يزخر الشعر العربي يوصف حيوانات الصحراء ونباتها، وكأنه سجل للتاريخ الطبيعي. هذا التحقيق يجمع لوحات رسّام أوروبي معاصر وضع انطباعاته بالألوان، مع مختارات شعرية عربية. وقد قدم الرسام جوليان فرايرز للوحاته بنص خص به "البيئة والتنمية"، يصف فيه مشاهداته في الصحراء المغربية وكثبان شبه الجزيرة العربية
جوليان فرايرز
توقعت سكوناً مطبقاً يلف كثباناً نحتتها الرياح، وشعوراً عميقاً بالوحدة وسط حرّ حارق لا يرحم. تلك كانت الصحراء التي شاهدتها على شاشة السينما والتلفزيون. لكن عندما سنحت لي الفرصة لزيارة صحراء حقيقية، اكتشفت شيئاً مختلفاً تماماً.
"الصحراء" كلمة صغيرة جداً على ما يمثله ذلك الامتداد الهائل وما فيه من تنوع ضخم. تلك الارض هي أبعد ما تكون عن السكون والفراغ.
الطيور والثدييات والزواحف تتعالى زقزقاتها وصرخاتها وفحيحها وهي تنتقل من مكان الى آخر وسط غطاء نباتي مميز. والنباتات تزخر بتنوع كبير شكلاً وحجماً، حتى اذا مرت سحب ماطرة أحالت المكان بساطاً من الازهار الملونة، تلوذ بها أعداد لا تحصى من الحشرات التي تمضي حياتها هناك.
وجدت في الصحراء الافريقية الغربية وصحراء شبه الجزيرة العربية طبيعة حية تتغير مع تقدم النهار. تكون ربما في أوج جمالها وهي تستحم بضوء شمس الصباح، حين تتبخر برودة الليل فتدب الحركة في الحيوانات النهارية. أو ربما في المساء حين تبدو الرمال والصخور الساخنة كأنها جمر متوهج.
لجأت الى الرسم لوصف هذه الاماكن والمخلوقات التي تقطنها. حاولت أن أنقل جمالها وتنوعها بفرشاة. صحيح أن الرسم لا يستطيع أن يعيد خلق الضوء السريع الزوال واللون والنغمة، ذلك الجو السائد في المنظر الصحراوي، لكني أعتقد أن بامكانه نقل حسّ بالمكان بطريقة تعجز عنها الكلمات.
يكفيني أحياناً أن أجلس لبرهة ووأودع منظراً ينطبع في مخيلتي لكي أتذكره في وقت لاحق. لكن التفاصيل لا تكون جديرة بالثقة اذا خلت من ملاحظات تدّون في الوقت المناسب كلمات تكتب وصور تلتقط، وأحياناً كثيرة من أشكال يخطها قلم في كراسة صغيرة أو رسوم بألوان مائية. هذه هي مادتي التي أعود اليها. وهي مهمة في تجسيد الموئل كما في تجسيد شكل وملمس فروة أو ريشة.
من حسن حظي أني استطعت مقابلة أشخاص متمرسين في المحافظة على الطبيعة، ساعدوني لكي أشاهد عن كثب الطيور والثدييات التي تمكنت من رسمها.
لدى رسم أحد الحيوانات، يجب مراعاة جوانب كثيرة لتفادي الوقوع في الخطأ. فشكله يجب أن يكون مقنعاً، ووضعيته واقعية وصحيحة عضوياً. ويجب اظهاره في بيئة ملائمة، على ان تكون ألوانه وعلاماته دقيقة. لكن هذا الانتباه للتفاصيل، على أهميته، لا يجوز أن يأتي على حساب الجوهر.
اللوحة يجب أن تكون أكثر من عرض مباشر. يجب أن تحتوي على شيء غير مرئي، على سرد، على استجابة عاطفية. ولئن حققت هذه اللوحات ما ابتغيته فلأن كل واحدة منها تخبر عن لحظة في أرض سرمدية، بل أكثر، تحمل معها شيئاً من تلك الارض السرمدية، الصحراء.
الصحراء العربية: في لوحات للرسام الايرلندي جوليان فرايرز
اللوحات بريشة جوليان فرايرز رسام ايرلندي حقق خلال السنوات الخمس والعشرين الأخيرة شهرة عالمية كفنان مختص بمشاهد الطبيعة. رحلاته في الصحارى المغربية والسعودية كانت ذات أثر كبير في عماله، حيث رسم مجموعة خاصة من اللوحات الزيتية مستوحاة من الطبيعة العربية وحيوانها. عرضت في لندن وواشنطن ودبلن ودبي