Friday 22 Nov 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
مقالات
 
نداء هلال (واشنطن) إدارة المخاطر والكوارث للتكيف مع تغيّر المناخ  
اذار/ مارس 2012 / عدد 168
 

صلة وثيقة تجمع بين تغير المناخ وظواهر الطقس والمناخ المتطرفة، وما يترتب عليها من تداعيات على المجتمعات البشرية والتنمية المستدامة. ويؤثر تفاعل العوامل المناخية والبيئية والبشرية على كوكب الأرض بشكل كبير قد يصل إلى حد الكوارث. لكن ثمة خيارات شتى لإدارة المخاطر الناجمة عن تلك التداعيات والكوارث، يعود الدور الأكبر في تحديدها إلى العوامل غير المناخية. هذه المواضيع بحثها بالتفصيل تقرير يصدر هذا الشهر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)، بعنوان «إدارة مخاطر الأحداث المتطرفة والكوارث لتحسين التكيف مع تغير المناخ».

ليست قسوة المناخ وحدها ما يحدد تداعيات المناخ المتطرف وخطورته على الأرض والبشرية، بل مدى تعرضهما وقابليتهما للتأثر كذلك. وينجم هذان العاملان عن انحراف عمليات التنمية، المرتبط بالتدهور البيئي والتمدن السريع وغير المدروس في مناطق خطرة وفشل الحوكمة وندرة الخيارات المعيشية للفقراء.

وتصنف في باب الكوارث التداعيات العكسية التي تخلف دماراً واسعاً وتغيرات حادة في الأداء الطبيعي للمجتمعات. ومن العوامل المؤثرة كذلك تغير المناخ نتيجة النشاط البشري، والتقلبات المناخية الطبيعية، والتنمية الاجتماعية ـ الاقتصادية. ولما كانت إزالة مخاطر الكوارث كـلياً غير ممكنة، تركز إدارتها والتكيف مع تغير المناخ على تقليل مدى تعرض الأرض والبشرية وقابليتهما للتأثر بالمخاطر، إلى جانب زيادة مرونتهما إزاء التداعيات العكسية المحتملة للمناخ المتطرف. ويمكن للتكيف مع تغير المناخ والتخفيض من آثاره أن يكمل أحدهما الآخر لتقليل المخاطر بشكل ملحوظ.

 

خسائر كبيرة

تختلف تداعيات ظواهر الطقس والمناخ المتطرفة على البشر والنظم الإيكولوجية والأرض باختلاف مكان وقوعها وزمانه والظروف المناخية المرافقة. وهنا يمكن التوقف عند حدثين في الماضي القريب: تسونامي ضرب إندونيسيا عام 2004 وأسفر عن مقتل أكثر من 250 ألف شخص، وآخر ضرب اليابان عام 2011 لم تتجاوز حصيلته 18 ألفاً.

يشير التقرير الجديد للهيئة الدولية إلى عدم التساوي بين البلدان في تلقي تداعيات ظواهر الطقس والمناخ المتطرفة والكوارث. فالبلدان المتقدمة غالباً ما تكون أكثر جهوزية من البلدان النامية، مالياً ولوجستياً ومؤسسياً، لمواجهة التداعيات المحتملة بفاعلية، على رغم التحديات في تقييمها وفهمها والاستجابة لها. وتكون كذلك أسرع في عمليات الإغاثة وأكثر استعداداً لمرحلة التعافي وإعادة الإعمار، بما في ذلك إزالة الركام وإعادة بناء المنازل وتأهيل البنى التحتية المتضررة وإعادة النازحين.

قد يؤدي غياب الاستراتيجيات المدروسة والواضحة إلى نتائج عكسية، ويفوّت فرص تحسين المرونة والقدرة على المواجهة والتكيف والتنمية المستدامة مستقبلاً. ويمكن أن تؤثر التداعيات التراكمية للكوارث على خيارات كسب العيش وتوفر الموارد الطبيعية وقدرة المجتمعات المحلية على الاستعداد لمواجهة كوارث مستقبلية. فتغيرات المناخ قد تغيّر وتيرة ظواهر الطقس والمناخ المتطرفة وحجمها وحيّزها ومدتها وتوقيتها، ما قد ينتج ظواهر غير مسبوقة. وإلى جانب تغير المناخ نتيجة النشاط البشري، يتوقع أن تكون التقلبات المناخية الطبيعية عاملاً مهماً في تحديد شكل الظواهر المتطرفة مستقبلاً.

يعتبر التقرير مدى تعرض البشر والأرض وقابليتهما للتأثر عاملين حيويين، يختلفان وفق معايير ظرفية ومكانية ويعتمدان على عناصر اقتصادية واجتماعية وجغرافية وديموغرافية وثقافية ومؤسسية وحوكمية وبيئية. هذا يشمل مستويات الثروة والتعليم والأوضاع الصحية وخصائص البنية السكانية، كالجنس والعمر والطبقة، وأنماط الاستيطان أو التوزع السكاني والتمدن وتغير الظروف الاقتصادية ـ الاجتماعية. واللافت أن المناطق الساحلية المنخفضة والجبلية العالية جداً هي أكثر تعرضاً وقابلية للتأثر بالمناخ المتطرف في البلدان المتقدمة والنامية على حد سواء. لقد أدت سرعة التمدن والنمو المطرد للمدن الكبرى، خصوصاً في البلدان النامية، إلى نشوء مجتمعات مدنية هشة، تحديداً من جراء التوزع السكاني غير المدروس وسوء إدارة الأراضي. وفي عداد السكان المهددين كذلك اللاجئون والنازحون داخلياً وأولئك الذين يعيشون في مناطق مهمشة.

علاوة على ذلك، يشير التقرير إلى ازدياد حجم الخسائر السنوية التي تسببها الكوارث المتعلقة بالطقس والمناخ. ويقدر أنها ارتفعت بضعة بلايين دولار عام 1980، إلى أكثر من 200 بليون دولار عام 2010، مع أعلى معدل حين ضرب الإعصار «كاترينا» الولايات المتحدة عام 2005. لكن هذه التقديرات لا تعكس بشكل جيد الخسائر البشرية والإرث الثقافي وخدمات الأنظمة الإيكولوجية التي يصعب تقدير حجمها أو تثمينها. وعموماً، لا تدخل التأثيرات الاقتصادية غير المباشرة في الحسبان، مع أنها قد تكون مهمة جداً في بعض المناطق والقطاعات. وتزداد الخسائر في البلدان النامية، ففيها سجل أكثر من 95 في المئة من الوفيات الناجمة عن كوارث طبيعية عام 2005. وتتحمل البلدان المتوسطة الدخل العبء الأكبر عادة، إذ شكلت خسائرها واحداً في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بين 2001 و2006 ، بينما لم تتجاوز 0.3 في المئة في البلدان المتدنية الدخل، وكانت أقل من 0.1 في المئة في البلدان المرتفعة الدخل للفترة ذاتها. وفي البلدان الجُزُرية الصغيرة النامية، تراوحت الخسائر بين 1 و8 في المئة بين 1970 و2010.

تداعيات مستقبلية

 

بناء على بيانات جمعت منذ العام 1950 وسيناريوهات مختلفة لانبعاثات غازات الدفيئة، يتوقع تقرير IPCC تغير بعض الظواهر المتطرفة النادرة الحدوث عموماً، وحصول الآتي بحلول نهاية القرن الحادي والعشرين:

تراجع عدد الأيام الباردة وازدياد برودتها وازدياد الأيام الحارة على المستوى العالمي، خصوصاً في أميركا الشمالية وأوروبا وأوستراليا.

مؤشرات على ارتفاع درجات الحرارة اليومية في معظم آسيا، وبدرجة أقل في أفريقيا وأميركا الجنوبية، وذلك بمعدل درجة مئوية واحدة إلى ثلاث درجات بحلول منتصف القرن ودرجتين إلى خمس في أواخره.

ازدياد موجات الحر، مدة وعدداً، في معظم المناطق حول العالم، على أن يتكرر أحرّ الأيام مرة كل سنتين في معظم المناطق ومرة كل خمس سنوات في المناطق الشمالية المرتفعة، بعدما كان يحدث مرة في كل عشرين سنة.

ارتفاع مستوى سطح البحر واستمرار تآكل السواحل والإغراق في المناطق المعرضة.

عدم استقرار منحدرات الجبال المرتفعة، وتحرك الكتل الجليدية الضخمة، وفيضان مياه البحيرات الجليدية.

جفاف أكثر حدة وأطول مدة بسبب تراجع المتساقطات أو ارتفاع التبخر في بعض مناطق العالم، خصوصاً في حوض البحر المتوسط وأوروبا الوسطى ووسط أميركا الشمالية وأميركا الوسطى والمكسيك وشمال شرق البرازيل وجنوب القارة الأفريقية.

جفاف أقل حدة وحدوثاً في مناطق مثل وسط أميركا الشمالية وشمال غرب أوستراليا.

ارتفاع وتيرة المتساقطات الغزيرة في مناطق مختلفة في العالم، خصوصاً في المناطق الاستوائية المرتفعة وتلك الشمالية المتوسطة شتاءً، مع احتمال حدوث أعاصير استوائية واستمرار الاحترار. ويتوقع تساقط الحد الأقصى اليومي من الأمطار مرة كل خمس سنوات إلى مرة كل خمس عشرة سنة، بحسب المناطق ونسبة الانبعاثات، بعدما كان مرة كل عشرين سنة.

ازدياد سرعة الرياح القصوى للأعاصير في بعض أحواض المحيطات، مع تراجع وتيرتها عالمياً أو بقائها على حالها.

مؤشرات على تغير بعض الظواهر المناخية المتطرفة نتيجة النشاط البشري، بما في ذلك ازياد تركز انبعاثات غازات الدفيئة في الغلاف الجوي.

أما التأثيرات البشرية وخسائر الكوارث فسوف تطال قطاعات مرتبطة بالمناخ، مثل المياه والزراعة والأمن الغذائي والغابات والصحة والسياحة وحتى البنى التحتية في بعض المناطق. وسوف تؤثر إلى حد ما على حركة السكان وانتقالهم، ما يضرّ بالمجتمعات الأصلية والمضيفة ويجعل بعض المناطق، مثل الجزر المرجانية، مهمشة أكثر وغير قابلة للسكن. وفي حالات كهذه، قد يصبح تغيير مكان الإقامة والهجرة دائمين وربما يفرضان ضغوطاً جديدة على المناطق المضيفة.

كيف تدار مخاطر المناخ المتطرف والكوارث؟

 

تقليل مدى تعرض البشر والأرض وتأثرهما، وزيادة المرونة لمواجهة المخاطر المتغيرة، والاستعداد والمواجهة والتعافي، وتحويل المخاطر وتبادل التجارب، هي مجموعة مقاربات حددها تقرير IPCC لإدارة مخاطر الكوارث والتكيف مع تغير المناخ. يمكن لهذه المقاربات أن تتقاطع، ويمكن تبنيها في وقت واحد. ومن شأنها تلبية أهداف التنمية، مثل تحسين سبل العيش والرفاه وحفظ التنوع البيولوجي، والمساعدة في تضييق نطـاق سـوء التكيف. وتتضمن المعايير التي يمكن تبنّيها اعتماد أنظـمة الإنذار المبكر، والتواصل المستمر حول المخاطر بين صانعي القرار والسكان المحليين، والإدارة المستدامة للأراضي بما فيها تخطيط استخدامها، وإدارة الأنظمة الإيكولوجية وإعادة تأهيلها، وتحسين أنظمة الرقابة الصحية وإمدادات المياه والصرف الصحي والري، والتدقيق في مواءمة البنى التحتية للمناخ، وتطوير قوانين البناء وتعزيزها، وتحسين التعليم ورفع درجة الوعي.

تتطلب الإدارة الفعالة للمخاطر مزيجاً من الخطوات المرتكزة إلى البنى التحتية والنظم الإيكولوجية وبناء القدرات الفردية والمؤسسية. وتتوافر فرص فعلية للتمويل الدولي لهذه الإدارة، مع أن هذا التمويل يبقى منخفضاً نسبياً مقارنة بمعدل الإنفاق على الإغاثة الإنسانية الدولية. وهناك مجال لتعزيز توفر رأس المال المادي والبشري وتحسين دمج المعرفة المحلية بالخبرة العلمية الدولية، لكي تكون الإدارة والتكيف أكثر واقعية وارتباطاً بالتجربة المحلية. ويمكن تقليص المخاطر وترويج الإدارة التكيفية عبر تكرار عملية المراقبة والبحث والتقييم والتعلم والابتكار ومواجهة الثغرات المعرفية. وهذا ممكن فقط إذا تضافرت الجهود المحلية والإقليمية والعالمية، من القطاعين العام والخاص إلى مراكز الأبحاث والمجتمع المدني.

يمكن اتخاذ خطوات إضافية لتحسين الكفاءة ضمن أنظمة التكنولوجيا والحوكمة والقيم، إضافة إلى تحولات جذرية لهذه الأنظمة عبر التركيز على الإدارة التكيفية والتعليم، خصوصاً حيث تزداد نسبة المخاطر وتنخفض قدرة التكيف. ويمكن تحسين الاستدامة الاجتماعية والاقتصادية والبيئية عبر دمج مقاربات إدارة مخاطر الكوارث والتكيف في جميع السياسات ذات الصلة، من خلال مقاربة مكامن الضعف بما فيها عدم المساواة البنيوية الذي يسبب الفقر ويديمه ويقيد الوصول إلى الموارد. وأكثر الخطوات فاعلية هنا هي تلك التي تقدم فوائد تنموية على المدى القريب نسبياً، وتقلل الخطر على المدى البعيد. وقد يكون التوفيق بينها صعباً، إذا أخذت القيم والمصالح والأولويات في الحسبان، لكنه ممكن عبر التغلب على الانفصام بين الممارسات المحلية لإدارة المخاطر والمؤسسات الوطنية والأطر القانونية والسياسات والتخطيط.

قد تتيح مساءلة الفرضيات ووضع النماذج وتحفيز الإبداع لتشجيع أنماط جديدة من المواجهة، التقدم نحو تنمية مستدامة ومرنة في إطار المناخ المتطرف المتغير. وذلك عبر مشاركة واسعة في تطوير الاستراتيجيات والقدرة على دمج أبعاد مختلفة ومقارنة طرق تنظيم العلاقات الاجتماعية. ويرجح أن يكون للتفاعلات بين تخفيف آثار تغير المناخ والتكيف معها وإدارة مخاطر الكوارث تأثير كبير على مسارات الاستدامة والمرونة، وسوف تثمر حتماً ليس محلياً فحسب، بل على نطاق عالمي كذلك.


 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.