Thursday 21 Nov 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
مقالات
 
وائل زكار البعد الاقتصادي للتصحر  
كانون الثاني (يناير) 2003 / عدد 58
 التصحر من أخطر الظواهر التي يعاني منها العالم حالياً، نظراً لحجم انتشاره وللخلل الكبير الذي يحدثه في التوازن البيئي. الا أن خطورته تكمن أيضاً في بعده الاقتصادي وما قد يحدثه في حياة الأفراد والاقتصاديات الوطنية، بل وحتى في العلاقات بين الدول.
مما لا شك فيه أن العوامل المناخية تلعب دوراً كبيراً في التصحر، لكنه يعود بشكل رئيسي الى ممارسات وسلوكيات بشرية، بعضها مرتبط بالجهل وبعضها بالاهمال. الا ان معظمها مرتبط بدافع معيشي اقتصادي ضمن اطار من الانفجار السكاني زاد الحاجة الى الغذاء والمتطلبات الحياتية الاخرى، وبالتالي الى الأراضي المزروعة والثروة الحيوانية، فزاد الضغط على الموارد الطبيعية.
ممارسات تسبب التصحر
الزراعة ركيزة أساسية في البنية الاقتصادية والاجتماعية لغالبية بلدان العالم، خصوصاً النامية منها، حيث نجدها تشكل نسبة عالية من اجمالي الناتج المحلي الاجمالي ومن مجموع القوة العاملة. وتعمل الحكومات على وضع سياسات داعمة بهدف توفير الاطار المناسب لنمو هذا القطاع. الا أن هذا النمو يقترن في كثير من الأحيان بظواهر تنعكس سلباً على التربة وتؤدي الى تدهورها. وفي ما يلي بعض هذه الممارسات:
فلاحة الأراضي الهامشية والبوادي: من المتعارف عليه عدم صلاحية هذه الأراضي للزراعة وملاءمتها حصراً للرعي. لكن الرغبة في الكسب والاستفادة تدفع المجتمعات المحلية الى محاولة استصلاحها، مما يؤدي الى تدهورها. وعندئذ قد تحتاج، في حال تدهور جزئي، الى فترة زمنية طويلة تقدر بعشرين سنة لاستعادة غطائها الطبيعي.
الاستغلال غير المرشَّد للأراضي: ومن وجوه هذا الاستغلال الافراط في الزراعة، وعدم التقيد بالدورات الزراعية الملائمة، واختيار الأصناف غير المناسبة للبيئة المحلية، وعدم الاهتمام بأساليب صيانة وحفظ التربة وزيادة خصوبتها. وكل هذا من باب السعي الى الاستفادة السريعة والتوفير المادي.
سوء استغلال الموارد المائية: تتبع في الري طرق غير مناسبة قائمة على الهدر والغدق من مصادر المياه السطحية المتاحة، مما يسبب تشكل الملوحة وتحويل أراض الزراعية الى أراضي غير منتجة اقتصادياً. اما بالنسبة للمياه الجوفية فنجد ظاهرة الافراط والعشوائية في حفر الآبار العميقة والضخ الجائر.
الحمولة الرعوية الزائدة: الحد الذي بلغه نمو الثروة الحيوانية يتطلب توفير الكلأ والعلف بشكل يتناسب مع هذا النمو، أي لا بد من ايجاد التوازن بين الطاقة الانتاجية للمراعي من العلف وبين أعداد الماشية. والخلل في هذه المعادلة ينعكس في حمولات رعوية زائدة على المراعي، مما ينعكس تدهوراً لهذه الأراضي وتصحراً بالنتيجة.
الاحتطاب: يشكل الاحتطاب وسيلة اقتصادية للكثير من المجتمعات المحلية للحصول على مصدر للطاقة. الا أن هذه الممارسة على مدى سنين أدت الى تدهور الغابات والغطاء النباتي في البادية. وللوقوف على مدى انعكاسات هذه الظاهرة، يكفي أن نشير الى أن العائلة الواحدة من خمسة أشخاص في البادية تستهلك 70 شجيرة رعوية وسطياً يومياً لمدها بالطاقة اللازمة للتدفئة واعداد الطعام. كما أن القطع الجائر لأشجار الغابات للأغراض التجارية أدى الى تدمير مساحات واسعة من مناطق الغابات وتعرية أجزاء من التربة وتعريضها للانجراف المائي والريحي.
الهجرة الداخلية: المدن عامل جذب اقتصادي كبير لسكان الأرياف، تدفعهم للهجرة اليها سعياً وراء تحسين الدخل الا أن هذه الهجرة تؤدي الى خسارة المناطق الريفية للعمال الزراعيين المتمرسين، وبالتالي الى اهمال الأراضي أو التوجه نحو زراعات تحتاج الى عمالة أقل وقد تكون سلبية وغير منسجمة مع المحيط البيئي مما يؤدي الى تدهور التربة. كما أن هذه الهجرة تنعكس بتحويل الرأسمال الريفي، رغم محدوديته بشكل عام، عن الاستثمار في الأرض والمشاريع الزراعية الى الاستثمار في المدينة.
التوسع العشوائي الحضري: وهو يشمل التوسع في انشاء القرى والمدن وشق الطرقات بشكل غير منظم على حساب الأراضي الزراعية والغابات.
انعكاسات اقتصادية
يتجلى التصحر في تدهور التربة وفقدان خصوبتها وتملحها، والانجراف الريحي، والانجراف المائي، وزحف الرمال على المناطق الزراعية، وزوال الغطاء النباتي بمكوناته الزراعية والرعوية، وتدهور الغابات. وهذا يؤدي الى المضاعفات الآتية:
- تدهور الانتاج الزراعي الوطني وتراجع الناتج المحلي الاجمالي، علماً أن القطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني يشكل الركيزة الأساسية لغالبية اقتصاديات الدول النامية وصادراتها وثروتها الوطنية.
- التضخم نتيجة نشوء خلل في التوازن بين عرض متنازل للمنتجات الزراعية والحيوانية وطلب متصاعد مرتبط بالنمو السكاني.
- حدوث فجوات إنتاجية زراعية نباتية وحيوانية وعلفية تجعل الاستيراد أمراً محتوماً، وتؤدي الى زيادة الاعتماد الاقتصادي على الخارج، علماً أن مخططات التنمية للدول تسعى بشكل عام لتحقيق الاكتفاء الذاتي من المنتجات الرئيسية الحيوية، وهذا عامل مرتبط أحياناً باستقلالية القرار السياسي.
- زيادة في النفقات المالية الحكومية نتيجة التوجه الحتمي نحو دعم السكان المحليين في المناطق المتدهورة والسعي الى اعادة تأهيل هذه المناطق.
- تدني مستوى الدخل الريفي المتصل بحيازة الأرض مما ينعكس في تفشي البطالة الريفية، والهجرة الداخلية الى المناطق المدينية بحثاً عن مصادر بديلة للرزق، مما يؤدي الى إحداث خلل اجتماعي وطني وظهور قطاعات هامشية وتوزع عمراني عشوائي خاصة في المدن الكبيرة، والى حرمان المناطق الريفية من مساهمة الفئات المهاجرة في التطوير والتنمية. كما أن تدني مستوى الدخل الريفي يتسبب في سوء التغذية والأمراض والمجاعات. فعلى سبيل المثال، أدى الجفاف والتصحر الذي ألم بمناطق افريقيا الغربية والساحل أواخر الستينات الى وفاة ما يقرب من مئة ألف شخص وزوال مجتمعات وقرى بكاملها.
تدابير المعالجة
ان الاستغلال الراشد للتربة والغطاء النباتي يؤمن المحافظة على سلامتها ويحميها من التدهور. أما اذا لم يحصل هذا الاستغلال الراشد فيحدث تدمير للغطاء النباتي وتدهور للتربة نحو التصحر. وفي المراحل الأولى والمتوسطة، حين يكون التدهور جزئياً وتكون التربة ما زالت تحتفظ ببعض خصوبتها، قد يكون من الممكن وقف التصحر واعادة الغطاء النباتي باتخاذ الوسائل المناسبة، من وقف الممارسات الخاطئة واعادة استزراع المساحات المتدهورة بالشكل المناسب. اما اذا وصل التصحر الى حده الأقصى بحيث تتدهور التربة بشكل تام، فعندئذ لا يمكن اصلاح الوضع، ولا يبقى أي أمل باستعادة استغلال هذه الأراضي زراعياً ورعوياً.
ومما لا شك فيه أن القوانين تشكل عاملاً أساسياً في تأمين اطار للاستغلال الراشد ولجم السلوكيات الخاطئة. كما أن عامل التوعية يلعب دوراً كبيراً في التحفيز البشري ودفعه في الطريق السليم البناء. ومع ذلك تكون لهذين الجانبين فعالية محدودة اذا ارتبطت السلوكيات السلبية المؤدية الى التصحر بدافع معيشي حيوي.
لذا، من الضروري التفكير في ربط السلوكيات الايجابية المدعو اليها ببدائل اقتصادية معيشية تتيح للمجتمعات المحلية تأمين قوتها ومستلزماتها الأساسية وتبعدها عن اللجوء الى ممارسات تتسبب في التدهور البيئي والتصحر. ويكون ذلك بوضع استراتيجيات للتنمية الشاملة في المناطق الريفية المعرضة للتدهور تتضمن ما يأتي:
- تنمية قدرات السكان المحليين على ادارة شؤون مجتمعهم وانتاجهم الزراعي بشكل مرشّد وأكثر فعالية دون إحداث التدهور البيئي.
- مد السكان المحليين بتقنيات انتاج زراعية تؤمن زيادة ناتج الأرض ومردودها الاقتصادي.
- مدّهم بتقنيات للري المرشّد.
- تعزيز المرافق والخدمات في هذه المناطق.
- إحداث وتشجيع الصناعات والاستثمارات الريفية.
- تطوير نظام مصرفي ريفي يتيح للسكان الحصول على القروض بشروط ميسَّرة.
- وضع سياسة لتأمين البديل الاقتصادي من الوقود، غير الحطب، للمجتمعات المحلية.
- وضع خطط لسد الثغرات العلفية وايجاد توازن بين الثروة الحيوانية والطاقة العلفية الوطنية، ضمن اطار من تخفيف الحمولة الرعوية على المراعي. يكون ذلك باتباع نظام حمى مبني حول جمعيات تربية أغنام، على أن تقوم الجهات الحكومية بسد الثغرات العلفية لهذه الجمعيات عند الضرورة. كما أنه يكون بالتوسع في زراعة النباتات العلفية ضمن الخطة الزراعية، اضافة الى التوسع في زراعة النباتات البقولية لاستغلال مخلفاتها في تأمين المادة العلفية، ووضع خطة وطنية للاستغلال الأمثل للمخلفات الزراعية النباتية.
التصحر ظاهرة ذات بعد اقتصادي خطير. ويكفي أن نعلم أن القيمة السنوية لتدهور الأراضي وانتاجيتها في العالم تقدر بنحو 42 بليون دولار، تتضمن 11 بليون دولار للأراضي المروية و8 بلايين للأراضي البعلية و23 بليوناً للأراضي الهامشية. وهذه القيمة لا تعكس الا الخسائر المباشرة لتناقص مردود الأراضي، أما الخسائر غير المباشرة التي تدخل فيها عناصر يصعب حصرها، اضافة الى نفقات الاصلاح واعادة التأهيل، فهي تعادل أضعاف ذلك. لهذا وضع المجتمع الدولي مكافحة التصحر في صلب أولوياته. وفي مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة والتنمية في ريو عام 1992 تم اعتماد نهج عالمي متكامل لمعالجة هذه الظاهرة، أعلن بموجبه في باريس عام 1994 عن الاتفاقية الدولية لمكافحة التصحر التي دخلت حيز التنفيذ في كانون الأول (ديسمبر) 1996 وصادقت عليها حتى الآن 172 دولة.
قال الرئيس الفرنسي الراحل الجنرال شارل ديغول: "لا تبحثوا عن أسباب الصراعات والحروب في السياسة، بل ابحثوا عنها في أكياس القمح". ويمكننا القول ان التصحر يعني تناقص أكياس القمح. فلنتصور الى ماذا يؤدي تفاقم هذه الظاهرة.
وائل زكار خبير وطني لدى برنامج الأمم المتحدة الانمائي / البرنامج الوطني لمكافحة التصحر في سورية.
 
 

التعليقات
 
Helene
That′s an apt answer to an inntreseitg question
Jace
It′s good to see someone thnniikg it through. http://hsodsdizwy.com [url=http://ydgzdgmioar.com]ydgzdgmioar[/url] [link=http://rsrqlvls.com]rsrqlvls[/link]
Ollie
That′s what we′ve all been waiting for! Great poingts! http://tmvkbpitg.com [url=http://ozxwaqegu.com]ozxwaqegu[/url] [link=http://przluhc.com]przluhc[/link]
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.