تحقيق وتصوير:كريستـو بــارس
شارك في كتابة النص:عماد فرحات
ايسلندا ثاني أكبر جزيرة في شمال المحيط الأطلسي بعد غرينلاند، وهي موئل مهم لأنواع نادرة من الحياة البرية. وتشكل المستنقعات والمنحدرات الساحلية، التي تتوزع على 61 منطقة تغطي سبعة في المئة من مساحة البلاد، مواقع مثالية للطيور البحرية. ورغم وقوع ايسلندا خارج الدائرة القطبية الشمالية، فان كثيراً من الأنواع التي تعيش هناك تتواجد فيها. وتشكل هذه المناطق محطات تتوقف فيها الطيور المهاجرة لتقتات قبل استئناف رحلتها من أماكن التكاثر في المنطقة القطبية الشمالية الى مواقع الاشتاء الدافئة. بعضها يقضي فيها فصل الشتاء قبل أن يعود الى الدائرة القطبية الشمالية للتكاثر. والبعض الآخر يتواجد فيها جوالاً بعد أن يضل طريقه. ويعشش في ايسلندا نحو سبعين نوعاً من الطيور. ومن طيورها الغواص الشمالي الضخم والبط المرقط والموسوي المنقار والغلموت الأسود والبفن والكروان والغواص ذو الأذنين. وهنا بعض خصائصها وعاداتها:
الغواص الشمالي الضخم (great northern diver)، يتكاثر في كندا وينتشر شرقاً الى ايسلندا. وهو يشتي في المياه الساحلية في غرب أوروبا امتداداً من النروج الى اسبانيا. وفي الشتاء يفقد ريشه الأسود والأبيض وينبت له ريش مرقش ضارب الى السمرة. يتكاثر على البحيرات العميقة في سهول التندرة والغابات الصنوبرية. ويطلق صراخاً مخيفاً كالعويل، ينقل صورة عن البيئة التي يعيش فيها. وهو من الطيور الكبيرة الحجم اذ يبلغ طوله نحو 75 سنتيمتراً.
البط المرقط (harlequin duck) يتكاثر في ايسلندا وأميركا الشمالية وعلى الشواطئ الشمالية للمحيط الهادئ، ونادراً ما يشاهد في أماكن أخرى من أوروبا. يعشش في جزر الأنهار المضطربة ذات الجريان السريع ويشتي على الشواطئ الصخرية. يبلغ طوله 40 سنتيمتراً وامتداد جناحيه 60 سنتيمتراً.
الموسوي المنقار (razorbill)، كجميع طيور الأوك، يهوى البحار والمحيطات. يعشش على المنحدرات الصخرية الشاهقة في أنحاء ايسلندا. وككثير من طيور الأوك الأخرى، تضع الاناث بيضة واحدة في أماكن محمية مثل الصدوع، أو على صخور عارية عند الضرورة. وتقيم هذه الطيور مستعمرات تكاثر تكون عادة على أجزاء مرتفعة من منحدرات صخرية بحرية، تشاركها فيها أحياناً طيور الغلموت. وتمتد هذه المستعمرات من الشاطئ الفرنسي المطل على المحيط الأطلسي والجزر البريطانية الى ايسلندا والسويد وفنلندا والنروج في الشمال الغربي، وصولاً الى شبه جزيرة كولا شمال روسيا في الشمال الشرقي. لكن يقدر ان ثلاثة أرباع اعدادها تتكاثر في ايسلندا. وهي تشاهد خارج موسم التكاثر في شرق المحيط الاطلسي، من شمال النروج وايسلندا الى شمال افريقيا وبحر الشمال وبحر البلطيق.
الغلموت الأسود (black guillemot) من طيور الأوك، لكنه يخالفها في أنه ساحلي أكثر مما هو بحري. وهو الوحيد بينها في المنطقة الذي له بطن أسود. في الصيف يكون لونه أسود بالكامل مع بقع بيضاء كبيرة على الجناحين. وفي الشتاء يصبح بطنه أبيض وعنقه وظهره رماديين، بعكس طيور الأوك الأخرى التي تحافظ في الشتاء على لون الظهر والرقبة والعرف الضارب الى السواد. وكطيور البفن، للغلموت الأسود قائمتان حمراوان، لكنه بخلافها يجثم على قائمتيه المثنيتين خلال الاستراحة. ويمتاز فمه بلون أحمر من الداخل يُرى عندما تفتح هذه الطيور مناقيرها في عروض سلوكية. ويحدث التكاثر في مستعمرات غير منظمة. وتضع الاناث بيضتين في ثقوب صخرية ومواقع محمية أخرى. وتنتشر هذه الطيور من منطقة شبه جزيرة كولا الى ايرلندا، بما في ذلك الشواطئ المطلة على بحر البلطيق.
البفن (puffin) من الطيور التي يقبل عليها هواة التصوير. يميزه عن الأنواع الأخرى منقار ثقيل ملون ووجه أبيض. له قائمتان وبراثن حمراء كالغلموت الأسود وبخلاف جميع طيور الأوك الأخرى في المنطقة. كما يميزه عن هذه الطيور وضعه عند «الاستراحة». فهو يقف منتصباً على قائمتيه، بينما تجثم تلك على أسفل قائمتيها. ويستطيع البفن السير أفضل من طيور الأوك الأخرى. وهو أكثر الطيور البحرية انتشاراً في ايسلندا، كما ينتشر في أنحاء المحيط الأطلسي. وكطيور الأوك الأخرى يعشش في مستوطنات. وتضع الاناث عموماً بيضة واحدة في جحر على تخم طبقة صخرية او ترابية، وفي اماكن محمية أخرى. واللافت انه قليل الحذر من الانسان، مما عرض مستوطناته «للحصاد» منذ قرون حتى يومنا هذا.
الكروان (curlew) طائر مخوّض كبير الحجم يراوح طوله بين 50 و60 سنتيمتراً. تعلو ريشه خطوط بنية اللون، وله منقار طويل جداً ومعقوف نحو الأسفل، وهو أطول عند الاناث. يمتاز الكروان بزقزقات عاطفية جميلة تشبه خرير الماء. وهو يطلق صيحات صافرة. ومن أنواعه الرئيسية الفيّوب الذي يصغره حجماً وله منقار أقصر ورأس مخطط. وفضلاً عن ايسلندا، يتكاثر الكروان في معظم المناطق المجاورة ما عدا جنوب شرق بريطانيا. ويكثر انتشاره في الشتاء حيث تنضم طيور استوائية الى الطيور المقيمة. يعشش في المستنقعات والمروج الرطبة والمراعي الداخلية. وفي الشتاء يتوزع أساساً على مصبات الانهار الساحلية وخصوصاً الكبيرة، في ما عدا ايرلندا حيث يقضي الكثير منه فصل الشتاء في البر الداخلي.
الغواص ذو الأذنين (eared grebe) طوله نحو 33 سنتيمتراً ويبلغ امتداد جناحيه 55 سنتيمتراً. يزن نحو نصف كيلوغرام. فكه الأسود عند القاعدة أحمر اللون، وبقية المنقار أسود، مع طرف أبيض. المنطقة بين عينه ومنقاره حمراء، وكذلك حدقتاه. الرأس يبدو كبيراً نظراً للريش الكثيف الأسود القاتم الذي يغطيه، باستثناء خصلتين كبيرتين منفوشتين برتقاليتي اللون، تنطلقان من خلف الأذنين وتمتدان نحو الوراء وتكادان تلتقيان في طرفيهما. الرقبة والأجزاء العلوية من الريش سوداء، والأجزاء السفلية بيضاء لامعة. ولون الجانبين كستنائي ضارب الى الصدأ، والقائمتان سوداوان ضاربتان الى الاخضرار. الذكر والأنثى يتشابهان تقريباً، بفارق أن الأنثى ليست مزودة بهذه الكمية من الريش في الرأس.
من طيور ايسلندا الأخرى البومة القصيرة الأذنين والبومة الثلجية البياض والطيطوى الحمراء الساق وخرشنة القطب الشمالي والغاق والنورس ذو اللون الأخضر الشاحب والفلمار ودُرّسة الثلج والاوز الوردي القائمتين والاوز الناعق والترمجان والصُّنْقور وهو ضرب من البازي.
أخطار محدقة
يشكل تجفيف المستنقعات لأغراض زراعية خطراً على الطيور في ايسلندا. واستغلال مصائد الأسماك في المياه المحيطة بها يؤثر على اعداد الطيور من خلال تقليص مصادر غذائها الرئيسية. وادخال حيوانات غريبة الى البلاد، مثل المنك الأميركي وهو حيوان ثديي لاحم، يهدد أيضاً مستوطنات الطيور التي تشكل غذاء له. كما أن مشاريع التنقيب عن النفط والغاز في المستقبل تهدد النظام الايكولوجي لهذه الطيور. وتوجد حالياً خطط لبناء محطة توليد كهرمائية بالقرب من فانتاجوكول، أكبر نهر جليدي في ايسلندا، مما سيؤثر سلباً على أكثر من 3000 كيلومتر مربع من الموائل السليمة نسبياً بأنواعها النباتية والحيوانية، وذلك من خلال بناء السدود والخزانات وتحويل المجاري المائية والأنهار الطبيعية.
فهل تراعي المشاريع الانمائية طبيعة البلاد التي تزخر بثروة من الطيور النادرة يجب الحفاظ عليها ذخراً للمستقبل؟