رعب جديد ظهر من بين ثنايا السحب السوداء التي بدأت تخيم على سماء المدن المزدحمة المكتظة بالسكان وبكل وسائل المواصلات. انه نوع من الكيميائيات العضوية اسمه "الديوكسين" وشقيقه الـPCB (ثنائي الفينيل المتعدد الكلورة)، وكلاهما ناتج عن عمليات الاحتراق والحرق المكشوف، بسبب النشاط الانساني.
الديوكسين موجود في الهواء ويتساقط على المزروعات والاعشاب، وتأكله الحيوانات، ويترسب في الدهون والالبان، ويتناوله الانسان بعد ذلك. وكانت المشكلة في الماضي عدم توفر أجهزة لقياس هذه المادة وتقدير كمياتها في النباتات والحيوانات وحتى الانسان. ولم يظهر الاهتمام بالديوكسين إلا في العقدين الاخيرين، حيث وصل أخيراً الى سلسلة الغذاء. وظهر معه أيضاً مركب آخر هو ثنائي الفينيل المتعدد الكلورة، وهو من الكيميائيات العضوية التي تنتج عن الانشطة الصناعية.
الديوكسينات مركبات خطيرة ملوثة للبيئة، مصادرها الغازات الناتجة عن عمليات الاحتراق، مثل دخان السجائر واحتراق التبغ وعمليات الاحتراق الذاتي للقمامة، وكذلك وقود الاحتراق في الصناعة. كما تتكون من نواتج عدد من العمليات الصناعية مثل كلورة الكيماويات والتبييض (استخدام الكلورين في تبييض لب الخشب مثلاً)، وأخيراً مبيدات الاعشاب.
تتلوث البيئة بالديوكسين عن طريق ترسّب هذه المواد على التربة والماء والنبات، فتتناولها الحيوانات، لتصل الى الانسان من خلال الطعام ذي الاصل الحيواني. كما تتلوث التربة بالمخلفات الصلبة او السائلة مثل مياه الصرف الصحي، التي قد تحوي الديوكسين.
أما مادة الـPCB، فهي مجموعة من مركبات عضوية سامة عالية الثبات، تستخدم في عدد من المنتجات الصناعية، وأنتجت منها أميركا وحدها في الماضي حوالى نصف مليون طن. ولم يفطن العلماء الى خطورتها الا من خلال المواد الغذائية المعبأة في نوع من الورق، تبيّن انه يحتوي على هذا المركب، وأدى الى تلوث الاغذية.
والذي لفت الانظار الى هذين المركبين ازدياد معدلات الاصابة بالاورام السرطانية، مما استدعى البحث والتحري عن عناصر طارئة دخلت السلسلة الغذائية. وقد ارتبطت هذه المركبات بالدهون الحيوانية والاسماك، وظهرت بتركيزات عالية في دهون الالبان ومنتجاتها.
ولا سيما في المناطق التي تتسم بمساحات خضراء من المزارع وحظائر تربية المواشي والدواجن، وبالقرب من محارق القمامة. فقد أظهرت الابحاث ان معدلات الديوكسين موجودة بتركيزات كبيرة في بيض ولحم الدجاج، واتضح انه أكثر وبتركيز أعلى في البيض.
وقال الدكتور حسين يوسف استاذ صحة الغذاء في كلية الطب البيطري في جامعة أسيوط، أفاد بأن الاغذية الملوّثة تعتبر المصدر الرئيسي لتجميع الديوكسينات والـ PCB في دهن جسم الانسان وحليب الامهات. وقد أثبتت الدراسات ان حليب الأمهات الملوث بالديوكسين والـPCB له دور كبير في الاصابة. والحل في الوقاية، بحيث يتم ضبط مصادر انبعاث الديوكسين، وتمتنع الأمهات المرضعات عن تناول الأغذية الملوثة والأسماك المصادة من مياه ملوثة. وثبت ان نزع الدهن من اللحوم واستعمال الألبان ومنتجاتها المنزوعة الدسم، هو اجراء كاف لتقليل الاصابات.
|