Saturday 23 Nov 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
مقالات
 
رجب سعد السيد عيون على الأرض  
كانون الثاني (يناير) 2003 / عدد 58
 تنبَّأ القائد الألماني الجنرال فرنهم فون فريتش عام 1983 بأن "الدولة التي سوف تمتلك أكثر أجهزة الاستكشاف الجوي فعالية هي التي ستكسب الحرب المقبلة".
وكان الألمان متفوقين بفنون الاستكشاف الجوي في بداية الحرب العالمية الثانية. غير أن الحلفاء كثَّفوا جهودهم، وأنتجوا أجهزة استكشاف فاقت بقدراتها الأجهزة الألمانية، وساهمت في حسم العديد من المعارك لمصلحتهم، مثل حصار لينينغراد ومعارك المحيط الهادئ. وانتهت الحرب العالمية الثانية، فأكبّ العلماء على أجهزة وتقنيات الرصد والاستكشاف الجويين، يطوِّرونها ويرفعون من كفاءتها.
الاستشعار عن بعد (remote sensing) ليس علماً، ولا فرعاً من علم، بل تطبيقات حديثة يخدمها أكثر من علم. وهي ترتكز أساساً على الفيزياء، ولكنها تتطلَّب درجة عالية من الإحاطة بالرياضيات وعلوم الحياة والجيولوجيا والمناخ والكيمياء، بالإضافة إلى التمرُّس بالكومبيوتر. لذلك، يمكن تعريف الاستشعار عن بعد بأنه طرق علمية للحصول على معلومات، عن هدف ما أو مساحة محددة أو ظاهرة يراد دراستها، من خلال تحليل البيانات التى تجمعها أجهزة الاستشعار الحساسة، دونما حاجة إلى ملامسة الهدف أو الاقتراب منه.
استلهام الطبيعة
لتكوين مفهوم واضح ومباشر للاستشعار عن بعد، لا ضرورة للذهاب بعيداً. فأنت، إذ تقرأ هذه الكلمات، تقوم فعلاً بعملية استشعار عن بعد، إذ انك تمتلك جهاز استشعار حساساً، هو عيناك اللتان تستقبلان الضوء المنعكس من الصفحة بهيئة ومضات، أو كميات من الضوء غير منتظمة، تتغير بتغير المساحات السوداء (حروف الكتابة) والمساحات البيضاء (الفراغات) في السطور المطبوعة. هذه التغيرات في كمية الضوء هي "بيانات" تسري من العينين إلى جهاز آخر فى منظومة الاستشعار، هو المخ، الذي يقوم بدور المحلل والمفسِّر. فيساعدك لتتعرَّف على المساحات السوداء من الصفحة، ويقارنها بالمخزون لديه، فتجدها مجموعة من الحروف تصنع في ما بينها الكلمات. ثم إنك، بعد ذلك، تتعرف على مجموعات الكلمات المكوِّنة للجمل، ويصبح الطريق ممهداً أمامك لاتخاذ القرار أو رد الفعل المناسب.
ليس الاستشعار عن بعد، إذاً، غير عملية "قراءة"، ولكن من بعيد. وكل ما فعله العلماء هو استلهام القدرات الطبيعية التي حبانا بها الله، في صنع أجهزة مشابهة تعمل من بعيد، فتجمع البيانات عن الهدف المطلوب استكشافه أو دراسته. وتتخذ هذه البيانات صوراً مختلفة. فقد تكون بهيئة تغيرات في توزيعات القوى، أو توزيعات للموجات الصوتية، أو تباينات في توزيع الطاقة الكهرمغناطيسية التي يشعّها الهدف المرصود أو التي تنعكس منه. ويمكن، بالتحليل الطيفي للموجات الصادرة من الهدف أو المنعكسة منه، التعرُّف على نوعيته وأبعاده.
تعتمد فيزياء الاستشعار عن بعد على حقيقة ثابتة، هي أن لكل مصدر إشعاع، سواء كان وسطاً ماصاً أو جسماً عاكساً، "بصمة" أو طابعاً طيفياً (spectral signature) مميِّزاً له. فالمناطق الريفية المزروعة، مثلاً، لها طابعها الطيفي الخاص، سواء في مدى الضوء المرئي أو في الأشعة دون الحمراء، حيث يمكن بسهولة تمييز خطوط امتصاص كل من المادة الخضراء (الكلوروفيل) والماء. أما الأرض العارية من الخضرة فيكون لها طيف انعكاس مختلف، يمكن من خلاله تعيين خواصّ التربة، مثل درجة الرطوبة والمحتوى العضوي ونسبة أكاسيد الحديد والطفل الرملي والطمي والرمل وحجم الحبيبات. فالتربة التى يكون طيف انعكاسها الحراري أقل من طيف انعكاسها المرئي، تكون رطبة نسبياً. وإذا كانت داكنة في طيف الانعكاس وقليلة الامتصاص في طيف الأشعة دون الحمراء، فهذا دليل على جفافها.
استخدامات في كل مجال
الشائع في طرق الاستشعار عن بعد أن تكون الأهداف الأرضية هي الغاية. غير أن ثمة طرقاً لاستشعار الجو من فوق سطح الأرض، تستخدم أساساً في مجال مكافحة تلوث الهواء. فقد استحدثت تكنولوجيا الاستشعار جهازاً متعدد القنوات لقياس شدة الاشعاعات، يمكنه قياس الأشعة المنبعثة من طبقات الجو المختلفة، ومن مكوناته الغازيَّة، مثل الأوكسيجين وبخار الماء والأوزون. وتساعد البيانات التي يتحصَّل عليها العلماء من هذا الجهاز في دراسة ديناميكية الملوِّثات في الجو. فالمعروف أنه على ارتفاع يتراوح بين 250 متراً و1000 متر من سطح الأرض، وفي المناطق الساحلية بصفة خاصة، تتكون في كثير من الأحيان طبقة حرارية عاكسة تعمل على وقف انتشار الملوثات الغازية فى طبقات الجو العليا، فتزداد كثافتها قرب سطح الأرض وتكون لها آثارها الضارة على الحياة والأنشطة البشرية. والبيانات التي يخرجها جهاز شدة الإشعاع المتعدد القنوات تعين العلماء في رصد احتمالات تكوُّن هذه الطبقات الحرارية العاكسة، وتساعد بالتالي في اتخاذ الإجراءات الوقائية الضرورية في الوقت المناسب.
شهدت أواخر الستينات بداية عصر جديد لعمليات الاستشعار عن بعد بفاتحة سلسلة من الأقمار الاصطناعية المتخصصة في مسح ودراسة سطح الأرض بوسائل إلكترونية متقدمة. ومنها أجهزة المسح المتعددة الأطياف (multispectral scanner) التي تعمل فى مجالات مختلفة من الطيف الضوئي. ومن أشهر هذه الأقمار مجموعة "لاندسات"، التي بدأ أولها العمل في تموز (يوليو) 1972، ولها مدار دائري قريب من القطبين، وترتفع عن سطح الأرض حوالى 920 كيلومتراً، ولأجهزتها القدرة على تمييز أي تغيرات تطرأ على رقعة من الأرض مساحتها 900 متر مربع (30م × 30م). أما القمر الفرنسي "سبوت" فإنه يرى الأشياء بقدرة أكبر في مساحة 100 متر مربع (10م × 10م)، ويمكنه الحصول على معلومات عن كل جزء من الأرض بفاصل زمن يوم واحد، كما يمكنه الحصول على صور مجسَّمة لبعض الأغراض الأرضية.
وبصفة عامة، كانت الفترة من منتصف السبعينات إلى نهايتها هي العصر الذهبي للاستشعار عن بعد، وشهدت إطلاق وتشغيل العديد مـن الأقمار الصناعية، مثل "لاندسات 1 و2 و3" و"تيروس ـ ن" و"سي سات" و"نيمباس ـ 7" و"متيوسات" و"نوا". وأصبحت المعلومات التي تضخها هذه الأقمار ضرورة لا غنى عنها لصانعي القرار في العديد من الهيئات والمؤسسات حول العالم، بل وصل الأمر إلى حد أن المزارع الأميركي لا يبدأ يومه إلاَّ بعد مراجعة تقارير الاستشعار عن بعد التي يبثها التلفزيون يومياً.
وتستخدم بيانات الاستشعار عن بعد بنجاح في رصد الأحوال الجوية، والتنبؤ بالتغيرات المناخية وبالأعاصير المدمِّرة. وقد أثبتت تقانياتها صحة الأفكار القديمة المتعلِّقة بالصلات المناخية بين الأقاليم الجغرافية المتنائية، والتي مفادها أن توزع درجات الحرارة في المساحات الضخمة من المحيط يؤثر على مسارات العواصف الآتية من بعد مئات الكيلومترات. فعلى سبيل المثال، تؤثر التغيرات في النظم الحرارية لمياه جنوب المحيط الهادئ على المناخ في أميركا الشمالية. فإذا وفرت أجهزة الاستشعار عن بعد المعلومات الكافية عن تلك التغيرات، زادت قدرة العلماء على التنبُّؤ بأحوال المناخ في الشمال.
ومن المجالات الهامة التي تعمل فيها أجهزة وأقمار الاستشعار عن بعد، رصد تجمعات الأسماك في البحار والمحيطات، ومقاومة آفات المحاصيل، ودعم السياسات الزراعية، ومراقبة تجريف التربة، وتقدير مخزون المياه، والتخطيط العمراني، ومكافحة حرائق الغابات، والتنقيب عن الآثار. أما الإمكانات المتعددة التي تتيحها لدراسة ومكافحة تلوث المياه والهواء والتربة، فهي على درجة عالية من الدقة، وتطبَّق بنجاح في مناطق كثيرة من العالم.
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
القاهرة - خاص بـ"البيئة والتنمية" سحابة القاهرة السوداء
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.