ففي جو مفعم بالنشاط والحيوية، اجتمع صحافيو البيئة والتنمية من 21 دولة افريقية، يمثلون التجمع البشري لمنطقة شرق افريقيا، في مبنى الأمم المتحدة في العاصمة الكينية نيروبي، الذي يضم برنامجي الأمم المتحدة للبيئة والمستوطنات البشرية، ويحتل الروابي الخضراء لمنطقة جيجيري.
الاجتماع طرح خلال ورشتي عمل مواضيع "المياه والأمن الغذائي والتنمية المستدامة". والذي كان متناقضاً مع مجريات الامور انه في حين طرحت أرقام واحصاءات تشير الى خطورة الموقف من عطش وجوع، تبين أن هذا يحصل داخل قارة حمراء التربة، غنية بالموارد، قليلة السكان باستثناء مصر ونيجيريا والجزائر والمغرب.
انها مسرحية عبثية تجري فوق غابات القارة، التي تغلب عليها النزاعات القبلية والصراعات الحدودية والنزوح عبر الحدود، الى المذابح العرقية التي يغذيها الاستعمار الجديد والقديم حول منابع الانهار ومناجم الماس التي تدار بورصة اوراقها من العواصم الاوروبية.
الغريب أن يعاني سكان افريقيا من الفقر، وهو السبب الرئيسي لتدهور البيئة، في وقت تعاني افريقيا من قلة السكان، اذ تبلغ الكثافة السكانية 249 فرداً لكل ألف هكتار، أي اقل من المتوسط العالمي الذي يبلغ 442. والمؤلم أنه رغم ثراء القارة أرضاً وجواً، فانها القارة الوحيدة المتوقع ان تزداد فيها نسبة الفقر خلال هذا القرن، مع أن عدد سكانها 778,5 مليون نسمة، أي 13 في المئة من سكان الأرض. والسبب أن القارة غير متوازنة سياسياً.
هذه قصة الغابات. اما المياه فلها قصة تطول. تعاني 14 دولة افريقية من ندرة في المياه. وسوف تضاف اليها 11 دولة أخرى بحلول سنة 2025. ولا تتعدى نسبة ثاني اوكسيد الكربون المنبعثة من القارة 3,5 في المئة من الانبعاث الكلي العالمي لهذا الغاز، لافتقارها الى الانشطة الصناعية والنقل والطاقة، فضلاً عن ضخامة المديونية الخارجية والفساد الاداري والسياسي وهشاشة البيئة، حيث تفوق كلفة الاعمال العلاجية لتردي البيئة كلفة الاجراءات الوقائية. ناهيك عن مرض الايدز، هذا الوباء الجديد الذي ينهش جسم القارة، حيث بلغ عدد حاملي فيروس المرض نحو 30 مليون نسمة، أي 75 في المئة من المجموع في العالم!
ويزيد الطين بلة ان هناك 35 دولة افريقية بين 45 دولة مدرجة في قوائم الأمم المتحدة للدول الأشدّ فقراً في المؤشر الأدنى للتنمية.
انها ارقام مثيرة للجدل ان تشكو افريقيا من قلة الغذاء، وهي تستطيع ان تكون سلة الطعام لأوروبا. وفي حين تشكل الأرض المورد الحيوي والاساسي لمعظم شعوب القارة، لا تساهم الزراعة في أكثر من 40 في المئة من الناتج المحلي. ويرجع هذا في جزء كبير منه الى تدهور التربة الحمراء، التي تهدد اقتصاد القارة وبقاء الانسان. فالتربة تعاني من التعرية وتدني الخصوبة وازدياد الملوحة والتلوث بالكيميائيات الزراعية والتصحر.
تغطي الغابات 520 مليون هكتار من الأراضي في افريقيا، وهي تمثل أكثر من 17 في المئة من غابات العالم، وأغلبها يتركز في المنطقة الاستوائية وشبه الاستوائية (في الكونغو الديموقراطية وحدها 20 في المئة من غابات افريقيا). أما عن المياه، فان افريقيا تستهلك 4 في المئة فقط من موارد المياه العذبة المتجددة الموجودة فيها.
ورغم ان افريقيا غنية بموارد مياه عذبة كثيرة من بحيرات وأنهار، مثل نهر الكونغو ونهر النيل ونهر الزمبيزي وبحيرة السد العالي وبحيرة فيكتوريا، أكبر بحيرة عذبة في العالم، فان هناك تفاوتاً كبيراً في استغلال المياه. فمثلاً، يعيش على ضفاف نهر الكونغو وفروعه 10 في المئة من سكان افريقيا، بينما يستقبل النهر 30 في المئة من مياه القارة.
وفي افريقيا 50 نهراً مشتركاً بين دولتين أو أكثر! ويقود الاختلاف في تقدير حصص المياه الى منازعات بين دول النيل، والنيجر، وأحواض فولتا، والزمبيزي. أضف الى ذلك حالات الجفاف، والتقييم الخاطئ، وعدم الاستثمار في تطوير موارد المياه، وانعدام منشآت البنية التحتية.
كل الارقام والشواهد تقول ان عناصر الأمن الغذائي متوفرة في افريقيا، لكن سوء الادارة والفساد جعلا القارة تعاني من كل شيء، بينما هي من أغنى قارات العالم بالمناجم والارض والامطار.
فهل أراد الاستعمار لها ان تكون هكذا، حين استثمرها وأعطى سكانها حلولاً جاهزة، بينما الحكمة الصينية تقول: لا تطعمني سمكة كل يوم، بل علمني كيف اصطاد؟
وجدي رياض كتب هذا المقال من نيروبي، حيث مثل "البيئة والتنمية" في ورشة حول المياه والأمن الغذائي في افريقيا، بدعوة من برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية.