هذا الشهر هو موعد صدور تقارير الشركات الخاصة والمؤسسات العامة عن أعمالها خلال العام الفائت. تقارير الشركات تعرض بالأرقام نتائج الأشهر الاثني عشر السابقة، لتظهر ميزان الربح والخسارة، مع تحليل لمدققي الحسابات وبرنامج عمل للسنة الجديدة يقدمه مجلس الادارة. هكذا يمكن الاستفادة من التجارب لمتابعة السياسات التي أثبتت جدواها وتعديل تلك التي تسببت بخسائر.
لو تم وضع نظام للتدقيق البيئي تقدّم المؤسسات البيئية العربية تقاريرها السنوية على أساسه، لسقطت معظم مجالس إدارتها. فالتقارير التي وصلتنا هذه السنة، مثل سابقاتها، غالباً ما تتحدث عن عدد البرامج والمشاريع كدليل على ما تسميه «انجازات»، وهي نادراً ما تعرض لنتائج هذه البرامج.
المواطن يريد أن يعرف، مثلاً، كم انخفض تلوث الهواء في بيروت أو دمشق أو القاهرة، نتيجة للبرامج والمشاريع، ولا يهمه أن يقرأ أنه تم الاتفاق على عشرة برامج أو عشرين لمعالجة تلوث الهواء. وهو يريد أن يعرف كم انخفضت معدلات التلوث من الصناعة، لا عدد الدراسات التي وضعت أو القوانين التي تم اعتمادها لضبط عمل المصانع. ومن حق المواطن العربي أن يطّلع على الوضع الفعلي للشواطئ، من خلال دراسات علمية تقدم الارقام وتحللها، لا أن تُقدَّم له لائحة بأعداد البرامج التي تم الاتفاق عليها لمراقبة الشواطئ. وهو يريد أن يعرف نتيجة المؤتمرات والتوصيات والمقررات، لا عناوينها وعددها وتواريخها ومن حضرها من وجهاء القوم.
المؤسف أن المنظمات الدولية وبعض مؤسسات الدول المانحة أصبحت شريكاً في تغطية فشل الهيئات البيئية المحلية، عن طريق اعتمادها في تقييم البرامج والمشاريع التي تموّلها على العدد لا النتيجة الفعلية. وهذا يذكّر بقصة الجرّاح الذي خرج من غرفة العمليات ليعلن لأهل المريض أن الجراحة نجحت لكن المريض توفي.
ونذكر هنا أن إقرار دولة خليجية قانوناً لدراسة الأثر البيئي للمشاريع لم يمنع من ردم بضعة كيلومترات مربعة من البحر لاقامة منشآت سياحية، بلا اعلان نتيجة دراسة الأثر البيئي للجمهور، مع أن كثيرين يعتقدون أن أعمال الردم تدمّر مواقع نادرة للحياة البحرية. فما معنى دراسة الأثر البيئي اذا لم توضع النتيجة في تصرف الناس المعنيين لابداء الرأي، وبقيت حكراً على المقاولين والممولين والمؤسسات الرسمية؟
لا يكفي انشاء وزارة أو هيئة للبيئة، مهما اشتملت على ادارات ومصالح واختصاصيين يمارسون عملهم خلف المكاتب في غرف مكيفة. فوضع السياسات الصحيحة يحتاج الى معلومات موثوقة يتم جمعها على الأرض. من هنا تبرز الحاجة الى مؤسسة وطنية علمية للبيئة، تواكب عمل الوزارة وتدعمها بالتقارير والدراسات نتيجة لعمل يومي مستمر، لا مجرّد برامج متفرقة ترتبط بالهبات والمساعدات وتتوقف معانتهائها. فمراقبة تلوث الهواء، مثلاً، لا يمكن أن تقتصر على نتائج شهر من القياسات ضمن برنامج مولته هذه السفارة أو تلك المنظمة، بل هي عمل مستمر من خلال محطات قياس ثابتة تعمل كل ساعة وكل يوم. وهذا لا تحققه البرامج المتفرقة، بل مؤسسات الأبحاث الوطنية المتخصصة.
وإلى أن يصبح عندنا مؤسسات أبحاث علمية وطنية للبيئة، ستبقى التقارير السنوية لهيئاتنا البيئية مواضيع انشائية تسرد عدد البرامج والمشاريع، بينما وضع البيئة يتدهور، وتتغنى بانجازات على غرار مقولة "نجحت الجراحة ومات المريض".
|