الخلل في القانون كظاهرة يمثل أحد المشكلات المعقدة الملازمة لعملية تطور نظرية القانون وفروعه المختلفة. بلا شك، لا يمكن أن يكون القانون خالياً من النواقص والثغرات، خاصة اذا ما أدركنا تأثير المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية على آلية التنفيذ القانوني. وفي سبيل أن تنأى الأنظمة القانونية عن الخلل، من الطبيعي أن تتم دراسة شاملة مستمرة لطبيعة تلك التحولات، ووضع مصلحة الشعوب والأمم فوق المصالح الأخرى.
ان موضوع الخلل في القانون البيئي، تحديداً يعتبر قضية معقدة وشائكة، ويمثل احدى المعادلات الصعبة في العلاقات الدولية، لارتباطه الفعلي بمصالح الدول. وأن قراءة سريعة لتاريخ العلاقات الدولية. والقانون الخاص بتنظيم علاقات الدول في مجال نشاطاتها الاقتصادية والعسكرية المؤثرة في البيئة والانسان، يعاني من ثغرات بارزة نتيجة الاستثناءات. فالسفن الحربية والتجارية التابعة للملاحة الوطنية لا تطبق عليها قواعد العديد من الاتفاقيات الدولية. ويمكن الاشارة على سبيل المثال لا الحصر الى المادة الثانية من اتفاقية التدخل في أعالي البحار لسنة 1969، والمادة الحادية عشرة من اتفاقية المسؤولية المدنية لعام 1969، وكذلك المادة الثالثة من اتفاقية لندن لسنة 1973، الى جانب المادة الرابعة عشرة من اتفاقية الكويت الاقليمية لحماية البيئة البحرية والمناطق الساحلية لعام 1978، التي "تستثني من تطبيق أحكامها السفن الحربية أو غيرها من السفن التي تمتلكها أو تقوم بتشغيلها الدول المتعاقدة في الاتفاقية".
كما أن الاتفاقيات الدولية الخاصة بحماية البيئة تعاني من محدودية قواعدها ومبادئها القانونية، وضعف القواعد الخاصة بالمسؤولية وإصلاح الضرر، الى جانب البطء في تطبيق قواعد القانون البيئي وعدم دخول مقتضيات الاتفاقية حيز التنفيذ نتيجة مصالح الدول الكبرى.
إن الحقائق السابقة الذكر تتسبب بشكل فعلي في إحداث الفجوات الكبيرة والخلل العميق في عملية تنفيذ مبادئ حماية البيئة، حيث يعطي ذلك مجالاً للكثير من السفن بالتحايل وعدم الالتزام بالقواعد القانونية الخاصة بالسلامة والأمن البيئي، ويشكل خطراً حقيقياً على أنظمة البيئة البحرية، خاصة إذا ما أدركنا أن تلك السفن لا تخضع للرقابة. وهي غالباً ما تُمنح أعلام دول العالم الثالث، في الوقت الذي تكون مملوكة بالفعل لمستثمرين من الدول الصناعية الكبرى، يحتمون بالتسهيلات التي تمنحها قوانين دولهم.
ومن الطبيعي عند معالجة مشكلة الخلل في نظام القانون البيئي الدولي استدراك حقائق النزاعات المسلحة وأثرها على واقع تنفيذ القوانين الدولية الخاصة بحماية البيئة وتنميتها. وتؤكد الوقائع والمعطيات التاريخية مدى الآثار السلبية والخلل العميق الذي تتركه تلك النزاعات على عملية تنفيذ القوانين والأنظمة الخاصة بحماية المحيط البيئي والانسان. وقد تسببت الحروب، التي استخدمت فيها الأسلحة الفتاكة بالبشرية والمستفيدة بغطاء الهيمنة على القرارات الدولية، في إحداث الأضرار البيئية وتشكيل الخطر الحقيقي على أمن الانسان وسلامته، مع أن ذلك يتعارض بشكل صريح مع مقتضيات قواعد القانون الدولي.
ولا بد من الاشارة الى أن أهمية الموضوع ليست مقتصرة على قواعد القانون الدولي، إنما تحتل الصدارة في قواعد القانون الوطني. ذلك أنه لا يمكن أن تحقق القواعد الدولية فاعليتها بدون وجود القوانين الوطنية. لذا فمن المفيد معالجة الخلل في القوانين الوطنية الخاصة بحماية البيئة، لابراز جوانب الضعف والثغرات القانونية التي تعرقل التنفيذ. ان هذا الموضوع شائك ومتعدد الجوانب، بيد أن ذلك لا يعني تجاهله. وهنا نحصر المعالجة في بعض القوانين التي نرى من الضروري مناقشة جوانب منها. ومن أهمها القانون الاتحادي رقم 24 لسنة 1999 في شأن حماية البيئة وتنميتها في دولة الامارات العربية المتحدة، الذي يتناول مجموعة من القواعد القانونية تشكل في مجموعها نظاماً متكاملاً لتنظيم علاقة الانسان بالبيئة وحمايتها من النشاطات الضارة.
إن كلامنا ليس دراسة للقانون الاتحادي للبيئة، إنما عرض لبعض جوانبه التي نرى أنها تشكل خللاً في جزئية خاصة، والتي على رغم محدوديتها تمثل جانباً هاماً في عملية التطبيق. هنا تجدر الاشارة الى أن القانون الاتحادي للبيئة، يستثني في المادة 94، يستثني بعض الحالات من تطبيق أحكامه، حيث أكدت على أنه لا تسري أحكام المواد 4 و6 و7 و38 و58 من هذا القانون على أنشطة الجهات التي تطبق نظماً وبرامج متكاملة لحماية وتنمية البيئة تكفي لتحقيق أهداف هذا القانون. كما تعفى تلك الجهات من الرجوع الى الهيئة لدى إصدار التراخيص للمنشآت والأنشطة التي تخضع لولايتها أو الاشراف عليها.
ويصدر بتحديد الجهة ومدى كفاية النظام أو البرنامج قرار من مجلس الادارة، وبموجب ذلك يكون المشروع الاماراتي قد وضع الجهات والنشاطات المنصوص عليها في المواد السابقة الذكر خارج دائرة الرقابة البيئية. وذلك قد يضعف فاعلية تنفيذ القانون في هذه الجزئية الهامة في نشاطات حماية البيئة وتنميتها، ويترك أضراراً خطيرة على الأمن البيئي وصحة الانسان وسلامته.
قد قرأنا مؤخراً أن قانون البيئة الذي تم اقراره في لبنان، على شموليته وايجابياته، ينطوي على استثناءات مشابهة، إذ يعطي وزير البيئة حق اجراء تسويات ومصالحات مع المخالفين، مما قد يتعارض مع حكم القضاء.
بيد أن الخلل يمكن تجاوزه في سياق قواعد اللوائح التنفيذية التي سترافق القانون. فالخلل لا يقلل من أهمية القانون الذي يمثل ظاهرة ايجابية ويساهم في تصحيح مسار الادارة البيئية.
شبّر ابراهيم الوداعي، رئيس قسم التوعية والتثقيف البيئي في هيئة البيئة والمحميات الطبيعية في الشارقة، كتب هذا الرأي لـ"البيئة والتنمية".