لأول مرة، أصبح في العراق وزارة للبيئة. والمتابع لتصريحات وزيرها عبد الرحمن صديق كريم يجد أنها تشجع على التفاؤل. فهو ملم بالمشاكل التي تجابه وزارته، إذ كشف بنفسه عن تضاعف نسبة الملوثات في العراق الى 11 ضعفاً عما كانت عليه عام 1987. وعزا الاسباب الى كثرة الحروب، واستخدام النظام السابق الاسلحة الكيماوية في ضرب المناطق المختلفة، وتجفيف ما يصل الى نحو 20 الف كيلومتر مربع من الاهوار، وعدم الاهتمام بالحزام الاخضر حول المدن مما أدى الى التصحر.
وبعدما أعلن الوزير عن مسح للمواقع التي تعرضت للضربات الكيماوية في المناطق الكردية، ركّز على التلوث باليورانيوم المستنفد الذي استخدمته القوات الأميركية عامي 1991 و2003 وأكد أن فرقاً متخصصة من وزارته "ستجري عمليات مسح اشعاعي على المناطق التي تعرضت للقصف باليورانيوم المستنفد في جنوب ووسط العراق"، واعداً بأن فرقاً من الامم المتحدة ستشارك في هذه العمليات.
وحول النفايات والمياه، أشار كريم الى أن وزارته بصدد رصد النقاط الساخنة في مجال الطمر الصحي وتلوث المياه ومعالجة المياه الثقيلة، والتنسيق مع بعض المنظمات لمعالجة هذه المشاكل. وأضاف أن هناك أفكاراً للاستفادة من النفايات، وكذلك الاستفادة من القطاع الخاص والشركات المتخصصة برفع النفايات عن طريق المقاولات ورفع الانقاض وجمع النفايات وتحويلها الى مواد مفيدة كالأسمدة الزراعية. وأكد الوزير ضرورة مراقبة النقاط الملوثة باليورانيوم المستنفد في شمال العراق وجنوبه، والمناطق التي شهدت معارك كمطار بغداد الدولي، وغيرها. وكان واضحاً حين أعلن أن أجهزة البيئة قديمة وتفتقر الى تقنية قياس الملوثات الاشعاعية سواء في التربة أو المياه، موضحاً انه طلب اجهزة مسح اشعاعي عن طريق الطائرات، وهي الطريقة الاسرع، بالاضافة الى الاجهزة الدقيقة وتخصيص فرق متابعة ومراقبة في كل منطقة.
وأكد كريم أن وزارة البيئة تجري حالياً اتصالات مع منظمات غير حكومية تهدف الى الدفاع عن البيئة العراقية وحمايتها. وقال ان ممثلي "منتدى أصدقاء البيئة" الذي تم تشكيله مؤخراً يجرون لقاءات مستمرة مع وزارة البيئة من أجل التعرف الى المشاكل البيئية وسبل معالجتها. وعبر عن ارتياحه للتعاون الذي وصفه بالوثيق مع منظمات دولية مختصة بمجال الصحة والبيئة، كمنظمة الصحة العالمية وبرنامج الامم المتحدة للبيئة وبرنامج الأمم المتحدة الانمائي، التي تقدم بيانات تتعلق بمشاكل البيئة العراقية ومساعدات مختبرية، اضافة الى تقديم بريطانيا ورومانيا وجمهورية التشيك خدمات لتحسين وتحديث شبكات مياه الشرب والصرف الصحي وانعاش مناطق الاهوار في جنوب العراق.
وقدر وزير البيئة احتياجات وزارته لسنة 2004 بـ 340 مليون دولار، منها 187 مليون دولار لتحديث وتطوير شبكات مياه الشرب والصرف الصحي. وأكد الحاجة الى انشاء مختبر مركزي تتوفر فيه الادوات والاجهزة الحديثة لقياس كافة أنواع الملوثات. وتسعى الوزارة للحصول على نسخ من الاتفاقيات الدولية ومحاولة الافادة منها لطلب موارد مالية لتنفيذ متوجبات العراق في هذه الاتفاقيات، مع وجود خطط لستة أشهر تتضمن اجراء مسح شامل للبلد، وانشاء قاعدة بيانات.
وأعلن كريم أن وزارته تسعى للاتصال بالدول والمنظمات المتخصصة بالبيئة، والجامعات التي لديها برامج بيئية متطورة، لمعرفة ما توصل اليه العلم حول حماية وتحسين البيئة والاستفادة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. وكشف أن الوزارة حصلت على مساعدة بكلفة 4 ملايين دولار لافتتاح ثلاثة معاهد للابحاث البيئية في الجامعات العراقية في الموصل والبصرة وبغداد، اضافة إلى مكتبة بيئية حديثة، فضلاً عن وصول أجهزة فحوصات دقيقة جداً خاصة بفحص اليورانيوم. وأعلن أنه زار جامعة ولاية نيويورك الأميركية المتخصصة في ستوني بروك، التي ستساعد الوزارة على تطوير قدراتها في البحث والرقابة، واطلع في مختبراتها على نماذج من الأجهزة التي سيتم تزويد المختبرات العراقية بها.
وتوقف الوزير عند قضية تدني الوعي والثقافة البيئيين في المجتمع العراقي، وافتقار الموظف العراقي الى الثقافة البيئية أيضاً. وقال إن برامج التوعية في المدارس، ولجميع المراحل، غائبة، "لذلك فان الوزارة بصدد تفعيل قسم الاعلام لديها وتجهيزه بالمستلزمات الحديثة واعداد برامج اذاعية وتلفزيونية واصدار صحيفة بيئية متخصصة".
الشواهد لا تعد ولا تحصى على أن الشعب العراقي برمته يعيش في ظل كارثة بيئية. ومعالم التلوث البيئي الوخيم والمزمن شاخصة في أرجاء البلاد وتهدد صحة وحياة المواطنين. وقد حصد أرواح ألوف العراقيين، مع انتشار أنواع من السرطان، وولادات مشوهة، وأخرى ميتة أو مبكرة أو مبكرة أو ناقصة الوزن، وإجهاضات متكررة، وعقم، واعتلالات عصبية وعضلية، وغيرها من الأمراض والحالات المرضية الغريبة الخطيرة التي طالت حتى الثروة الحيوانية والزراعية.
إن نجاح وزير البيئة العراقي في تحقيق طموحاته يتطلب تأسيس مراكز متخصصة تابعة للوزارة، كمركز لأبحاث التلوث البيئي، ومركز يعنى ببيئة العمل، ومركز لإدارة النفايات البلدية والطبية، ومركز لتأهيل الكوادر البيئية، ومركز إعلامي مهمته نشر الوعي والثقافة البيئية وغيرها، على أن تكون مزودة بكل ما تحتاج اليه في عملها.
ويتعين على مجلس الحكم الانتقالي والحكومة العراقية المؤقتة إلزام وزارات الصحة، والعلوم والتكنولوجيا، والتعليم العالي والبحث العلمي، ومركز مكافحة السرطان، وجميع المؤسسات البحثية، بتقديم العون اللازم لوزارة البيئة. وفي هذا السياق لا بد من تفاوضه مع سلطة الإحتلال، والضغط عليها، لتنفيذ التزاماتها كقوة محتلة، بموجب اتفاقات جنيف، وإلزامها بتقديم العون المطلوب لوزارة البيئة، ولمركز أبحاث التلوث البيئي التابع لها، وفي مقدمته الأجهزة والمعدات الحديثة والخبرات العلمية، الى جانب السماح للوكالات الدولية المتخصصة، وفي مقدمتها برنامج الأمم المتحدة للبيئة ومنظمة الصحة العالمية والوكالة الدولية للطاقة الذرية، بدخول العراق فوراً، وتقديم العون والمساعدة، والمساهمة في إجراء الدراسات والتقييمات الميدانية الشاملة، ووضع المعالجات الجدية للمشاكل البيئية القائمة، الى جانب إلزام سلطة الائتلاف الموقتة بتنظيف العراق من نفايات الأسلحة المشعة، وإزالة "مقابر" الأسلحة المضروبة.
ولا بد من اعادة دمج المجتمع العلمي العراقي، في الداخل والخارج، الذي كان معروفاً بحيويته وتقدمه قبل إضاعة طاقته في الحروب العبثية. فضروري جمع هذه الطاقات في وزارة البيئة لضمان نجاحها في مهماتها الجسيمة.
الدكتور كاظم المقدادي طبيب عراقي مقيم في السويد.