استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة للأغراض الزراعية في المملكة العربية السعودية والبحرين، ظاهرة نفوق الأسماك وتأثيرها على نوعية مياه الشرب من محطات التحلية في الكويت، دراسة المياه الجوفية عبر نظام المعلومات الجغرافية في الشارقة، هذه بعض المواضيع التي سيتم استعراضها في مؤتمر الخليج السادس للمياه والندوة الثانية لترشيد استهلاك المياه في المملكة العربية السعودية، اللذين تنظمهما وزارة المياه السعودية وجمعية علوم وتقنية المياه في البحرين، بالتعاون مع الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي، في قاعة الملك فيصل للمؤتمرات في الرياض بين 8 و12 آذار (مارس) برعاية صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن عبدالعزيز آل سعود، ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني.
تحت شعار "الماء في دول مجلس التعاون، من أجل تنمية مستدامة" ينعقد المؤتمر والندوة بهدف تقييم الأوضاع الحالية لإدارة الموارد المائية في دول مجلس التعاون الخليجي، وتحديد أهم معوقات تحقيق تنمية مستدامة لموارد المياه، وتشجيع الدراسات التطبيقية في مجال المياه. كذلك يستعرض الطرق والخبرات المتوافرة في مجال إدارة الطلب وترشيد الاستهلاك، ويستعرض حملات ترشيد استخدام المياه التي تم تنفيذها في السعودية خلال السنوات الماضية.
ويأتي المؤتمر والندوة من ضمن نشاطات السنة العالمية للمياه العذبة، ويسبقان المنتدى العالمي للمياه الذي يعقد في اليابان خلال النصف الثاني من آذار (مارس).
إدارة العرض والطلب
شهدت دول الخليج خلال العقود الثلاثة الماضية تنمية متسارعة، صاحبتها زيادات متعاظمة في الطلب على المياه. وقد تركزت الجهود خلال تلك الفترة على إدارة العرض لتلبية المتطلبات المائية المتزايدة، عن طريق زيادة المصادر المائية واستحداث موارد اضافية بالتوسع في بناء محطات التحلية، وإعادة استخدام المياه المعالجة، وبناء السدود لحجز المياه السطحية، بالاضافة الى زيادة الكميات المسحوبة من الموارد المائية الجوفية. وهذا أدى الى استغلال جائر للمياه، ولم يعط الاهتمام الكافي الى جانب التنظيم وإدارة الطلب على المياه وترشيدها وحمايتها، بما يتناسب مع شح مصادر المياه المتاحة ومحدوديتها في المنطقة. وكانت النتيجة تدني الكفاءة وتزايد الطلب ومعدل استهلاك الفرد، وارتفاع كلفة إنتاج المياه وتوزيعها.
ولقد تبلورت جميع هذه المشاكل على هيئة عجز مائي ووضع حرج في معظم دول المجلس. واذا ما استمر الوضع الراهن على ما هو عليه، فمن المتوقع أن يزداد الأمر تعقيداً. فالعجز المائي سيزداد بوتيرة عالية ليتحول الى نقص حاد في المياه، وسيكون مصحوباً بزيادة مستويات التملح والتلوث، وسيؤدي الى خروج طبقات مائية وأراض زراعية من دائرة الاستثمار، وتدهور نوعية وكمية إمدادات المياه، وبالتالي الى أزمات سيكون لها مضاعفات وانعكاسات اقتصادية واجتماعية وبيئية على مسيرة التنمية والتطور، وستبرز المشكلة المائية كأحد أهم محددات التنمية فيها.
وتركز أبحاث اجتماعات الرياض على أن تحقيق التنمية المستدامة في دول مجلس التعاون يجب أن يرتكز على مبادئ الادارة المستدامة للموارد الطبيعية، ويعتمد على إزالة معوقات الاستدامة وإدارة الطلب وترشيد الاستهلاك لتوفير مصادر مائية، عن طريق الحد من الهدر وتحسين كفاءة الاستخدام وإعادة استخدام المياه وتدويرها، وتطبيق التقنيات الحديثة في مجالات المياه والزراعة والبلديات والصناعة، الأمر الذي يؤدي الى حالة مقبولة من التوازن المائي والبيئي وتقليص للفجوة المائية.
أوراق عمل عربية ودولية
نحو 83 ورقة عمل ستطرح في المؤتمر، تتمحور حول تسعة مواضيع رئيسية عامة، أولها تطوير استراتيجيات وسياسات الإدارة المائية المتكاملة، حيث ستتناول هذا الموضوع 13 ورقة من متحدثين يمثلون هيئات رسمية وأقليمية، مثل وزارة المياه والمنظمة العربية للتنمية الزراعية واللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الأسكوا) ومنظمة الصحة العالمية واليونيسكو. أما المحور الثاني فيتركز حول موارد المياه السطحية والجوفية، وتعرض فيه نحو 22 دراسة نظرية وميدانية حول المتكونات المائية في عدد من مناطق المملكة العربية السعودية والاردن وسوريا وفلسطين والعراق والمغرب وغيرها. ويبحث المحور الثالث حول المياه المحلاة في تقنيات التحلية المستخدمة والجديدة، والمشاكل التي تعترض عمليات تحلية مياه البحر مثل التلوث وتآكل المنشآت. وتتناول ثماني أوراق المحور الرابع حول مياه الصرف الصحي واستخداماتها. وتتناول ثماني أوراق أخرى موضوع إدارة مياه الري. وتطرح في محورين آخرين إدارة المياه البلدية وإدارة الصرف الصحي. أما المحور الثامن فيتناول الوسائل والتقنيات الفعالة للمحافظة على المياه.
يقدم هذه الأوراق مشاركون من المنطقة العربية، إضافة إلى مشاركات دولية من بريطانيا والهند. تبرز المشاركة السعودية، تليها الكويت والبحرين والإمارات العربية المتحدة واليمن.
مجموعة المختص
وقد أسندت وزارة المياه السعودية وجمعية علوم وتقنية المياه في البحرين إدارة تنظيم أعمال مؤتمر الخليج السادس للمياه والندوة الثانية لترشيد المياه الى مجموعة المختص السعودية في الرياض، المتخصصة، ضمن أنشطتها المتعددة، في التدريب وإدارة وتنظيم المؤتمرات والمعارض. وكانت "مجموعة المختص" قد نظمت سابقاً المؤتمر الدولي الأول للمياه في الدول العربية "ARWATEX 2002" والملتقى الدولي السنوي الأول للتشغيل والصيانة "Omaintec 2002"، وسوف تنظمهما للمرة الثانية في تموز (يوليو) المقبل في بيروت.
مرتكزات جديدة لإدارة المياه في المملكة العربية السعودية
ادارة الطلب وترشيد الاستهلاك وخصخصة المشاريع المائية
تقع المملكة العربية السعودية في منطقة قاحلة، هي من الأكثر تعرضاً للجفاف والتصحر، وتعاني نقصاً حاداً في مواردها المائية مقابل الضغوط السكانية والإنمائية الشديدة. وتسعى المملكة إلى انتهاج إدارة مائية متكاملة وحديثة تفي بالاحتياجات الحاضرة، بالتوازن مع الموارد المتاحة. ولتحقيق هذا الهدف، أنشأت السعودية مؤخراً وزارة خاصة للمياه، على رأسها سياسي ومفكر انمائي وديبلوماسي عريق هو الوزير الدكتور غازي القصيبي.
وسيم حسن (الرياض)
تبلغ حصة الفرد السعودي نحو 300 ليتر ماء في اليوم، بما فيها الاستخدامات المنزلية والصناعية والزراعية. ومع تعداد سكاني يبلغ 23.4 مليون نسمة تكون كمية المياه المطلوب توفيرها يومياً نحو 7 ملايين متر مكعب بينما الكمية المتاحة من كافة المصادر تبلغ 5.7 ملايين متر مكعب في اليوم. فهناك تالياً عجز بنحو 1.3 مليون متر مكعب يومياً. ولو انخفض هذا المعدل إلى 150 متر مكعب في اليوم لتحول العجز فائضاً، إذ تصبح كمية المياه المطلوبة يومياً 3.5 ملايين متر مكعب يومياً مقابل الكمية المتاحة نفسها فيتكون فائض بنحو 2.2مليون متر مكعب.
من هنا، يشكل وعي المواطن والتزامه الاستهلاك الرشيد دوراً أساسياً في السعي لتطبيق إدارة متكاملة للمياه، التي تعتمد إدارة الموارد المتاحة وتنميتها وإدارة الطلب على المياه، وذلك للمحافظة على هذا المورد الحيوي واستدامته. وقد أطلقت الحكومة السعودية منذ العام 1997 حملات توعية لترشيد استهلاك المياه. فالمملكة بلد صحراوي يتنامى فيه السكان وتستمر فيه عجلة التنمية الاقتصادية، فيما تتناقص الموارد المائية التقليدية، السطحية والجوفية، وترتفع تكلفة المصادر غير التقليدية، أي المياه المحلاة ومياه الصرف المعالجة.
لقد تطور الطلب على المياه في المملكة العربية السعودية بشكل متسارع مع ارتفاع عدد السكان من 7 ملايين في العام 1974 إلى 23 مليوناً في العام 2000، ويتوقع أن يصل إلى 40 مليوناً في العام 2025، ناهيك عن فترة النهضة العمرانية والمشاريع الإنمائية العملاقة في القطاعات الاقتصادية كافة. وقد وصل حجم الطلب على المياه في العام 2000 إلى 17.7 بليون متر مكعب في السنة ويتوقع أن يصل إلى 24 بليوناً في العام 2025، وتناقص نصيب الفرد من 1900 متر مكعـب في العام 1950 إلى 277 متر مكعب عام 2000، ويتوقع أن ينخفض إلى 113 متراً مكعباً في العام 2025.
ويؤكد الدكتور علي سعد الطخيس، وكيل وزارة المياه لشؤون المياه، على ضرورة "اعتبار الأمن المائي للمملكة هدفاً استراتيجياً يجب السعي الى تحقيقه، فهو جزء لا يتجزأ من أمن البلاد واستقرارها، والمحافظة على مصادر المياه ونوعياتها من أهم واجباتنا الدينية والوطنية والتنموية". كما يشدد على أهمية "الاعتراف بمحدودية المصادر المائية عن طريق نشر الوعي المائي لأن معدلات استخراج المياه الجوفية أكثر من معدلات التغذية السنوية من الأمطار". ويطالب بمواجهة التحديات التي تهدد مستقبل المياه في المملكة "عن طريق تطبيق مبادئ الادارة المتكاملة للمياه وزيادة كفاءة تشغيل وصيانة مشاريع المياه وزيادة الانتاجية من وحدة المياه واستخدام المياه الاستخدام الأمثل".
الموارد المائية المتاحة
المياه من المصادر السطحية تتأتى من هطول الأمطار التي تتجمع في الأودية. ويقدر معدل هطول الأمطار بـ110 ملم في السنة على معظم أراضي المملكة (باستثناء صحراء الربع الخالي) وقد يصل إلى 600 ملم في بعض الأحيان، خصوصاً في المنطقة الجنوبية الغربية. ويتم حجز هذه المياه عبر حواجز ترابية لتحويل مسارها إلى الأراضي المجاورة لزراعتها. كما تقام السدود الحديثة لتجميع مياه السيول واستخدامها بعد تنقيتها لتوفير المياه الصالحة للشرب للمدن والقرى القريبة. وتقام سدود بمواصفات خاصة لتغذية الطبقات الحاملة للمياه حيث تتسرب المياه من هذه السدود لرفع مستوى الماء في الآبار المحفورة في الرواسب الوديانية أو في الطبقات الجيولوجية الضحلة. وتقوم السدود بحماية المناطق من السيول الجارفة نتيجة هطول الأمطار المفاجئ بكثافة عالية.
المياه الجوفية هي مصدر المياه التقليدي الآخر. وهو في قسمين: الأول يتمثل في المياه العميقة المختزنة منذ آلاف السنين ولها امتداد أفقي واسع يصل إلى ثلثي مساحة المملكة على أعماق تتراوح بين 100 متر و2500 متر. ولكن تغذية هذه الطبقات من الأمطار مباشرة محدودة وتقل كثيراً عن عمليات السحب الجارية. أما المياه الجوفية الضحلة فتغطـي ثلث مساحة المملكة، وتتراوح أعماقها بين بضعة أمتار و100 متر، وهي تختزن مياه الأمطار بعد سقوطها مباشرة، وتتأثر بالجفاف وبكميات الضخ المتواصلة.
وتغطي المياه السطحية والجوفية الحاجة الى نحو 50% من المياه البلدية و100% من المياه اللازمة لقطاعي الزراعة والصناعة. ويتم التوجه حالياً الى استخدام المصادر غير التقليدية لتأمين معظم احتياجات هذين القطاعين.
المياه المحلاة ومياه الصرف المعالجة
تمثل المياه المحلاة المصدر الرئيسي للاحتياجات البلدية. وتوفر محطات التحلية نحو 2.8 مليون متر مكعب يومياً، أي نحو 50% من أجمالي الطلب على المياه البلدية على مستوى المملكة، لكنها تصـل إلـى 90% في بعض المدن الرئيسية الكبرى مثل مكة المكرمة وجدة والمدينة المنورة وأبها والطائف. وهناك تخطيط لزيادة محطات التحلية، وتحديث المحطات القائمة التي قارب معظمها نهاية العمر الافتراضي، أي 25 سنة، لكن تجديدها يتطلب استثمارات هائلة.
يتزايد الاهتمام بمعالجة مياه الصرف وتأهيلها للاستخدام في الحاجات الزراعية والصناعية. 60% من المياه المستهلكة داخل المنازل في المدن الرئيسية تتم معالجتها وتعود على هيئة مياه صرف صحي. وتقدر كميات الصرف الصحي المعالجة بنحو 1.3 مليون متر مكعب في اليوم، ثلثها معالج إلى الدرجة الثلاثية المأمونة والباقي إلى الدرجة الثانية. ويتم العمل على زيادة النسبة المعالجة إلى الدرجة الثالثة لتغطي كمية مياه الصرف كاملة، ومن ثم الاستفادة منها في الري والصناعة. واستخدام مياه الصرف المعالجة أمر حتمي في عملية إدارة الطلب على المياه نتيجة لمحدودية الموارد وشحها ومخاطر تدهور نوعيتها.
مواجهة التحديات
تقف أمام تنمية مصادر المياه معوقات عديدة يجب تحديدها ومواجهتها، لأن الأمن المائي هدف استراتيجي لجميع الدول. وتواجه المملكة العربية السعودية التحديات التي تواجهها بقية الدول مع خصوصية سعودية في بعض منها. فضغط النمو السكاني وتزايد متطلبات نمط الحياة الحديث، والهجرة من الأرياف للمدن هي تحديات عامة. بينما سرعة التطور العمراني وخصوصية التمدد الأفقي للعمران حيث يتميز المواطن السعودي في بناء الفلل والقصور تؤدي إلى تمدد أفقي للمدن والقرى يستلزم استهلاكاً كبيراً للمياه وتكاليف باهظة لتمديد الشبكات والتشغيل والصيانة. وفي المملكة زيادة مستمرة في أعداد العمال الوافدين، الذين تتميز بلدانهم بالوفرة المائية ويستمرون في عاداتهم الاستهلاكية المسرفة.
تضيف العوامل الجغرافية والمناخ للمملكة مزيداً من المعوقات والأكلاف الاقتصادية لتأمين المياه، حيث معظم مصادر المياه الطبيعية بعيدة عن أماكن السكن، ووجود محطات التحلية على الساحلين الغربي والشرقي تتطلب تمديدات ضخمة لنقلها إلى المدن القريبة وإلى المناطق الداخلية البعيدة. كما أن ارتفاع ملوحة الآبار وتلوثها، كذلك تلوث مياه البحر، تزيد أكلاف معالجة المياه.
ورغم ارتفاع تكاليف المشاريع المائية فإن التعرفة ما زالت منخفضة جداً، تدعمها الدولة بنسبة 90%، وهو عامل لا يشجع المواطنين على ترشيد الاستهلاك ولا المستثمرين على الدخول في المشاريع المائية. ومع إنشاء وزارة خاصة للمياه يؤمل في تخطي العديد من المعوقات التشريعية والإدارية التي كانت قائمة.
ويرى الدكتور علي الطخيس أن تفعيل إدارة المياه يتطلب، فضلاً عن تحديد الموارد المائية وتنميتها وحمايتها من التلوث، اتخاذ عدد من الخطوات أولها إدارة الطلب على المياه. وفي المجال البلدي يجب حصر استخدام المياه العذبة للشرب فقط، مع رفع التعرفة المفروضة، واستبدال صناديق الطرد الكبيرة المستخدمة في دورات المياه والحنفيات وغسالات الملابس بأخرى أقل استهلاكاً وذلك بحسب برنامج زمني إلزامي، إضافة إلى الكشف الدقيق على شبكات المياه ووقف التسربات. وفي الصناعة يجب استخدام المياه المالحة لأغراض التبريد والمياه المعالجة في الصناعات غير الغذائية، وإقامة محطات معالجة في المدن الصناعية. أما بالنسبة للمياه الزراعية فالمطلوب الحد من زراعة المحاصيل ذات الاستهلاك العالي واستخدام أنظمة ري حديثة ذات كفاءة عالية، ووضع مخطط زراعي يحدد الزراعات المطلوبة ومواقع زراعتها وحاجتها من مياه الري، إضافة إلى تطوير الأبحاث حول النباتات التي تنمو في المناخ الصحراوي وتتحمل المياه المالحة. كما يرى الدكتور الطخيس أن خصخصة مشاريع المياه تخفف الأعباء عن الدولة وتؤدي إلى تحسين كفاءة وزيادة الإنتاجية وتخفيض التكلفة. ومتاح للقطاع الخاص في المملكة الاستثمار في مشاريع مائية مثل إنشاء محطات تحلية مياه البحر والمياه الجوفية ومعالجة مياه الصرف الصحي وإقامة السدود والقنوات وشبكات المياه وغيرها.
من الزراعة الى المياه
شهدت السعودية خلال عقد الثمانينات من القرن الماضي طفرة زراعية لم يسبق لها مثيل، تمثلت في إقامة العشرات من المشاريع الزراعية العملاقة، واشتملت البنى التحتية لهذه المشاريع على حفر مئات الآبار في كل مشروع مع ملحقاتها من مضخات ونظم ري محورية وصوامع غلال وخلافها.
وتشير دراسة للدكتور علي الطخيس الى أن هذه المشاريع العملاقة ساهمت في ازدهار ونمو القطاع الزراعي الى أن وصل ذروته في إنتاج الحبوب عام 1993 فتجاوز معدل 5 ملايين طن من القمح والشعير، وأصبحت المملكة سادس دولة في تصدير القمح، رغم عدم وجود الجدوى الاقتصادية في منافسة الانتاج العالمي، لارتفاع تكاليف الانتاج في المملكة إضافة الى الخسارة غير المنظورة المتمثلة في تدني مخزونات المياه الجوفية غير المتجددة. ومنذ عام 1993 ابتدأ تصحيح مسار زراعة الحبوب عن طريق تخفيض إنتاج القمح والشعير والأعلاف وتقنين إنتاج المحصول على المنتجين وفق معايير محددة.
وحيث أنه يوجد حالياً مئات الآبار المجهزة بمضخاتها متوقفة عن العمل بعد انحسار موجة القمح والأعلاف، وهي منتشرة في مواقع الشركات الزراعية وغيرها من المشاريع الضخمة في مناطق مأهولة بالسكان، تدعو دراسة الدكتور الطخيس الى الاستفادة منها عبر آلية يتفق عليها وتحويلها الى مشاريع مياه مركزية لإمداد المدن والقرى بالمياه، بدلاً من الاستمرار في تنفيذ المشاريع المصغرة والمتوسطة والكبيرة، التي تتعثر في بعض المناطق نتيجة لشح مصادر المياه فيها. فلو أمكن الاستفادة من آبار المشاريع الزراعية لإمداد سكان المدن والقرى بمياه الشرب، فان ذلك سوف يوفر مبالغ طائلة على المدى البعيد.
حملات الترشيد
تكتمل الإدارة الفعالة للطلب على المياه بالدور الذي يلعبه المواطن والمقيم عبر استخدامه الرشيد والمقنن للمياه ووقف الهدر ومنع التسربات. وهذا يتطلب معرفة ووعياً للمشكلة وأساليب حلها ينعكس تغييراً على سلوك المستخدم.
لذلك أطلقت الحكومة السعودية، وعلى مراحل متعددة، حملات ترشيد استخدام المياه، بدأت الأولى في حزيران (يونيو) 1997 تحت شعار "الإسراف سبب كل جفاف"، والثانية في نيسان (أبريل) 1999 وكان شعارها "لا تسرف في الماء .. الماء أمانة". أما المرحلة الثالثة وشعارها "الماء سر الحياة" فانطلقت في نيسان (أبريل) 2000، مع انعقاد الندوة الأولى لترشيد استخدام المياه وتنمية مصادرها. وتقام الندوة الثانية لترشيد استخدام المياه بالتزامن مع مؤتمر الخليج السادس للمياه تحت شعار "الماء في دول مجلس التعاون، من اجل تنمية مستدامة".
وقد استخدمت في حملات التوعية مختلف الوسائل الإعلانية والإعلامية المحلية من صحف يومية ودوريات، وإعلانات مرئية ومسموعة وجميع أنواع لوحات الطرق الإعلانية، كما أقيمت ندوات متعددة لهذا الغرض. ورغم عدم القيام بدراسات إحصائية ميدانية حول كمية التوفير في استهلاك المياه نتيجة لهذه الحملات، إلا أن تأثيرها يظهر من استقراء الفواتير وفي تجاوب العديد من الهيئات والمؤسسات التربوية لتشجيع الحملات والقيام بنشاطات للهدف نفسه. وقد استخدم عدد من الشركات الخاصة والبنوك شعارات الحملة في مراكزها وفروعها وحملاتها الترويجية.
وفيما تستمر حملات ترشيد استخدام المياه بدعم من السلطات السعودية على جميع المستويات، وينتظر أن تقوم وزارة المياه الجديدة بوضع الخطط اللازمة واتخاذ الإجراءات الضرورية للمحافظة على هذا المورد الحيوي واستدامته.
كادر
وزارة المياه في المملكة العربية السعودية
في حزيران (يونيو) 2001 صدر قرار عن مجلس الوزراء السعودي بإنشاء وزارة خاصة للمياه، وبالتالي فصل كل ما يتعلق بالمياه من وزارة الزراعة التي كانت وزارة الزراعة والمياه. وبذلك تكون المملكة العربية السعودية أول من أنشأ وزارة خاصة للمياه بين الدول العربية.
والوزارة الجديدة التي أوكلت إلى الدكتور غازي بن عبد الرحمن القصيبي في أيلول (سبتمبر) 2002، ستقوم بإدارة قطاع المياه ومرافقه ومراقبته وتنظيمه. وسوف تجري مسحاً على مصادر المياه والمخزون المتوافر منها، وتعد خطة وطنية شاملة تحدد السياسات المتعلقة بالمياه وتنمية مصادرها والمحافظة عليها وترشيد استخدامها. كما ستتولى الوزارة إعداد برنامج متكامل لتعميم شبكات مياه الشرب والصرف الصحي على جميع مدن المملكة ومحافظاتها ومراكزها. وقد حصرت في الوزارة مسؤولية منح التراخيص اللازمة لحفر الآبار وتحديد أعماقها. كما ستعيد الوزارة دراسة تعرفة المياه لجميع فئات المستفيدين ووضع آلية لرفع أداء تحصيل إيرادات المياه.
وتضم وزارة المياه الجديدة الإدارات والأجهزة المعنية بالمياه التي كانت تتبع سابقاً الى وزارتي الزراعة والمياه والشؤون البلدية والقروية وقطاع المياه التابع لإدارة العين العزيزية. وسوف تعتبر جميع مصالح المياه والصرف الصحي القائمة في المناطق فروعاً للوزارة، ويتم إنشاء فروع جديدة في المناطق التي لم يكن فيها مصالح للمياه والصرف الصحي. أما المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة فبقيت جهازاً مستقلاً يلحق إدارياً بوزارة المياه ويكون الوزير رئيساً لمجلس إدارتها.