط بين الاقتصاد الأخضر وتغير المناخ. فقال إن دول العالم حاولت العام الماضي في مؤتمر كانكون الحد من ارتفاع معدل درجات الحرارة العالمية فلا يزيد على درجتين مئويتين. وقدمت 90 دولة خططها لتخفيض الانبعاثات الكربونية. لكن الواقع أن لا أمل في حصر الارتفاع بدرجتين، بل إننا نتجه إلى زيادة تتراوح بين 3 و5 درجات مئوية. وهذا أمر خطير للمنطقة العربية التي ستشهد أقوى تأثيرات تغير المناخ.
وأشار إلى تقرير البنك الدولي حول تغير المناخ وضرورات التكيف مع تأثيراته، الذي ستتم مناقشته في المؤتمر، مشيراً إلى أن هناك بشائر في المنطقة العربية، فقد قدمت اليمن الأسبوع الماضي خطة ببليون دولار لإدخال تدابير التكيف في كل عمليات التنمية. وأمل بإطلاق الصندوق الأخضر للمناخ في مؤتمر دوربان بعد أسابيع، مضيفاً: «نحن الآن ندعو إلى اقتصاد أخضر ونمو أخضر، فالاقتصاد العالمي هو الآن أكبر ضعفي ما كان في مؤتمر الريو عام 1992. والبيئة المتدهورة تضر بالاقتصاد، فالتدهور البيئي يكلف نحو 5 في المئة من قيمة الانتاج الإجمالي العربي مثلاً». ورأى ان استثماراً أكبر في تخضير القطاعات الاقتصادية يستدعي ابتكارات ويخلق وظائف: «معظم الوزراء وأصحاب القرار الذين نفاوضهم يقولون لنا: إذا كان بامكانكم خلق وظائف فسوف نقبل بالتحول الى اقتصاد أخضر. هذا ممكن من خلال اعتماد تكنولوجيات الطاقة المتجددة وإعادة التدوير وغير ذلك».
ونوه ستير بتقرير «أفد» الذي يتميز عن كل ما اطلع عليه في المنطقة، لأنه يسأل بالتحديد ماذا يمكن فعله في الزراعة والصناعة والسياحة والنقل والمباني وغير ذلك من القطاعات، وقال: «في وسع العالم العربي أن يتبوأ مركز القيادة في مجال الطاقة المتجددة، مثلما هو المورّد الرئيسي للطاقة التقليدية. وقد رصد البنك الدولي 750 مليون دولار لمساعدة خمس دول عربية أفريقية في مجال الطاقة المتجددة». وأعرب عن أمله في قيام تعاون وثيق في هذا المجال بين البنك الدولي والمنتدى العربي للبيئة والتنمية. (يمكن الاطلاع على الكلمة الكاملة للدكتور ستير في الصفحة 61)
فيغيريس: يمكن تخفيض الانبعاثات طوعاً
وكانت كلمة رئيسية لرئيس جمهورية كوستاريكا السابق خوسيه ماريا فيغيريس، وهو رئيس غرفة العمليات الكربونية وأحد أبرز الوجوه العالمية في التنمية المستدامة والداعية الى الاقتصاد الحقيقي. فقال: «هناك حربان يتعين علينا خوضهما والانتصار فيهما، الفقر وانعدام المساواة من جهة وتغير المناخ من جهة أخرى. وهذا يستدعي إعادة الابتكار في كل شيء تقريباً، وهو أيضاً يخلق وظائف ونشاطات جديدة». وأضاف: «إذا كان المنطق يقول بتقليل البصمة الكربونية، فلماذا لا نفعل ذلك بسرعة؟»
ورأى أن هناك سوء فهم في ناحيتين رئيسيتين. الأولى أن المناخ لا يتغير، على رغم الدلالات الواضحة في كل مكان، من ذوبان الجليد وتقلص البحيرات والأنهار الى ارتفاع معدلات الحرارة والتأثيرات المرافقة في كل قطاع، علماً أن 350 ألف وفاة تحصل سنوياً بسبب تغير المناخ. والضلالة الثانية هي أن لا مجال لتخفيض الانبعاثات إلا بتحرك الحكومات. وأكد أنه يمكن تقليص 50 في المئة من الانبعاثات بتحول الشركات والمؤسسات طوعاً إلى استراتيجيات منخفضة الكربون، وذلك من دون أنظمة حكومية ملزمة. ولكن، في الوقت نفسه، إن لم يتوجه قادة البلدان إلى اعتماد سياسات منخفضة الكربون لحل مشكلة الانبعاثات فكأنهم يكتفون بإعادة ترتيب المقاعد على متن سفينة التايتانيك الغارقة.
وأشار فيغيريس إلى أن العالم ينفق سنوياً تريليون دولار على التسلح، و700 بليون دولار على دعم أسعار البترول، وان جزءاً ضئيلاً من هذه المبالغ الطائلة يكفي للتحول إلى اقتصاد أخضر يقلص الانبعاثات الكربونية التي ترفع معدل حرارة العالم. (يمكن الاطلاع على الكلمة الكاملة للرئيس فيغيريس في الصفحات 64 ـ 65)
www.afedonline.org
يمكن تنزيل النص الكامل لتقرير المنتدى العربي للبيئة والتنمية بالعربية والانكليزية من :
تصوير: محمد عزاقير
«التغيير الأخضر»: وثائقي من المنتدى العربي للبيئة والتنمية
أطلق المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) الفيلم الوثائقي «التغيير الأخضر» الذي يتحدث عن تحديات الاقتصاد الأخضر في عالم عربي متغيّر، وذلك ضمن سلسلة الأفلام الوثائقية البيئية التثقيفية التي ينتجها.
يعرض الوثائقي دور الاقتصاد الأخضر في وضع حدّ للفقر والبطالة، وضمان أمن الماء والغذاء والطاقة، وتحقيق توزيع أكثر عدلاً للدخل. وهو نقلة نوعية من الاقتصاد الافتراضي، القائم أساساً على المضاربات العقارية والمالية، إلى الاقتصاد الحقيقي القائم على الانتاج. إنه يفتح طريقاً جديدة لتحول مستدام في عالم عربي متغيّر. مدة الفيلم سبع دقائق، تُعرض فيها مشاريع تعتمد الاقتصاد الأخضر تم تنفيذها في العالم العربي لتخضير قطاعات الزراعة والمياه والصناعة والطاقة والنقل والأبنية وادارة النفايات والسياحة.
ففي قطاع الزراعة مثلاً، عرض الفيلم لبرنامج الاقتصاد في المياه في أبوظبي، الذي يوفّر سنوياً كمية تكفي لتعبئة ثلاثين ألف بركة سباحة أولمبية. أما في مجال تحسين كفاءة الطاقة، فأظهر الفيلم كيف أن استبدال ثلاثة ملايين مصباح تقليدي بثلاثة ملايين مصباح موفِّر للطاقة في البيوت اللبنانية أدى إلى تخفيض انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون بمعدّل 800 ألف طن سنوياً.
وأشار التقرير إلى مدينة مصدر في أبوظبي التي تستقطب علماء الطاقة النظيفة، الذين يطورون طاقات بديلة ومتجددة ونظيفة. كذلك عرض خطة «الاسترجاع» التي تعتمدها «أفيردا» وتؤمِّن انتاج طاقة حرارية ووقود بديل ومواد أولية من مخلفات كانت تُرمى عادةً.
وفي الصناعة تظهر الحاجة إلى صناعات أقل كربوناً. وتحدث الوثائقي في هذا الاطار عن تكنولوجيا الانتاج الحديثة التي اعتمدتها شركة دبي للألومنيوم، التي أثبتت كفاءة عالية وخفّضت الانبعاثات الكربونية وكلفة الانتاج.
«التغيير الأخضر» هو الوثائقي الرابع للمنتدى بعد «شهادة بيئية على العصر» عام 2008، و«البحر والصحراء» عام 2009، و«القطرة الأخيرة» عام 2010. ويمكن تنزيله عن موقع المنتدى www.afedonline.org
سليمان: ضرائب على التلوث وليس على الانتاج
يشهد العالم، كما عالمنا العربي العزيز، تخبطاً بمحاور التنمية المستدامة الثلاثة: البيئة والشؤون الاجتماعية والاقتصاد.
فجميعنا يعلم ان الاقتصاد مرتبط ارتباطاً عضوياً بالبيئة وبمواردها الطبيعية، التي تمثل مصدراً لكل إنماء زراعي وللموارد الأولية لأنواع الصناعات كافة، كما تمثل البيئة بمفهومها المتكامل الركن الاساسي للسياحة المستدامة. إن الارقام الاقتصادية والمالية المتوافرة لدينا تصرخ عالياً في وجهنا وتخاطبنا كمسؤولين وتحاول أن تنير ضمائرنا لمستقبل الانسان وأمه الأرض.
فالمنطقة العربية تتميز ببيئتها ومواردها الطبيعية الغنية التي تقوم عليها القطاعات الاقتصادية كافة. الا أن البيئة والموارد الطبيعية العربية تواجه العديد من التحديات والضغوط التي تهدد استدامتها. وبالتالي، تتقوّض فرص وإمكانيات التنمية الاجتماعية والاقتصادية، مما يضع المنطقة العربية أمام خطر تدهور بيئي واقتصادي واجتماعي.
يشهد العالم نمواً متسارعاً لتجارة الخدمات والسلع البيئية مقارنة مع القطاعات التجارية العالمية الاخرى، في حين أن عالمنا العربي يبقى، ولسوء الحظ، على هامش هذا القطاع. وتؤكد الأرقام أن حصة العالم العربي من تجارة السلع والخدمات البيئية هي أدنى من 1% ( أي ما لا يتجاوز 6 بلايين دولار أميركي) من أصل القيمة الإجمالية لهذه التجارة التي تبلغ نحو 618 بليون دولار.
تؤكد الارقام أيضاً أن نسبة الميزانية التراكمية التي تصرف على البيئة من الصناديق والمصارف العربية التنموية عبر قروض وهبات لا تتعدى 6% من ميزانيتها الاجمالية، وهذا مؤشر متدن يتناغم مع المؤشرات المتدنية لحصة العالم العربي من تجارة الخدمات والسلع البيئية. كما تؤكد الأرقام ان الكلفة السنوية للتدهور البيئي في المنطقة العربية، خلال العام 2006، وصلت إلى نحو 67 بليون دولار، أي ما يمثل نحو 4% من إجمالي الناتج القومي العربي، ونحو 10 أضعاف حصة العالم العربي من تجارة الخدمات والسلع البيئية. وهذا الامر يؤشر بوضوح على واقع غير مقبول.
إن التدهور الحاصل على مستوى الموارد الطبيعية في العالم العربي، إلى جانب تراجع المبادرات الجدية لحل هذه المسائل ومواكبة الحركة البيئية والاجتماعية والاقتصادية عالمياً، يحثنا على الاستعجال في وضع آلية منوّعة ومتكاملة على مستوى المنطقة تهدف إلى تعزيز الواقع البيئيّ فيها.
أمام هذه المشاكل البيئية والاقتصادية والاجتماعية المزمنة، قد يكون موضوع مؤتمرنا اليوم، أي الاقتصاد الاخضر، هو الحل وتحديداً من خلال الاصلاح المالي البيئي (environmental fiscal reform).
علينا ان نبدأ على غرار الدول الاوروبية في تحصيل الضرائب على أساس حجم التلوث، وليس على أساس حجم الانتاج، أي أن تُحصَّل الضرائب على المنتج السيئ أي النفاية وليس على المنتـج الجيـد أي البضـاعـة (taxing the bad and not the good). علينا مثلاً أن نبدأ بتخفيض نسبة الضرائب على الموارد البشرية، أي القوة العاملة والمنتجة (كالضرائب على الضمان الاجتماعي)، وبرفع نسبة الضرائب على الملوثات مثل النفايات الصلبة وانبعاثات الهواء الملوثة وسواها. فقد تكون هذه الخطوة إحدى أولى الخطوات الصحيحة نحو اقتصاد أخضر سليم.
كل هذا لا يمكن أن يُنجز بعصا سحرية، بل يجب أن نبدأ بالخطوة الأولى في مسيرة الألف ميل. وعسى أن يكون مؤتمرنا اليوم الشرارة الأولى لبدء هذه الرحلة، وعندها نطلق جميعاً، يداً بيد، نداءً واحداً: «الأجيال القادمة تريد بيئة عربية أفضل».
يمكن لهذا النوع من الاقتصاد الاخضر الجديد أن يفتح أبواباً جديدة أمام القطاع الخاص العربي، يهدف الى إحداث فرص عمل للشباب العربي الواعد الذي لعب الدور الاساسي في التغيير الذي شهدناه في المنطقة، حيث أن موضوع البطالة والتصدي لها كان أبرز الشعارات التي نادى بها شبابنا.
وقد أخذ العالم العربي مبادرة، وإن كانت فتيّة وشبابية، لإحداث مرفق البيئة العربي، لحث الدول على الاستثمار في الاقتصاد الاخضر لتنشيطه والوقاية من المشاكل البيئية ومعالجتها، كمشكلة التصحر المزمنة ومشكلة تغيّر المناخ المستجدة.
ختاماً، أنتهز هذه المناسبة لأتوجه بالشكر الى المنتدى العربي للبيئة والتنمية والقيمين عليه، من أعضاء مؤسسين ورئيسه معالي الدكتور عدنان بدران وأمينه العام السيد نجيب صعب، على رؤيتهم وعملهم الدؤوب لإعلاء الشأن البيئي. وأثني على الجهد المضني الذي بذله المنتدى وخبراؤه لإصدار التقرير المميز موضوع مؤتمرنا، آملين أن يكون هذا التقرير حافزاً لصانعي القرار في شأن السياسات العامة في العالم العربي وأن يولوا هذا الموضوع الأولوية القصوى.
ولا بُدّ من مشاركتكم جميعاً بخلاصة تغني موضوعنا نقتبسها عن المهاتما غاندي تقول: «يمكن للأرض أن تؤمن حاجات الجميع ولكن ليس جشعهم».
جلسات مؤتمر «أفد»: الاقتصادالأخـضـر مـن الأفكــار الـى السيـاســات
تناولت جلسات المؤتمر المواضيع التي أثارها تقرير المنتدى العربي للبيئة والتنمية لسنة 2011 بعنوان «الاقتصاد الأخضر في عالم عربي متغيّر». فقام عدد من مؤلفي فصول التقرير بعرض أبرز النتائج والتوصيات. وتضمنت كل جلسة تعقيبات من متخصصين وصانعي قرار، واختتمت بنقاشات مع الحضور. هنا عرض لجلسات المؤتمر.
الاقتصاد الأخضر
وتحديات الاستدامة
نوقشت في الجلسة الأولى لمؤتمر «أفد» مفاهيم الاقتصاد الأخضر، وشارك فيها الدكتور محمد العشري الرئيس التنفيذي السابق لمرفق البيئة العالمي، وحسين أباظة محرر تقرير «أفد» حول الاقتصاد الأخضر في عالم عربي متغيّر.
عرَّف الدكتور العشري الاقتصاد الأخضر بأنه اقتصاد يولد نمواً اقتصادياً وتحسينات في سبل عيش الناس من دون أن يؤذي البيئة. وهو، كما جاء في تقرير «أفد»، يهتم بزيادة إنتاجية الموارد، خصوصاً الطاقة والمياه، وتخفيض توليد النفايات. وأشار العشري إلى نواقص في الاقتصادات العربية تقوّض التنمية البشرية، وعزاها إلى انعدام التنوع الاقتصادي، والاعتماد على المنتجات ذات القيمة المضافة المنخفضة، وسرعة التأثر بتقلبات السوق. وأكد على الحاجة إلى اقتصاد أخضر في المنطقة العربية يتضمن تحولات عدة خصَّ منها أربعة: تحول طاقوي بإنتاج طاقة أنظف واستعمالها بكفاءة، وتحول اقتصادي إلى نمو مستدام تعمّ فوائده الجميع، وتحول في الموارد بالاعتماد على «دخل» الطبيعة وعدم استنزاف «رأسمالها»، وتحول ديموغرافي إلى استقرار سكاني في المنطقة. (يمكن الاطلاع على الكلمة الكاملة للدكتور العشري في الصفحة 6).
وقدم حسين أباظة عرضاً لتقرير «أفد» حول الاقتصاد الأخضر، الذي يتطلب التحول إليه مراجعة السياسة الحكومية وإعادة تصميمها لتحفيز تحولات في أنماط الإنتاج والاستهلاك والاستثمار، وذلك في ثمانية قطاعات ذات أولوية هي: الزراعة والمياه والطاقة والصناعة والمدن والمواصلات والسياحة وإدارة النفايات. ويشدد التقرير على أن المنطقة العربية غير مضطرة إلى الاختيار بين التنمية الاقتصادية والمساواة الاجتماعية وسلامة النظم الإيكولوجية، فالاقتصاد الأخضر يسعى إلى تحقيق أهداف سياسية اقتصادية واجتماعية وبيئية.
تخضير الزراعة والمياه
تناولت الجلسة الثانية تخضير قطاعي الزراعة والمياه. وترأسها وزير الزراعة السابق في مصر الدكتور أيمن أبوحديد، الذي لفت إلى أن الزراعة هي عنصر مهم في الاقتصاد ومجال عمل رئيسي في كثير من الدول العربية، خصوصاً الجزائر ومصر والسودان وموريتانيا والمغرب وتونس وسورية واليمن. ولتعزيزها دور كبير في عمليات رفع الفقر عن المجتمع، وتخفيض الهجرة من الريف التي تؤدي إلى زيادة المناطق العشوائية المنتشرة في كثير من المدن العربية. والزراعة تستهلك حصة الأسد من المياه العذبة، وبالتالي فأي محاولة لمعالجة مشاكل نقص المياه يجب أن تتضمن تطوير ممارسات الري.
وتحدث الدكتور عبدالكريم صادق، كبير الاقتصاديين في الصندوق الكويتي للتنمية، داعياً الحكومات العربية إلى إيلاء التنمية الريفية الزراعية أولوية، مع تقديم خدمات الإرشاد الزراعي الجيدة التصميم. وتستهلك الزراعة في المنطقة العربية نحو 85 في المئة من المياه العذبة، مع كفاءة استهلاك لا تتجاوز 50 في المئة. وكثيراً ما تؤدي الممارسات الخاطئة إلى انجراف التربة وتملحها وتدهور الأراضي وتلوث المياه واستنزاف الطبقات الجوفية.
وأكد صادق على ضرورة دعم الأبحاث لرفع إنتاجية المحاصيل واستكشاف أنواع مقاومة للجفاف أو تحتمل الملوحة، مع اعتماد تقنيات ري مقتصدة بالماء. ويقدَّر أن التحول إلى الممارسات الزراعية المستدامة يؤدي إلى توفير نحو 114 بليون دولار سنوياً، نتيجة زيادة إنتاجية الماء ورفع مستوى الصحة العامة وحماية الموارد البيئية.
وكان تعقيب للدكتورة أسماء القاسمي مديرة الأكاديمية العربية للمياه في أبوظبي، والدكتور علي الطخيس عضو لجنة المياه في مجلس الشورى السعودي. فتساءلت القاسمي عن سبل نقل الابتكارات من الميادين التجريبية إلى أرض الواقع، مؤكدة الحاجة إلى «أبطال تقنيين» و«أبطال سياسيين» لدعمها وإيصالها إلى التطبيق الميداني الواسع. وهذا ما تعمل الأكاديمية على تحقيقه من خلال برامجها التدريبية لأصحاب القرار. ولفتت إلى أهمية الوصول إلى «الزراعة الذكية مناخياً» في المنطقة العربية، عن طريق تحسين الإنتاجية الزراعية، وتكيف المزارعين مع التغيرات المناخية، وتخفيض انبعاثات غازات الدفيئة من القطاع الزراعي.
وركز الدكتور الطخيس على ضرورة رفع كفاءة الري إلى ما لا يقل عن 75 في المئة «وإلا الخروج من القطاع الزراعي»، مع النصح باستبدال محاصيل الحبوب والأعلاف المستنزفة للمياه بأخرى ذات قيمة اقتصادية وجدوى مائية أعلى. وأشار إلى أهمية عنصرين في الأمن الغذائي للمنطقة العربية هما: مشاريع الدواجن التي لا تتطلب مياهاً كثيرة، ومشاريع صيد الأسماك وتربيتها وهي لا تتطلب موارد مائية كبيرة في وجود آلاف الكيلومترات من الشواطئ العربية. لكنه لفت إلى أن قطاع صيد الأسماك لم يرتقِ بعد إلى الوضع المطلوب من ناحية الاستدامة.
تخضير الطاقة والصناعة
خصصت الجلسة الثالثة لتخضير قطاعي الطاقة والصناعة. وترأسها فارس حسن الشيخ، مدير التخطيط والخدمات الاقتصادية في صندوق الأوبك للتنمية الدولية (أوفيد)، الذي أكد أن توفير الطاقة للفقراء هو في رأس أولويات الصندوق، وذلك من خلال الاستخدام الكفوء للطاقة وتقليص الكلفة واعتماد الطاقات المتجددة حيث أمكن. وأشار إلى ضرورة وضع وتطبيق قرارات وقوانين ملزمة بتخفيض هدر الطاقة والمياه في الصناعة، مع الحفاظ على الربحية.
وتحدث الدكتور ابراهيم عبدالجليل، مدير برنامج الإدارة البيئية في جامعة الخليج العربي، عن أهمية الاستثمارات المستدامة في مجالات كفاءة الطاقة وفي مصادر الطاقة المتجددة، من خلال الجمع بين المقاييس التنظيمية والحوافز الاقتصادية. وتنفق الحكومات العربية نحو 135 بليون دولار سنوياً لدعم أسعار الطاقة، أي نحو 7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية عام 2010. وهذا الدعم يشجع على الهدر والإسراف في الاستهلاك. ومع ذلك، فنحو 60 مليون عربي محرومون من خدمات الطاقة المعقولة الكلفة. ولا تتعدى الاستثمارات العربية في مصادر الطاقة المتجددة 2 في المئة من الاستثمارات العالمية.
ودعا عبدالجليل إلى تحويل السياسات نحو الاستثمار في كفاءة الطاقة والطاقة المتجددة، مثل طاقة الشمس والرياح، مع إعطاء حوافز مثل التعرفات التفضيلية والإعفاءات الضريبية والإلغاء التدريجي لدعم استهلاك الطاقة التقليدية المولدة من الوقود الأحفوري. ولفت إلى أن توظيف 100 بليون دولار سنوياً في الطاقة المتجددة يخلق 565 ألف وظيفة جديدة على مدى 10 سنين. وإذا خفض دعم أسعار الطاقة بنسبة 25 في المئة، فسوف يحرر ذلك أكثر من 100 بليون دولار خلال مدة ثلاث سنوات، وهذا مبلغ يمكن تحويله لتمويل الانتقال الى مصادر الطاقة الخضراء.
أما الطاقة النووية فقد لا تكون خياراً ملائماً لإمدادات الطاقة أو أمن الطاقة في المنطقة العربية، لضعف القدرات التقنية العربية في هذا المجال وضرورة الاعتماد على العمال الأجانب، فضلاً عن القيود المفروضة على استيراد اليورانيوم المخصَّب.
وأكد طارق السيد، المدير في بوز آند كو الشرق الأوسط، أن على البلدان العربية أن تضع استراتيجيات منخفضة الكربون للتنمية الصناعية، تحفزها فرصة التطور إلى اقتصادات فعالة في مجالات الطاقة والإنتاج الأنظف، وهذا يعزز المنافسة الصناعية وتنوع المداخيل وخلق فرص العمل.
ومن أهم الإجراءات لتخفيض انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون اعتماد تكنولوجيات الانتاج الأكثر كفاءة في المصانع الجديدة، وتجهيز المصانع القائمة بمعدات كفوءة بالطاقة حيثما كان ذلك عملياً من الناحية الاقتصادية، على أن تدعم الحكومات هذه المبادرات بحوافز مالية. وتستعيد تدابير كفاءة الطاقة تكاليفها خلال ثلاث سنوات. ويقدَّر أن يؤدي تخفيض متطلبات الطاقة بنسبة 30 في المئة، نتيجة عمليات صناعية أكثر جدارة، الى وفورات سنوية مقدارها 150,000 بليون كيلوواط ساعة، أو 12,3 بليون دولار.
وكان تعقيب لحسين القصاب، مدير الصحة والسلامة والبيئة في شركة ألمنيوم البحرين (ألبا)، ومحمد مكاوي مدير المشاريع في نفط الهلال بالشارقة. فأشار القصاب إلى أن فاتورة الطاقة والمعايير البيئية باتت تؤثر أكثر من قبل على الاستدامة والانتاج والتنافسية. وهذا أدى إلى السعي لأخذ مبادرات خضراء واستخدام مصادر أخرى للطاقة، مثل طاقة الشمس والرياح، وتنفيذ المشاريع الخضراء. وأكد أن المبادرات البيئية ليست من مسؤوليات الحكومات فقط، بل يجب أن تكون جزءاً من استراتيجيات الشركات التي يمكن أن تجني الأرباح مع اعتماد التكنولوجيات الصديقة للبيئة.
وتحدث مكاوي عن «مدن الغاز» التي يمكن إنشاؤها في المنطقة العربية الغنية باحتياطات الغاز الطبيعي. وقال إنه يحلم بيوم يتم فيه ربط منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشبكة من أنابيب الغاز، مشيراً إلى أن اقتصاداً مبنياً على الغاز يخلق وظائف، وأن «مدينة غاز» واحدة يمكن أن تشغّل مئة ألف عامل. ولما كان استخدام مشتقات النفط باقياً إلى أمد طويل، وهو عنصر قوة للمنطقة العربية، ففي الإمكان قيام نظام هجين (هايبريد) تستخدم فيه مصادر الطاقة التقليدية والمتجددة معاً.
تخضير المدن
والمباني والمواصلات
في اليوم الثاني للمؤتمر، تناولت جلسة صباحية برئاسة الدكتور عبدالكريم صادق، الخبير الاقتصادي في صندوق الكويت للتنمية الاقتصادية، التدابير الرامية إلى تخضير المدن والمباني والمواصلات. فتحدث طارق المطيرة، الباحث الرئيسي في الطاقة والاستدامة في جامعة لوند السويدية، عن أهمية خلق مجتمعات مدينية صحية وتنافسية اقتصادياً. فالتنظيم المدني شبه مفقود في المدن العربية، التي تسودها أنماط فوضوية من استخدامات الأراضي. ويشكل تلوث الهواء والماء مصدر خطر صحي بالغ. والمساحات الخضراء ضئيلة، ففي بيروت مثلاً هناك متر مربع واحد للفرد من المساحات الخضراء، في مقابل 20 إلى 40 متراً مربعاً في الولايات المتحدة. وتنتشر الأحياء الفقيرة التي تكاد تنعدم فيها أحياناً الخدمات الأساسية مثل جمع النفايات وشبكات المجاري. وتستأثر المباني بنحو 35 في المئة من مجمل استهلاك الطاقة، وتستخدم فيها غالباً أنظمة تدفئة وتبريد غير كفوءة طاقوياً.
ولا بد لمعالجة هذه النواقص من إدارة وتصميم مستدامين للمدن، مع تصنيف الأراضي عمرانياً وإيجاد نظام نقل عام فعال. ودعا المطايرة إلى اعتماد مبادئ البناء الأخضر الكفوء طاقوياً، بما في ذلك شكل المبنى واتجاهه وتجهيزات التدفئة والتبريد والإضاءة والنواحي المعمارية. ويتوقع أن يؤدي دمج اعتبارات الكفاءة في تصميم المباني إلى تخفيض نحو 29 في المئة من الانبعاثات المرتقبة سنة 2020، وفي ذلك توفير 17,5 بليون دولار سنوياً. وأشار المطايرة إلى جدوى اعتماد تصاميم العمارة العربية الملائمة لاستيعاب المتطلبات البيئية.
وتحدث الدكتور فريد شعبان، أستاذ الهندسة في الجامعة الأميركية في بيروت، عن قطاع النقل الذي لم تتحقق له القدرات اللازمة لتوفير خدمات موثوقة ومأمونة ومعتدلة الكلفة. وما تزال شبكات النقل العام غير متطورة وتدفع الناس إلى الاعتماد على السيارات الخاصة. وقطاع النقل مسؤول عن 32 في المئة من إجمالي استهلاك الطاقة و22 في المئة من الانبعاثات الكربونية في البلدان العربية. كما أن رداءة الوقود وكثرة السيارات القديمة يساهمان في تدني جودة الهواء في معظم المدن العربية.
ودعا شعبان إلى الاستثمار في النقل العام، بما في ذلك المترو والحافلات والقطارات وحتى في المجاري المائية، وفرض معايير لجودة الوقود واقتصاد استهلاكه. وإذا تم تخضير قطاع النقل العربي بنسبة 50 في المئة، برفع كفاءة الوقود وزيادة استخدام النقل العام والسيارات الهجينة (هايبريد)، فيمكن توفير نحو 23 بليون دولار.
وكان تعقيب للمهندسة المعمارية الهولندية فلورنتين فيسر الخبيرة في العمارة المستدامة، وعبدالواحد فيكرات مدير إعداد التراب الوطني في وزارة الإسكان والتعمير والتنمية المجالية في المغرب. فتحدثت فيسر عن مشروع MED-ENEC لكفاءة الطاقة في قطاع الإعمار في حوض البحر المتوسط. وهو يروج لاستراتيجية مجدية اقتصادياً لتشييد أبنية كفوءة طاقوياً من خلال ستة عناصر أساسية هي: التخطيط المدني، والتركيبة البنيوية للمدينة، والتصميم المعماري، وعملية البناء، والتجهيزات الكفوءة طاقوياً، واستخدام الطاقة المتجددة. وهذا ضروري لإعداد وتطبيق أنظمة الكفاءة الطاقوية للأبنية، علماً أن الخطوة الأولى في هذا الاتجاه هي اعتماد خطة عمل وطنية لكفاءة الطاقة.
ورأى فيكرات ضرورة الحد من التعميم والتيئيس، فهناك نقاط مضيئة وتجارب ناجحة في العالم العربي يجب إبرازها، وهناك مسؤولون منتخَبون اختارهم السكان لتمثيلهم وقاموا بتسيير مدنهم بطريقة جيدة. وأكد على أهمية الوازع الأخلاقي والديني الذي يجدر استعماله كرافعة لتحسين طريقة التعامل مع البيئة والنمو الأخضر.
تخضير السياحة والنفايات
أدار وزير البيئة والطاقة السابق ورئيس الجمعية الملكية لحماية الطبيعة في الأردن خالد الإيراني جلسة تخضير السياحة وإدارة النفايات. فلفت إلى ما جاء في تقرير «أفد» من أن 50 في المئة من النفايات في العالم العربي لا يتم جمعها ويتم التخلص منها عشوائياً، ما يسبب تلوث الهواء والتربة والمياه السطحية والجوفية. كما أشار إلى خبرة الأردن في السياحة البيئية، حيث أصبحت المحميات، في مراكز جيوب الفقر في البلاد، مراكز اقتصادية تحمى فيها الطبيعة ويستفاد منها بشكل مستدام في خلق فرص عمل واقتصاد محلي.
وقالت الدكتورة هبة عزيز، رئيسة قسم السياحة المستدامة والتنمية الاقليمية في الجامعة الألمانية للتكنولوجيا في مسقط، إن قطاع السياحة العربية اجتذب نحو 60 مليون سائح عام 2010. وتبلغ حصة السياحة نحو 4 في المئة من إجمالي التوظيف في المنطقة العربية، في مقابل 7 في المئة عالمياً. ويقدر أن يؤدي المزج بين اعتماد تدابير كفاءة الطاقة واستخدام مصادر الطاقة المتجددة إلى تخفيض 45 في المئة من استهلاك الطاقة و52 في المئة من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون في هذا القطاع، إضافة الى تخفيض استهلاك المياه بنسبة 18 في المئة باعتماد تدابير كفاءة المياه.
وأشارت عزيز إلى دور السياحة البيئية والثقافية في دعم الاقتصادات المحلية ومحو الفقر وإيقاف الهجرة من الريف إلى المدينة، داعية المنظمات الدولية والحكومات العربية إلى دعم هذه السوق النامية.
وتحدث الدكتور رامي الشربيني، الأستاذ في جامعة القاهرة، عن الحاجة الى تحول أساسي في التصدي لمسألة النفايات البلدية الصلبة، من الرمي العشوائي والحرق والطمر الى مقاربة إدارية تجني أرباحاً إيجابية من النفايات باعتماد التقليل وإعادة الاستعمال والتدوير والاسترداد. ويمكن أن يؤمن تخضير قطاع إدارة النفايات للبلدان العربية 5,7 بليون دولار سنوياً، إضافة الى خلق وظائف.
وتفتقر بلدان عربية كثيرة إلى خطط متكاملة لإدارة النفايات الصلبة، التي يتوقع أن تبلغ كميتها الإجمالية في المنطقة أكثر من 200 مليون طن سنوياً بحلول سنة 2020. ولا تتجاوز إعادة التدوير 5 في المئة من المجموع، علماً أن 50 في المئة من النفايات لا يتم جمعها في كثير من البلدان العربية ويتم التخلص منها حرقاً أو في مكبات عشوائية.
وحضَّ الشربيني الحكومات العربية على تطوير استراتيجيات وطنية لإدارة النفايات. وقد قُدِّرت احتياجات الاستثمار في هذا القطاع بأكثر من 21,6 بليون دولار على مدى السنين العشر المقبلة، يمكن تأمينها بفرض تعرفات وضرائب وتشجيع استثمارات القطاع الخاص في إعادة التدوير وصناعة الكومبوست وإنتاج الطاقة من النفايات. وأكد الشربيني على أهمية حملات التوعية والمشاركة الجماهيرية كشرط أساسي لنجاح هذه السياسات.
وكان تعقيب لمحمد حديب مدير عام سوكلين الذي عرض التقنيات الحديثة التي تعتمدها شركته لإدارة النفايات في عملياتها. وتحدث عن مشكلة NIMBY أي «ليس في باحتي الخلفية» التي تواجه شركات إدارة النفايات، وهي رفض المجتمعات المحلية وجود منشآت لمعالجة النفايات قريبة منها. وأشار إلى وفرة المواد العضوية في النفايات البلدية، بنسبة 40 إلى 60 في المئة، ما يؤكد جدوى تسميدها واستخدامها كمحسّن للتربة. وقال إن سوكلين قامت بتوزيع آلات لاسترداد عبوات البلاستيك والألومنيوم من أجل إعادة تدويرها، في مباردة تشمل 1300 مؤسسة ضمنها 220 مدرسة.
الاقتصاد الأخضر محركاً للنمو
أما إديث شيفاز، مديرة البحوث والاستشارات في أكاديمية الإمارات للإدارة الفندقية في دبي، فتحدثت عن سياسات وسبل تمويل السياحة المستدامة. ويتضمن ذلك بناء القدرات والتدريب على أفضل الممارسات، وتحديد الوظائف الخضراء المتاحة في هذا القطاع، مع أخذ حاجات البلدان المختلفة في الاعتبار.
عقدت جلسة حول الاقتصاد الأخضر كمحرك للنمو، أدارها أمين عام المنتدى العربي للبيئة والتنمية نجيب صعب وشارك فيها عبدالوهاب البدر مدير عام الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، والدكتور أندرو ستير المبعوث الخاص للبنك الدولي حول تغير المناخ، ونبيل حبايب الرئيس التنفيذي لجنرال إلكتريك أفريقيا والشرق الأوسط.
البدر: السياسات قبل التمويل
قال عبد الوهاب البدر إن الدول العربية مقصِّرة في تربية النشء تربية بيئية: «عندما نخاف نراعي الأمور البيئية إلى حين، لكننا ننسى بسرعة». وأشار إلى أنه يعمل في الصندوق الكويتي للتنمية منذ 34 عاماً، وأن الهدف الرئيسي للصندوق هو إزالة الفقر، من خلال مشاريع لشبكات المياه والصرف الصحي والتشجير وكهربة الريف وتأمين الطاقة للفقراء وغير ذلك، مع الأخذ في الاعتبار قدرة البلد على تطبيق القوانين البيئية وأن يكون الحس البيئي جزءاً من المشروع. ويتعاون الصندوق مع صناديق وبنوك تنمية أخرى في ما يشكل مجموعة عربية قوية، ويتم التشاور في المواضيع والمشاريع المختلفة، لكن الجميع يعمل بحسب أولويات الدول المعنية.
ونوه البدر بتقرير المنتدى العربي للبيئة والتنمية وبالقيمة العلمية والعملية لبرامجه التي تشمل كل شرائح المجتمع. أما كيف يمكن تأمين المال لتنفيذ هذه البرامج وتوسيع نطاقها، فاعتبر أن التمويل ليس الهم الرئيسي، بل هو أسهل قواعد الهرم التي تشمل أيضاً التثقيف والتشريعات الحكومية. وأضاف: «كثير من مسؤولي المنتدى كانوا وزراء ورؤساء في حكومات سابقة ويعرفون من أين تؤكل الكتف وكيف تمكن معالجة المسائل البيئية وتأمين الموارد لهذا الهدف». المهم، في رأيه، هو أن يكون المرء خلاقاً ويتقدم بأفكار. ولكن إن لم تكن الإمكانيات مدعومة من الحكومات فلن يكتب لها النجاح.
وقال إن هناك، مثلاً، دولاً عربية أوجدت أنظمة لتخفيض الانبعاثات الكربونية (offset)، وهي تجد سبيلاً لتوفير تمويل ضمن برنامج آلية التنمية النظيفة الخاص بالدول.
وفي إشارة إلى الربيع العربي قال البدر: «إن لم نعرف خطورة الوضع المستقبلي فلن نتخطى مشاكلنا الحالية».
حبايب: الابتكار للمستقبل
رأى نبيل حبايب أن مساهمة القطاع الخاص في الاقتصاد الأخضر تعتمد على الحوافز التي تمنحها الحكومة. فهناك حاجة إلى الاستثمار في تكنولوجيات جديدة لتلبية الحاجات البيئية والربح المادي في الوقت نفسه. وتحدث عن مبادرة Ecomagination في شركة جنرال إلكتريك، بحيث يتم ابتكار التكنولوجيا من أجل بيئة أفضل وإيرادات أكبر. وتركز المبادرة ليس فقط على تخفيض الانبعاثات، بل أيضاً على كفاءة الاستهلاك في كل القطاعات. لكن العنصر الأهم في النجاح هو وجود الأنظمة وتطبيقها، مهما يكن مصدر التمويل. وأكد على ضرورة الابتكار، خصوصاً في ما يتعلق بالبيئة، داعياً الشباب إلى التركيز على ابتكار الحلول وتحويل الأفكار إلى مشاريع حقيقية لأن مستقبلهم يعتمد عليهم.
ستير: استثمارات الطاقة المتجددة
تساءل الدكتور أندرو ستير هل تساهم جنرال إلكتريك في النمو الأخضر وفي خلق وظائف خضراء؟ مجيباً أنها فعلت ذلك حقاً وبذكاء. فالنمو يعتمد على مستوى الاستثمار والإبداع التكنولوجي والتشجيع على التغيير. وأشار إلى استثمارات عالمية قياسية عام 2010 في مشاريع الطاقة المتجددة بلغت 211 بليون دولار، متسائلاً لماذا بذلت الصين نحو 50 في المئة من هذه الاستثمارات. والجواب أن الصين تجد في ذلك منفعة لمواطنيها، بتخفيض الانبعاثات الكربونية ومقايضتها، وأن المواطنين راضون بدفع ضرائب إضافية لأنها مساهمتهم في هواء أنظف وطاقة أضمن. ولفت إلى أن البلدان تضع خططاً ذكية تتضمن مجموعة سياسات لدعم القطاع الخاص كي يستثمر ويربح في آن.
وروى ستير أنه في ذلك الصباح قصد سهل البقاع الذي كان سلة غذاء لبنان وكان في الماضي يعتبر «أهراءات روما». وقد تحدث إلى المزارعين الذين أخبروه عن معاناتهم ودمار محاصيلهم في السنوات الماضية بسبب تغير المناخ، في غياب أي حل أو خطة إنقاذية. ووصف ذلك بالنمو السلبي، فهؤلاء المزارعون يحتاجون إلى حزمة مبادرات ذكية، إذا وُجدت فهي تحقق للبقاع نمواً أكبر كثيراً مما تأتي به حزمة سيئة في مناخ مستقر.
وأكد ستير أن كل استثمار يجب أن يتضمن عنصر نمو. فاستثمار 100 بليون دولار مثلاً يجدر به أن يحقق نمواً بنحو 10 تريليون دولار. وأشار إلى «مرفق القطاع الخاص» في جنوب أفريقيا الذي يدعم الاستثمارات ويساعد في استخدام المال الخاص القليل لتحقيق أكبر الفوائد. وذكر أن البنك الدولي قدم 750 مليون دولار إلى خمسة بلدان عربية ضمن خطة لتحقيق منافع بستة ملايين دولار، مضيفاً: «هناك آلاف بلايين الدولارات في الدول النامية، فكيف يمكن استثمارها في اقتصاد أخضر؟ على التكنولوجيات الخضراء أن تكون ملائمة وتنافسية. نحن نرى ثورة تكنولوجية في الأفق». ^
شارك في رعاية المؤتمر صندوق أوبك للتنمية الدولية (أوفيد) والصندوق الكويتي للتنمية والبنك الإسلامي للتنمية والخرافي ناشيونال وبتروفاك وجنرال إلكتريك وشركة نفط الهلال وأرامكس وأفيردا وأميريكانا والمركز الدولي لبحوث التنمية (IDRC). أما الشركاء الإعلاميون فهم مجلة «البيئة والتنمية» وتلفزيون المستقبل وإذاعة مونتي كارلو الدولية وشركة بروموسفن للعلاقات العامة ومجلات بيئتنا وأراب آد وليبانون أوبورتشونيتيز وصحف النهار والحياة ودايلي ستار وعكاظ والخليج والوسط والدستور والوطن والمغربية والصباح والشرق والقبس.
جلسـة تشاوريـة حـول تقريـر البنك الـدولي
التكيف مع آثار تغير المناخ في المنطقة العربية
كايت هاوس
عقدت خلال المؤتمر جلسة خاصة، برعاية بنك عودة، حول التقرير الذي يعده البنك الدولي عن التكيف مع آثار تغير المناخ في المنطقة العربية، بالاشتراك مع جامعة الدول العربية والمنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد). وأشار نائب رئيس البنك الدولي والمبعوث الخاص لتغير المناخ أندرو ستير إلى أن هذا التقرير «قام على أكتاف تقرير أفد عن أثر تغير المناخ على الدول العربية».
قدمت التقرير دورتي فيرنر منسقة شؤون تغير المناخ في البنك الدولي. وهي أوضحت أن التقرير ما زال في شكل مسودة، ويواصل معدوه سعيهم للحصول على معلومات إضافية من المجتمعات المحلية والمنظمات غير الحكومية والحكومات، مع الاستفادة من مواقع التواصل الاجتماعي مثل «فايسبوك» لإشراك الشباب في عملية التشاور. وشارك في التقديم مستشار البنك لتغير المناخ ايان نوبل.
يسعى تقرير البنك الدولي إلى تأدية ثلاثة أمور: تقديم احصاءات تحليلية شاملة حول التأثيرات الحالية لتغير المناخ في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، واستخدام تقنيات النمذجة للتكهن بالتأثيرات المستقبلية، وتقديم خطوط توجيهية لسياسات يمكن أن تستخدمها الحكومات لإدارة تأثيرات تغير المناخ. وهو يقيِّم تغير المناخ على الزراعة والغذاء، وشح المياه، والتحضر ومستويات المعيشة، وأوضاع النساء، والصحة.
استنتاجات عامة
في ما يأتي بعض أبرز الاتجاهات المستقبلية التي تضمنها التقرير:
يتوقع ازدياد معدل درجات الحرارة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ما بين 0,3 و0,4 درجة مئوية كل عشر سنين، أي أسرع مرتين على الأقل من المعدل العالمي. وسوف يصبح معظم شمال أفريقيا أكثر جفافاً، لكن أجزاء من جنوب منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بما في ذلك السودان، قد تشهد مزيداً من هطول الأمطار الغزيرة. وستكون هذه التغيرات أشد وطأة على الفقراء. ويستبعد أن يكون الناس قادرين على التكيف بسرعة كافية إذا استمرت الاتجاهات الحالية، ما لم يتم إدخال تغييرات على السياسات.
حالياً، يأتي نحو 12 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي لبلدان المنطقة من الزراعة. ومع ازدياد حدوث الفيضانات وموجات الجفاف في السنين المقبلة، سوف يتعذر الحفاظ على الممارسات الزراعية السائدة التي تعتمد على مياه الأمطار. وقد أدت موجات الجفاف فعلاً إلى خسارة في قيمة المحاصيل وفي الدخل. ويتوقع أن تكون هناك فجوة بنسبة 50 في المئة في إمدادات المياه المتجددة بحلول سنة 2050.
ومع ارتفاع الضغوط على الزراعة، سوف تزداد ندرة الغذاء أيضاً. وما لم تحدث تطورات تكنولوجية تعزز الزراعة المروية، فسوف تكون هناك حاجة لزيادة الواردات الغذائية، ما يضيف مزيداً من الضغط على الناتج المحلي الاجمالي للبلدان العربية.
ويعيش نحو 75 في المئة من سكان المنطقة في المدن، التي تقع غالبيتها في مناطق ساحلية منخفضة. ومع ارتفاع مستويات البحار، سوف يضطرون إلى النزوح. وثمة حاجة إلى عمل عاجل من الحكومات لتنظيم المدن، وخصوصاً التخطيط لنمو سكاني بعيداً عن المناطق الساحلية.
ومن المتوقع أن يؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى زيادات في حاملات الأمراض التي تنقلها المياه والحشرات، مثل الملاريا وحمى الضنك، والأمراض التي ينقلها الغذاء ويسببها سوء التغذية، والأمراض المتعلقة بالحرّ، وأمراض الجهاز التنفسي والحساسية المرتبطة بتلوث الهواء. وسوف تتفشى هذه الأمراض، خصوصاً في المناطق المكتظة والفقيرة التي تعاني من سوء تصريف المياه المبتذلة.
حلول ممكنة
يوصي التقرير الحكومات بمبادرات، أهمها ما يأتي:
أولاً، تقوية الخبرات التقنية والسياسية المتعلقة بالتنمية.
ثانياً، تحسين الوصول إلى البيانات المناخية واستخدامها في التخطيط ووضع السياسات، مع زيادة عدد محطات الأرصاد الجوية والتعاون مع بلدان أخرى في المنطقة لتحسين مقارنة البيانات.
ثالثاً، تعزيز الإدارة المتكاملة لموارد المياه، ويشمل ذلك تحسين كفاءة الري، وتشجيع الحوافز المؤسسية لزيادة كفاءة استعمال المياه، وتكامل إدارة الأحواض، وتحسين خدمات الصرف الصحي واستخدام مياه الصرف المعالجة، وتحديث نظم التشغيل والإدارة.
رابعاً، تحسين استدامة الزراعة، وذلك ببناء شبكة غنية وعملية للخدمات الاجتماعية والارشادية تربط المزارعين بالأبحاث والأسواق الزراعية، والاستثمار في تطوير محاصيل مقاومة للجفاف، وتشجيع المزارعين على تبني تقنيات الإدارة الملائمة في المزارع مثل حصاد مياه الأمطار، وتعزيز المحاصيل المقتصدة بالمياه والأعلى قيمة، ورفع الدعم عن الديزل والكهرباء اللازمين للري، وإدخال تعرفات وأنظمة حصص للمياه، وترخيص وتسجيل الآبار المشروعة وإقفال الآبار غير المشروعة.
خامساً، تقوية مشاركة النساء في عملية اتخاذ القرارات المتعلقة بالتكيف مع تأثيرات تغير المناخ.
سادساً، تقوية نظم الرعاية الصحية والتعليم، بما فيها برامج التلقيح والإجراءات الوقائية لأمراض ذات أولوية كالتي تنقلها المياه والحشرات، والتركيز على تقديم الخدمات في المناطق النائية والحساسة، وتعزيز نظم الرقابة الصحية.
الوظائف الخضراء تكافح البطالـة
«في غمرة الربيع العربي، ثمة شيء رئيسي كان الشباب يطالبون به هو الوظائف»، قالت شذا الجندي مسؤولة برنامج الوظائف الخضراء في منظمة العمل الدولية في بيروت. فنسبة البطالة في المنطقة العربية هي بين الأعلى في العالم، إذ يبلغ معدلها 14,8 في المئة ويصل إلى 27,3 في المئة في صفوف الشباب.
خلال الطاولة المستديرة حول الوظائف الخضراء في مؤتمر المنتدى العربي للبيئة والتنمية، التي نظمتها الإسكوا ومنظمة العمل الدولية، أشار المشاركون إلى أن «الوظائف الخضراء» تقدم حلاً للبطالة. ذلك لأنها غالباً أكثر اعتماداً على الأيدي العاملة من وظائف «القطاع البني»، أي الصناعات التقليدية المسرفة في استهلاك الطاقة. مثالاً على ذلك، تبين أن طاقة الرياح تنتج وظائف أكثر 27 في المئة لكل كيلوواط من المحطات العاملة بالفحم الحجري.
شارك في الطاولة المستديرة، إلى الجندي، ناتالي غراند مسؤولة الشؤون الاقتصادية في الإسكوا، وريم نجداوي رئيسة دائرة القطاعات المنتجة في قسم التنمية المستدامة والإنتاجية في الإسكوا، وجاكوبو مونزيني رئيس القسم البيئي في وكالة التعاون الإيطالية في لبنان، وشربل رزق المستشار في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ونيكولاس ريتزنثالر مدير قسم البيئة والزراعة في بعثة الاتحاد الأوروبي في لبنان.
ما هي «الوظائف الخضراء»؟ عرَّفها المشاركون عموماً بأنها توظيف مباشر في قطاعات ونشاطات اقتصادية تخفض الأثر البيئي الصافي إلى مستويات مستدامة بيئياً. وهي تشير إلى وظائف في صناعات خضراء، مثل طاقة الرياح والشمس، والتنوع البيولوجي، وصون الطبيعة، وإعادة تدوير النفايات وإدارتها. كما تشمل وظائف ضمن قطاعات تقليدية تخضع لعملية «تخضير»، مثل شركة هندسية تنفذ استراتيجيات ذات كفاءة طاقوية عالية وتشغل موظفين لتنفيذ هذه الاستراتيجيات.
وتخضير الاقتصاد يخلق وظائف. فالاستثمار في النقل العام، مثل الحافلات والقطارات، سوف يشغل سائقين وعمال صيانة. والاستثمار في صنع سيارات كفوءة بالوقود يخلق وظائف في التصنيع والهندسة والتصميم والتكنولوجيا والميكانيك. وفي القطاعات التقليدية، يؤدي فرض رقابة على النفايات أو الصناعات الملوِّثة إلى توظيف أناس لمراقبة النفايات والتلوث. وتنفيذ استراتيجية لإعادة تدوير النفايات يخلق في بعض البلدان صناعة جديدة بالكامل.
لإفادة المجتمع، يجب أن توفر الوظائف الخضراء عملاً «لائقاً»، أي أن تغلّ أجوراً مناسبة أو تتقيد بمقاييس منظمة العمل الدولية. وتشمل الأمثلة على الوظائف الخضراء اللائقة المهندسين المدنيين والمعماريين والمستشارين الذين يعملون في تصميم أبنية كفوءة بالطاقة، وعمال محطات توليد الكهرباء بطاقة الرياح والشمس. ومثال على وظيفة خضراء لكن «غير لائقة» عامل تنظيف في قرية إيكولوجية غير مزود بتجهيزات واقية أساسية في مكان العمل.
ومن الخطوات التي قد تتخذها الحكومات لتخضير الاقتصاد وخلق وظائف تقديم حوافز للتحول من الفحم إلى الغاز الطبيعي في الصناعات الخفيفة، وفرض قيود على الملوثات، والاستثمار في القطاعات الخضراء الناشئة مثل الرياح والشمس وإعادة تدوير النفايات، وتطبيق مقاييس أماكن العمل التي وضعتها منظمة العمل الدولية.
ويعتمد نجاح تخضير الاقتصاد أو فشله في خلق وظائف على إرادة الحكومات في إعطائة الأولوية على غيره. ويجب أن تكون الحكومات راغبة بالاستثمار في الأبحاث والتنمية، وتنفيذ أنظمة تغريم الملوثين، وتقديم التكاليف الرأسمالية لاعتماد تكنولوجيات خضراء حديثة. وعلى رغم أن تكاليف الانطلاق قد تكون مرتفعة، فإن الفوائد الطويلة الأجل في كفاءة الطاقة وزيادة الدخل وخلق فرص العمل ستجعل الإنفاق مجدياً وجديراً بالاعتبار.
برنامج جديد للمنتدى العـربي للبيئة والتنمية
دليل كفاءة الطاقة
أصدر المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) خلال مؤتمره السنوي الرابع «دليل كفاءة الطاقة»، باعتباره أحد التطبيقات العملية للاقتصاد الأخضر. الهدف من الدليل استعمالـه لتحديد ودعم الاستثمارات المجدية اقتصادياً في كفاءة الطاقة في أبنية المكاتب. وقد رعت «فيليبس» اطلاق الدليل، وهي عضو في «أفد» ورائدة عالمية في حلول الاضاءة المقتصدة بالطاقة ونشاطات تجارية أخرى مثل الرعاية الصحية وتحسين نمط حياة المستهلكين.
يقدم الدليل طرقاً مجرَّبة ومثبتة لتخفيض استهلاك الطاقة وتكاليفها، باقتراح تغييرات في الممارسات القائمة وفي سلوكيات الاستخدام. ويقدم كل فصل خطوات يمكن اتخاذها في هذا المجال، من تغييرات في السياسات، الى تعديلات للاستخدام الكفوء، إلى تحديث المعدات.
وقال بشار زيتون، مدير البرنامج في «أفد» ومحرر الدليل: «من العوائق التي تحول دون تحسين كفاءة الطاقة عدم إدراك الطرق العملية القليلة الكلفة لتخفيض استهلاكها. ومن خلال إتاحة هذا الدليل للجميع، سوف يحصل مالكو الأبنية والمستأجرون على معلومات أفضل حول فرص تحسين كفاءة الطاقة في أبنيتهم ومكاتبهم».
وقام حسان حراجلي، مدير مشروع «دعم تحسين كفاءة استهلاك الطاقة والطاقة المتجددة لنهوض لبنان» (سيدرو) في برنامج الأمم المتحدة الانمائي والمنقح الرئيسي للدليل، بعرض برنامج كفاءة الطاقة التي يتولاها «سيدرو» في لبنان.
وتحدثت فلورنتين فيسر، الخبيرة الهولندية في العمارة المستدامة، عن إمكانات تطبيق كودات الأبنية الكفوءة طاقوياً في البلدان العربية. وشددت على أهمية إعداد وتطبيق أنظمة ملزمة لكفاءة الطاقة.
وقدم ألفونسو داندريتا، مدير تسويق مصابيح فيليبس في الشرق الأوسط وتركيا، أفضل ممارسات الاضاءة الكفوءة التي تنفذها فيليبس في المنطقة. وقال: «في عالم تزداد قيمة موارده الطبيعية كل يوم، تؤدي الاضاءة دوراً كبيراً، إذ تمثل نحو خمس الاستهلاك العالمي للكهرباء. وتنامي الأسواق الناشئة في السيناريو الاقتصادي العالمي يجعل الشرق الأوسط موضع اهتمام رئيسي. ونحن، في فيليبس، ملزمون بتحسين معيشة الناس من خلال اعتماد حلول مبدعة في مجال كفاءة الطاقة، ما يخفض الأثر البيئي للاضاءة».
يركز دليل كفاءة الطاقة بشكـل رئيسي على العوامل الأكثر استهلاكاً للكهرباء في أبنية المكاتب، بما في ذلك نظم التدفئة والتبريد والتهوئة والإضـاءة والمعدات المكتبية وتسخين المياه. وإضافة الى كفاءة استخدام الطاقة الكهربائية، يحوي الدليل فصلاً خاصاً بتخفيض استخدام الوقود في السيارات التي تملكها الشركات أو تستأجرها.
يمكن تنزيل الدليل من موقع المنتدى: www.afedonline.org
الاستثمار في الرياضة الخضراء
عقدت طاولة مستديرة حول الاستثمار في الرياضة الخضراء. فتكلم خوان بابلو باستوري، من فيليبس، عن الإضاءة الخلاقة التي تعطي قيمة مضافة للملاعب باستهلاك طاقة أقل وصيانة أقل وتكاليف تشغيل أقل. ويمكن إنشاء ملاعب صديقة للبيئة متعددة الاستعمالات لاستخدامها 365 يوماً في السنة، وهذا يزيد إيراداتها قياساً على التكاليف. ولفت إلى أن الإضاءة تستأثر بنحو 40 في المئة من الطاقة المستهلكة في الملاعب، لكنها غير كفوءة بنسبة 60 في المئة. وتتيح تقنية LED للإضاءة وضبط الأنوار فرصاً جديدة لإنارة الملاعب، بزيادة الإنارة داخل الملعب وتخفيض «الإزعاج الضوئي» خارجه. وهي تحقق كفاءة أعلى في الطاقة مع نوعية أعلى وتوزيع أفضل للنور.
العمارة الخضراء والملاعب الصديقة للبيئة كانت محور حديث الدكتور سيف الهاجري، نائب رئيس مجلس إدارة مؤسسة قطر. فقال إن البعد البيئي هو إحدى الركائز الاستراتيجية الأربع لرؤية قطر 2030، إلى جانب التنمية البشرية والاجتماعية والاقتصادية. والعمارة الخضراء هي ضمن هذا التوجه، ويؤمل أن تعم البلاد من البيت الصغير الى المبنى الكبير، بما في ذلك المنشآت الرياضية. وهي تقوم بشكل كبير على كفاءة الطاقة والاعتماد على النور الطبيعي لتوفير الراحة الحرارية داخل المبنى، بتخفيف الحرارة صيفاً وزيادتها شتاء، مع الاستهلاك الأمثل للمياه، والتقليل من استخدام الموارد، واختيار مواد صديقة للبيئة، واعتماد نظام إنارة مقتصد بالطاقة، وتخفيف الضوضاء. وقد استثمرت قطر مبالغ كبيرة لإنشاء المباني الخضراء، كي تكون نموذجاً عالمياً في هذه المنطقة الصحراوية.
وستكون الملاعب التي ستشيد لدورة كأس العالم التي ستقام في الدوحة سنة 2022 نموذجاً لمستقبل الملاعب في العالم. وهي في نواح كثيرة مستمدة من التراث الإسلامي والعربي مع بصمات حديثة. والنباتات التي ستزينها متوطنة في البيئة المحلية وقليلة الاعتماد على الماء. وستبنى المرافق الرياضية المتطورة معمارياً وفق أرقى التكنولوجيات والمعايير البيئية، بحيث تتيح للحضور الاستمتاع بالمباريات في أجواء مبردة بالطاقة المتجددة، خصوصاً الطاقة الشمسية.
ولفت الدكتور محمد الصيرفي، مدير مختبر مكافحة المنشطات في قطر، إلى أن الاستدامة عنصر أساسي في دورة كأس العالم لسنة 2022 التي ستكون «خالية من الكربون». وبعد انتهاء الدورة سيتم تفكيك أجزاء من الملاعب الضخمة لنقلها وإعادة تركيبها في أماكن أخرى من قطر أو في بلدان أخرى. وستحوَّل أبنية إقامة الرياضيين إلى أماكن سكن للمواطنين.
وأكد الحجري والصيرفي على ضرورة دمج الأخلاقيات والاعتبارات البيئية في الممارسات الرياضية، والاستفادة من نجومية الرياضيين في تعزيز التوعية البيئية، والتشجيع على صناعة واستخدام السلع الرياضية الصديقة للبيئة.
معرض البيئة والتكنولوجيا
رافق المؤتمر معرض لشركات وهيئات بيئية أعضاء في المنتدى العربي للبيئة والتنمية أو متعاونة معه. وقد جال المشاركون في المؤتمر على أجنحة المعرض واطلعوا على الخدمات والتكنولوجيات البيئية المعروضة.
مؤتمر المنتدى العربي للبيئة والتنمية يصدر توصياته بمشاركة المندوبين
على الحكومات إطلاق مبادرات للاقتصاد الأخضر
1. وافق المؤتمر على ما ذكره تقرير «أفد» من أن نماذج التنمية الاقتصادية العربية يجب أن تلبي طموحات شعوبها في الأمن الاقتصادي والعدالة الاجتماعية وكفاءة الموارد وحماية البيئة. وتشير نتائج التقرير الى أن التدهور في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والبيئية ولّد اجهاداً شاملاً لمصادر الرزق والصحة والرفاه البشري، وقد يؤدي حتى الى مزيد من الانتفاضات الاجتماعية والسياسية. ووافق المؤتمر أيضاً على أنه يجب إعادة النظر على نحو جذري في الاستراتيجيات التي تركّز على تحقيق نمو سريع في أرقام الناتج المحلي الاجمالي، لكنها تؤدي إلى اهمال أو تقويض الأوضاع الاجتماعية والسياسية والبيئية.
ركزت جلسات مؤتمر المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) السنوي الرابع على عرض ومناقشة تقرير المنتدى حول «الاقتصاد الأخضر في عالم عربي متغيّر». وفي ختام المؤتمر أعلن أمين عام المنتدى نجيب صعب مسودة توصيات المؤتمر، وطلب من المشاركين إرسال ملاحظاتهم خلال يومين لدراستها من قبل لجنة رفيعة تم تكليفها بذلك. وبعد الأخذ باقتراحات قدمها المشاركون، صدرت التوصيات بصيغتها النهائية، وهنا النص الكامل
2. يتطلب تحقيق التحول إلى الاقتصاد الأخضر توجيه الاستثمارات الحكومية والخاصة الى رفع كفاءة الموارد وانتاجية الطاقة والمياه الى أقصى حد، وتخفيض النفايات والتلوث، وتأمين محركات نمو جديدة من خلال البحوث وتطوير التكنولوجيا الخضراء، والادارة المستدامة للأصول المحلية والطبيعية والثقافية التي تعزز الاقتصاد المحلي والقدرة على خلق وظائف جديدة إضافية ودعم الفقراء. كما أن التحول إلى الاقتصاد الأخضر يساعد الدول العربية في مواجهة آثار تغيّر المناخ.
3. يدعو المؤتمر الحكومات العربية الى:
أ ـ اعطاء اهتمام أكبر للتنمية الزراعية الريفية المستدامة كهدف أساسي استراتيجي لتحقيق الأمن الغذائي وتخفيف وتيرة الفقر في الأرياف وعكس اتجاه سنوات الاهمال. ويجب أن ترتكز الاستراتيجيات الزراعية على تحقيق استدامة المياه السطحية والجوفية، وتحسين كفاءة الري، ورفع انتاجية المحاصيل التي تروى بمياه الأمطار، وتسهيل الاتجار بالسلع الزراعية، ودعم الأساليب الاقتصادية ـ الزراعية التي تحمي التربة والأرض والمياه، وزيادة الاستثمارات الزراعية المخصصة للتطوير واعادة التأهيل والبحوث.
ب ـ احداث تحول في السياسات نحو ادارة الطلب على المياه بشكل ينظم الحصول على المياه، ويحسن كفاءة استخدامها، ويمنع تلوثها. ويطلب من الحكومات بإلحاح أن تفرض تعرفات عادلة للمياه من شأنها ترشيد الاستخدام، وتحقيق استرجاع التكاليف بشكل تدريجي، لتعكس قيمة المياه كمورد، وتعزيز العدالة من خلال دعم مالي هادف للأسعار. ويجب زيادة معدلات معالجة المياه المبتذلة من المستوى الحالي الذي يقل عن 50 في المئة الى أكثر من 90 في المئة، واعادة استعمال المياه من المستوى الحالي البالغ 20 في المئة الى نحو مئة في المئة. ويجب أن يعزز بشكل فعال التطوير المحلي لطرق مبدعة لتحلية المياه المالحة تستخدم الطاقة الشمسية.
ت ـ اعتماد استراتيجيات وطنية واقليمية لكفاءة الطاقة، وادارة الطلب، والطاقة الأنظف، والطاقة المتجددة. ولادارة نمو الطلب على الطاقة بشكل قليل الكلفة، على الحكومات أن تفرض وتطبق مقاييس تتعلق بكفاءة الطاقة في الأبنية السكنية والتجارية والمرافق الصناعية ووسائط النقل، وللأجهزة والمصابيح الكهربائية. وعلى الحكومات أن تعيد النظر في الاعانات المالية الواسعة للكهرباء والمشتقات النفطية والغاز الطبيعي بشكل يعزز الاستثمارات في تكنولوجيات كفاءة الطاقة والطاقة النظيفة والطاقة المتجددة. ويجب استعمال الاعانات المالية الهادفة لمساعدة العائلات المنخفضة الدخل.
ث ـ اعتماد أنظمة لتصنيف الأراضي البلدية عمرانياً لتعزيز التنمية المختلطة الاستعمالات، وأنماط استخدامات الأراضي العالية الكثافة، والمساحات الخضراء المكشوفة، وشبكات النقل العام التي يسهل الوصول اليها.
ج ـ وضع سياسة صناعية وطنية توفر إطاراً مؤسسياً وتنظيمياً مؤاتياً للصناعات المنخفضة الكربون والكفوءة باستخدام موارد المياه، وبناء القدرات البحثية والتطويرية.
ح ـ توظيف استثمارات مستمرة في النقل العام الجماعي في المدن العربية وفي خطوط القطارات الاقليمية لنقل البضائع والناس ضمن مسارات مكتظة محلياً ووطنياً وإقليمياً. وعلى الهيئات الحكومية أن تضمن وجود تكامل جيد بين النقل والتخطيط الحضري. وعلى الحكومات أن تتبنى مقاييس وطنية لكفاءة وقود السيارات وأن تخفض بشكل تدريجي الاعانات المالية لهذا لوقود، مع اعتماد حوافز لاستبدال السيارات المتقادمة والملوِّثة بسيارات جديدة ذات كفاءة أعلى بالوقود، وتطبيق نظام ضرائبي يتناسب مع الانبعاثات واستهلاك الوقود.
خ ـ تبني مقاربة تتعلق بادارة الموارد للنفايات الصلبة التي تسعى الى تحقيق قيمة من المواد المهملة عن طريق التقليل واعادة الاستعمال واعادة التدوير والاسترجاع. وعلى الحكومات تعزيز الاستثمارات في تحويل فضلات المحاصيل الغذائية العضوية الى سماد طبيعي وغاز حيوي (بيوغاز)، فضلاً عن استراتيجيات تحويل النفايات الى طاقة.
د ـ تطوير منظومة لأدوات السياسات، بما فيها الأنظمة والحوافز وبناء القدرات لتنفيذ ممارسات سياحية مستدامة في خدمات السفر والضيافة والاستجمام. وعلى الحكومات أن تعطي عناية خاصة للسياحة البيئية اضافة الى السياحة الثقافية المعتمدة على المجتمعات المحلية للمساعدة في الحفاظ على الطبيعة ودعم الاقتصادات المحلية.
ذ ـ اتاحة الفرص للقطاع الخاص، من خلال مزيد من الحوافز الاقتصادية والبرامج البحثية التي ترعاها الحكومات، للمساعدة في تطوير تكنولوجيا خضراء تنافسية محلية كمحرك اقتصادي للنمو.
ر ـ دعم المؤسسات الأكاديمية ومراكز الأبحاث لخلق وتطوير البرامج والدراسات البيئية، وذلك لتمكينها من لعب دور أساسي في التحول الى الاقتصاد الأخضر.
ز ـ الالتزام باعادة تثقيف القوة العاملة لاكتساب أساس معرفي لتنفيذ المبادرات الخضراء وبناء قدرة مبدعة ضمن سلاسل العرض المحلية، لتلبية الطلب على المواد والتكنولوجيات والخدمات الخضراء.
س ـ تقوية القدرة المؤسسية للهيئات الحكومية الوطنية والمجالس البلدية والسلطات المحلية لفرض وتطبيق كودات ومقاييس وأنظمة الكفاءة، وتطوير حوافز اقتصادية حكومية فعالة تمكن من اجراء تحول أخضر في جميع القطاعات.
ش ـ اطلاق حملات توعية حكومية مستمرة للتشجيع على فهم الاقتصاد الأخضر والحث على تغييرات سلوكية في الأنماط الاستهلاكية والشرائية والاستثمارية.
ص ـ إشراك المجتمع المدني، بما في ذلك المنظمات غير الحكومية والوسط الاكاديمي ومجموعات القطاع الخاص، في تخطيط الاقتصاد الأخضر والتحول اليه.
4. يدعو المؤتمر المنظمات الإقليمية والحكومات الى تفعيل مرفق البيئة العربي لتمويل المشاريع والبرامج البيئية، وإطلاق مبادرات اقليمية تتعلق بالاقتصاد الأخضر، بما في ذلك مجالات: الأبحاث والطاقة النظيفة والمتجددة والمدن الخضراء والانتاج الأنظف والزراعة المستدامة وشبكات النقل الإقليمية.
5. يدعو المؤتمر صناديق التنمية والقطاع المصرفي إلى زيادة الموارد المخصصة لتطوير مبادرات الاقتصاد الأخضر وتنفيذها وتسهيل الوصول إلى هذه الموارد.
6. يوصي المؤتمر «أفد» بتقديم المساعدة التقنية للقطاعات المختلفة في البلدان العربية للانتقال الى اقتصاد أخضر. وهذه قد تكون بشكل حلقات دراسية ودورات تدريبية وتصميم سياسات وتنفيذ مشاريع نموذجية عملية.
7. يدعو المؤتمر الشركات الصناعية الى اعتماد تكنولوجيات الانتاج الأكثر كفاءة في المصانع الجديدة والقائمة حيثما هي مجدية اقتصادياً، لزيادة انتاجية موارد الطاقة والمياه والمواد الى أقصى حد ممكن وتقليل التلوث. كما أن الشركات الصناعية مدعوة أيضاً للاستثمار في توليد الطاقة الشمسية والريحية حيثما يكون ذلك مناسباً.
8. يدعو المؤتمر المطورين في القطاع الخاص والمحترفين الاقليميين في العمارة والانشاء ومواد البناء والهندسة الى إيلاء كفاءة الطاقة والمياه أولوية عالية بشكل متزايد والاستفادة من الحلول الخضراء في الأبنية. كما يطلب منهم تطوير تطبيقات للمناهج التقليدية في العمارة العربية التي تستجيب للعناصر البيئية والقيم الثقافية والجمالية المحلية.
9. يدعو المؤتمر المطورين العقاريين ومالكي الأبنية التجارية وأصحاب المنتجعات الكبرى الى إيلاء كفاءة الطاقة والمياه أولوية عالية في تصميم وتشغيل الأبنية والفنادق والاستفادة من الجدوى الاقتصادية لتسخين المياه بالطاقة الشمسية.
10. يدعو المؤتمر المنظمات غير الحكومية والوسط الأكاديمي والقطاع الخاص الى التعاون الكامل في تنفيذ هذه التوصيات.
يتوجه المؤتمر بالشكر الى المنتدى العربي للبيئة والتنمية «أفد» لمبادرته البناءة بشأن الترويج لاقتصاد أخضر عربي، ويطلب منه تقديم توصياته الى جميع الحكومات العربية والجهات المعنية الأخرى، والى مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية المستدامة ريو +20. ويدعو المؤتمر مجلس أمناء «أفد» الى النظر في سبل متابعة تنفيذ توصيات المؤتمرات السنوية، وتقديم الحصيلة الى مؤتمر «أفد» السنوي الخامس.
ويعرب المؤتمر عن امتنانه للحكومة اللبنانية لاستضافة هذا الحدث. كما يشكر جميع الجهات الراعية لدعمها انعقاد هذا المؤتمر.
آراء المشاركين في المؤتمر
يسعدني أن أكون هنا. من الصعب أن أتخيّل مؤتمراً أكثر أهمية حول موضوع أكثر أهمية في وقت أكثر أهمية من هذا. أهنئك يا دكتور عدنان بدران لرئاستك مجلس أمناء المنتدى العربي للبيئة والتنمية. وأهنئك يا نجيب صعب لقيادتك هذه المنظمة العظيمة. لقد تعاملت مع منظمات بيئية كثيرة في زمني، وأعتقد أن هذا الجمع الذي أتيتم به هو أفضل ممارسة إطلاقاً. لقد جمعتم ثلة ماهرة في التحليل مع المزيج الصحيح من الناس: ممثلي القطاع الخاص والحكومات والمجتمع الأكاديمي والمجتمع المدني والممولين، لأننا نحتاج إلى تعاون الجميع إذا كنا نريد حل هذه المشكلة.
يشرفني أيضاً أن أشارك في هذا المؤتمر مع الرئيس خوسيه ماريا فيغيريس، الذي أثبت أن للقيادة أهميتها في هذا المجال، وأن أمة بكاملها يمكنها أن تغير مسارها الانمائي وأن تكسب سمعة دولية تفضي إلى دورة فعالة إيجابية مع وجود القيادة الصحيحة.
وكم هو جميل أن ألتقي محمد العشري، صديقي القديم ونائب رئيس اللجنة التنفيذية للمنتدى. كان محمد مديري مدة 20 سنة، وهو علمني الكثير مما أعرفه. فإذا كنتم لا توافقون على آرائي، وجهوا اللوم إليه.
أندرو ستير نائب رئيس البنك الدولي ومبعوثه الخاص لتغير المناخ
شكراً لدعوتكم «يونيب» إلى المؤتمر وأطيب التهاني على التنظيم الرائع والمحتوى الواسع والعميق لتقرير الاقتصاد الأخضر. لقد كان من أنجح المؤتمرات، خاصة أنكم استطعتم، كالعادة، استقطاب أبرز العاملين والفاعلين في هذا المجال، من المنطقة العربية والعالم. علينا التعاون جميعاً لدعم مسيرة التحول إلى الاقتصاد الأخضر في العالم العربي.
د. عبدالمجيد حداد المنسق الاقليمي لتغير المناخ برنامج الأمم المتحدة للبيئة المكتب الإقليمي لغرب آسيا
أنقل إليكم شكر فريق الإسكوا على إتاحة الفرصة لنا لتنظيم جلسة الوظائف الخضراء، في مؤتمر ديناميكي ومهم نظمه «أفد» بنجاح كبير. لقد قرأت توصيات المؤتمر ملياً، وأعتقد أنها لامست مسائل رئيسية وشددت على أن هذه المنطقة بدأت تدرك الإمكانات التي يوفرها التحول إلى اقتصاد أخضر، مع ما يوفره هذا التحول من وظائف لائقة وإنصاف وعدالة اجتماعية.
سوف تعمم الإسكوا نتائج المؤتمر على الأطراف المتعاونة معها، كما سترسلها للنشر في «ريو تايمز» الواسعة الانتشار. لقد ترك المؤتمر انطباعاً عميقاً لدى فريق الإسكوا الذي استفاد أعضاؤه كثيراً من المشاركة فيه.
رلى مجدلاني مديرة إدارة التنمية المستدامة والإنتاجية الإسكوا
أهنئكم على هذا المؤتمر الذي أحسنتم تنظيمه وجمعتم فيه كثيراً من الجهات المتنوعة من اختصاصيين وصانعي قرار لمعالجة مسائل ذات أهمية بالغة.
رلى قليوبي اقتصادية بيئية هيئة البيئة ـ أبوظبي، الإمارات
كان حضوري مؤتمر «أفد» فرصة سعيدة للتواصل مع اختصاصيين آخرين من أنحاء العالم وتبادل الأفكار والنقاشات المفيدة. أهنئكم على النتيجة الرائعة لهذا الحدث البيئي الهام، وعلى جهودكم ولمساتكم الشخصية التي ساهمت في إنجاحه.
خالد الهاجري مدير إدارة المراقبة البيئية الهيئة الملكية للجيل وينبع السعودية
بالنيابة عن فريق البنك الدولي، أشكركم على هذا المؤتمر الرائع. لقد أنتجتم تقريراً مثيراً للإعجاب وصنعتم حدثاً هاماً أسعدنا أن نكون جزءاً منه. كما أشكركم على إتاحة الفرصة لنا للمشاركة في الطاولة المستديرة حول التكيف مع تغير المناخ في المنطقة العربية، التي كانت ممتعة ومنتجة جداً.
دورتي فيرنر البنك الدولي
شكراً لكم على جهودكم لإنجاح المؤتمر. انه لحدث رائع. آمل أن يواصل «أفد» دوره القيادي في الحوار البيئي الاقتصادي في العالم العربي، وعدم إضاعة فرصة ضخ «دم جديد» من القادة الحكوميين الصاعدين في مجلس الإدارة واللجان التوجيهية.
طارق المطيرة جامعة لوند، السويد
مؤتمر «أفد» السنوي في بيروت عالج مواضيع تهم شركة الخرافي ناشيونال كثـيراً. أهنئكم على حسن تنظيم هذا المؤتمر ونجاحه، ما يثبت أهمية هذه المبادرة للمنتدى العربي للبيئة والتنمية، التي تعالج كل سنة مسألة من أولويات المنطقة. ومن دواعي سرورنا أننا حضرنا هذا الحدث وشاركنا في رعايته، ونتطلع إلى مواصلة تعاوننا في دعم التنمية الاقتصادية والبيئية في العالم العربي.
سامر يونس نائب رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب شركة الخرافي ناشيونال
لاحظت في مؤتمر «أفد» السنوي أمرين رئيسيين. الأول، تغيير في الجمهور، حيث كان هناك مزيد من الحضور الدولي، إضافة إلى البنك الدولي. والثاني، الكثير من الوجوه الشابة، وأرجو منكم الاستمرار في دعمهم وإشراكهم، فنحن بحاجة إلى رؤية ناشطين بيئيين شباب قي مؤتمراتكم المقبلة.
أسمهان الزين المديرة الاقليمية للبنان وغرب أفريقيا أرامكس إنترناشونال
شرّفنا انضمام جريدة الصباح إلى عضوية المنتدى العربي للبيئة والتنمية عن قطاع الاعلام. وفي هذه المناسبة نود أن نعرب لكم عن امتناننا لما لقينا من اهتمام من جانبكم خلال تواجدنا في بيروت ومشاركتنا في المؤتمر الرابع للمنتدى، وندعو الله ان نكون على قدر المسؤولية في الإسهام بتنفيذ أهداف وبرامج المنتدى الموكلة لنا، خدمة لبلدنا الذي هو بحاجة إلى مثل هذه النشاطات، وذلك بسبب ما عانته البيئة العراقية من مشكلات متراكمة طوال عقود من الحروب والحصارات وانعدام البرامج التي تعالج آثارها.
عبدالستار البيضاني رئيس تحرير جريدة الصباح العراق
نشكركم على توجيه الدعوة إلى دائرة التنمية الاقتصادية لحضور أعمال المؤتمر السنوي للمنتدى العربي للبيئة والتنمية، وعلى حسن الاستقبال. ولا نستطيع إلا أن نقول بأن المؤتمر كان رائعاً من حيث القيمة العلمية والمعلوماتية والتنظيم، إلى جانب فرصة التواجد في لبنان البلد الجميل والتعرف على شعبه الرائع.
نشكركم على كل ما قدمتموه من ترحيب ودعـم، ونتطـلع إلى استمرار التعاون لتحقيق أهدافنا المشتركة، ونتمنى لكم كل التوفيق والنجاح.
فاطمة أحمد الشامسي نائب مدير إدارة العلاقات الاقتصادية والفعاليات دائرة التنمية الاقتصادية، عجمان