Saturday 23 Nov 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
مقالات
 
سيدني – "البيئة والتنمية" الأبوريجينز في اوستراليا  
شباط (فبراير) 2003 / عدد 59
سكان اوستراليا الأصليون تعرضوا للابادة على أيدي المستوطنين الاوروبيين. واعتبرهم علماء الانثروبولوجيا نماذج حية لـ"الانسان الأول". ومع أن معاناتهم لم تنتهِ حتى اليوم، فما زال بعضهم محافظاً على تقاليد الأسلاف
 عندما وطئ المستكشفون الأوروبيون شاطئ "تيرا اوستراليس" (الأرض الجنوبية) في القرن السابع عشر، وجدوا سكاناً أصليين اعتبروهم "متوحشين" و"برابرة". فهم داكنو البشرة جعد الشعر كالأفارقة الذين يعيشون الى جنوب الصحراء الكبرى، يرتدون ما قل من الثياب، ويستخدمون أساليب بدائية في معيشتهم، حتى انهم كانوا يجهلون استعمال القوس والنشاب. ومنذ أقام المهاجرون الانكليز أول مستوطنة لهم في خليج بوتاني عام 1788، اعتبر السكان الأصليون، أو الأبوريجينز (aborigines)، عائقاً أمام الحضارة، وشعباً لا مكان له في العالم الجديد الذي أخذ المستعمرون يشكلونه. وحاول البعض إبادتهم باطلاق النار عليهم وبتسميم الآبار وبكل وسيلة أخرى متاحة، في حين اكتفى آخرون بابعادهم لعلهم يموتون تدريجياً ويختفون من تلك الأرض.
ويبدو أن الأحداث أكدت صحة هذا الافتراض. فتقديرات عدد السكان الاصليين عام 1788 راوحت بين 250 ألفاً ومليون، وفي 1996 بلغ عددهم 386 ألف نسمة فقط.
لماذا تم تهميش السكان الأصليين بهذه السرعة، وحتى ابادتهم؟ هناك عدد من الأسباب، أحدها قلة أعدادهم نسبياً. فجميعهم كانوا يعتاشون من الأرض، يجمعون النباتات ويصطادون الحيوانات. ولكن حتى في أغنى البيئات، هناك حد للكثافة العددية التي يمكن أن تعيلها المراعي، علماً أن غالبية الأراضي الاوسترالية كانت بعيدة عن الغنى. والتدني في عدد السكان الأصليين قابله تدفق كثيف للمهاجرين الأوروبيين. فخلال السنوات الثمانين الأولى من الاستيطان البريطاني، تم ارسال 160 ألف مجرم الى أوستراليا. وفي ثلاثينات القرن التاسع عشر كان يقيم في سيدني وحدها 60 ألف أوروبي. ومع تحويل الأراضي الى الاستخدام الزراعي لاعالة هذه الأعداد، لم يعد بامكانها توفير الموارد البرية التي يحتاجها السكان الأصليون للبقاء.
سبب آخر هو محدودية تكنولوجيتهم. فرمي العصي والرماح لا يضاهي طلقات الأسلحة النارية. وقد نشأت مقاومة شرسة في أماكن عدة، لكنها هزمت في النهاية. ولم يكتف الأوروبيون بمحاربة المقاتلين، وانما عمدوا أحياناً الى "اصطياد" الرجال والنساء والأطفال كرياضة.
وهناك سبب ثالث هو سرعة تأثر السكان الأصليين بالأمراض. فالأمراض المتوطنة موجودة في كل مجتمع زراعي مكثف، لكن يندر وجودها في المجتمعات الرعوية، لأن الكثافة السكانية ليست مرتفعة الى حد يكفي لدعم الكائنات الدقيقة الحاملة للأمراض. وعندما تتعرض المجتمعات الرعوية لأمراض كهذه، يمرض الجميع تقريباً، ويموت كثيرون، وعندئذ ينتهي الوباء. ولأن الكائنات الدقيقة لا تعيش ضمن مجموعة السكان، فلا تنشأ مقاومة للمرض، وفي الجيل التالي قد يسبب المرض ذاته وباء آخر. لذلك عانت الجماعات الرعوية في أوستراليا والأميركتين كثيراً من جراء الأمراض التي نقلها اليها الأوروبيون.
مأساة تسمانيا
تركز الاستيطان الأوروبي أولاً على السواحل الشرقية والجنوبية الشرقية من اوستراليا، حيث المناخ أقرب الى المناخ الأوروبي. واليوم تضم هذه المنطقة ولايات نيو ساوث ويلز وفيكتوريا وتسمانيا. وكثير من المجتمعات الأصلية التي كانت في المنطقة عام 1788 لم تخلف أي سلالات ثقافية أو بيولوجية واضحة، وهناك أمور كثيرة لن تعرف عن حضاراتها.
فُتحت الأجزاء الغربية والشمالية من القارة خلال القرن التاسع عشر، حين بدأت تتغير تصرفات المستعمرين حيال السكان الأصليين. ومع تطور علم الانسان، أو الأنثروبولوجيا، تمت دراسة هؤلاء السكان بطريقة "علمية". وكان انقراضهم النهائي ما زال مفترضاً، لكن كان يعتقد أن توثيق عاداتهم وتقاليدهم جدير بالاهتمام.
وكما ركز علماء الانسان في أميركا الشمالية على الأميركيين الأصليين في غرب الولايات المتحدة، جازف العلماء البريطانيون بالوصول الى أطراف امبراطوريتهم الاستعمارية. وكان أول أنثروبولوجي يجري أبحاثاً ميدانية مكثفة في أوستراليا السير و. بالدوين سبنسر، أستاذ علم الاحياء في جامعة ملبورن. وبالتعاون مع ف. غيلن، نظم عدة بعثات عبر أوستراليا الوسطى والغربية والشمالية بين 1894 و1912. وتبعه كثير من الباحثين البريطانيين والأوستراليين. وركزت بعض الدراسات المبكرة على الثقافة المادية، كالأدوات التي انتجها السكان الأصليون واستعملوها. وشددت دراسات أخرى على القرابة، فوثقت أنماط الزواج والقرابة المعقدة التي كانت تختلف كثيراً عن أي شيء شاهده الباحثون الأوروبيون من قبل.
لقد فُتن كثير من علماء الانسان الأوائل بالسكان الأصليين، لاعتقادهم أنهم يفتحون نافذة على ما كانه "الانسان البدائي" جسدياً وثقافياً. فقد بدوا "أقل تطوراً" من الأوروبيين، لأن ملامحهم بدت شبيهة بملامح القرود، ولأن حضارتهم كانت من أبسط أشكال الحضارات المادية في العالم.
وحظي باهتمام خاص سكان جزيرة تسمانيا، أو أرض فان ديمن، التي يفصلها عن الطرف الجنوبي الشرقي للقارة الأوسترالية نحو 200 كيلومتر من مياه المحيط الهادئ. فقد كانت حضارتهم المادية أبسط حتى من حضارة أبناء عمومتهم في البر الأوسترالي. ويعتقد الآن أن ذلك يعود الى عزلتهم شبه التامة عن البر نتيجة ارتفاع مستويات البحار قرابة العام 8000 قبل الميلاد. لكن بالنسبة الى المستعمرين في القرن التاسع عشر، شكل ذلك دليلاً على وضعهم ما دون البشري. وعندما بدأ علماء الانسان يدرسون السكان الأصليين، لم يكن قد تبقى من التسمانيين أحد تقريباً. ويعتقد أن تسمانيا كانت تضم نحو 5000 نسمة عام 1788. وفي 1830 نظم نائب الحاكم حملة في الجزيرة لتجميع السكان الأصليين المتبقين، فألقي القبض على اثنين، وقتل آخران رمياً بالرصاص. وبعد 60 سنة، بذل العلماء جهداً كبيراً للتأكد من احتمال نجاة أي تسماني، متجادلين حول سلالات العجائز الأحياء ومتأسفين على موت كل واحد منهم.
الواقع أن بساطة الحضارة المادية لسكان اوستراليا تناقض تعقيد حياتهم الاجتماعية. فقد كان لدى كثير من الجماعات، خصوصاً تلك التي عاشت في بيئات أكثر قحلاً، أواصر نسب وزواج معقدة جداً، مما ساعد على تواصل ذلك الشعب بعضه ببعض عبر مناطق شاسعة. وما زالت جماعات كثيرة تحافظ على تقاليد شعائرية رسمت التاريخ الأسطوري لـ"زمن الأحلام"، أي زمن الخلق حسب الميثولوجيا الأوسترالية، في المعالم الجغرافية المحلية، فنقلت ثروة من المعلومات حول الناس والأماكن. واليوم تعيد الجماعات الأصلية والمؤسسات الأكاديمية اكتشاف قيمة هذه الأساطير.
قبائل منعزلة
اعتبر الأوروبيون سكان اوستراليا الأصليين غالباً مجموعة واحدة متماثلة. لكن الحقيقة انهم متمايزون جداً. لقد كان هناك أكثر من 600 قبيلة أو مجموعة مميزة عام 1788، تراوح عديدها من بضع مئات الى بضعة آلاف. وهؤلاء كانوا يتكلمون أكثر من 700 لغة مختلفة، لا علاقة لأي منها بلغات محكية خارج أوستراليا. ويعتقد أن 230 لغة منها باقية اليوم. ومنذ بداية استيطان القارة قبل نحو 60 ألف سنة، يبدو أن سكاناً ولغات وعادات جديدة دخلتها من الشمال وانتشرت في أنحائها ببطء.
آنئذ كانت مستويات بحار العالم أدنى، وكانت اوستراليا متصلة بنيوغينيا لتشكل معها كتلة أرض كبيرة عرفها الجيولوجيون باسم "ساهول" (Sahul). وحتى في ذلك الحين، كان على المستوطنين الأوائل اجتياز 70 كيلومتراً على الأقل في عرض البحر، من غير أن يتمكنوا من مشاهدة البر الآخر. وهذا أقدم دليل في تاريخ البشرية على استعمال القوارب. ومنذ نحو 10 آلاف سنة، أدى ارتفاع مستويات البحار الى فصل أوستراليا عن نيوغينيا من جهة وعن تسمانيا من جهة أخرى. وكانت معرفة السكان الأصليين بعلوم البحار محدودة جداً، وظلوا في عزلة شبه تامة عن العالم الخارجي حتى القرون الأخيرة.
كان الجزء الجنوبي الشرقي من القارة، خصوصاً حوض نهر موراي، يضم أكبر عدد من السكان في مرحلة الوصول. ويشير علم الآثار الى أن هذه الجماعات كان لها تاريخ طويل ومعقد. وبقي بعضها، مثل قبيلة "يورتا يورتا"، على قيد الحياة حتى الآن، لكن جماعات كثيرة غيرها انقرضت. وما زالت الأجزاء الداخلية الشمالية والغربية، التي وصفها الأوروبيون بالـ"آوتباك" أو الريف المعزول، تؤوي عدداً محدوداً من المستوطنين الأوروبيين، مما أتاح للسكان الأصليين الحفاظ على مقدار أكبر من لغتهم وعاداتهم. أما جماعات مثل "أررنتي" أو "أراندا"، التي أقامت في بعض أجفّ مناطق العالم المأهولة بالبشر، فقدمت كثيراً من الانطباعات التي كوَّنها غير الأوستراليين عن السكان الأصليين.
الساحل الشمالي، الذي يسوده مناخ استوائي، كان يحتمل إعالة عدد أكبر من السكان، مما أدى الى تنوع لغوي أكبر. ففي حين أن غالبية اللغات المنتشرة في أوستراليا الوسطى والغربية تعود الى عائلة واحدة هي "بامار ـ نيونغان"، فان اللغات في الساحل الشمالي الأقصى والمنطقة الداخلية التي تليه مباشرة لا رابط بينها، أو هي متباعدة جداً.
وهناك جماعات مثل "تيوي" تعيش منعزلة في جزيرتي ملفيل وباثورست قبالة ساحل المنطقة الشمالية، ولها طريقة حياة مستقرة نسبياً وحضارة مادية غنية. وعلى مسافة أبعد من الساحل، كانت علاقة سكان الجزر الواقعة بين أوستراليا ونيوغينيا (مضيق تورس) بالشعوب الميلانيزية الى شمالهم أوثق من علاقتهم بالسكان الأصليين في البر الأوسترالي.
الجيل المسروق
اضطهاد السكان الأصليين لم ينته مع استقلال أوستراليا عن بريطانيا عام 1901. وكما في الولايات المتحدة وكندا، نهجت السلطات استيعاب الشعوب الأصلية في الحضارة الانكلوسكسونية. وفي ستينات القرن العشرين، تم أخذ الأبناء الذين بدت بشرتهم أفتح لوناً من أهلهم لتبنيهم وتربيتهم كالبيض، وهم الذين وصفوا بأنهم "الجيل المسروق". واختار كثير من السكان الأصليين الاندماج طوعاً، متنكرين لأي صلة بحضارة أسلافهم.
وخلال العقود الأخيرة تغير الوضع. ففي 1992، أصدرت المحكمة العليا قراراً بحق الجماعات الأصلية في الاحتفاظ بملكية الأرض اذا لم يبطله قرار شرعي من الحكومة، وفي حال حافظت على قوانينها التقليدية وروابطها بالأرض. وهذا أدى الى تقديم عدد من الدعاوى المطالبة بالأرض. كما طالب البعض بتعويضات من الحكومة عن حالات تبنيهم قسراً، أو على الأقل باعتذار عن أجيال من سوء المعاملة. لكن الحكومة رفضت ذلك، معتبرة أن الأوستراليين الحاليين لا يمكن تحميلهم مسؤولية آثام آبائهم وأجدادهم.
هذا أظهر عمق الخلاف حول معاملة السكان الأصليين من قبل الحكومة والمجتمع الأوسترالي ككل. ولا ينكر أحد أنهم أفقر كثيراً من الأوستراليين عموماً، وأقل تعلماً وصحة. وكما هي الحال في بلدان أخرى، يبقى السؤال: ما الذي يجب عمله ازاء هذا الواقع؟ ففي حين أن هناك اعترافاً قانونياً وشعبياً متنامياً بحقوق السكان الأصليين، هناك أيضاً معارضة لها. ومن السياسات الحكومية التي اعتبرها كثيرون تعسفية بنوع خاص، المحاكمات الالزامية لأفراد، وحتى مراهقين، في ولايتي الشمال والغرب، وادانتهم بمخالفات ملكية بسيطة. وتحوي هاتان الولايتان 28 في المئة من السكان الأصليين، ولكن فيها نسبة أعلى كثيراً من أولئك الذين ما زالوا يعيشون في وضع تقليدي. وبالنسبة الى أناس أمضوا معظم حياتهم في العراء، كان السجن قدراً مروعاً. ومن نتائجه نسبة عالية جداً من حالات الانتحار بين السجناء. وقد انتقدت الأمم المتحدة تلك القوانين، كما انتقدها وزراء في الحكومة.
الألعاب الأولمبية الصيفية التي أقيمت في اوستراليا عام 2000 حملت بعض التقدير لحضارة السكان الأصليين في حفلات الافتتاح، وتخللتها احتجاجات محدودة من هؤلاء في الخارج. وقامت العداءة الأبوريجينية كاثي فريمان، التي اختارت أن تحمل علم السكان الأصليين بدلاً من العلم الوطني في بعض الاجتماعات، بايقاد الشعلة الاولمبية، لعل هذا الحدث العالمي يفتح للسكان الأصليين نافذة على المستقبل.
لكن يبدو أن فتح النافذة يحتاج الى الكثير. 
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
باتر محمد علي وردم (عمّان) ديمونا الارهاب النووي الاسرائيلي
سمير غبّور محمد عبدالفتاح القصّاص عالم عربي نهض بالبشرية
برلين ـ "البيئة والتنمية" مكافحة الضباب الدخاني في ألمانيا
رضا عبدالحكيم اسماعيل رضوان (القاهرة) النهر الذي كان
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.