اكتشاف تربة شبيهة بتربة المريخ في صحراء أتاكاما في التشيلي قد يلقي الضوء على هبوط مركبة الفضاء "فايكينغ" على المريخ في سبعينات القرن الماضي. فهذه التربة الجافة وشبه الخالية من المواد العضوية والحياة الجرثومية لها خصائص كيميائية مماثلة لتربة الكوكب الأحمر. وهذا الاكتشاف يمكن أن يفسر لماذا أثارت الاختبارات التي أجرتها فايكينغ آمالاً كاذبة في إطار البحث عن حياة على كوكب آخر.

عام 1976، اجتاحت العالم مشاعر الاثارة عندما حطت مركبة فضائية روبوطية على المريخ لأول مرة في التاريخ. وكشف اختبار بيولوجي أجري في "فايكينغ ـ 1" اشارات غريبة لنشاط في تربة المريخ مماثل لنشاط جراثيم تطلق الغاز. وقبل اعلان نبأ اكتشاف حياة على الكوكب الأحمر، أجرت وكالة الفضاء الاميركية (ناسا) مزيداً من الاختبارات للبحث عن دليل لوجود مادة عضوية.

فشلت اختبارات "فايكينغ" في العثور على الكربون، لبنة البناء الأساسية للحياة. وتم التوصل الى استنتاج بأن المريخ كوكب ميت. ونسبت "ناسا" ذلك الى وجود عوامل أكسدة قوية في تربة المريخ. لكن بعض المراقبين لم يقبلوا هذا التفسير ودعوا الى اعادة الاختبارات. وهذا ما يحدث الآن، ولكن ليس على سطح المريخ وانما في صحراء أتاكاما.

يقول الدكتور ريتشارد كوين من مركز أبحاث "ناسا" في مدينة ايمز الأميركية: "ان التفسير الشائع لنتائج اختبارات فايكينغ هو أن التربة ناشطة كيميائياً وليس بيولوجياً. وقد حددنا موقعاً على الأرض حيث تحدث ربما عمليات كيميائية مماثلة تمنع الحياة". فالتربة المأخوذة من قلب صحراء أتاكاما جافة للغاية، والمواقع الأكثر جفافاً هي مشابهة لمناطق المريخ التي استكشفتها بعثات "فايكينغ"، وانخفاض مستويات المياه مقروناً بضوء الشمس يبدو أنه أوجد دورة كيميائية تحلل المواد العضوية وتمنع الحياة.

عندما أعاد الباحثون اختبارات "فايكينغ" على تربة أتاكاما، توصلوا الى نتائج مماثلة. لكنهم وجدوا آثاراً دقيقة لمواد عضوية بمستويات أدنى من تلك التي كانت اختبارات "فايكينغ" قادرة على كشفها في المريخ. وهكذا يبقى احتمال أن ثمة مواد عضوية كانت هناك ولم تكشف.

يقول الدكتور كوين: "السؤال الذي لا يلقى جواباً الآن هو هل فشلت فايكينغ في كشف أنواع محددة من المركبّات العضوية على المريخ. عملنا يوحي بأن ذلك ممكن، ولكن ينبغي اجراء اختبارات جديدة على المريخ للاجابة عن هذا السؤال".

في هذه الاثناء، قد توفر تربة أتاكاما أرضية اختبار قيّمة للمعدات والتجارب المصممة لبعثات مقبلة الى المريخ. ويجري تطوير جهازين جديدين، أحدهما لتحديد خصائص العمليات الكيميائية (جهاز مؤكسدات المريخ) والآخر لاكتشاف المركبات العضوية (مكشاف مؤكسدات المريخ). ويقول كوين: "نأمل أن نستخدم هذين الجهازين على المريخ لتحديد الأتربة التي قد تكون احتوت على حياة في احدى مراحل تاريخ الكوكب".