Friday 22 Nov 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
رأي
 
بقلم محمد العشري اقتصاد أخضر لمستقبل العرب  
كانون الأول / ديسمبر 2011 / عدد 165
 

أثبتت الوقائع فشل الحكمة التقليدية التي تقول بأن «الأسواق تعرف أفضل من الجميع». ويزداد الشك حيال استمرار استراتيجية الوضع القائم، حيث نمو الناتج المحلي الاجمالي هو الأولوية المهيمنة. كان النمو الاقتصادي في القرن العشرين مبنياً على الرأسمال المادي والمالي والبشري المتكدس، على حساب الرأسمال الطبيعي والأخطار الاجتماعية. وحصلت مؤخراً جهود ونقاشات جدية في أنحاء العالم حول الاقتصاد الأخضر، الذي يستلزم تغيير صيغ التنمية وإعطاء الاقتصادات أشكالاً جديدة كي تحسن الرفاه البشري والعدالة الاجتماعية.

يمكن ببساطة تعريف الاقتصاد الأخضر بأنه اقتصاد يولد نمواً اقتصادياً وتحسينات في سبل عيش الناس، من دون أن يؤذي البيئة. لكن البعض يخشى أن يتصدى الاقتصاد الأخضر لاثنتين فقط من ركائز التنمية المستدامة الثلاث. بالطبع علينا أن نهتم بوضع اقتصاداتنا على مسار أخضر، لكن من دون أن نفقد التركيز على الأبعاد الاجتماعية للتنمية المستدامة. فالعدالة الاجتماعية والاستثمار في صحة الناس وتعليمهم أمور حاسمة في بناء مجتمعات أكثر مرونة واستدامة.

وكما جاء في تقرير المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد)، يهتم الاقتصاد الأخضر بالإمكانات الكبيرة الكامنة في زيادة انتاجية الموارد، خصوصاً الطاقة والمياه وتخفيض توليد النفايات. وهو يوجه الاستثمارات إلى الإدارة المستدامة للموارد الطبيعية لزيادة إنتاجيتها الاقتصادية والبيئية وقدرتها على خلق الوظائف ودعم الفقراء. وفي اقتصاد أخضر، تتم ممارسة الحوكمة التشاركية للموارد الطبيعية بتمثيل الجهات المعنية الرئيسية، خصوصاً المجموعات التي تملك سلطة مؤسسية ضعيفة.

ستؤدي السياسة العامة دوراً رئيسياً في التمكين من تحقيق أهداف الاقتصاد الأخضر. ويحتاج إحراز تقدم نحو اقتصاد أخضر عربي إلى إعادة رسم السياسات الحكومية الراهنة. في هذا السبيل، يجب إعطاء الأهداف البيئية والاجتماعية مستوى من الأولوية، تماماً كالأهداف الاقتصادية. ويجب أن يضمن النهج الجديد عدم السعي لتحقيق فوائد اقتصادية قصيرة الأجل على حساب الأهداف الاجتماعية والبيئية الطويلة الأجل.

لقد حققت البلدان العربية معدلات سريعة من النمو الاقتصادي خلال العقد الماضي، لكن الشرائح الواقعة في أسفل الهرم لم تنل نصيبها العادل من فوائد الطفرة الاقتصادية. وما زالت الاقتصادات العربية تعاني من ضعف بنيوي، ويعزى ذلك إلى انعدام التنوع الاقتصادي، والاعتماد على المنتجات السلعية ذات القيمة المضافة المنخفضة، وسرعة التأثر بتقلبات السوق العالمية. من هذه الناحية، ينص تقرير «أفد» على أن الفقر مستمر، والبطالة مرتفعة إلى حد ينذر بالخطر، وانعدام الأمن المائي والغذائي يشكل تهديداً، والتدهور البيئي للموارد الطبيعية في المنطقة منتشر على نحو غير مكبوح.

هذه النواقص تقوض التنمية البشرية التي هي الأولوية المعلنة للحكومات في المنطقة. وبسبب ارتفاع معدلات النمو السكاني، وسرعة التصنيع والتحضـر، سوف تزداد الضغوط على الاقتصادات العربية مع تصاعد الطلب على الغذاء والمياه والسكن والكهرباء والنقل والخدمات البلدية. وسوف يتطلب التصدي لهذه النواقص تغييراً  أساسياً في نماذج التنمية الاقتصادية العربية، وإصلاحات للسياسات الحكومية، للحث على تحولات في أنماط الانتاج والاستهلاك والاستثمار.

في سياق الاقتصاد الأخضر، أعتقد أن هناك حاجة إلى تحولات مختلفة ضرورية للتنمية المستدامة في المنطقة، خصوصاً التحولات الأربعة الآتية:

أولاً، تحول طاقوي، حيث يتم إنتاج الطاقة بشكل نظيف واستعمالها بكفاءة من دون زيادة المشاكل البيئية الإقليمية والعالمية.

ثانياً، تحول اقتصادي إلى نمو مستدام ومشاركة أوسع في فوائده.

ثالثاً، تحول في الموارد إلى الاعتماد على «دخل» الطبيعة وعدم استنزاف «رأسمالها».

رابعاً، تحول ديموغرافي إلى استقرار سكاني في المنطقة.

سيكون من الضروري أن تبذل الحكومات والشركات وأصحاب الأعمال والاختصاص جهوداً حثيثة وجماعية لتعزيز هذه التحولات وغيرها إلى اقتصاد أخضر. ويصف تقرير «أفد» بوضوح عوامل الخطر على المنطقة وسكانها، داعياً إلى الاهتمام بفوائد العمل الاقتصادي والبيئي والاجتماعي والسياسي. وسوف يحتاج هذا العمل إلى قيادة على أرفع المستويات في الحكومات والشركات. إن الرؤى الكبرى والخطابات البليغة وحدها لا تؤدي إلى الغاية، فالرؤية من دون خطط والخطط من دون فعل لا تحقق الكثير.

وكما أشارت تقارير «أفد» السابقة، فإن بطء التقدم في تحسين نوعية البيئة وفي السعي إلى تحقيق تنمية مستدامة في غالبية البلدان العربية متجذر في الاخفاقات السياسية والمؤسسية المقرونة بانعدام الوعي الجماهيري وضعف القاعدة المعرفية.

إن الحاجة إلى بناء المعرفة وتبادلها والتصرف وفق مضامينها هي أولوية رئيسية لجميع البلدان. وتتخلف البلدان العربية، كمجموعة، عن مناطق العالم الأخرى في بناء مجتمع معرفي. كذلك، في مجالات التعليم والتدريب، والأبحاث العلمية، والابتكار التكنولوجي، والأعمال التي توجههـا المعرفـة، تتخلف المنطقة عن بلـدان ذات مستويات مماثلة من التنمية. وإذ تمضي مناطق أخرى قدماً، على البلدان العربية أن تخلق، وفق البنك الدولي، أكثر من 80 مليون وظيفة خلال الخمس عشرة سنة المقبلة لمجاراة النمو السكاني، فضلاً عن التصدي للبطالـة المزمنـة. وعلى المنطقة أن تقوي قدرتها العلمية والتكنولوجية وتعزز الامكانات المعرفية والخلاقة لسكانهـا، للمنافسـة بفاعلية في الاقتصاد العالمي وتجنب الاضطرابات. ولمجتمع الأعمال هنا دور هام يؤديـه كجـزء رئيسي من مسؤوليته الاجتماعية.

أخيراً، تواجه الاقتصادات العربية عدداً من التحديات وخياراً بين مستقبلين. فمستقبل الاقتصاد البني يعد بنمو قصير الأجل في الناتج المحلي الاجمالي، مع الاستمرار في تقليص قيمة «أسهم» رأس المال الاجتماعي والبيئي. أما مستقبل الاقتصاد الأخضر فيوفر إمكانية تحفيز التنمية الاقتصادية مع ضمان تحسين الأوضاع الاجتماعية والبيئية. ويشير تقرير «أفـد» إلى الحجـج المتعلقـة بالأسباب التي توجب على الحكومات العربية الاستثمار في مستقبل اقتصاد أخضر. وإذا تساوت الأمور، فإن مستقبل اقتصاد أخضر يوفر الظروف لاستقرار اجتماعي واستدامة بيئية وازدهار اقتصادي.

الدكتور محمد العشري نائب رئيس مجلس أمناء المنتدى العربي للبيئة والتنمية، وهو زميل رئيسي في مؤسسة الأمم المتحدة ونائب الرئيس الأعلى لمعهد الموارد العالمي والرئيس التنفيذي السابق لمرفق البيئة العالمي. وهو قدم هذه الكلمة في مؤتمر المنتدى العربي للبيئة والتنمية حول الاقتصاد الأخضر في عالم عربي متغير.

 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.