التحديات البيئية العربية والعالمية، وسبل معالجة الآثار البيئية لحرب العراق، بما فيها الأخطار السمية والاشعاعية لمخلفات قذائف اليورانيوم المستنفد، كانت مدار حوار أجرته "البيئة والتنمية" مع الدكتور كلاوس توبفر المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة في نيروبي، قبل سفره لحضور احتفالات يوم البيئة العالمي في بيروت.
"البيئة والتنمية": ما مغزى اقامة الاحتفالات الدولية بيوم البيئة العالمي في الشرق الأوسط على اثر حرب العراق؟
كلاوس توبفر: احتفالات يوم البيئة العالمي هذه السنة تحمل معاني خاصة لعدة أسباب. فللمرة الأولى تقام احتفالات هذا اليوم، الخاص برفع الوعي البيئي وتعزيز العمل الفعلي، في العالم العربي. هذه المنطقة، مثل كثير من مناطق العالم، تعاني من ضغوط بيئية، ولا سيما في مجال الامدادات المائية الملائمة والكافية. لذلك، وعلماً أن 2003 هي أيضاً السنة العالمية للمياه العذبة كما أعلنتها الأمم المتحدة، فان احتفالاتنا بيوم البيئة العالمي تحمل معاني اضافية.
وسوف يتفهّم بلايين الناس حول العالم أن يأتي هذا الحدث بعد وقت قصير من انتهاء النزاع الأخير في العراق. فالمشاكل البيئية في هذا البلد العربي المهم قديمة، بدءاً بالحرب الايرانية العراقية، مروراً بحرب الخليج عام 1991، والعمليات التي نفذتها الادارة السابقة ومنها تجفيف الأهوار الحيوية في جنوب العراق، وصولاً الى الحرب الأخيرة. انني على اقتناع بأن لبرنامجنا، كجزء من منظومة الأمم المتحدة، دوراً هاماً يؤديه في المجالات الانسانية والجهود التي تبذل في فترة ما بعد النزاع، والتي يحتاجها الشعب العراقي بالحاح في سعي طال انتظاره الى السلام والازدهار والاستقرار، ليس في العراق فحسب وانما في المنطقة بأسرها. ليس واضحاً بعد كيف سيشارك البرنامج، والأمم المتحدة عموماً، في هذه الجهود. لكننا نأمل أن يُسند دور هام الى المجتمع الدولي الذي يقف متأهباً للمساعدة. والأمن البيئي يجب أن يكون جزءاً متكاملاً في عملية الاعمار واعادة البناء.
أصدر برنامج الأمم المتحدة للبيئة قبل أسابيع تقريره الخاص حول الأثر البيئي للحرب في العراق. ما هي النتائج الرئيسية التي تم التوصل اليها؟
التقرير هو تقييم أولي يحدد أولويات العمل. وهذه تشمل اصلاح شبكات المياه والصرف الصحي، وتنظيف "بؤر" التلوث المحتملة، وتنظيف مواقع النفايات لتقليل خطر انتشار الأوبئة الناتجة عن النفايات البلدية والطبية المتراكمة. وهناك مهمة أخرى هي اجراء تقييم علمي للمواقع التي قصفت بأسلحة تحتوي على يورانيوم مستنفد. ويوصي التقرير بأن توزع فوراً على أفراد القوات المسلحة والموظفين المدنيين وعامة الناس معلومات ارشادية حول تفادي التعرض لليورانيوم المستنفد.
وثمة حاجة الى عمل اضافي لدمج عنصر الحماية البيئية في عملية التنظيف والاعمار الشاملة. وتشمل التوصيات إجراء تقييم للأثر البيئي، واعتماد تكنولوجيات صديقة للبيئة في مشاريع الاعمار الرئيسية، وتبادل المعلومات بين الجهات المعنية لاجتناب مزيد من الأخطار والحوادث التي تهدد صحة الانسان والبيئة. وهناك أيضاً حاجة لبناء مؤسسات وقدرات وطنية قوية للادارة البيئية على الأمد الطويل. فالبيئة يجب أن تعالج كمسألة ذات أولوية في تطوير الحُكمية الديموقراطية والهيكليات المؤسساتية. الخبراء الوطنيون والدوليون العاملون ضمن اطار الأمم المتحدة ينبغي أن يركزوا على تحديد الموارد والحاجات المؤسساتية والتشريعية والقدراتية اللازمة لادارة بيئية فعالة ومستدامة. ويجب دعم انضمام العراق الى المعاهدات البيئية الرئيسية.
أنت تحثّ على اجراء دراسة شاملة حول اليورانيوم المستنفد في العراق. هل تتوقع أن يسمح لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة باجراء هذه الدراسة؟ وما هي فرص موافقة قوات التحالف على تقديم احداثيات المواقع التي استعملت فيها ذخائر محتوية على يورانيوم مستنفد؟ وزير الخارجية البريطاني الأسبق روبن كوك أعلن في مجلس العموم عام 2000 بأن حلف شمال الأطلسي (الناتو) كان يرفض الافصاح للأمم المتحدة عن مواقع اليورانيوم المستنفد في كوسوفو. هل تتوقع تعاوناً أفضل في العراق؟
ليس دقيقاً القول بأن حلف شمال الأطلسي لم يقدم لنا احداثيات المواقع التي استخدمت فيها ذخائر محتوية على يورانيوم مستنفد في البلقان. فقد زود الحلف البرنامج في النهاية بالاحداثيات التي أرشدتنا في التقييمات التي أجريناها هناك بعد النزاع.
لماذا لم يجرِ البرنامج دراسات حول التأثيرات البيئية للذخائر المحتوية على يورانيوم مستنفد خلال السنوات الاثنتي عشرة التي تلت حرب 1991 في الخليج، على رغم تقارير كثيرة عن أمراض سرطانية واسعة الانتشار في مناطق معينة وتشوهات نباتية في مناطق أخرى، حيث أبلغ أشخاص في منطقة البصرة مثلاً عن رؤوس بندورة (طماطم) بحجم كرة القدم وجزر له لون أرجواني غريب وماء لم يعد طعمه طبيعياً؟
العراق طلب فعلاً من البرنامج، بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية والوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعتين أيضاً للأمم المتحدة، اجراء دراسات حول اليورانيوم المستنفد بعد حرب الخليج عام 1991. ولكن تبين في ذلك الوقت أن من الصعب الاتفاق مع السلطات العراقية على طريقة إجراء هذه التقييمات.
المادة 35 من البروتوكول الأول الذي أضيف الى اتفاقية جنيف لعام 1977 تنص على "منع استخدام أساليب أو وسائل حربية يقصد بها، او قد يتوقع منها، التسبب بضرر بيئي فادح واسع الانتشار وطويل الأجل. في ضوء هذا، كيف تصنف اليورانيوم المستنفد؟
هناك قلق شعبي كبير من التأثيرات المحتملة للأسلحة المحتوية على يورانيوم مستنفد. وثمة وجهات نظر متضاربة حول العواقب البيئية والصحية لاستعمال هذه الذخائر. لذلك يرى البرنامج أن هناك حاجة الى مزيد من الدراسات، وأن من الحكمة اجراء تقييمات شاملة للمخاطر بغية تعزيز الفهم العلمي للطريقة التي يعمل بها اليورانيوم المستنفد في البيئة. وهذا هو أيضاً موقف الجمعية الملكية في لندن.
ما هو تقييمك لحالة البيئة في منطقة الشرق الأوسط؟
يعتمد برنامج الأمم المتحدة للبيئة مصطلح "غرب آسيا" للمنطقة الجغرافية التي تشمل الشرق الأوسط. ويشير تقرير "توقعات البيئة العالمية" الثالث (GEO-3) الذي أصدرناه الى وجود بعض التطورات الايجابية في المنطقة. فقد بوشرت في عدة بلدان عربية محاولات لخفض الطلب على المياه وتعزيز كفاءة استخدامها. وتشمل الاجراءات خفض الدعم المالي الزراعي، وتعزيز أنظمة الري الحديثة، ومعايرة الامدادات المائية الجوفية. وارتفع معدل معالجة واعادة استخدام مياه الصرف الصحي. وهناك اليوم ثلاث خطط عمل لحماية المناطق الساحلية وتنميتها بطريقة مستدامة، وهي خطة البحر المتوسط وخطة الكويت وخطة البحر الأحمر وخليج عدن. وأقيمت محطات لمعالجة مياه المجاري في البحرين والكويت والامارات وغرب السعودية. ووضعت بلدان مجلس التعاون الخليجي مؤخراً اجراءات للمحافظة على الثروات السمكية، بما في ذلك اصدار رخص الصيد وتحديد مواسم منع الصيد. وهبطت انبعاثات ثاني اوكسيد الكربون في الكويت وقطر والامارات بفضل اعتماد تكنولوجيات طاقوية أنظف وأكثر كفاية ومقاييس لجودة الهواء. وبعض البلدان، مثل لبنان، تحولت كلياً الى البنزين غير المرصص. وهو الوقود الوحيد الذي يتم انتاجه في البحرين منذ تموز (يوليو) 2000.
لكن من الواضح أن هناك حاجة ملحة الى مزيد من الاجراءات. فبرنامج الأمم المتحدة للبيئة يقدّر أن أكثر من نصف سكان العالم سيعيشون في مناطق تعاني من شح المياه بحلول سنة 2032 ما لم تتخذ اجراءات عاجلة. وغرب آسيا، ولا سيما شبه الجزيرة العربية، ينتظر أن تكون الأكثر تأثراً، اذ يتوقع أن يعيش أكثر من 90 في المئة من سكانها في مناطق تعاني من "شح حاد" بحلول سنة 2032. وتفاقمت مشاكل الاراضي في الصحارى، بما في ذلك الانجراف وانخفاض الانتاجية، وزادتها العوامل المناخية والنمو السكاني والانتقال الى المدن وحرائق الغابات.
وانخفضت محاصيل الأسماك بمقدار النصف تقريباً في السنوات الثلاثين الماضية، من 20 كيلوغراماً للفرد الى 10 كيلوغرامات، وذلك نتيجة ظروف بيئية فضلاً عن الصيد الجائر. ثم إن التسربات النفطية وتجريف الشواطئ وتصريف المجاري والملوثات من الأنهار والمناطق الساحلية المأهولة، أصبحت تهديدات خطيرة.
حوالى ثلث السيارات في غرب آسيا مضى على استعمالها 15 سنة أو أكثر، وهي تنفث مستويات عالية من الهيدروكربونات المرتبطة بأمراض السرطان، وأوكسيدات النيتروجين المسببة للضباب الدخاني. ويتنامى استهلاك الطاقة بنسبة 3,5 في المئة سنوياً.
اقترحت وزيرة البيئة الفرنسية روزلين باشلو، خلال اجتماع وزراء البيئة في مجموعة الثماني أواخر نيسان (ابريل) الماضي، إنشاء "منظمة البيئة العالمية" التي "تضع البيئة على قدم المساواة مع التجارة العالمية، وتجمع تحت سقف واحد الدوائر البيئية المنتشرة في وكالات الأمم المتحدة ومنظمات أخرى متعددة الأطراف". ما هي فرص نجاح هذه المنظمة؟
بعض البلدان، مثل فرنسا، تؤيد إنشاء منظمة عالمية للبيئة. وهناك بلدان أخرى لا تؤيده. لكن هذا لا يعني أن البيئة في وضع أضعف مما كان في الماضي. وتحت راية "الحُكمية البيئية الدولية" أصبح برنامج الأمم المتحدة للبيئة منظمة أقوى مما كان قبل بضع سنوات، حيث يساهم عدد أكبر من البلدان في اجتماعاتنا الرئيسية.
في المؤتمر الوزاري الرابع لمنظمة التجارة العالمية، الذي عقد في الدوحة عاصمة قطر عام 2001، وافق وزراء التجارة من نحو 140 بلداً، ولأول مرة، على أن عولمة التجارة وتخفيف الحواجز التجارية يجب أن يأخذا في الحسبان القضايا البيئية والحاجات التنموية لبعض البلدان الأكثر فقراً. واتخذ الوزراء أيضاً بعض الخطوات الأولى الحاسمة لخفض ما يسمى "إعانات مشبوهة"، أو الغائها على مراحل، في مجالات مثل مصائد الأسماك. لذلك فان جولة المحادثات التجارية الجديدة، المبنية على أساس الاتفاقيات التي أبرمت في الدوحة، تحمل أملاً حقيقياً بممارسة تجارة أكثر عدالة ومراعاة للبيئة.
لقد كانت المفاوضات حول علاقة التجارة بالبيئة، حتى الآونة الأخيرة، موضوعاً محظوراً في منظمة التجارة العالمية. لكن البيان الوزاري الذي صدر في قطر أظهر ان البلدان الأعضاء مستعدة لمعالجة العلاقات المعقدة بين الحاجة الى تحرير التجارة والحاجة الى حماية الغابات ومصائد الأسماك والاراضي الرطبة والحياة البرية والموارد الطبيعية الثمينة الأخرى في العالم.