Saturday 23 Nov 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
مقالات
 
مصطفى كمال طلبه مستقبل البيئة 2004  
كانون الثاني (يناير) 2004 / عدد 70
 مضى عام 2003 بكل ما حفل به من تخريب وتدمير في أجزاء مختلفة من العالم، بعضه بسبب الظروف الجوية الطبيعية: العواصف والفيضانات والارتفاع غير المسبوق في درجات حرارة الصيف وما نتج عنه من وفيات كثيرة، والبعض الآخر بسبب الإنسان الذي رأى أن التكنولوجيا الحديثة مكنته مما لم يتمكن منه أسلافه، ففضل أن يستخدمها في الهدم بدلاً من البناء.
مضى عام 2003 ولم تتفق دول العالم على وضع خطط تنفيذية لتحقيق الأهداف التي أقرتها قمة التنمية المستدامة في جوهانسبورغ عام 2002، التي كانت في معظمها إعادة لما أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في قمتها الألفية عام 2000.
لقد اتفق العالم على أهداف محددة مفروض أن تتحقق بحلول عام 2015، أي بعد أكثر قليلاً من عشر سنوات، بينها محاربة الفقر وتقليص عدد الفقراء الذين يعيشون على أقل من دولار أو دولارين في اليوم إلى نصف ما كانوا عام 2000. ومنها أيضاً تخفيض عدد المحرومين من المياه النظيفة والصرف الصحي إلى نصف ما كانوا عام 2002. اتفقت الدول على أهداف محددة منذ ثلاثة أعوام، وأكدتها منذ أكثر من عام ونصف مضت، ولكنها لم تحدد كيف يمكن تحقيق هذه الأهداف، ما الذي ستقدمه الدول المتقدمة لدول الجنوب التي تعاني من هذه المشكلات.
تحاورت الدول كثيراً عن تحرير التجارة، ولكن الدول المتقدمة لم تحدد حتى الآن ما الذي ستفعله لمعالجة موضوع دعم الزراعة فيها بما يجاوز أضعاف ما تقدمه إلى الدول النامية من معونات. ذلك الدعم الذي يجعل الزراعة في العالم النامي غير قادرة على منافسة نظيراتها في دول الشمال.
لم تتضح بعد صورة التجارة الدولية بالدواء، في ظل اتفاقيات تحرير التجارة العالمية. وما زالت الشركات الضخمة المتعددة الجنسيات والعابرة القارات تسيطر على مقاليد الاقتصاد في الدول المتقدمة، وبالتالي على مقاليد الحكم فيها، الأمر الذي ينعكس سلباً على الدول النامية، كما لم تتفق الدول على مبادئ محددة لنشاط تلك الشركات. كل هذه قضايا أساسية للتنمية. كانت معنا في العقد الأخير من القرن الماضي، ودخلت بعنف إلى القرن الجديد، الحادي والعشرين، وتزداد تعقيداً يوماً بعد يوم.
أملي أن يرى عام 2004 خطوات إيجابية محددة لتنفيذ ما تعهدت الدول تحقيقه في نيويورك وجوهانسبورغ. أملي أيضاً أن يرى 2004 خطوات إيجابية في مفاوضات تحرير التجارة العالمية، خاصة في مجال الزراعة وتجارة الدواء.
فإذا انتقلنا إلى قضايا البيئة العالمية، نجد في مقدمها: تغير المناخ وارتفاع درجة حرارة العالم، مفقودات التنوع البيولوجي، تزايد إنتاج وتداول الكيماويات السامة، نقل النفايات الخطرة عبر الحدود، تلوث المياه الشاطئية، الازدياد المستمر في عملية الحضرنة أو زيادة الرقعة الحضرية، وأخيراً شح المياه. وتضبط التعامل مع أربع أو خمس من هذه المشكلات اتفاقيات دولية تفاوضت الحكومات على كل منها سنوات إلى أن وصلت إلى اتفاق بشأنها. وقعتها ثم صادقت عليها أجهزتها التشريعية ودخلت حيز التنفيذ. وعندما حان وقت العمل الجاد من الدول لتنفيذ ما اتفقت عليه، وجدنا تفككاً غريباً في هذا الرباط الدولي. ولعل أوضح صورة لذلك قضية تغير المناخ التي تمثل، في تقديري، التحدي الأكبر لهذا الجيل والأجيال القادمة، الذي يصل إلى درجة ما إذا كانت الحياة على الأرض يمكن أن تدوم أو لا تدوم.
لقد جاهد العلماء في كل بقاع الأرض سنوات وسنوات لإيضاح أبعاد هذه القضية. واتفق رأي الغالبية العظمى منهم على أن الارتفاع الذي حدث في متوسط درجة حرارة العالم خلال القرن الماضي وهو 0.6 درجة مئوية، بالإضافة إلى امتصاص المحيطات لقدر مماثل من الحرارة، سببه الرئيس هو النشاط الإنساني الذي تنتج عنه زيادات مستمرة في ما سمي غازات الدفيئة، وأهمها غاز ثاني أوكسيد الكربون، وتأتي بعده غازات الميثان والأوزون وبعض أكاسيد النيتروجين. قدم العلماء نماذج رياضية دقيقة لما حدث وما يمكن أن يحدث، وانتهى تقييمهم إلى أن متوسط درجة حرارة العالم سوف يرتفع خلال القرن الحالي في حدود ثلاث درجات مئوية أقول متوسط الارتفاع في العالم، ولكننا لا ندري حتى الآن أين ستكون الزيادات الكبيرة وأين ستكون المحدودة وأين سيكون النقص أو الثبات في درجة الحرارة الذي سيؤدي إلى هذا المعدل العام.
قد يرى القارئ أن زيادة متوسط درجة حرارة العالم 3 درجات مئوية ليست أمراً ذا بال، فهذه زيادة محدودة. ولكن إذا علمنا أن الفرق بين درجة الحرارة التي تعيشها الأرض الآن ومتوسط درجة حرارتها يوم كانت تعيش العصر الجليدي هو خمس درجات مئوية، يتضح لنا أن زيادة ثلاث درجات مئوية هي زيادة مخيفة يتبعها تغير في نظام سقوط الأمطار وارتفاع للمياه في البحار والمحيطات وتحطيم قدرة العديد من الكائنات الحية بما فيها الإنسان على التعايش مع مثل هذه الحرارة العالية.
وأكد العلماء أن هذا الارتفاع في درجة الحرارة خلال القرن الحالي سوف تصحبه، لفترة طويلة منذ بداية القرن، تغيرات مناخية واضحة: ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة صيفاً، وانخفاض ملحوظ في درجات الحرارة شتاء، واشتداد العواصف والرياح والفيضانات التي تحطم في طريقها النبات والمسكن والحيوان. فلنتصور العديد من الأخطار التي قد يمكن وقد لا يمكن التعايش معها، حتى لو بدأنا الإعداد منذ الآن لإنتاج محاصيل تستطيع العيش في درجات حرارة أعلى وأنتجنا مزيداً من الطاقة لتبريد البيوت وأماكن العمل في الصيف الأكثر حرارة.
العالم كله لا يناقش هذه الحقائق، بل يعترف بها ويتفق على تخفيض انبعاثاته من غازات الدفيئة لنسب محددة خلال الفترة من 1992 إلى 2010. وتتسابق الدول للتصديق على اتفاقية كيوتو التي تنظم هذا التحقيق. وفي خضم هذا القدر الهائل من القلق يصر قادة الولايات المتحدة الأميركية، التي تنتج أكثر من 20في المئة من إجمالي غاز ثاني أوكسيد الكربون في العالم ، على الانسحاب من الاتفاقية فجأةً، وتأتي الدولة الكبرى الأخرى، روسيا الاتحادية، التي تنتج قرابة 10 في المئة من هذه الغازات، لتؤجل أيضاً اتخاذ قرار بالتصديق على الاتفاقية. حجة الدولتين أن التخفيض يؤذي اقتصاد كل منهما، كما لو كان المهم هو مزيد من الغنى للأغنياء ومزيد من التفوق للأقوياء ومزيد من النعم للأثرياء، وهم محدودو العدد جداً في هذا العالم، على حساب الغالبية العظمى من سكانه، الذين سيعانون الأمرين من مثل هذا التغير في المناخ.
عزيزي القارئ: لعلك تتفق معي على أن موضوع تغير المناخ، حسب ما يقدمه العلم والعلماء في كل يوم، مدعاة للقلق الحقيقي. فهل يكون هناك أمل أكبر في أن يرى عام 2004 انفراجة في التعامل مع هذه القضية، وأن يرى قادة الولايات المتحدة الأميركية وروسيا الاتحادية الأمر في إطاره صحيح، كخطر داهم يتهدد العالم كله؟ ولا أعتقد أن كل التكنولوجيات المتاحة عند الدول الغنية وكل الأموال المتاحة لها يمكن أن تحميها من النتائج المأسوية لتغير المناخ، إذا استمر التهاون في شأنه على نحو ما نرى هذه الأيام.
لا يداني هذه القضية في رأيي سوى قضية شح المياه، وهي القضية التي تعاني منها دول عديدة في مختلف قارات العالم. وسوف تشتد حدتها لا شك مع استمرار زيادة معدل حرارة الجو في العالم والتغير الذي نراه في المناخ.
هذه القضية تهم منطقتنا العربية بصفة أساسية. فكلنا، باستثناءات لا تذكر، نعيش الآن بالفعل تحت خط الفقر المائي. فلك عزيزي القارئ أن تتصور الوضع بعد عشر سنوات أو عشرين سنة، وكميات المياه المتاحة كما هي وسكان المنطقة يتزايدون باطراد. فضلاً عن ذلك، نحن في المنطقة العربية لدينا مشكلة خاصة هي أن غالبية المياه الدولية الموجودة عندنا تأتي من مصادر تقع خارج الدول العربية، ومعنى هذا أننا قد نتعرض لمشكلات من دول منابع تلك الأنهار والبحيرات، الأمر الذي يستوجب في اعتقادي أموراً ثلاثة:
1. ترشيد حقيقي لاستهلاك المياه العذبة وليس مجرد شعارات. ولن يتم هذا عن طريق وضع القوانين فقط، ولكنه يستلزم تعاوناً كاملاً بين الأجهزة التنفيذية والتشريعية في الدول وبين الأكاديميين والباحثين من جانب، وتنظيمات المجتمع المدني القادرة على تحريك تعاون جموع الشعب قاطبة لتحقيق هذا الترشيد.
2. التعاون البناء الخلاق بين دولنا ودول منابع مصادر المياه الدولية التي تأتي إلى بلادنا لإقامة مشروعات مشتركة يستفيد فيها الجميع من مياه المصدر.
3. التعاون بين دول المنطقة العربية وصولاً إلى توطين تكنولوجيات تحلية المياه المالحة. فنحن نعيش في هذه المنطقة على بحار من كل جانب، وتوطين هذه التكنولوجيات سوف يتيح لنا تخفيض كلفة إنتاجها، وبالتالي إمكانات استخدامها دون أن تجعل الناتج عنها غير مناسب اقتصادياً.
لا أريد أن أحلق في سماء الخيال وأرسم آمالاً على رمال الصحراء تذروها الرياح، ولكني أعتقد بصدق أننا، بقدر من صدق النية والتعاون، يمكن أن نرى بدايات واضحة جادة لقضايا: التجارة وتغير المناخ وشح المياه.
هل هذا كثير؟ لا أعتقد ذلك.
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.