Thursday 21 Nov 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
مقالات
 
كاظم المقدادي هل ينظف العراق من مخلفات اليورانيوم؟  
حزيران (يونيو) 2003 / عدد 63
 أخيراً، وبعد إنتظار دام 12 عاماً، وحتى تكرر المشهد وتفاقمت الأمور الى حد خطير، طلب برنامج الأمم المتحدة للبيئة (يونيب) دخول العراق لتقييم المخاطر البيئية التي يمكن أن تكون قد نتجت عن استخدام أسلحة تدخل في تركيبتها مواد كيميائية سامة أو يورانيوم مستنفد. وقال المدير التنفيذي للبرنامج كلاوس توبفر: "إن الصحة العامة للعراقيين قد تكون في خطر ناجم عن القذائف المضادة للدروع المحتوية علي اليورانيوم المستنفد التي استخدمت للإطاحة بنظام  صدام حسين البائد".
جاء الطلب عقب تقديم توبفر تقريراً من 98 صفحة أعده لوزراء البيئة في مجموعة الثماني، التي تضم الدول الصناعية الكبرى، في اجتماعهم الأخير الذي عقد في أواخر نيسان (أبريل) الماضي. وهو أشار إلى دراسات سابقة للبرنامج بخصوص مخاطر هذه الأسلحة في البلقان وأفغانستان والأراضي الفلسطينية المحتلة، وأوضح تقريره أن كمية غير معروفة من ذخائر وقذائف اليورانيوم المستنفد استخدمت في الحرب الاخيرة على العراق، ما يشكل تهديداً لمصادر المياه، فضلاً عن انتشار الغبار المشعّ الخطر على البيئة والانسان وسائر الكائنات الحية. وسبق لدراسات أخرى قام بها البرنامج أن ألقت الضوء على مخاطر تسرب اليورانيوم المستنفد الى مصادر مياه الشرب، الذي يمكن أن تؤدي سميته ودرجة اشعاعه الضعيفة إلى الاضرار بالكلى والرئتين، وقد تسبب أنواعاً من السرطان.
ويعوّل برنامج البيئة في دخول العراق على موافقة الولايات المتحدة التي استلمت مقاليد السلطة هناك، وهي تعارض أي عودة سريعة لمفتشي الأسلحة التابعين للأمم المتحدة الذين اعتبرت عملهم في الفترة السابقة للحرب غير فعال. ولم تشارك كريستي ويتمان، رئيسة الوكالة الاميركية لحماية البيئة (استقالت من منصبها في أيار/مايو) في المؤتمر الصحافي الختامي المشترك لوزراء البيئة في مجموعة الثماني، متذرعة بالسفر. لكن مارغريت بيكيت، وزيرة البيئة البريطانية، أعلنت أن لندن ترحب بالدراسة التي أجراها "يونيب"، ولم تدلِ بالمزيد لكونها رأت الوثيقة لتوها.
حيال حساسية الموضوع، حرص توبفر على التأكيد أن "يونيب"، الذي يحصل على قدر كبير من تمويله من الولايات المتحدة، لا علاقة له بأي نيات سياسية، وإنما هدفه إنساني بحت. وسيثار احتمال إرسال خبراء "يونيب" إلى العراق في اجتماع مقبل للامم المتحدة في نيويورك. وسوف يدرسون، بالاضافة الى تأثير ذخائر اليورانيوم المستنفد، الاخطار الناجمة عن النفايات الكيميائية وغيرها من نفايات خطرة، وكذلك إشعال النار في خنادق مملوءة بالنفط، والأضرار التي لحقت بشبكة الصرف الصحي في الحرب الاخيرة. كما سيبحثون تأثيرات الاسلحة الكيميائية التي استخدمت أثناء الحرب العراقية ـ الايرانية في الثمانينات، والتي قال توبفر انها قد تكون لها "عواقب بالغة الخطورة على الزراعة".
أي سلاح هذا؟
شاع استخدام مصطلح "اليورانيوم المستنفد" (depleted uranium) في السنوات الأخيرة. ومن ترجماته أيضاً "المستنفد" و"الناضب" و"المجهد" و"المضعف" وما شابه ذلك. وهو مصطلح ليس دقيقاً، يراد به الإيحاء أن السلاح الذي يصنع من هذه المادة ليس خطراً. لكن هذا مخالف للواقع، إذ تصنع ذخيرته من نفايات نووية ناتجة عن عملية تخصيب اليورانيوم الطبيعي (للحصول على النظير U235 لغاية 3,5%) لأغراض صناعة القنابل النووية وكوقود للمفاعلات والغواصات النووية وغيرها.
ومع أن البنتاغون (وزارة الدفاع الأميركية) لم يكشف النقاب عن الكثير من أسرار سلاحه هذا، طبيعته وأضراره، إلا ان الخبراء المستقلين أبانوا أموراً عديدة حتى الآن. ومنها أن اليورانيوم المستنفد هو أكثر كثافة 1,7 مرة من الرصاص، وتحتوي ذخائره على النظائر: U238 بنسبة 99,27% (حسب الكتلة) وU235 بنسبة 0,7% وU234 بنسبة 0,0006%،بالأضافة الى النظير U236 والبلوتونيوم. وأكد الباحث الدكتور بهاء الدين معروف، المختص بالنشاط الإشعاعي البيئي، أن النماذج الملوثة باليورانيوم المستنفد التي فحصها هو وزملاؤه تحتوي على تراكيز عالية من الثوريوم 234 الذي يطلق أشعة غاما، والبروتوكتونيوم 234، ونظير الراديوم 226 الذي يبلغ نصف عمره 1620 سنة.
والى جانب فاعلية السلاح الفائقة في اختراق المركبات المدرعة، حيث يمر فيها كما يمر السكين في الزبدة على حد تعبير البروفسور سيغفرت - هورست غونتر، وجد العلماء أنه فتاك لكونه مشعاً وساماً كيميائياً. فهو يشتعل ذاتياً عند الإنفجار إلى آلاف الدرجات الحرارية، مدمراً الدبابة وطاقمها لدرجة التفحم، مطلقاً في الهواء أوكسيد اليورانيوم، الذي تشكل جزيئاته سحابة كثيفة تنتقل مسافات واسعة مع الرياح، مسببة لمن يستنشق غبارها أو يتناول طعاماً أو يشرب ماء ملوثاً بها مشاكل صحية خطيرة، ومنها تلف الكليتين والكبد وجهاز المناعة والجهاز العصبي، اضافة الى السرطان والتشوهات وغيرها. وقد أثبت العديد من العلماء بقاء الركام المضروب بهذا السلاح مشعاً لأمد طويل. والمرعب أن لليورانيوم المستنفد نصف عمر يبلغ 5,4 بليون سنة، وهو ينتقل في الجو والتربة والماء والنبات، ويصيب الإنسان والحيوانات لأجيال متتالية.
ويقول البروفسور أساف ديوراكوفيتش: "لا توجد شرطة حدود لليورانيوم المستنفد. إنه يتنقل بحرية من بلد إلى آخر بفعل قدرة الرياح على حمل الجزيئات المشعة. أيّ مكان في الخليج أثرت فيه الرياح أو العواصف أو ترسبات الأتربة يحتمل أن يكون ملوثاً، وأن يكون سكانه استقطبوا في أجسادهم تراكيز مرتفعة من اليورانيوم مقارنة بسكان المناطق الأخرى التي لم تتعرض لفعل الرياح والأتربة وتراكيز اليورانيوم". ويؤكد ديوراكوفيتش: "حتى يصبح اليورانيوم بلا إشعاع، عليك أن تنتظر 45 بليون سنة".
لقد تأكد بما لا يقبل الشك أن اليورانيوم المستنفد مادة سامة ومشعة، تضر بالكلى والكبد والدماغ وجهاز المناعة، وتسبب سرطان الدم إذا تم تناولها عن طريق الفم، وسرطان الرئة اذا استنشقت. وعلى رغم كل التحذيرات والمخاطر الجدية، استخدمت القوات الأنكلو ـ أميركية مجدداً سلاح اليورانيوم المستنفد في حرب العراق الأخيرة، مدمرة بواسطته مئات الدبابات والمدرعات والمدافع والدشم والأبنية العالية.
وأشارت تقارير إلى أن ما بين 300 و800 طن من أسلحة اليورانيوم المستنفد أطلقت في حرب 1991، كما أطلقت كمية غير معلومة في الحرب الأخيرة، الأمر الذي يهدد امدادات المياه والسلة الغذائية في العراق بالتلوث بالغبار المشع. وكانت دراسات لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة سلطت الضوء على مخاطر تسرب اليورانيوم المستنفد الى شبكات المياه في كوسوفو والبوسنة وصربيا. وحذرت من أن الركام المضروب بتلك الأسلحة يشكل خطراً على من يقترب منه، وخاصة الأطفال، الأمر الذي يستوجب إزالته فوراً.
إصرار على التضليل
يصر البنتاغون على "عدم وجود" أي أدلة طبية على أن اليورانيوم المستنفد يتسبب بأمراض سرطانية، لأسباب معروفة، أهمها الهروب من تحمل المسؤولية ومن دفع تعويضات للضحايا ونفقات علاج المرضى وتكاليف تنظيف المناطق التي ضربت بهذا السلاح. وقد مات نحو 15 ألف من الجنود الأميركيين الذين شاركوا في حرب الخليج الثانية بالسرطان وأمراض أخرى، وثمة نحو 180 ألفاً يعانون من "أعراض حرب الخليج". وأصاب سرطان الدم والغدد اللمفاوية المئات من جنود حفظ السلام الأوروبيين بعد استخدام هذا النوع من الذخائر في كوسوفو عام 1999. وقدر عالم الكيمياء الكندي هاري شارما أن 36 في المئة من الجنود الأميركيين وغيرهم من المشاركين في حرب الخليج الثانية عام 1991 سيموتون بالسرطان، وأن 100 ألف مواطن في البصرة وحدها أصيبوا بالسرطان منذ ذلك التاريخ. وأكد عالم الفيزياء النووية الأميركي دوج روكه صحة أرقام شارما، الذي زار العراق وأجرى بنفسه الفحوصات والتحليلات اللازمة وتأكد من وجود اليورانيوم في أجساد المرضى العراقيين. وأعلن روكه أن البنتاغون يكذب على العالم بنفيه صلة السرطان والتشوهات الولادية بذخيرة اليورانيوم.
وكانت دراسة أميركية حذرت عام 1990، من أن تعرض الجنود في ميادين القتال لغبار الجو المشبع باليورانيوم المستنفد قد تكون له تأثيرات كامنة كبيرة، إشعاعية وسامة. وفي 1991، حذر تقرير سري لهيئة الطاقة الذرية البريطانية (UKAEA) قدم الى المسؤولين البريطانيين من عواقب استخدام ذخيرة اليورانيوم المستنفد على السكان، وخاصة الاطفال الذين هم أكثر تأثراً بأضراره، انطلاقاً من تقديرها لخطورة غبار أوكسيد اليورانيوم المشع والسام الذي ينطلق إثر إنفجار الذخيرة ويسبب السرطان وتلف الكليتين. وحذرت الهيئة أيضاً من الركام الذي يخلفه السلاح المذكور وخطره على من يقترب منه. وأكد العالم البريطاني مايكل كلارك، الخبير بأبحاث الطاقة الاشعاعية والاشعاع النووي ورئيس شعبة الاتصالات في المجلس الاستشاري القومي البريطاني للحماية من مخاطر الاشعاع النووي، تحذير العلماء البريطانيين للحكومة البريطانية من خطورة وفعالية اليورانيوم كمادة مشعة، إذ يؤدي استنشاقها الى تأثر الرئتين على نحو بالغ باشعاعاتها. وقال: "وجدنا في النهاية أن لليورانيوم المستنفد تأثيراً كيميائياً أكثر منه إشعاعياً، وأن استنشاق كمية كافية من غباره يحدث اصابات كيميائية بالغة للكليتين".
الإشعاع هو الإشعاع!
فيما يزعم خبراء البنتاغون "عدم خطورة" اليورانيوم المستنفد لاحتوائه على شعاع واطئ، يؤكد علماء مستقلون أنه لا توجد جرعة إشعاع غير ضارة، مهما كانت واطئة. فحتى أصغر جرعة "ألفا" داخلية تمثل خطر إشعاع ناشط عال. وقال الخبير الالماني ولفانج كولاين، نائب رئيس اللجنة الحكومية للحماية من الإشعاعات في وزارة البيئة الالمانية: "إن من يدعي أن اليورانيوم المستنفد ليس مشعاً هو كمن يغمض عينيه عن الحقيقة"، موضحاً أنه يحتوي على ما بين 90 و95 في المئة من إشعاعية اليورانيوم الطبيعي، وأن الخطورة تكمن في إشعاعات "ألفا" التي "لا تخترق الجلد السليم، لكن إذا ترسب اليورانيوم على جرح أو لوث الطعام أو الهواء فتكون إشعاعيته قوية". وأضاف أن اليورانيوم الذي استخدم في كوسوفو تزيد نسبة إشعاعاته مع الوقت وتتراكم ما دام داخل الجسم: "إنه يشبه سماً بطيئاً يمكن أن يؤذي الغدد اللمفاوية والكلى والكبد ونخاع العظم، وكذلك الجنين". وأكد أيضاً أن استخدامه في العراق عام 1991 أدى الى تسجيل نسبة تشوهات وسرطانات أعلى من المعدل.
وأثبتت الفحوص الميدانية التي أجريت في الجنوب من قبل باحثين أجانب وعراقيين وجود نسبة عالية من الإشعاع والتفاعلات الكيميائية في الركام المنتشر هناك منذ حرب الخليج الثانية، وحوله، حتى بعد مرور 12 سنة على انتهاء الحرب. كما أكد برنامج الأمم المتحدة للبيئة وجود التلوث باليورانيوم المستنفد في الماء والتربة والهواء بعد 7 سنوات من استخدامه في كوسوفو.
وكان البروفسور سيغفرت-هورست غونتر، وهو عالم وطبيب أطفال ألماني، أحد أوائل الذين زاروا العراق بعد أسابيع من حرب الخليج الثانية. ونبه علانية الى جدية مخاطر مخلفات اليورانيوم المستنفد على الأطفال، وبخاصة سكان العراق والسعودية والكويت. ووجه خلال السنوات الخمس الأولى بعد الحرب نداءاتحارة وملحة لإجراء دراسات مكثفة للوقوف على حجم الاضرار التي سببها استخدام هذه الذخائر على السكان المدنيين ولا سيما الاطفال.
السرطان والتشوهات الخلقية
مؤشرات الكارثة تتجلى في أرجاء العراق، وبخاصة في المناطق الجنوبية. وفي مقدمتها كثرة حالات الإجهاض (الاسقاط) والولادات الميتة والتشوهات الجنينية والولادات الخديجية (قبل الأوان) والناقصة الوزن، إضافة الى انتشار حالات السرطان، وخاصة سرطان الدم بين الاطفال. وكشفت دراسة ميدانية عراقية ارتفاع المعدل السنوي للاجهاض من 2,34% عامي 1987 و1988 الى 6,67% عام 1997. وأكد أطباء ازدياد حالات التشوهات الخلقية ثلاثة أضعاف منذ حرب الخليج. وأفادت الدكتورة يسرى هاشم، وهي طبيبة توليد في مستشفى "أبو الخصيب" في محافظة البصرة، أن امرأة عراقية تعرضت لاشعاعات قذائف اليورانيوم المستنفد أنجبت خمس مرات: في المرة الاولى كان المولود مشوهاً، وفي الثانية أسقطت الحمل، وفي الثالثة كان المولود شبه مشلول، وفي الرابعة كانت الولادة طبيعية، وفي الخامسة جاء المولود بلا رأس! وأكدت الدكتورة سحر حلبية، في دراسة أجرتها في المركز الوطني لتسجيل التشوهات الولادية في المستشفى الجامعي ببغداد، أن طفلاً من كل 12 ولادة حية مصاب بتشوه خلقي واضح، بينما وجدت الدكتورة سوسن شاكر الجلبي أن طفلاً من كل 8 أطفال يولد باعاقة خطيرة. وأفاد الدكتور عبدالمنعم الدليمي مدير مستشفى النساء والاطفال في الرمادي أن مستشفاه سجل خلال أربعة أشهر 30 ولادة مشوهة. وسجلت دائرة الصحة في محافظة المثنى أكثر من 150 ألف حالة تشوه خلقي منذ 1991.
لقد باتت التشوهات الخلقية من الامراض "الدارجة" في العراق، وكثيراً ما يلاحظ تكرارها لدى العائلة الواحدة. وظهرت أمراض لم تكن معروفة قبل حرب الخليج الثانية. وكشف تقرير وثائقي بثته القناة الثالثة للتلفزويون البريطاني أدلة على العلاقة بين استخدام ذخائر اليورانيوم المستنفد والمشاكل الصحية المستجدة، عارضاً مشاهد مرعبة من المناطق التي تم ضربها بهذه الذخائر في جنوب العراق. وفي سياق البرنامج، عبرت الدكتورة جنان غالب حسن عن هموم الاطباء العاملين في أجنحة الولادة بقولها: "عندما يولد طفل، أول شيء ينتبهون اليه هو إن كان مصاباً بتشوه".
ويروي طبيب العيون الدكتور محمد عبود سلمان عن مرض نادر جداً يصيب عيون حديثي الولادة، وسببه تعرض الوالدين أو أحدهما لاشعاعات اليورانيوم. ويوضح أن والد طفل مصاب كان جندياً في قوات الدروع العراقية التي تعرضت لصواريخ أميركية مضادة للدروع عام 1991، كما أن صاروخاً من نوع كروز انفجر قرب الدار التي كانت تسكن فيها الأم قبل الحمل، مما يطرح احتمال تعرضها للاشعاع. ويشير سلمان الى أنه، منذ تخرج طبيباً عام 1974، لم يرَ سريرياً مثل تلك الحالة، الى أن رأى ثلاث حالات خلال 1999 و2000. وكانت دهشته كبيرة عندما علم أن كل واحد من زملائه أطباء العيون العراقيين صادف ما بين حالة و4 حالات مماثلة.
وكانت السلطات الصحية العراقية أفادت أن أكثر من 15% من مجموع الاطفال العراقيين مصابون باعاقات.
وتنتشر حالات السرطان بين العراقيين على نحو واسع ومخيف. ويأتي سرطان الدم في المرتبة الاولى لدى الرجال، وسرطان الثدي في المرتبة الاولى لدى النساء. وأفادت الدكتورة منى الهاشمي أن نسبة سرطان الدم ازدادت في محافظة المثنى 350%، والقادسية 183%، والبصرة 156%. وكشفت الدكتورة ميسون كامل حسن أن سرطان الغدة النخامية بلغ في العراق أعلى نسبة في العالم وهي 13%. وأكد الدكتور فائق السامرائي، المدير الأسبق لمستشفى الاشعاع والطب النووي في بغداد، أن المستشفى يستقبل نحو 500 مريض جديد سنوياً مصابين بمختلف الامراض الخبيثة، وان عدد المراجعين يصل الى 12 ألف مراجع سنوياً. وقال ان نسبة سرطان الدم ازدادت على نحو ملحوظ في المحافظات الجنوبية، كالبصرة وذي قار، وفي محافظتي القادسية والنجف، وأن سرطان الثدي يحصل باكراً في كثير من الحالات، وقد ارتفعت نسبة الاصابة به لدى النساء دون سن الثلاثين من 6% خلال الفترة 1976 ـ 1985 الى 25% عام 1995.
وأعلن الدكتور نبيل المختارمن جمعية أطباء الانف والاذن والحنجرة أن نسبة الاصابة بأورام الأنف والحنجرة ارتفعت الى ثلاثة أضعاف ما كانت عليه عام 1990. وفي دراسة قام بها المركز العراقي التخصصي لامراض الجهاز الهضمي والكبد، تبين إصابة الأعمار الصغيرة بكافة أنواع السرطان التي كانت نادرة الحدوث وتقتصر على الاعمار المتقدمة. وأشارت الدكتورة هدى صالح الى أن الاطفال يشكلون نحو 50% من المصابين بسرطان الدم.
ثمة دراسات ومعاينات ميدانية عديدة، ومنها لمنظمات دولية متخصصة وخبراء أجانب، بينهم السويدي البروفسور أندش براهمه أستاذ طب الإشعاع الفيزيائي في معهد كارولينسكا لأبحاث الطب في استوكهولم، الذي زار العراق عام 2000 مع وفد طبي متخصص، وأعلن أن اليورانيوم المستنفد ضاعف عدد الاصابات بالسرطان 7أمثال، والتشوهات الولادية 10 أمثال، عما كانت عليه قبل الحرب. وقد شاهد أطفالاً ومواليد مصابين بعاهات غريبة جداً. وكتببير يونسون، الذي زار العراق عام 2001 وتفقد مسشفياته، سلسلة من المشاهدات في صحيفة "داغينس نيهتر" السويدية الواسعة الانتشار، مشيراً الى شيوع الظواهر المرضية الغريبة والتشوهات الولادية المتنوعة. ومما جاء في كتاباته: "قبل حرب الخليج كان يولد في العراق طفل واحد تقريباً مصاباً بتشوه وراثي من كل 10 آلاف طفل. أما عام 2000 فقد بلغ العدد 221 طفلاً مشوهاً من بين 12560 مولوداً مسجلاً في البصرة، أي نحو 200 من كل 10 آلاف".
وكتب الدكتور كارول سيكورا، رئيس برنامج السرطان في منظمة الصحة العالمية واستاذ الطب العالمي للسرطان في الكلية الطبية الملكية البريطانية، في مجلة British Medical Journal، مشيراً الى زيادة معدلات الاصابة بسرطان الدم ثلاثة أضعاف في المحافظات الجنوبية في العراق. وقد وجد أن العراق أصبح واحداً من بضعة بلدان يزداد فيها سرطان المعدة، وأن سرطان الرحم ارتفع بشكل لا يرحم، وظهرت أنواع جديدة من حالات السرطان لم يكن لها أهمية قبل عام 1991. وفي العام 2001 قال الدكتور يوهانس نشييله، كبير الجراحين في جامعة يينا الألمانية، أثناء زيارته لمستشفيات البصرة، إن "ما يعانيه أطفال العراق من أمراض سرطانية وعيوب خلقية تتسبب في وفاة نحو 7500 طفل شهرياً، كارثة جينية لم تحدث في العالم من قبل".
ولم يسلم من مخالب السرطان القاتلة اولئك الذين فروا من العراق. فقد أفاد الكاتب داود البصري عن تزايد الوفيات بسرطان الدم حتى بين أطفال اللاجئين في اوروبا. وأكدت متابعتنا للموضوع شخصياً، عبر استبيان خاص، أن العشرات من السيدات العراقيات اللاجئات في السويد والدنمارك وهولندا وسورية يعانين من فقر الدم والاجهاض المتكرر، ومنهن من كن عازبات أثناء حرب الخليج الثانية.
الدكتور كاظم المقدادي طبيب أطفال وباحث في شأن التأثيرات الصحية والبيئية لليورانيوم المستنفد. وهو عراقي مقيم في السويد.
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.