Saturday 23 Nov 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
مقالات
 
رضا عبدالحكيم اسماعيل رضوان (القاهرة) النهر الذي كان  
شباط (فبراير) 2003 / عدد 59
 بسبب ظروف عمل أبي، أقامت الاسرة في مدينة القاهرة منذ العام 1950. وكان من منظومات الحرص على الجذور اقتطاع عدة شهور ترحل فيها الاسرة الى الريف حيث الخضرة والهدوء والبيئة النظيفة. قلت انها نظيفة، ذلك لأنها طبيعية على الفطرة، لم يتداخل فيها الانسان بصناعاته التي لا حصر لها، ومعها تأتي الملوثات بعينها التي طالما القت بظلالها المؤسفة على حال الوسط الذي نعيش فيه.
تذكرت ـ والذكرى هنا تعود الى 35 سنة منصرمة، حيث لم تكن القرية مسقط رأسي قد دخلتها بعد تقنية المياه المعالجة التي تضخ عبر نظام مؤمن لوصول المياه النقية ـ قول أمي لي أن أتوجه لاغتراف مياه من النهر، بهدف ملء خزان منزلنا الريفي المتواضع. وذلك النهر، يقول علماء قريتنا، فرع من نهر أكبر هو "نهر مويس"، المتفرع من نهر الاسماعيلية، المتفرع بدوره من النيل العظيم. وحتى أكون دقيقاً في نقل فحوى رسالة أمي اليّ، أكرر ما قالته لي بالحرف الواحد: "لا تأخذ من المياه القريبة من الشاطئ فلعلها ملوثة بالطمي والطحالب. إنهل من وسط النهر، من خلال المعدّية (القارب)، فالمياه هناك لا تشوبها شائبة".
حينما توسطت المعدّية، نظرت الى المياه، فاذا زرقة السماء قد طغت عليها. وفي أحد المواقع كدت أن أرى قاع النهر بتفصيلاته. حينئذ امتدت يدي بالمغراف، فغرفت ما شئت من المياه. وللعلم، كانت هذه المياه مخصصة للشرب.
الذي جعلني أطرح تلك الخاطرة هو ذلك الحزن البالغ على ما وصل اليه ذلك الرافد المائي... آسف، فهو كان كذلك في ما مضى. أما اليوم، فقد تبدل نبات "قرع النيل" الطافي، بالحيوانات النافقة الطافية. ويمكن للناظر أن يرى العجب العجاب. أولاً، صار النهر مستودع القمامة الرئيسي، اذ تُلقى فيه يومياً أطنان من القمامة وجميع المخلفات التي يمكن تصورها من قبل أكثر من عشرين قرية على جانبي النهر.
أشاهد المغاسل الشاطئية، والتبول في المياه، ورمي القمامة المرة تلو الأخرى. وأرى إلقاء بقايا طرش المحلات وسباخ البهائم. نعم انها قريتي وهذا نهري. وللحقيقة، شكلت ائتلافاً جماعياً مع أبناء القرية تحت رعاية جمعية التنمية القروية، وقامت حملة اعلامية وتوعوية، ومع ذلك فشلت فشلاً ذريعاً.
حقاً هناك أزمة في الاستجابة للوعي البيئي. ولكن من جهة أخرى، وهذا ما قررت الالحاح عليه في هذه السطور، فان النظام القانوني في مصر خصص قواعد فريدة تلجم التصرفات المضرة بالبيئة بمفهومها الشامل، وقرر عقوبات ضد المخالفين تتراوح بين الغرامة والحبس، وتدابير أخرى يستهدف المشرّع من ورائها الحفاظ على البيئة ضد التلوث.
أتحدث عن هذه المشكلة وأنا واقف في قلب الريف المصري، الذي فضلت العيش فيه بعد انتهاء حياة الوظيفة العامة. نعم، لقد عُدت الى قريتي، عُدت الى الطبيعة. لكن هل هي الطبيعة نفسها التي كانت قبل ثلاثة عقود؟ لا!
طبقاً لنظام الادارة المحلية المصري، يقع على عاتق الاجهزة المحلية بصفة رئيسية (مجلس القرية) اتخاذ التدابير والاجراءات الضامنة للمحافظة على البيئة. فمن خلال موظفيها تطبق أحكام قانون البيئة عن طريق تحرير محاضر المخالفات، أضف الى هذا الاعلام البيئي بتوعية المواطنين. وتدعم الشرطة الاقليمية دور الاجهزة المحلية، من خلال ضبط حالات مخالفة قانون البيئة.
معلوم أن هناك منشآت تابعة للدولة وأخرى خاصة تباشر أنشطة صناعية وانتاجية متنوعة، ومحظور عليها، طبقاً لاحكام القانون، القاء المخلفات أياً كانت في المياه. ومن مميزات القانون المصري أنه، في حالة وقوع الجريمة البيئية، حسم المشرّع المسؤولية الجنائية عن ارتكاب الخطأ بحيث يتحملها رئيس المنشأة المسؤول، حتى ان لم يكن له أي توجيه للقيام بالمخالفة، مثل تصريف النفايات المضرة. فقد أقام المشرّع مسؤوليته على اساس فكرة مجرد وقوع الفعل وحدوث الضرر، وهي مسؤولية ثابتة، وان كانت مفترضة، لا تقبل اثبات العكس. وهذا الامر يدعم بلا شك أهداف القانون والالتزام بتطبيقه، ويُفعّل الدور الرقابي لرئيس العمل.
هذا من جانب ايجابي. لكن الامر تصادفه سلبيات خطيرة. فنحن نتحدث عن الدور الرقابي لرئيس العمل. وأتساءل هنا عن مدى مسؤولية رئيس المجلس القروي حينما يعمد الموظف المسؤول عن نزح مخازن المنازل وصهاريجها ومستودعاتها المخصصة للمخلفات الآدمية، الى القاء مخزونه من النزح الملوث في نهر القرية، مع العلم أن تعليمات الحكومة المركزية، الصادرة في شأن تطبيق أحكام قانون البيئة، تلزم بالقاء هذه المخلفات داخل "بحر البقر"، وهو مصرف مشهور مخصص لذلك.
فاذا كنا نتحدث عن مسؤولية رئيس المنشأة اذا خالف مرؤوسوه القانون، فإن الحديث عن مسؤولية رئيس وأعضاء المجلس القروي عن أفعال موظفيهم يصير واجبنا من باب أولى. وأرى التدخل التشريعي بتقرير المسؤولية الشخصية ليس للموظف المخالف فحسب، بل لرئيسه المباشر أيضاً. هذا ان كنا نريد فعلاً دعم رقابة فاعلة للمحافظة على البيئة.
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
برلين ـ "البيئة والتنمية" مكافحة الضباب الدخاني في ألمانيا
حاوره رجب سعد السيد بدأ عصر الهيدرات!
وجدي رياض (القاهرة) سيارات مصر تتحول الى الغاز الطبيعي
فتيحة الشرع (غرداية) فلاحون يستنبتون أرض الأجداد
رضا عبدالحكيم اسماعيل رضوان (القاهرة) النهر الذي كان
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.