Thursday 21 Nov 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
موضوع الغلاف
 
عماد فرحات مياه العالم لن تكفي  
أذار (مارس) 2003 / عدد 60
 سكان العالم الذين يناهز عددهم 6,1 بلايين نسمة يستغلّون نحو 54 في المئة من كل المياه العذبة التي توفرها الانهار والبحيرات والخزانات الجوفية. واذا واصل الاستغلال البشري ارتفاعه بالمعدل الحالي، فقد يستأثر سنة 2025 بأكثر من 90 في المئة من كل المياه العذبة المتوافرة، تاركاً 10 في المئة فقط لبقية الأنواع الحية كلها. وعندئذ، أيضاً، سيعيش ثلثا سكان العالم في عوز مائي خطير.
لقد أعلنت 2003 السنة الدولية للمياه العذبة. ويحتفل في 22 آذار (مارس) الجاري باليوم العالمي للمياه. وفي ما يأتي أبرز المعلومات المتوافرة حول وضع موارد المياه العالمية.
تستهلك الزراعة 69 في المئة من المياه العذبة التي تسحب سنوياً حول العالم، فيما وتبلغ حصة الصناعة 23 في المئة، والاستهلاك المنزلي 8 في المئة. وهذه المعدلات العالمية تختلف كثيراً باختلاف المناطق. ففي أفريقيا، مثلاً، تستأثر الزراعة بـ88 في المئة من كل المياه المسحوبة، بينما تبلغ حصة الاستهلاك المنزلي 7 في المئة، والصناعة 5 في المئة. أما فـي أوروبا، فتستخدم غالبية المياه فـي الصناعة (54 في المئة)، فيما تبلغ حصة الزراعة 33 في المئة، والاستهلاك المنزلي 13 في المئة.
الضخ المفرط للمياه الجوفية من قبل المزارعين يتعدى قدرتها على التجدد الطبيعي بما لا يقل عن 160 بليون متر مكعب في السنة. ويحتاج انتاج المحاصيل الى كميات ضخمة من المياه. فانتاج كيلوغرام من الأرز يحتاج الى ما بين متر وثلاثة امتار مكعبة من المياه، وانتاج طن من الحبوب يحتاج الى 1000 طن من المياه.
لقد ازدادت الأراضي المستخدمة في الزراعة بنسبة 12 في المئة منذ ستينات القرن الماضي، فبلغت حوالى 1,5 بليون هكتار. وتقدر السحوبات المائية العالمية من أجل الري بحوالى 2000 ـ 2555 كيلومتراً مكعباً في السنة. وتستحوذ المراعي وزراعة المحاصيل على 37 في المئة من مساحة برّ الأرض.
تفيد منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) أن سوء التصريف والممارسات الزراعية الخاطئة جعلت نحو 10 في المئة من الأراضي المروية في العالم، أي نحو 30 مليون هكتار من أصل 255 مليوناً، مملحة أو مشبعة بالماء وتهدد هذه المشكلة 80 مليون هكتار أخرى.
الزراعة مسؤولة عن معظم الاستنزاف الذي أصاب المياه الجوفية، وعن 70 في المئة من تلوثها. والاستنزاف السنوي للمياه في الهند والصين والولايات المتحدة وشمال افريقيا وشبه الجزيرة العربية مجتمعة يبلغ نحو 160 بليون متر مكعب في السنة، ما يعادل ضعفي الدفق السنوي لنهر النيل.
الصناعة: تلويث خطر
تشكل السحوبات المائية من أجل الصناعة 23 في المئة من مجمل الاستهلاك العالمي للمياه. ويتوقع أن ترتفع 752 كيلومتراً مكعباً عام 1995 الى نحو 1170 كيلومتراً مكعباً سنة 2025، حين يمثل العنصر الصناعي حوالى 24 في المئة من مجمل المياه العذبة المسحوبة. ويتراكم في مصادر المياه كل سنة 300 ـ 500 مليون طن من المعادن الثقيلة والمذيبات والوحول السامة والنفايات الصناعية الأخرى.
والصناعات القائمة على مواد أولية عضوية هي أكبر مصادر الملوثات العضوية. وأكثرها تلويثاً قطاع صناعة المواد الغذائية، الذي ينتج 40 في المئة من هذه الملوثات في البلدان الغنية و54 في المئة في البلدان الفقيرة. وتنتج الولايات المتحدة والبلدان الصناعية الأخرى أكثر من 80 في المئة من مجمل النفايات الخطرة. وفي البلدان النامية، يصب 70 في المئة من النفايات الصناعية السائلة من دون معالجة في الأنهار والتجمعات المائية فتلوثها.
سدود للري وانتاج الكهرباء
الطلب العالمي على الطاقة، خصوصاً لتوليد الكهرباء، سيزداد كثيراً خلال القرن الحالي، ليس بسبب الضغوط السكانية فقط، وانما أيضاً بسبب تحسن مستويات المعيشة والتمدد المدني والصناعي وازدياد فرص العمل. والموارد المائية هي المصدر الأهم والأكثر شيوعاً للطاقة المتجددة، اذ تمثل 19 في المئة من مجمل انتاج الكهرباء. وعلى الصعيد العالمي، هناك حالياً نحو 45 ألف سد كبير تنتج الكهرباء. وكندا هي أكبر منتج للطاقة الكهرمائية، تليها الولايات المتحدة والبرازيل.
لكن هذه السدود، التي تبنى لتوليد الطاقة الكهرمائية وتوفير مياه الري وتنظيم جريان الأنهار منعاً للفيضانات وتأثيرات موجات الجفاف، لها في المقابل أضرار بيئية. فهي أغرقت أكثر من 400 ألف كيلومتر مربع من الأراضي الأكثر انتاجية. وبات خُمس أسماك المياه العذبة في العالم بين منقرض ومهدد بالانقراض. وأرغمت السدود ما بين 40 و80 مليون شخص على النزوح الى أراض أخرى هي غالباً أقل انتاجية.
أظهرت دراسة حديثة أجرتها الهيئة الدولية للسدود ايجابيات وسلبيات للسدود، خصوصاً الكبيرة. فهي، من جهة، توفر طاقة كهرمائية رخيصة في 140 بلداً. وتستأثر عالمياً بـ19 في المئة من توليد الكهرباء، وتساهم بنحو 16 في المئة من انتاج الغذاء عن طريق الري. وتستمر بعض السدود في العمل بعد 30 الى 40 سنة من بنائها، موفرة الماء والكهرباء. وتؤدي الطاقة الكهرمائية دوراً رئيسياً في تخفيض انبعاثات غازات الدفيئة الناجمة عن حرق الوقود الأحفوري، علماً أن تطوير نصف امكانات الطاقة الكهرمائية المجدية اقتصادياً في العالم يمكن أن يخفض هذه الانبعاثات نحو 13 في المئة.
من جهة أخرى، أدى بناء السدود الكبيرة الى خسارة الغابات وموائل الحياة البرية وفقدان التنوع البيولوجي المائي قبل موقع السد وبعده. وحصلت أخطاء جسيمة في تقدير التأثيرات السلبية المحتملة للسدود على السكان الذين تم اجلاؤهم. وكانت جهود المساعدة فاشلة و"تجميلية" لنحو 80 مليون مهجّر، وأعداد أخرى أكبر بكثير من الذين بقوا في الأراضي الواقعة بعد السد أسفل المجرى، وهم يعانون من الاهمال ومن تأثيرات حيوية للسدود مثل خسارة مصائد الأسماك.
الهيئة الدولية للسدود تفيد أن السدود الكبيرة قد تكون في طريقها الى الزوال. فقد ثبت أن بناء محطات صغيرة لتوليد الطاقة الكهرمائية أرخص كثيراً وتشغيلها أوفر مما قُدر سابقاً، فضلاً عن أن أضرارها البيئية أخف وطأة.
المياه والصحة
انتشار الأمراض المتعلقة بالمياه مأساة بشرية متنامية. فهي تقتل أكثر من 5 ملايين شخص كل سنة، أي عشرة أضعاف عدد ضحايا الحروب. ويعاني 2,3 بليون شخص من أمراض مرتبطة بمياه ملوثة. وحوالى 60 في المئة من وفيات الأطفال حول العالم ناجم عن أمراض مُعدية وطفيلية لمعظمها علاقة بالمياه. المياه الملوثة بنفايات بشرية أو حيوانية أو كيميائية تنقل عدداً من الأمراض، منها الكوليرا والتيفوئيد وشلل الأطفال والتهاب السحايا والتهاب الكبد والاسهال وغيرها. هذه هي أمراض المياه الوسخة، ويمكن الحؤول دون معظمها بمعالجة المياه قبل الاستعمال.
وثمة أمراض تسببها كائنات دقيقة تمضي جزءاً من دورة حياتها في المياه وجزءاً آخر تتحول فيه الى طفيليات تفتك بالانسان والحيوان. ومن هذه الأمراض دودة غينيا والدِّستوما الرئوية والبلهارسيا. وهي تنتج عن تشكيلة من الديدان المثقَّبة والشريطية والمستديرة والنسيجية، التي يشار اليها غالباً بالطفيليات الدودية، وتصيب البشر. وعلى رغم ان هذه الأمراض لا تكون عادة قاتلة، فهي تحرم الناس من العيش حياة طبيعية وتعوق قدرتهم على العمل. ويزداد انتشارها عند بناء السدود، لأن المياه الراكدة قبل موقع السد مثالية لتكاثر الحلزونيات التي هي المضيف الوسيط لأنواع كثيرة من الديدان. وعلى سبيل المثال، أسفر بناء سد أكوسومبو على بحيرة فولتا في غانا وسد أسوان العالي على النيل في مصر عن تزايد هائل في انتشار البلهارسيا.
وهناك أمراض تسببها ناقلات للجراثيم، مثل البعوض وذباب التسي التسي، تتكاثر أو تعيش في مياه ملوثة أو نظيفة أو بقربها. وهي تصيب الناس بالملاريا والحمى الصفراء وحمى الضنك وداء النوم وداء الخيطيات. والملاريا، التي هي الأكثر انتشاراً، مستوطنة في 100 بلد وتعرض نحو بليوني شخص للخطر. وفي المناطق الواقعة جنوب الصحراء الافريقية وحدها، تقدر تكاليف الملاريا بـ1,7 بليون دولار سنوياً في شكل علاج وفقدان إنتاجية. ويبدو أن هذه الأمراض في تزايد. فالناس، يكتسبون مقاومة للأدوية المضادة للملاريا، وتصبح لدى البعوض مقاومة للـ"د.د.ت." المبيد الرئيسي الذي يستعمل لمكافحتها، اضافة الى أن التغيرات البيئية تخلق مواقع تكاثر جديدة. يضاف الى ذلك نزوح السكان وتغير المناخ وتواجد موائل جديدة، مما يعني أن عدداً أقل من الناس يكتسبون مناعة طبيعية ضد هذه الأمراض.
وتزدهر أمراض أخرى، مثل التراخوما والسل، حيث تشح المياه العذبة وتسوء الخدمات الصحية. ولخدمة 5 بلايين نسمة اضافيين من سكان الأرض بحلول سنة 2050، هناك حاجة لتوفير مجارير ومرافق لمعالجة مياه الصرف تخدم 383 ألف شخص جديد يومياً. فهذه الأمراض تتفشى في جميع أنحاء العالم، ويمكن السيطرة عليها من خلال خدمات صحية أفضل، بشرط توفير إمدادات كافية من المياه العذبة النظيفة.
كادر
أمراض قاتلة سببها الماء
الاسهال
- تقتل أمراض الاسهال كل يوم نحو 6000 شخص، معظمهم أطفال دون الخامسة.
- الأطفال الذين أماتتهم أمراض الاسهال في السنوات العشر الماضية أكثر من جميع ضحايا النزاعات المسلحة منذ الحرب العالمية الثانية.
- ما يبن 1,1 و2,2 مليون وفاة بأمراض الاسهال سنوياً تنجم عن عوامل خطر في المياه والخدمات الصحية وقلة النظافة.
- باتباع تدابير النظافة البسيطة، مثل غسل اليدين بعد استعمال المرحاض أو قبل تحضير الطعام، يمكن اجتناب معظم هذه الوفيات.
البلهارسيا
- من أصل 200 مليون شخص في العالم مصابين بالدودة التي تسبب داء البلهارسيا، يعاني نحو 20 مليوناً من أعراض حادة. وما زال الداء موجوداً في 74 بلداً.
- يصاب بداء البلهارسيا كل سنة 88 مليون ولد تقل أعمارهم عن 15 سنة.
- 80 في المئة من تفشي الداء يحدث جنوب الصحراء الكبرى في افريقيا.
- تظهر الدراسات أن هذا الداء انخفض بنسبة 77 في المئة في بعض المناطق من خلال توفير نوعية أفضل من المياه والخدمات الصحية.
الملاريا
- يموت أكثر من مليون شخص بالملاريا كل سنة، 90 في المئة منهم جنوب الصحراء الافريقية.
- تسبب الملاريا أكثر من 300 مليون حالة مرض حاد كل سنة.
- تبطئ الملاريا النمو الاقتصادي في البلدان الافريقية بنسبة 1,3 في المئة سنوياً.
- النوم تحت شبكة واقية من البعوض وسيلة بسيطة وفعالة لمنع حالات كثيرة من الملاريا، خصوصاً لدى الأطفال.
كادر
ادارة المياه العربية
تمثل الندرة الطبيعية للمياه عائقاً رئيسياً للتنمية في المنطقة العربية. وهي تعود الى الظروف المناخية والهيدرولوجية، ووقوع المنطقة ضمن المناطق القاحلة وشبه القاحلة، وارتفاع درجات الحرارة ومعدلات التبخر، وشحّة الأمطار السنوية، وتعاقب موجات الجفاف في عدد كبير من بلدان المنطقة، كما لوحظ خصوصاً في السنوات الماضية.
وفق تقرير حديث أعده فريق من الباحثين في اللجنة الاقتصادية الاجتماعية لغرب آسيا (الاسكوا)، قدرت كمية الموارد المائية المتجددة والمتاحة في بلدان الأعضاء* عام 2000 بحوالى 170 بليون متر مكعب، منها نحو 151 بليوناً مياه سطحية، و19 بليوناً مياه جوفية، و10 بلايين موارد مائية غير تقليدية (مياه مدورة من الصرف الصحي والزراعي وتحلية). وفي المقابل، بلغ الطلب على المياه في العام نفسه نحو 181 بليون متر مكعب، ويتوقع أن يصل سنة 2025 الى حوالى 262 بليوناً. وهكذا نجد أن العجز المائي في العام 2000 كان حوالى 11 بليون متر مكعب، وهو ينمو بشكل مطرد. ولهذا، فان هناك حاجة الى استنباط وسائل فعالة لتقليص الطلب على المياه، الى جانب جهود البحث عن مصادر مائية إضافية.
دفعت الضغوط المائية البلدان العربية الى مراجعة استراتيجياتها وسياساتها المائية. فشهدت محاولات لترشيد استهلاك المياه والسيطرة على التلوث. الا أن تطبيق أسلوب الادارة المتكاملة للموارد المائية ما زال في مراحله المبكرة. ومن أبرز العوائق ضعف التنسيق بين مختلف القطاعات المعنية بالمياه وتضارب مصالحها، مما أعاق إدماج سياسات المياه مع التخطيط التنموي على المستوى الاقتصادي الكلي.
انصب اهتمام معظم بلدان المنطقة على تقويم مواردها المائية، حيث أجريت دراسات لتحديد كميات المياه المتاحة ونوعياتها. لكن الملاحظ أن عمليات التقويم هذه كثيراً ما تنتهي مع انتهاء تنفيذ المشروع الذي جرى التقويم في إطاره، فتأتي مبتورة أو لمرة واحدة فقط، ولا تتبعها رقابة دورية منتظمة على المخزون لرصد التغيرات الكمية والنوعية فيه والاستهلاك في الاستخدامات المختلفة. وحتى إن جرى ذلك، فان المعلومات التي تجمع كثيراً ما تظل بصورتها الخام، ولا يتم تحليلها لتستخلص منها المؤشرات أو الدلالات الاقتصادية والاجتماعية والتدابير التي يلزم إتخاذها على صعيد السياسات والخطط المائية والاقتصادية.
ويمكن تحديد القضايا المهمة التالية في ما يخص الرقابة على الموارد المائية في المنطقة: أولاً، ضعف قنوات الاتصال مع أجهزة الرقابة على الأنشطة الاقتصادية، اذ يفترض أن تكون للوزارة أو الجهة المختصة بالموارد المائية صلاحية مراجعة المشاريع قبل إحالتها الى جهة التخطيط الوطني أو جهة الترخيص لتحديد توافقها مع الخطط التنموية. ثانياً، تقتصر أنشطة الرقابة في معظم بلدان المنطقة على المشاريع والمواصفات، في حين ما زالت محدودة على كمية ونوعية موارد المياه واستهلاكها. ثالثاً، كثيراً ما تفتر الرقابة بعد ترخيص المشروع، فمعظم البلدان تشترط دراسة الأثر البيئي للمشاريع الجديدة، لكنها لا تمتلك نظماً فعالة للرقابة في مرحلة تنفيذ المشروع أو بعد بدء تشغيله. رابعاً، نقص المعدات والتجهيزات والكوادر المدربة والتمويل المطلوب للرقابة على الموارد المائية. خامساً، بيروقراطية المؤسسات المسؤولة وضعف التزام الجهات الحكومية بالنظام وتداخل اختصاصاتها وركون كل جهة الى الجهات الأخرى في القيام بالمهام المطلوبة. وأخيراً، هناك مشكلة الضعف النسبي في الرقابة على مشاريع القطاع الخاص مقارنة بالمشاريع العامة، أو العكس.
ولقد أنجزت بلدان المنطقة خطوات في مجال حماية الموارد المائية ونوعية المياه والمنظومات الايكولوجية المائية. فجرى إعداد خطط عمل وإصدار تشريعات ونظم للحماية. واعتمدت المواصفات والمعايير ودراسات الأثر البيئي كأحد شروط ترخيص المشاريع. غير أن منظومة الرقابة على البيئة عموماً، وعلى نوعية الموارد المائية خصوصاً، ما زالت بحاجة الى تعزيز التدابير الادارية والقانونية لتقوية التنفيذ.
وما زالت مشاريع مياه الشرب والصرف الصحي تحتل رأس أولويات السياسة المائية لبلدان المنطقة كافة. وقد أقرّت سياسات في هذين القطاعين (الأردن، مصر، اليمن)، كما تحسن مستوى الامداد بخدماتهما. وبوشر تطبيق سياسات سعرية لتمكين مرافق المياه من الاعتماد على مواردها، كما حدث توسع في شبكات الصرف الصحي ومحطات المعالجة، وأصدرت بعض البلدان نظم حماية لمصادر مياه الشرب (سلطنة عمان مثلاً).
وحدث توسع كبير في تحلية مياه البحر. فبلغ الانتاج في بلدان الاسكوا عام 1997 نحو 1,86 بليون متر مكعب، ما يعادل 1,2% من المياه المتجددة سنوياً للمنطقة ككل و21% من الكمية المتاحة سنوياً لدول الخليج. وتغطي المياه المحلاة 55% من الطلب في الكويت و33% في قطر والامارات و24% في البحرين و5% في السعودية و4% في عمان. وهناك خطط توسعية كبيرة قد تصل الى 30 ـ 40% من الانتاج الحالي مع سنة 2005.
وتعمل بلدان المنطقة على تنفيذ برنامج مائي للتنمية الحضرية المستدامة، استهدف توفير ما لا يقل عن 40 ليتراً يومياً من المياه الصالحة للشرب لكل فرد من سكان الحضر، وحصول ما لا يقل عن 75% من سكان الحضر على صرف صحي، وجمع وتدوير أو التخلص من المخلفات الصلبة، وتطبيق معايير ومواصفات كمية وكيفية لمياه الصرف البلدي الصناعي، حيث تقدر كمية الصرف الصحي والزراعي بحوالى 8,2 بلايين متر مكعب يستغل منها حالياً نحو 3,1 بلايين فقط.
ولزيادة رقعة الأراضي المروية، توسع استخدام نظم الري الحديثة، وقدمت بعض البلدان حوافز مغرية للمزارعين لاستخدامها. وتشهد بعض البلدان، مثل مصر، مشاريع عملاقة في هذا المجال، لعل أهمها مشروع توشكي. ويزداد استغلال مياه السيول للري في الأردن وبلدان الخليج. واعتمدت سياسات زراعية بدأت في السنوات الأخيرة تأخذ في الاعتبار الشحة الطبيعية في المياه. لكن كثيراً من الانجازات أصبحت مهددة بسبب استنزاف الموارد المائية وعدم استدامتها.
* الدول الأعضاء في اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (إسكوا) هي: الأردن، الامارات، البحرين، السعودية، سورية، العراق، عُمان، فلسطين، قطر، الكويت، لبنان، مصر، اليمن.
 
مدن خضراء
ترويها مياه الصرف
 
بينما تستخدم مدن كثيرة مثل أبوظبي مياه الصرف بعد معالجتها لري الحدائق داخل المدينة، يمارس نحو 800 مليون شخص حول العالم الزراعة في أراضي المدن بمياه المجاري غير المعالجة. وتروي المياه المبتذلة 20 مليون هكتار تنتج 10 في المئة من المحصول الغذائي العالمي، وهي تستعمل لري المزروعات في معظم مدن البلدان النامية. فكيف يمكن جعل هذه المياه مأمونة لانتاج المحاصيل وأقل تلويثاً للبيئة.
 
بوغوص غوكاسيان (حيدرأباد)
يسترعي انتباه زائر مدينة حيدراباد الهندية بساط أخضر من المروج والبساتين ينتشر في الوسط التجاري على جانبي نهر موسي. وما ان يدخل الحقول ويرقب عن كثب المياه التي تروي بها حتى يكتشف أنها سوداء اللون تفوح منها روائح كريهة. فالمياه المبتذلة، أو مياه الصرف، هي المصدر الرئيسي للري في هذه المنطقة، حيث يزرع نوع من العشب يسمى باراغراس، يبيعه المزارعون بسعر جيد لمربي الجواميس في المدينة، الذين بدورهم يبيعون منتجاتهم من حليب وألبان الى السكان.
استعمال المياه المبتذلة في الزراعة تقليد مارسته الأجيال منذ القدم. ويزداد الاهتمام به مع شح الموارد المائية العذبة وتضخم الطلب عليها، خصوصاً في المناطق القاحلة وشبه القاحلة. ويشكل سكان المدن نحو نصف مجموع سكان العالم الذي تجاوز الستة بلايين، ويزداد عددهم بنسبة 2 في المئة سنوياً. ومع تزايد كميات المياه المبتذلة المرافق للتوسع المُدُني السريع ونزوح سكان الأرياف، تروج حالياً مشاريع استخدامها في الزراعة داخل المدن وحولها، كبديل منخفض الكلفة لمياه الري التقليدية.
المتعارف عليه عموماً أن المياه المبتذلة المدينية هي مياه الصرف الصحي. وتتألف هذه من "مياه سوداء" تحوي البراز والبول ووحولهما، و"مياه رمادية" من المغاسل وأحواض الاستحمام، ونفايات سائلة من المؤسسات والمصانع، ومياه الأمطار والمجاري المائية.
المياه المبتذلة التي تستعمل في الزراعة تكون إما في حالتها الأصلية أو معالجة. والمياه المبتذلة غير المعالجة تروى بها المزروعات في كثير من البلدان النامية كمصدر مائي وحيد يمكن الاعتماد عليه. لكن لهذا الاستعمال مخاطره. فإضافة الى لونها المنفر ورائحتها الكريهة، تحتوي هذه المياه على أنواع كثيرة من ناقلات الأمراض، كالبكتيريا والفيروسات والطفيليات والديدان، والمعادن الثقيلة والمركبات العضوية الخطرة.
وفي بعض البلدان، حيث تسمح الأوضاع الاقتصادية، شرعت قوانين تنظم استعمال المياه المبتذلة المنزليـة. فأصبحت تخضع لمعالجة ثانوية المستوى (secondary level treatment)، وأحيـاناً ثالثية (tertiary)، قبل أن تروى بها المزروعات أو الحدائق العامة. وتفرض قيود على أنواع المحاصيل المسموح أن تروى بها، وتحدد أساليب الري الواجب اتباعها. فالخضر التي تؤكل نيئة، مثلاً، تطبق عليها شروط أكثر صرامة. والمعالجة الثانوية هي عمليات ميكانيكية أو بيولوجية يتم من خلالها تزويد البكتيريا الموجودة في المياه المبتذلة بالأوكسيجين الذي يمكنها من التكاثر والتهام المحتويات العضوية. وأثناء المعالجة الثالثية، تزال عملياً جميع المواد الجامدة والعضوية الموجودة في المياه المبتذلة. أما في البلدان الفقيرة، فقوانين تصريف المياه المبتذلة غير موجودة أو لا تطبق، وهذا يشجع على استعمالها في ري المزروعات من دون أي مراقبة، مما يسبب مشاكل بيئية وصحية لا يستهان بها.
عام 1989، وضعت منظمة الصحة العالمية خطوطاً توجيهية تتعلق بالحد الأقصى لعدد البكتيريا وبيوض الديدان الطفيلية المسموح بتواجدها في المياه المبتذلة المستعملة في الري، بهدف حماية المزارعين والمستهلكين. وبموجبها، مثلاً، يجب ألا يزيد عدد بيوض الديدان الخيطية المعوية على واحدة في الليتر، وعدد البكتيريا القولونية البرازية على 1000 في كل 100 مليليتر أثناء فترة الري. لكن هذه الخطوط التوجيهية لا تطبق بفعالية في البلدان النامية بسبب ارتفاع كلفة مرافق المعالجة.
زراعة المحاصيل الغذائية في أراضي المدن توفر فرص عمل للمزارعين ومصدراً غذائياً للعائلات الفقيرة. ففي المدن طلب متزايد على المحاصيل والمنتجات الحيوانية، ويسهل ايصالها الى الأسواق، كما تتوافر موارد "خفيّة" مثل الأراضي غير المستغلّة والعمالة الرخيصة. ويستخدم المزارعون المياه المبتذلة غير المعالجة لري تشكيلة كبيرة من المحاصيل والاعلاف وتربية حيوانات مثل الأرانب والمواشي والأسماك.
وتستخدم المياه المبتذلة في الزراعة المدينية بثلاثة أشكال: استعمال مباشر من دون معالجة، واستعمال غير مباشر من دون معالجة أيضاً حيث تسحب من نهر أو مجرى شديد التلوث يمر عبر مناطق مدينية، واستعمال مباشر بعد المعالجة.
زراعة النفايات في الهند
يزيد عدد سكان الهند حالياً على بليون نسمة، ويشكل سكان المدن حوالى 37 في المئة من المجموع. وفي المناطق التي تعاني من شح، يعتبر استعمال المياه المبتذلة الخيار الأوحد للمزارعين، لأنها المصدر الدائم الوحيد للمياه في جوار المدن. ولها أيضاً أفضلية على المياه العذبة لأنها تحتوي على مغذيات. والري بالمياه المبتذلة مقبول اجتماعياً ومجد اقتصادياً وسهل تقنياً.
حيدراباد وسكوندراباد مدينتان توأمان في الهند، تمتدان على رقعة من الأرض مساحتها 500 كيلومتر مربع، ويبلغ عدد سكانهما ستة ملايين نسمة. ومياه المجاري الناتجة عنهما تصب مباشرة في نهر موسي، الذي بات بؤرة تجري فيها مياه سوداء وتنبعث منها رائحة كريهة. ويستعمل المزارعون هذه المياه لري المحاصيل على ضفتي النهر، في المدينتين وضواحيهما والمناطق الريفية التي يمر فيها النهر.
وفي حيدراباد يستغل المزارعون غير الملاّكين أراضي عائدة للدولة على الضفاف. والمحصول الاقتصادي الرئيسي الذي يجنونه هو عشب الباراغراس الذي يباع الى مربي الجواميس الحلوبة في المدينة. وقد نظم المزارعون عملهم وأنشأوا سوقاً لتصريف العشب، حيث تباع كل حزمة من خمسة كيلوغرامات بسعر 0,04 ـ 0,08 دولار. في أوائل التسعينات كان الأرز يزرع على ضفتي النهر الذي كان أقل تلوثاً. وعندما ازداد التلوث وانخفض محصول الأرز انتقل المزارعون الى الباراغراس الذي ينمو ويزدهر حين يروى بمياه الصرف. وفي العام 2002، كان 80 في المئة من الأراضي المروية بالمياه المبتذلة يستغلّ لانتاج هذا العشب، في مقابل 20 في المئة لانتاج الخضر والفواكه.
وعلى بعد حوالى 10 كيلومترات من المدينة أقيم سد احتجز مياه النهر، حيث يتم تحويل المياه المبتذلة الى الأراضي التي يزرع فيها العشب. والمياه هنا أصبحت سوداء اللون لا تعيش فيها الأسماك لشدة تلوثها، وتعبق في الأجواء رائحة كريهة.
لكن في منطقة ريفية تبعد عن حيدراباد حوالى 60 كيلومتراً، أصبحت مياه نهر موسي التي تفيض عن السد نظيفة نسبياً بفعل عوامل التنقية الطبيعية، من شمس ورياح ونباتات وكائنات دقيقة. ويزرع القرويون في هذه المنطقة ثلاثة محاصيل من الأرز كل سنة. وقد هبط مستوى المواد العضوية المستهلكة للأوكسيجين من 105 مليغرامات في الليتر الى 45 مليغراماً، كما تراجع الى حد كبير تعداد البكتيريا القولونية وتركيزات المعادن الثقيلة. وتمتد على ضفتي النهر، في المدينة وضواحيها والأرياف، حوالى 40 ألف هكتار من الأراضي التي ترويها المياه المبتذلة، ويعتمد نحو 40 ألف شخص على مدخول الباراغراس الذي تنتجه هذه المروج.
الوضع مختلف في مدينة كالكوتا في شرق الهند التي يسكنها 13 مليون نسمة، حيث تستخدم النفايات والمياه المبتذلة في إنتاج المحاصيل. هنا تمارس زراعة مكبات النفايات منذ زمن بعيد، حتى باتت مصدراً رئيسياً لإمداد سكان المدينة بالخضر الطازجة والمنتجات الزراعية الأخرى. وتؤمن هذه الزراعة العمل لكثير من المزارعين الفقراء، بمن فيهم النساء. وأراضي المنطقة القريبة من المدينة والتي تبلغ مساحتها 3500 هكتار تضم خليطاً مذهلاً من الأنشطة، من برك لتربية الأسماك المأكولة والزينية التي تتغذى على المياه المبتذلة بعد تنقيتها جزئياً بفعل العوامل الطبيعية، الى مزارع انتاج الخضر والأزهار وتربية الأرانب. ويعمل نحو 600 ألف شخص في أنشطة لها علاقة بزراعة النفايات في المدينة، معرضين أنفسهم لأمراض متنوعة بسبب احتكاكهم بالمياه المبتذلة والأوضاع المعيشية السيئة.
أمثلة من العالم
في معظم مدن وبلدات باكستان حيث تتوافر شبكات الصرف الصحي، تستعمل المياه المبتذلة مباشرة في ري المزروعات، على رغم أن الفقهاء المسلمين في البلاد سمحوا فقط باستعمال المياه المبتذلة المعالجة في الزراعة. والمحاصيل الأكثر انتشاراً هي الخضر والحبوب والعلف والأسماك. ويشتري نصف المزارعين المياه المبتذلة من البلديات، وهم يقبلون على استعمالها لأنها غنية بالمغذيات، وكثيراً ما تكون أقل ملوحة من المياه الجوفية المتوافرة، كما أنهم يحققون دخلاً أعلى باستعمالها. وقد أظهرت أبحاث أجريت في بلدة هاروناباد انتشاراً واسع النطاق لأمراض الاسهال وعدوى دودة الأنسيلوستوما بين المزراعين والعمال في الحقول التي تروى بمياه مبتذلة. ومن المفارقات أنه لم يعثر على بيوض ديدان معوية في المياه التي غسلت بها الخضر المزروعة في هذه الحقول.
أما في السنغال، فالمصدران الرئيسيان لري المزروعات المدينية هما الآبار الضحلة المحفورة يدوياً والتي تحتوي على نسبة عالية من الملوحة، والمياه المبتذلة غير المعالجة. وتنتج العاصمة دكار يومياً حوالى 180 ألف متر مكعب من المياه المبتذلة المنزلية، يذهب 40 في المئة منها الى شبكة الصرف، لكن لا يعالج الا 6 في المئة من المجموع. ويمزج المزارعون المياه المبتذلة مع مياه الآبار المالحة ويروون بها المزروعات، فيجنون محاصيل أوفر، رغم الحظر المفروض على استعمال مياه الصرف غير المعالجة. فالخس، مثلاً، يزرع ثماني مرات في السنة باستعمال المياه المبتذلة، بينما لا يمكن زراعته أكثر من ست مرات باستعمال المصادر المائية التقليدية. وقد تبين أن الخس الذي يروى بالمياه المبتذلة يكون أقل عرضة للآفات، لكن المزارعين أنفسهم يعانون من أضرار صحية. والسبب هو طريقة الري بواسطة الدلاء مما يعرضهم للجراثيم والطفيليات. وعلى رغم استيطان الملاريا في المناطق المدينية، حيث يتكاثر البعوض الناقل للمرض، فقد أظهرت الأبحاث أن أياً من المزارعين الذين يسقون بالمياه المبتذلة غير المعالجة لم يصب بعدوى، ربما لأن هذه المياه تحتوي على نسبة عالية من الملوثات فلا تستطيع يرقات البعوض العيش فيها.
وتوفر زراعة الخضر بالمياه المبتذلة فرص عمل ونشاطاً اقتصادياً لا يستهان به في مدن غانا. ولا يصل الا جزء بسيط من هذه المياه الى محطات التكرير التي غالباً ما تبقى متوقفة عن العمل. ولو تم استعمال 10 في المئة فقط من المياه المبتذلة في الزراعة المدينية، لروت حوالى 12 ألف هكتار ووفرت عملاً لخمسة آلاف شخص. ومزارعو الخضر الذين يستثمرون أراضي صغيرة في المدن يزيد دخلهم ثلاثة أضعاف عن مزارعي الأرياف الذين يعتمدون على الاستعمال المكثف للسماد الحيواني ومياه الري التقليدية. لكنهم يسقون مزروعاتهم عادة بالمياه المبتذلة مستعملين دلاء أو صفائح معدنية، مما يلوث أوراق الخضر.
وتروي المياه المبتذلة نصف مليون هكتار في المكسيك. وينص قانون صدر عام 1996 على أن الأعلاف والحبوب والفواكه والخضر والأعشاب يمكن أن تروى بمياه مبتذلة شرط الا تستهلك نيئة. ومع ذلك تروى بها مزروعات تؤكل نيئة مثل الفول السوداني (الفستق) والبصل والثوم. وتشكل الفصة المحصول الرئيسي وتستهلك 70 في المئة من المياه المبتذلة المعالجة، التي تروى بها أيضاً الفليفلة الحارة (تشيلي) كمحصول مربح.
وتستعمل 28 مدينة من أصل 30 مدينة في فيتنام المياه المبتذلة في الزراعة وتربية الأسماك. وقد درجت فيتنام منذ قرون على استعمال النفايات الآدمية في هذين القطاعين. وفي العاصمة هانوي ومدن أخرى في دلتا النهر الأحمر برك طبيعية تجمع فيها المياه المبتذلة ومياه المطر، وتستخدم لتربية الأسماك والري. وفيما يندر وجود مرافق معالجة تقليدية، توفر هذه البرك شيئاً من التنقية الطبيعية للمياه المبتذلة.
الري بمياه الصرف في المنطقة العربية
في الأردن، يشترط أن تكون المياه المبتذلة معالجة قبل استعمالها في الزراعة. وقد شكلت 12 في المئة من موارد الري عام 1998، ووضعت الحكومة مقاييس لها. ويشجع الري بالمياه الرمادية المعالجة في الأرياف، وكوسيلة للتخفيف من وطأة الفقر في المدن.
وفي الأراضي الفلسطينية، تستعمل المياه المبتذلة في الزراعة تقليدياً. والاتجاه الحالي هو استعمالها بعد معالجتها. وقد أظهرت تحاليل مخبرية حديثة سلامة محاصيل مثل التفاح والعنب والخوخ والباذنجان والفليفلة، تروى بمياه مبتذلة عولجت على المستوى الثانوي من أجل الاستهلاك الآدمي. وأفادت احدى الدراسات أن المزارعين على استعداد لكي يدفعوا 0,24 دولار مقابل كل متر مكعب من مياه الصرف المعالجة، وأن 67 في المئة من المستهلكين لا يمانعون استهلاك محاصيل تروى بها. ويشجَّع على معالجة المياه الرمادية واعادة استعمالها.
وفي لبنان، أفيد أن مزارعين في بعض المناطق يسقون بمياه مجارير غير معالجة. وينفذ منذ منتصف 2002 مشروع بحثي حول معالجة المياه الرمادية واعادة استعمالها.
وفي المملكة العربية السعودية، لا يوجد مانع من الناحية الشرعية يحول دون استعمال المياه المبتذلة، ما دامت تعالج على المستوى الثالثي (الأعلى) ولا تمثل خطراً على الصحة. وقد أصدر مجلس كبار العلماء المسلمين فتوى خاصة في هذا الشأن عام 1978. والمياه المبتذلة التي تعالج وفق مقاييس منظمة الصحة العالمية التي صدرت عام 1989 يسمح باستعمالها في ري الأشجار المثمرة والمراعي والنباتات العلفية. ونتيجة الفتوى، ازداد استعمال المياه المبتذلة المعالجة في السعودية، وفي العام 1995 استخدم 15 في المئة من هذه المياه في ري النخيل والأعلاف.
ويروى 1700 هكتار من الأراضي الزراعية في الكويت بمياه مبتذلة معالجة، تمشياً مع مقاييس منظمة الصحة العالمية. ومن المحاصيل التي تروى بها البصل والثوم والباذنجان والفليفلة والأعلاف.
وفي الامارات العربية المتحدة، تعالج جميع المياه المبتذلة حتى المستوى الثانوي، ومن ثم تستعمل لري الأشجار بواسطة أنظمة التنقيط. وتنتشر حدائق عامة جميلة في أنحاء الامارات تروى بهذه المياه.
وتنتج تونس سنوياً حوالى 150 مليون متر مكعب من المياه المبتذلة، 88 في المئة منها من مصادر منزلية. وتروي هذه المياه 6500 هكتار من الأراضي الزراعية، أي نحو 2 في المئة من مجموع الأراضي المروية. كما تروى بها ملاعب الغولف والحدائق العامة والمسطحات الخضراء في المدن والنباتات العلفية وسواها. وتمارس هذه الطريقة منذ ستينات القرن الماضي، لكن منذ دعمت الحكومة سعر المياه العذبة، فضل المزارعون استعمالها لانتاج المحاصيل بدلاً من المياه المبتذلة المعالجة التي تحتوي على نسبة عالية من الملوحة.
وبالمقارنة، تأتي اسرائيل في الطليعة من حيث استعمال المياه المبتذلة، التي يخطط لها أن تلبي 70 في المئة من مجمل الطلب الزراعي على المياه سنة 2040.
تدابير السلامة
استعمال المياه المبتذلة في الزراعة تقليد يمارس على نطاق واسع حول العالم في المدن والأراضي القريبة منها، لما تحتويه من عناصر مغذية تزيد غلة المحاصيل وتقلل الحاجة الى الأسمدة والمياه العذبة. لكن ما مدى سلامة استعمال هذه المياه وما درجة المعالجة التي تحتاج اليها؟
الخيار المثالي هو توفير معالجة للمياه المبتذلة على المستوى الثانوي، وهذا ما لا طاقة لمعظم البلدان النامية على تحمل تكاليفه. لكن من المهم وضع وتطبيق قوانين تضمن الاشراف على استعمال المياه المبتذلة واعتماد طرق معالجة مناسبة قليلة الكلفة. وهناك أيضاً حاجة الى حماية المزارعين والمستهلكين من الأمراض التي تنقلها هذه المياه.
الخطوة الأولى في هذا السياق هي اجراء تقييم عملي في كل بلد. وهذا يعني، مثلاً، تحديد نظام الري الأكثر فعالية، وأصناف المحاصيل الأنسب للري بالمياه المبتذلة وتلك التي ينبغي اجتنابها. هذا التقييم ينتج أفكاراً ومفاهيم تساعد صانعي السياسة والمخططين على اتخاذ قرارات صائبة مبنية على واقع استعمال المياه المبتذلة، مما يتيح توازناً بين حاجات المزارعين الصغار ونظافة البيئة وصحة المستهلكين.
كادر
فوائد وأخطار الري بالمياه المبتذلة
ايجابيات
- يمنع التلوث المباشر للأنهار والقنوات والتجمعات المائية السطحية.
- يوفر المياه العذبة لاستعمالات أخرى.
- يغني الزرع بالمغذيات مقللاً الحاجة الى أسمدة اصطناعية.
- يزيد إنتاجية المحاصيل بأكلاف منخفضة.
- طريقة رخيصة للتخلص من المياه البلدية المبتذلة وتوفير مصدر مائي موثوق للمزارعين.
- غالباً ما تكون المياه المبتذلة المصدر الوحيد المتاح للري وتأمين معيشة الفقراء.
سلبيات
- أخطار صحية على المزارعين والسكان ومستهلكي المزروعات.
- تلوث المياه السطحية والمياه الجوفية، خاصة التي تستعمل للشرب.
- تراكم الملوثات الكيميائية في التربة، ولا سيما المعادن الثقيلة.
- توفير موائل لناقلات الأمراض، كالبعوض والديدان.
كادر
اجتماع خبراء في حيدراباد
في تشرين الثاني (نوفمبر) 2002، نظم المعهد الدولي لادارة المياه المبتذلة (IWMI) والمركز الدولي لأبحاث التنمية (IDRC) اجتماعاً للخبراء حول استعمال المياه المبتذلة في الزراعة المروية وما يترتب عليها من ظروف معيشية وبيئية، في مدينة حيدراباد في الهند. فقدم 45 خبيراً من 27 مؤسسة وطنية ودولية تجاربهم في ادارة المياه المبتذلة في 18 بلداً. وتبادلوا نتائج الأبحاث وعرضوا دراسات حالات نموذجية. وقدم مندوبون من فلسطين والأردن ولبنان نتائج أبحاثهم المتصلة بمشاريع معالجة المياه الرمادية واعادة استعمالها التي يمولها المركز الدولي لأبحاث التنمية. ونظمت زيارة ميدانية الى المناطق المروية بالمياه المبتذلة على مجرى نهر موسي، كشفت حجم وإلحاح المشكلة. وفي نهاية الاجتماع صيغ "إعلان حيدراباد" حول سبل استعمال المياه المبتذلة في الزراعة من دون المساس بالصحة والبيئة، وأرسل الى صانعي القرار والجهات الرسمية في العالم.
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.