تجوب السلاحف البحار والمحيطات منذ ملايين السنين. ولكن، خلال المئة سنة الأخيرة، اختل التوازن الطبيعي لدورة حياتها الى حد أن العلماء يتخوفون من أنها قد لا تبقى جزءاً من المجتمع البحري في المستقبل القريب.
السلاحف البحرية حيوانات معمِّرة. تنمو ببطء، فتبدأ وضع بيوضها في حوالى سن الثلاثين، وتواصل التناسل حتى سن المئة أو أكثر. وتعشش الأنثى مرة كل 3 ـ 4 سنوات، لكنها في موسم التعشيش يمكن أن تضع مئات البيوض التي لا تلقى منها أي عناية. وبعد شهرين من وضع البيوض في العش الذي تحفره السلحفاة على الشاطئ، يفقس البيض فتخرج الصغار من الرمل وتتجه غريزياً نحو البحر.
غالبية الصغار لا تسلم من الأذى. فبعضها لا يقوى على الخروج من العش فيموت، وتلتهم السرطانات والطيور عدداً منها على الشاطئ قبل وصولها إلى البحر، ويذهب بعضها فريسة الأسماك والطيور على الحيد البحري. وتمضي صغار السلاحف سنوات من عمرها في البحار العميقة وهي تكبر ببطء محاولة اجتناب المفترسات. وعند البلوغ تصبح ضخمة فلا تقوى على افتراسها إلا اسماك القرش.
السرعة التي ينتهك بها الإنسان موائل هذه المخلوقات الحساسة تجاوزت قدرتها على التكيف. فالتوسع العمراني امتد إلى شواطئ التعشيش، وشبكات الإضاءة تضلل الصغار وهي تشق طريقها في اتجاه البحر، والأنقاض والنفايات تسمم الشواطئ وتغير طبيعتها، والممارسات العشوائية في صيد الأسماك تحصد أعداداً كبيرة من السلاحف، وحتى المراكب والزلاجات المائية تقضي على بعضها. واليوم باتت السلاحف البحرية مهددة، وهي من أكثر الحيوانات عرضة للخطر على قائمة "سايتس" (اتفاقية التجارة الدولية بالأنواع الحيوانية والنباتية المهددة بالانقراض). ومن دون عمل فوري، محلياً وعالمياً، قد نخسر هذه المخلوقات الجميلة إلى الأبد.
تعيش في مياة الخليج العربي خمسة، وربما أكثر، من أنواع السلاحف البحرية السبعة التي تجوب بحار العالم. وهي تتواجد في كثير من الموائل الحساسة، على الشواطئ أو الحيود أو المسطحات العشبية، مما يجعلها مؤشراً لسلامة النظام الايكولوجي البحري الذي يؤويها.
في الكويت، يهدد التقدم العمراني والإنمائي على الجزر، وخصوصاً جزيرة قارو، السلاحف البحرية من النوعين الأخضر والهوكسبيل (منقار الصقر) التي تؤم الجزر للتكاثر. وكجزء من الجهود الدولية المبذولة لحمايتها، تأسست "المجموعة الكويتية لحماية السلاحف البحرية" عام 2000، وهي تضم فريقاً من المتطوعين والخبراء الكويتيين المحليين والأجانب الذين يتولون دراسة سلوك السلاحف أثناء التعشيش ومساعدة صغارها على مغادرة الأعشاش والوصول إلى البحر بالسلامة. وتعمل المجموعة على مراقبة الجزر، وإبقاء الشواطئ غير المأهولة مهيأة لاستقبال إناث السلاحف، من خلال تنظيفها وإبعاد مصادر الانارة عنها، خصوصاً في موسم وضع البيض والتفقيس بين آذار (مارس) وتشرين الثاني (نوفمبر). وتعالج السلاحف المصابة والمريضة وتعيد تأهيلها. كما تنظم دورات تدريبية للراغبين في التطوع، وحملات توعية لتلاميذ المدارس وعامة الجمهور.
انبثقت عن المجموعة "الشبكة الكويتية لإنقاذ السلاحف البحرية" التي تضم فريقاً من المتطوعين، تساندهم جهات رسمية ودولية راعية. وهم يستجيبون في أي وقت لنداءات تتعلق بمساعدة السلاحف وإنقاذها وحماية موائلها. وقد شاركت الشبكة مؤخراً في المؤتمر الإقليمي لأبحاث وإدارة السلاحف البحرية في غرب المحيط الهندي ومنطقة الخليج، الذي اشتمل على ندوات تدريبية وجلسات نقاش حول اتباع منهجية إقليمية موحدة.
خلال موسم التعشيش الماضي، أنقذ المتطوعون سلحفاتين بالغتين من النوع الأخضر وهوكسبيل أعيد تأهيلهما وأطلقتا في البحر. وتم إطلاق 22 من صغار السلاحف استخرجت بيوضها من أعشاش تعرضت للتخريب وتم تفقيسها في مركز الرعاية وإعادة التأهيل. كذلك تم إخراج أكثر من 100 سلحفاة صغيرة من أعشاش معرضة للخطر وأطلقت في البحر. وكان التوثيق الذي قامت به المجموعة للتعشيش والتفقيس على الجزر خلال الصيف الماضي أول تأكيد علمي لتكاثر السلاحف البحرية في المياه الكويتية منذ الغزو العراقي عام 1990 وما استتبعه من كارثة بيئية بحرية نتيجة التلوث النفطي.
تعمل المجموعة الكويتية لحماية السلاحف البحرية على ترسيخ قاعدة محلية للتوعية والدعم، وتأمين التمويل اللازم للبحث والتثقيف ونشاطات حماية السلاحف البحرية المعرضة للخطر في الكويت. وفي هذا السياق، تلقت المجموعة من "برنامج فورد للمنح البيئية" ثلاث منح للسنوات 2000 و2001 و2002، بلغ مجموعها 27.000 دولار. وأقامت مؤخراً ندوة جمعت هيئات ومؤسسات القطاع الخاص لتوضيح الجهود المبذولة لحماية السلاحف البحرية وإشراك الجمهور في العمل.
وأسست المجموعة "المجلس الاختياري لحماية السلاحف البحرية" الذي يضم مؤسسات وشركات حكومية وخاصة وأهلية وافقت جميعاً على العمل وفق استراتيجيات وأنشطة منسقة يستفيد منها النظام الايكولوجي. وتعلق آمال كبيرة على هذا المجلس لأنه، كفريق، يمكنه أن يحقق ما يعجز عنه أفراد كل لوحده.