Sunday 24 Nov 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
رأي
 
روبرت كينيدي جونيور حرب أميركا على الطبيعة  
كانون الثاني (يناير) 2004 / عدد 70
 سوف يسقط جورج بوش في التاريخ كأسوأ رئيس أميركي من الناحية البيئية. ففي هجوم ضار على مدى ثلاث سنوات، أصدرت ادارته أكثر من 200 تعديل رئيسي للقوانين البيئية في الولايات المتحدة، مما أضعف حماية الهواء والماء والأراضي العامة والحياة الفطرية في البلاد. وهي تعتزم، مستترة ببلاغة لغوية صيغت لخداع الجمهور، إلغاء أهم القوانين البيئية مع بداية السنة الجديدة. وبتوجيه من الجمهوري بولستر فرانك لونتز، أخفى البيت الأبيض برنامجه المناهض للبيئة وراء لغة خطابية مضللة ومتحدثين لهم ظهور جذاب على شاشات التلفزة وستار من السرية وترهيب للعلماء والبيروقراطيين.
هجوم بوش لم يكن غير متوقع. فقد كان له أسوأ سجل بيئي لأي حاكم أثناء ولايته في تكساس، التي أصبحت الولاية الرقم 1 في تلوث الهواء والمياه وفي انبعاث المواد الكيميائة السامة. وخلال سنواته الست في اوستن، ناصر ازدهاراً قصير الأجل مبنياً على التلوث، أغنى المتبرعين لحملاته السياسية وأصدقاءه في الشركات من خلال الحط من نوعية الحياة لكل شخص آخر. وها هو الرئيس بوش الآن مستعد ليفعل الشيء ذاته لأميركا.
انا غاضب كمواطن وكأب. فقد أصيب ثلاثة من أبنائي بداء الربو. أراقبهم وهم يتنفسون بصعوبة في الأيام التي تشهد تفاقماً في تلوث الهواء. وهم محظوظون مقارنة بغيرهم. فكل طفل أفريقي ـ أميركي من أربعة في نيويورك يعاني من هذه البلوى. ولا أمل لهم غالباً بما يخفف من معاناتهم، لانهم يفتقرن الى التأمين والرعاية الصحية اللائقة التي تبقي أبنائي على قيد الحياة. وأولادي من بين ملايين المواطنين الذين لا يستطيعون ممارسة التقليد الاميركي بصيد الاسماك مع آبائهم وأكل ما يصطادون. فمعظم أسماك المياه العذبة في نيويورك، وكل أسماك المياه العذبة في ولاية كونيتيكت، تخضع حالياً لفحوص تثبت عدم صلاحها للاستهلاك. وأحد المصادر الرئيسية للتلوث الزئبقي في أميركا، اضافة الى غاز الاوزون الأرضي والملوثات الدقيقة المثيرة لنوبات الربو، هو محطات الطاقة التي تحرق الفحم والتي أعفاها الرئيس بوش مؤخراً من التقيد بقانون الهواء النظيف. واضافة الى ذلك، فان الادمان القاتل على الوقود الاحفوري الذي تشجعه سياسات البيت الأبيض بدد خزينتنا، وورطنا في حروب خارجية، وقلل من هيبتنا في العالم، وجعلنا هدفاً لهجمات ارهابية، وزاد من اعتمادنا على الشرق الأوسط.
عندما نجح اليمين الجمهوري في تنصيب جورج بوش رئيساً عام 2000، أخذ القياديون يفعلون مرة أخرى ما كانوا يحاولون القيام به منذ سنوات ريغان، أي تقويض البنية التحتية للقوانين والأنظمة التي تحمي البيئة.
بدأت الهجمات يوم تسلم بوش سدة الرئاسة، عندما أصدر اندرو كارد، كبير موظفي بوش والعضو السابق في جماعة الضغط (اللوبي) لدى "جنرال موتورز"، قراراً رسمياً بوقف العمل بجميع الأنظمة التي أقرت مؤخراً. ومنذئذ، جند البيت الأبيض كل وكالة اتحادية تشرف على برامج بيئية في جهد منسق لتخفيف الأنظمة واللوائح التي تستهدف صناعات النفط والفحم والخشب والتعدين والكيماويات، فضلاً عن صانعي السيارات وشركات المشاريع العقارية والقطاع الزراعي وصناعات أخرى.
يتم تنسيق هذا الهجوم من خلال مكتب الادارة والموازنة في البيت الابيض، وبدقة اكثر من خلال مكتب الاعلام والشؤون التنظيمية فيه، بتوجيه من جون غراهام، المختص بترويج تغييرات في الافتراضات العلمية والاقتصادية التي تشكل أساساً للانظمة، مثل اعادة احتساب تحاليل النفقات والمردود لصالح الملوثين. وكان غراهام، قبل البيت الأبيض، المدير المؤسس لمركز هارفرد لتحليل المخاطر، حيث تلقى تمويلاً من كبريات الشركات الملوثة في أميركا، وهي "داوكيميكال" و"دوبون" و"مونسانتو" و"آلكوا" و"إكسون" و"جنرال الكتريك" و"جنرال موتورز".
العقوبات التي تفرض على المخالفات البيئية تراجعت في ظل بوش. واقترحت وكالة حماية البيئة الاستغناء عن خدمات 270 موظفاً من المسؤولين عن فرض القانون، مما يخفض أجهزة الموظفين الى أدنى مستوى على الاطلاق. وتراجعت عمليات تفتيش الشركات الملوثة بنسبة 15 في المئة. وقلت الدعاوى الجزائية المحالة على النيابة العامة الاتحادية بنسبة 40 في المئة.
قنّع البيت الأبيض هجماته بلطف التعبير وباستعارات قادرة على تخجيل أقوى الروائيين. ومبادرة "الغابات الصحية" التي أطلقها جورج بوش تشجع قطع الأخشاب المدمر للغابات الدهرية. وبرنامجه "الأجواء الصافية" الذي يبطل نصوصاً رئيسية في قانون الهواء النظيف يسمح بمزيد من المنفوثات. وتستخدم الادارة كلمات رمزية مضللة، مثل "التنظيم" أو "الاصلاح" بدلاً من "الاضعاف"، و"رحرحة" الأشجار بدلاً من "القطع".
يبدو أن بوش يحاول العودة بنا الى العصور المظلمة بتقويض مبادئ حقوقنا البيئية، التي سلَّمت بها دائماً الأمم المحضرة. فقوانين الهواء النظيف في بريطانيا، التي أقرت في القرن الرابع عشر، جعلت حرق الفحم في لندن جريمة كبرى، وكان المخالفون يعدمون لارتكابها. وهذه الحقوق المكتسبة، بهواء ومياه وحياة فطرية غير ملوثة، آلت الى شعب الولايات المتحدة بعد الثورة الأميركية. وحتى العام 1870، أي مصنع يطلق حتى مقادير صغيرة من الدخان الى الأملاك العامة أو الخاصة كان يعتبر عاملاً بطريقة غير مشروعة.
حكومة الظل
عام 1970، في "يوم الأرض" الأول، نزل أكثر من 20 مليون أميركي الى الشوارع احتجاجاً على وضع البيئة. كانوا يطالبون بعودة الحقوق القديمة، سواء عرفوا ذلك أم لم يعرفوا. وخلال السنوات القليلة اللاحقة، أقر الكونغرس 28 قانوناً بيئياً رئيسياً، بما فيها قانون الهواء النظيف وقانون الماء النظيف وقانون الأنواع المهددة، وأسَّس وكالة حماية البيئة لتطبيق هذه القوانين الجديدة وفرضها.
"يوم الأرض" باغت الملوثين. لكنهم في السنوات الثلاثين التالية شنوا هجوماً مضاداً ضارياً لتقويض هذه القوانين. وادارة بوش توجت حملتهم.
في العام 1980، قال مرشح الرئاسة رونالد ريغان: "أنا من ثوار سيجبراش"، مسجلاً نقطة تحول للحركة الحديثة المناهضة للبيئة. وفي أوائل الثمانينات نظمت صناعات التقطير الغربية، التي يقودها صانع الجعة جوزف كورز، أحد أسوأ الملوثين في كولورادو، "ثورة السيجبراش"، (Sagebrush Rebellion) وهي ائتلاف يضم مال الصناعة وإديولوجيي الجناح اليميني ساعد في انتخاب ريغان رئيساً. الملوثون الكبار الذين باشروا "ثورة السيجبراش" نجحوا لأنهم استطاعوا توسيع دائرتهم الانتخابية معتمدين بلاغة مناهضة للتنظيم ومناهضة للعمل ومناهضة للبيئة، كان لها صدى كبير لدى قادة المسيحيين الاصوليين من أمثال جيري فولويل وبات روبرتسون، ولدى بعض المجتمعات الغربية حيث العداء للحكومة متأصل بعمق.
أسس كورز "مؤسسة ماونتن ستايتس القانونية" عام 1976 بهدف رفع قضايا مصممة لاغناء الشركات الكبرى. كما أوجد مؤسسة هيريتاج (التراث) اليمينية (Heritage Foundation) لتؤمّن دعامة فلسفية للحركة المناهضة للبيئة. ومنذ ولادتها، حثت "هيريتاج" وأصدقاؤها من المحافظين الجدد الأتباع على خنق الحركة البيئية التي نعتتها بأنها "التهديد الأكبر للاقتصاد الأميركي". وقد جلب فوز رونالد ريغان نصراً كبيراً للمؤسستين. وباتت "هيريتاج" تعرف بـ"حكومة الظل" في عهده، وأصبح بيانها الرسمي المكون من 2000 صفحة بعنوان "انتداب للتغيير" برنامج عمل لادارته.
اختار كورز مساعديه في كولورادو: آن غورسوش أصبحت مديرة وكالة حماية البيئة. وزوجها روبرت بورفورد، أحد أقطاب تربية المواشي الذي أخذ عهداً بتدمير مكتب ادارة الاراضي، اختير لرئاسة تلك الوكالة ذاتها. والأفظع من ذلك أن كورز اختار جيمس واط، رئيس مؤسسة ماونتن ستايتس القانونية، لمنصب وزير الداخلية. وكان واط من مؤيدي "نظرية السيادة"، تناصر واجب الانسان في أن "يُخضع" الطبيعة. وأثناء جلسة استماع في مجلس الشيوخ استشهد بسفر الرؤيا في التوراة وقرب نهاية العالم ليشرح لماذا كان يتخلى عن الأماكن المقدسة في أميركا بأسعار بخسة.
في غضون ذلك، خفضت آن غورسوش موازنة وكالة حماية البيئة بنسبة 60 في المئة، فشلَّت قدرتها على وضع الأنظمة أو فرض القانون. وعينت "لوبيّين" (عناصر ضغط) مباشرة من مراكزهم في شركات الورق والاسبستوس والكيماويات والنفط لتشغيل كل الدوائر الرئيسية في الوكالة. وكان كبير استشارييها محامي شركة "إكسون" النفطية، ورئيس قسم تنفيذ القانون من شركة "جنرال موتورز" للسيارات.
هذه الهجمات التي شنت على البيئة أدت الى تمرد جماهيري. ففي العام 1983، وقع أكثر من مليون أميركي، وكل القبائل الهندية الـ125، عريضة طالبوا فيها بعزل واط. وبعدما أجبر واط على ترك منصبه، وجهت اليه 25 تهمة جنائية باستغلال النفوذ. وأجبرت غورسوش و23 من أنصارها على الاستقالة إثر تحقيق أجراه الكونغرس حول صفقات مصالح مع ملوثين، بمن فيهم كورز. وسُجنت نائبتها الأولى ريتا لافيل بتهمة الحث باليمين. الاتهامات والاستقالات ثبطت موقتاً عزيمة "ثوار سيجبراش" لكنهم أعادوا تنظيم أنفسهم سريعاً تحت اسم حركة "وايز يوز" (Wise Use) أي الاستعمال الحكيم التي أسسها رون آرنولد الناطق باسم صناعة الخشب، وهو قال مرة: "هدفنا تدمير الحركة البيئية واستئصالها. نريد أن نكون قادرين على استغلال البيئة من أجل المنفعة الخاصة، حتماً".
في العام 1994، ساعدت "وايز يوز" في رفع نيوت غينغريتش الى منصب رئيس مجلس النواب، وتحويل بيانه الرسمي المناهض للبيئة وعنوانه "العقد مع أميركا" الى قانون. رئيس السياسة البيئية لدى غينغريتش كان توم ديلاي، "مبيد هيوستن" الذي كان مصمماً على تخليص العالم من أنظمة المبيدات المزعجة وترويج نظرة توراتية الى العالم. وقد استهدف قانون الأنواع المعرضة للخطر كثاني أكبر خطر يهدد تكساس بعد الاجانب غير الشرعيين.
تعلم غينغريتش وديلاي من هزيمة جيمس واط أن عليهما اخفاء أجندتهما المتطرفة. وقد صعّدا هجوماً متستراً على القوانين البيئية في أميركا، متجنبين بحرص المناقشات العامة حول مبادراتهما. وبدلاً من أن يشنا هجوماً مباشراً على التشريعات الشعبية، مثل قانون الأنواع المعرضة للخطر وقانوني الماء النظيف والهواء النظيف، حاولا تقويض هذه القوانين من خلال إلحاق فقرات اضافية غير ملحوظة بمشاريع قوانين الموازنة التي يتعين إقرارها.
لكن الجمهور أخذ علماً بذلك. وانضم جمهوريون معتدلون الى ادارة كلينتون لاحباط أسوأ ما فيها. وقام "مجلس الدفاع عن الموارد الطبيعية" (NRDC) الذي انتسب اليه، وكذلك "مننتدى سييرا" و"مجموعة أبحاث المنفعة العامة"، بحفز أكثر من مليون رسالة وجهت الى الكونغرس. وعندما خذل الرئيس كلينتون الحكومة في كانون الأول (ديسمبر) 1995 بعدم اقرار مشروع قانون للموازنة مرصع بفقرات اضافية مناوئة للبيئة، انقلب الوضع ضد غينغريتس وديلاي. ومع نهاية ذلك الشهر استنكر الجميع ذلك الهجوم، حتى المحافظون. وعبَّر ديلاي عن اذعانه بالقول: "لقد خسرنا المعركة على البيئة".
واليوم، وفيما الرئاسة ومجلسا النواب والشيوخ تحت سيطرة مناوئي البيئة، تراهم على استعداد للتخلص من القوانين المكروهة. وتهدف استراتيجية البيت الأبيض الى ترويج سياساته غير الشعبية بالكذب حول برنامج عمله والخداع حول العلوم وسرقة لغة الحركة البيئية وبلاغتها.
ومع أن مستطلع الرأي لونتز اعترف بأن الدليل العلمي هو لغير صالح الجمهوريين حول مسائل مثل الاحترار العالمي، فقد نصحهم بالعثور على علماء لهم رغبة في خداع الجمهور، وقال للجمهوريين "تحتاجون الى الاستمرار في جعل فقدان الحقيقة العلمية قضية رئيسية، وذلك بأن تنشطوا أكثر في تجنيد خبراء متعاطفين مع وجهة نظركم".
في خريف 2001، زودت وزيرة الداخلية غايل نورتون لجنة الطاقة والموارد الطبيعية في مجلس الشيوخ بتقييم علمي أظهر أن التنقيب عن النفط في المنطقة القطبية الشمالية لن يلحق الاذى بمئات الآلاف من أيائل الرنة. وبعد ذلك بفترة غير طويلة اتصل بيولوجيو مصلحة الأسماك والحياة الفطرية بمنظمة "موظفون حكوميون للمسؤولية البيئية" التي تدافع عن العلماء والاختصاصيين الآخرين العاملين في الوكالات البيئية في الولايات وعلى الصعيد الاتحادي. وقال المدير التنفيذي للمنظمة جيف روش: "أحضر لنا العلماء العلوم التي قدموها الى نورتون والنسخة المعدلة التي سلمتها نورتون الى الكونغرس بعد أسبوع". وكان هناك 17 تغييراً رئيسياً، وكلها تقلل من التأثيرات المبلغ عنها. وعندما سئلت نورتون عن التعديلات في تشرين الأول (اكتوبر) 2001، أنكرتها معتبرة أنها أخطاء طباعية.
علاقة حميمة مع صناعة الطاقة
ليس هناك من جدل علمي تلاعب به البيت الأبيض أكثر من مسألة الاحترار العالمي. فقد عدلت ادارة بوش أكثر من عشرة تقارير رئيسية حول الموضوع أو طمستها أو حاولت تشويه صدقيتها. ومن هذه دراسة دامت 10 سنوات أجرتها الهيئة الدولية حول تغير المناخ (IPCC) بتكليف من جورج بوش الأب عام 1993، في مسعاه الخاص لتفادي إجماع علمي حقيقي يحمّل الانبعاثات الصناعية مسؤولية الاحترار العالمي.
بعد تنكرها لبروتوكول كيوتو، كلفت ادارة بوش أكاديمية العلوم الوطنية التابعة للحكومة الاتحادية بايجاد ثغرات في الدراسة التي أجرتها الهيئة الدولية حول تغير المناخ. لكن هذه الخدمة أعطت عكس النتائج المرجوة فم تكتفي الأكاديمية بتأكيد وجود احترار عالمي وعلاقته بغازات الدفيئة الناتجة عن الصناعة، وانما توقعت أيضاً أن تسوء تأثيرات تغير المناخ أكثر مما كان يعتقد من قبل، مقدرة أن الحرارة العالمية سترتفع بما يتراوح بين 1,21 و5,60 درجات مئوية (2,5 ـ 10,4 درجات فهرنهايت) مع حلول سنة 2100.
في تموز (يوليو) 2003 سرب علماء من وكالة حماية البيئة دراسة امرت الوكالة بطمسها في أيار (مايو)، أظهرت أن خطة وضعها مجلس الشيوخ، وكان من داعميها السيناتور الجمهوري جون ماكين، لخفض التلوث الذي يسبب الاحترار العالم، يمكن أن تحقق هدفها بكلفة صغيرة للغاية. ورد بوش باطلاق محاولة بقيمة 100 مليون دولار على مدى 10 سنوات لاثبات أن التغيرات في درجات الحرارة العالمية تحدث بشكل طبيعي، في تكتيك تأخير آخر لصالح بارونات الوقود الاحفوري.
ليس هناك مثال على العلاقة الحميمة مع الشركات التي تختطف الديموقراطية الاميركية أفضل من دفء العلاقة بين البيت الأبيض وصناعة الطاقة. فقد تبرعت هذه الصناعة للجمهوريين باكثر من 48 مليون دولار في الحملة الانتخابية عام 2000، منها ثلاثة ملايين لجورج بوش. ويأتي بوش ونائبه ديك تشيني من حلبة النفط. و31 من أعضاء فريقه الانتقالي الـ48 لهم علاقات بصناعة النفط. وحكومة بوش وجهاز الموظفين في البيت الأبيض هما "فريق الأحلام": أربعة وزراء في الحكومة، وأقوى ستة مسؤولين في البيت الأبيض، وأكثر من 20 موظفاً رفيع المستوى، هم خريجو صناعة النفط وحلفائها.
بعد أيام من توليه الرئاسة، أطلق بوش "مجموعة تطوير سياسة الطاقة الوطنية" برئاسة تشيني. وخلال ثلاثة أشهر، عقدت المجموعة اجتماعات مقفلة مع ممثلين لصناعة الطاقة ورفضت الكشف عن أسماء المشاركين.
لأول مرة في التاريخ، أقام ديوان المحاسبة العامة، غير الحزبي، دعوى قضائية ضد الفرع التنفيذي طالباً اطلاعه على هذه السجلات. كما قدم مجلس الدفاع عن الموارد الطبيعية طلباً للاطلاع عليها بموجب قانون حرية المعلومات. وعندما لم يستجب تشيني، أقمنا أيضاً دعوى قضائية. وفي 21 شباط (فبراير) 2002، بموجب أمر من احدى المحاكم، حصل المجلس على نحو 20,000 مستند. ورغم أن أياً من السجلات الخاصة باجتماعات نائب الرئيس لم يؤذن بنشرها حتى الآن، والصفحات ادخلت عليها تنقيحات كثيرة لمنع كشف معلومات مفيدة، فان الوثائق ما زالت تسمح بالقاء نظرات خاطفة على العملية.
فتح المحميات للتنقيب
في شتاء وربيع 2001، توافد مديرون تنفيذيون ولوبيّون من صناعات النفط والفحم والكهرباء والطاقة النووية على قاعة الحكومة ومكتب تشيني. وكان كثيرون من اللوبيّين قد تركوا للتو مناصبهم في حملة بوش الرئاسية للعمل لدى الشركات التي تبرعت بسخاء لتلك الحملة. والشركات التي تبرعت بسخاء لتلك الحملة. والشركات التي تبرعت بمبالغ كبيرة أعطيت اذناً خاصاً بالاطلاع. مديرون تنفيذيون من شركة "إنرون"، التي تبرعت للجمهوريين بمبلغ 2,5 مليون دولار من 1999 الى 2002، اتصلوا بمجموعة العمل 10 مرات على الأقل، بما في ذلك ستة لقاءات وجهاً لوجه بين مسؤولين كبار في الشركة وتشيني.
بعد اجتماع واحد مع كبير مديري "إنرون" التنفيذي كينيث لاي، رفض تشيني طلب حاكم كاليفورنيا غراي ديفيس برفع أسعار الطاقة في الولاية. وهذا الرفض يعود بالثراء العميم على "إنرون" ويضع كاليفورنيا على حافة الافلاس. وقد اتضح منذئذ أن أزمة الطاقة في الولاية كانت من تدبير "إنرون" الى حد كبير.  وبحسب صحيفة "نيويورك تايمز"، وزع موظفو مجموعة العمل الخاصة مذكرة اقترحت "استغلال" الأزمة لتبرير التوسع في التنقيب عن النفط والغاز. واتخذ الرئيس بوش وآخرون أزمة كاليفورنيا مطية من أجل الدعوة للتنقيب في محمية الحياة الفطرية الوطنية في المنطقة القطبية الشمالية.
ان خطة الطاقة لمجموعة العمل هي دعم بقيمة 20 بليون دولار لصناعات النفط والفحم والطاقة النووية، التي تسبح أصلاً في بحر من الايرادات القياسية. ففي أيار (مايو) 2003، مع إقرار مجلس النواب للخطة، ومع دخول بقية البلاد في ركود اقتصادي تفاقم بسبب ارتفاع أسعار النفط، أعلنت "إكسون" أن ارباحها تضاعفت ثلاث مرات من الايرادات القياسية التي حققتها في ربع السنة السابق. وتوصي خطة الطاقة بفتح الاراضي والمياه المحمية أمام التنقيب عن النفط والغاز، وبناء 1900 محطة لتوليد الكهرباء. الكنوز الوطنية، مثل شواطئ كاليفورنيا وفلوريدا ومحمية الحياة الفطرية القطبية والمناطق المحيطة بمنتزه يلوستون الوطني، سوف تفتح للنهب طمعاً بكميات تافهة من الوقود الاحفوري الذي تحويه.
في 27 آب (أغسطس) 2002، عندما كانت غالبية أميركا تستعد للاحتفال بعطلة عيد العمل، أعلنت الادارة أنها ستعيد تعريف ثاني أوكسيد الكربون، السبب الرئيسي للاحترار العالمي، بحيث لا يعتبر بعدئذ ملوثاً وبذلك لا يعود خاضعاً لأحكام قانون الهواء النظيف. وفي اليوم التالي، سحب البيت الأبيض نص "اعادة النظر في مصدر جديد" الوارد في القانون، والذي يوجب على الشركات تحديث نظم مكافحة التلوث عندما تعدل منشآتها.
بحسب الاكاديمية الوطنية للعلوم، فان سحب البيت الأبيض لهذا النص سيؤدي الى وفاة 30,000 أميركي قبل الأوان كل سنة. ورغم أن سحبه يمكن أن يُنقض في المحاكم، فان الضرر يكون قد وقع، وسوف تفلت شركات الطاقة، مثل شركة "ساذرن"، من المحاكمة الجزائية. وفور اعلان الأنظمة الجديدة، ترك جون بمبرتون منصبه ككبير موظفي المدير المساعد لوكالة حماية البيئة لشؤون الهواء، وانتقل للعمل لدى "ساذرن".
في 30 آب (أغسطس) 2003، رشح الرئيس بوش حاكم ولاية يوتاه السابق مايك ليفيت ليخلف رئيسة وكالة حماية البيئة كريستين تود ويتمان، التي أقصيت عن منصبها وأهينت حتى في جهودها الضئيلة لتخفيف حدة السلب. وفي تشرين الأول (اكتوبر) صادق مجلس الشيوخ على تعيين ليفيت. ومثل غايل نورتن، يتاز ليفيت بشخصية ساحرة وسجل بيئي كارثي. وتحت قيادته ارتبطت بيوتاه صفة الولاية التي تحمل أسوأ سجل لتنفيذ القوانين البيئية، وباتت ثاني أسوأ ولاية (بعد تكساس) من حيث نوعية الهواء والانبعاثات السامة.
لقد تعلمتُ ان الشيوعية تقود الى الديكتاتورية والرأسمالية تقود الى الديموقراطية. لكن ما شاهدناه من ادارة بوش يدل على أن الافتراض الأخير لا يصحّ على الدوام. وفي حين أن الأسواق الحرة تميل الى جعل مجتمع ما ديموقراطياً، فان الرأسمالية المتحررة تؤدي دائماً الى سيطرة الشركات على الحكومة. فرأسماليو الشركات لا يريدون أسواقاً حرة، بل يريدون أرباحاً موثوقة، وطريقهم الأضمن سحق المنافسة من خلال السيطرة على الحكومة. وصعود الفاشية في أوروبا في ثلاثينات القرن الماضي يوفر كثيراً من الدروس والعبر حول كيف أن قوة الشركات يمكن أن تقوض الديموقراطية. وقد شكا موسوليني من أن الفاشية يجب أن تدعى في الحقيقة "الشركاتية".
اليوم، جورج بوش وبطانته يعاملون بلادنا كما لو أنها سلعة في يد بارونات النهب، فيخضعون الناس والمشاعات للملوثين الكبار. عام 2002، ومع مضاعفة التعديات القانونية المفجعة، خصصت الشبكات التلفزيونية التي تملكها الشركات أقل من 4 في المئة من فتراتها الاخبارية للأحداث والمواضيع البيئية. ومعظم الأميركيين، لو عرفوا الحقيقة، لشاركوني في غضبي الشديد من أن هذا الرئيس يسمح لاصدقائه في الشركات بسرقة أميركا من أولادنا.
روبرت كينيدي الابن هو نجل السناتور الاميركي روبرت كينيدي الذي اغتيل عام 1968. وهو كبير المحامين في مجلس الدفاع عن الموارد الطبيعية في الولايات المتحدة (NRDC). وقد نشرت مجلة Rolling Stone نصاً مطولاً لهذا المقال (بالانكليزية) في عددها الصادر في 11 كانون الأول (ديسمبر) 2003. ويمكن قراءته على الانترنت على الموقع الآتي:
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
روبرت كينيدي جونيور حرب أميركا على الطبيعة
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.