فتاة صغيرة في قرية سري لانكية لدغتها أفعى سامة. وكما هي حال كثير من الصغار والكبار في المناطق الريفية، كانت الفتاة معرضة يومياً للدغة قاتلة تودي بحياة 50,000 ضحية كل سنة. ولكن نتيجة أبحاث مضنية أجراها علماء بعيدون ألوف الكيلومترات، أمكن إنقاذ حياتها.
يعمل هؤلاء العلماء في وحدة أبحاث السموم التابعة لمعهد ليفربول للطب الاستوائي في بريطانيا. وهو أيضاً مركز تعاوني معتمد لمنظمة الصحة العالمية يشرف على انتاج ترياقات هي العلاج الفعال الوحيد للتسمم الناتج عن لدغات الأفاعي. وتؤوي الوحدة نحو 300 نوع من الأفاعي السامة الأكثر فتكاً في العالم، "يُحلب" سمها مرة في الاسبوع لانتاج ترياقات مضادة للتسمم ترسل الى أنحاء العالم.
يقول ديفيد ثيكستون، رئيس الوحدة ومدير المركز التعاوني التابع لمنظمة الصحة العالمية: "لدغة الأفعى مشكلة كبرى في المناطق الاستوائية الريفية، والمزارعون الفقراء والاولاد والرعاة والصيادون هم أكثر المعرضين لها. ولا تتوافر الترياقات في غالب الأحيان، وحتى لو توافرت لا تكون مناسبة لحالات معينة. وينصب عمل المركز البحثي والسريري على زيادة توافرها وفعاليتها في البلدان الفقيرة".
في مواجهة نقص الترياقات عالمياً، يتحول الباحثون في الوحدة الى تكنولوجيا الحمض الريبي النووي (DNA) لتطوير عقاقير مضادة للتسمم وقليلة الكلفة. والأبحاث التي تجرى في الوحدة يمكن أن تساعد أيضاً أناساً عانوا من النوبات القلبية والسكتات الدماغية التي تعتبر أكثر الأمراض فتكاً في العالم العربي. فكثير من هذه الاضطرابات المخثرة للدم سببها تنشيط خلايا متخصصة في الأوعية الدموية الممروضة هي اللويحات (platelets)، مما يسبب انسدادات. والهدف منع هذا التنشيط اللويحي من الحدوث. وقد أصبح معروفاً أن بعض التوكسينات التي تعزل من سموم الأفاعي تكبح اللويحات، وبعضها ينشطها.
وتجري الوحدة حالياً أبحاثاً مع جامعتي أكسفورد وبرمنغهام والمؤسسة البريطانية لأمراض القلب، بغية عزل وتحديد وتمييز توكسينات جديدة متفاعلة مع اللويحات، من سموم الأفاعي. ويؤمل أن يؤدي ذلك الى ادارة علاجية جديدة للأمراض التخثرية.
تمثل وحدة أبحاث السموم جانباً من عمل معهد ليفربول للطب الاستوائي، الذي أسسه عام 1898 السير ألفرد لويس مالك إحدى شركات الملاحة، وكان من المعاهد الأولى من نوعه في العالم. فبعد تزايد رحلات السفن التجارية الى غرب افريقيا، شهد لويس ومالكو سفن آخرون زيادة هائلة في اصابات الأمراض الاستوائية بين بحارتهم العائدين. وقد تم تأسيس المعهد استجابة لتلك الظاهرة، وشرع في ارسال البعثات الى بلدان ومناطق استوائية مثل سيراليون والكونغو والأمازون. وحقق المعهد اختراقاً عام 1902 عندما أصبح أحد الباحثين فيه، السير رونالد روس، أول بريطاني يفوز بجائزة نوبل للطب لاكتشافه أن مرض الملاريا ينتقل بواسطة البعوض. وأنتج المعهد أول دواء لعلاج الملاريا. ومن انجازاته الأخيرة انتاج عقار جديد، يدعى لابداب (Lapdap) لعلاج أنواع من المرض مقاومة للدواء، يؤمل أن يحمل الأمل لملايين الأشخاص في البلدان الواقعة جنوب الصحراء الافريقية الكبرى، حيث يموت مئات ألوف الأطفال تحت سن الخامسة من الملاريا كل سنة. وكانت المديرة في المعهد جانيت همنغواي ضمن فريق عالمي نجح مؤخراً في تحديد الخريطة الجينية للعدو القديم، بعوضة الملاريا، التي تنقل هذا المرض. ويبشر هذا الاكتشاف بقرب التغلب على قدرة البعوض على تطوير مقاومته للمبيدات الحشرية.
|