كانت الناقلة "بو مارينر" مبحرة من نيويورك الى هيوستن في أول آذار (مارس) 2004، محملة بـ11 ألف طن من الايثانول الصناعي، عندما انفجرت وغرقت قبالة فرجينيا. وانتشرت بقعة تلوث كيميائي في تلك المياه الأميركية، فيما ابتلع المحيط الأطلسي الناقلة مثلما ابتلع ناقلات وسفناً لا تحصى من قبل.
الملاحة البحرية مصدر خطير للتلوث، أخطر مما يتوقع كثيرون. والفكرة السائدة هي أن ثمة عدداً محدوداً من السفن في محيط مترامي الأطراف. لكن القاذورات الناتجة عنها، والملوثات التي ترشح من طلاءات الهياكل، والتسربات النفطية والكيميائية الناجمة عن حوادث الغرق والتشقق، تلحق بالبيئة والحياة البحرية أضراراً شارفت حدود الخطورة الحرجة.
تضخ المياه العذبة أو المالحة الى داخل هيكل السفينة لحفظ توازنها. وتزاد مياه التوازن هذه أو تفرّغ وفق الحاجات التشغيلية. لكن تفريغها يُنزل كائنات مائية في مكان يبعد كثيراً عن موئلها الأصلي. هذه الكائنات الغريبة تلحق ضرراً خطيراً بالمستوطنات الايكولوجية الحساسة حول العالم، كثيراً ما يكون عكسه متعذراً. في الولايات المتحدة، مثلاً، غزت المحارة الأوروبية المخططة (zebra mussel) أكثر مـن 40 فـي المئة مـن الأنهار والقنوات الداخلية، وكلفت اجراءات مكافحتها نحـو بليون دولار خلال الفترة 1989 ـ 2000. وفـي جنوب اوستراليا، تحتل عشبة البحر الآسيوية (Undaria pinnatifida) بشكل سريع مسطحات الأعشاب المتوطنة في قاع البحر. وفي أوروبا، شهد بحر الشمال والبحر المتوسط نمواً غير منضبط لطحالب "قاتلة" غريبة بلغت حدوداً وبائية في كثير من المناطق وسببت ضرراً اقتصادياً هائلاً من خلال فتكها بأسماك المزارع.
في كل سنة يتم نقل وتفريغ أكثر من 10 بلايين طن من مياه حفظ التوازن حول العالم. وتتواصل عملية النمو الميكروبيولوجي في خزانات هذه المياه أثناء النقل، معتمدة على عدة عوامل مثل درجة الحرارة وضوء الشمس وكمية المغذيات، مما يستوجب صيانة الخزانات بما في ذلك استعمال طلاءات محتوية على مركبات عضوية متطايرة (VOCs). ويتعزز نمو الجراثيم، وخصوصاً البكتيريا المخفضة للكبريتات، حيثما تتجمع الرسوبيات بسبب عدم تصفية مياه التوازن عند فتحة الدخول، وهذا الوضع تعاني منه غالبية السفن اليوم.
لحل هذه المشكلة، يمكن استبدال مياه حفظ التوازن قبل أن تقطع السفينة مسافة طويلة، أو معالجتها. ولا تحبّذ المنظمة البحرية الدولية (IMO) الاستبدال، لأسباب تتعلق بالسلامة. وتشجع مسودة "الاتفاقية الدولية لضبط وادارة مياه حفظ التوازن والرسوبيات في السفن" على اعتماد المعالجة، ولكن لم يبرز بعد حل تكنولوجي محدد. ومن الخيارات التي تجري دراستها المعالجات الميكانيكية مثل التصفية والفرز، والمعالجات الفيزيائية مثل التعقيم بالأوزون والأشعة فوق البنفسجية والحرارة والتيارات الكهربائية، والمعالجات الكيميائية مثل اضافة مبيدات حيوية الى مياه حفظ التوازن لقتل الكائنات الحية الموجودة فيها.
اعادة تدوير السفن
للسفن "معدل حياة" يراوح بين 20 و25 سنة. وتشير بيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) الى أن السفن القديمة، وخصوصاً سفن الشحن والناقلات، هي أكثر عرضة للحوادث، ورغم أن سحبها من الخدمة باعادة تدويرها مفيد بيئياً، فله أيضاً تأثيرات سلبية على البيئة والصحة والسلامة. وغالباً ما تتم اعادة تدوير السفن المهملة خارج دول المنظمة، وخصوصاً في باكستان والهند وبنغلادش والصين.
لقد وضعت بروتوكولات متعددة لتوجيه عملية اعادة التدوير بأمان. وهذه تشمل الادارة السليمة بيئياً لتفكيك السفن كلياً وجزئياً، كما نصت عليها اتفاقية بازل ومنظمة العمل الدولية والاتحاد الدولي لشركات الشحن البحري. وأوصت لجنة حماية البيئة البحرية التابعة للمنظمة البحرية الدولية بأنه، فيما تقع المسؤولية الرئيسية على مرفق اعادة التدوير والسلطات المنظمة في البلد، فعلى الجهات المعنية الأخرى، مثل أصحاب السفن والموردين البحريين والبلدان التي ترفع السفن أعلامها وتقع فيها الموانئ، أن تضمن أيضاً معالجة مكامن الخطر. وترى اللجنة أيضاً أن المخاطر سوف تخفض اذا طبقت على السفن الحديثة المقاييس الجديدة التي تنص عليها الاتفاقية الدولية لمنع التلوث من السفن (ماربول)، وأن الخطر البحري سينخفض اذا تم التقليل من استعمال مواد خطرة طوال دورة حياة السفينة، وكانت في وضع أفضل بيئياً من حيث التصميم والانشاء وكفاءة التشغيل والصيانة. ويجب أن تحمل السفينة طوال حياتها جواز سفر بيئياً، وإن تغير مالكوها، حتى وصولها نهائياً الى مرفق اعادة التدوير. ويوثّق جواز السفر التغيرات التي تطرأ على المعدات والتصميم، والنفايات المتولدة من السفينة، والمواد الخطرة المخزونة.
وبموجب بروتوكول 1996 الملحق باتفاقية منع التلوث البحري بالقاء النفايات ومواد أخرى (اتفاقية لندن 1972)، يُسمح بالتخلص من السفن المتوقفة عن العمل باغراقها في البحر، لكن ذلك يتطلب تقييماً لبدائل مثل اعادة التدوير. ولتقليل التكاليف، يهجر بعض أصحاب السفن سفنهم وطواقمها في موانئ لا تنطبق عليها الاتفاقية. أما اذا اختاروا تحويلها الى شعاب بحرية اصطناعية لتعزيز موائل الحياة البحرية، فهذا يعتبر وضعاً خاصاً ويُستثنى من أحكام الاتفاقية. وتطلب بعض البلدان مقاييس تنظيف حيث توضع السفن المنظفة بالقرب من مواقع غوص، ومع ذلك قد يتعرض الغواصون لمادة الاسبستوس (الاميانت) المتبقية أحياناً. وقد أقرت الدول الأعضاء في المنظمة البحرية الدولية خطوطاً توجيهية خاصة باعادة تدوير السفن في كانون الأول (ديسمبر) 2003.
الناقلات وبواخر الركاب
إثر كارثة التسرب النفطي التي تسببت بها الناقلة "إكسون فالديز"، أقرت الولايات المتحدة "قانون تلوث الهواء" لعام 1990 الذي حدد عملية التخلص المرحلي من ناقلات النفط المفردة الهيكل بحلول سنة 2015. كما أن الاتفاقيات الدولية جعلت الهياكل المزدوجة إلزامية في ظروف معينة. لكن الهيكل المزدوج تكنولوجيا حديثة، وللمهندسين البحريين خبرة محدودة بالمشاكل التقنية التي قد تحدث عندما تبلغ المجموعة الأولى من الناقلات المزدوجة الهيكل عمراً قد يتسبب في حدوث هذه المشاكل.
ووضع الاتحاد الدولي للخطوط البحرية خطوطاً توجيهية إلزامية لبواخر الركاب، لكنها لا تطبق بالشكل الكافي لحماية البيئة. على سبيل المثال، أصدرت "منظمة القانون البيئي" في كندا تقريراً عام 2001 كشف ضعف الضوابط المفروضة على بواخر الركاب وندرة الالتزام حتى بهذه الأنظمة الضعيفة. وقدم التقرير بعض الاحصاءات التقديرية "المشوقة" للملوثات الناجمة عن رحلة مدتها أسبوع لسفينة ركاب كندية:
- 795,000 ليتر من المياه المبتذلة.
- 3,785,000 ليتر من المياه الرمادية (من المغاسل وأعمال التنظيف وسواها).
- 95,000 ليتر من المياه الآسنة الزيتية، هذه تتجمع في جوف السفينة وقد تحتوي على زيت من المحركات ووقود ودهان وفضلات سائلة أخرى.
- 535 ليتراً من المواد الكيميائية المستعملة في تحميض الصور الفوتوغرافية، و27 ليتراً من فضلات التنظيف الجاف للألبسة، و50 ليتراً من الدهانات المستهلكة، و2,5 كيلوغرام من البطاريات، و4,5 كيلوغرام من المصابيح الفلورية، و1,35 كيلوغرام من الفضلات الطبية، و49 كيلوغراماً من المواد الكيميائية التي انتهت مدة صلاحيتها.
- 50 طناً من القمامة، يحرق معظمها ويرمى الرماد عادة في البحر.
ملوثات تجوب المحيطات
عندما ضربت عاصفة باخرة شحن في كانون الثاني (يناير) 1992، ألقت في الماء حاوية فيها 29,000 دمية بلاستيكية قرب "الخط الدولي لتغيّر تاريخ اليوم" (International Date Line، وهو خط افتراضي على خط الطول 180 درجة يبدأ عنده اليوم). لم يتوقع أحد آنذاك أن تلك الدمى ستصبح جزءاً من دراسة بحثية مكثفة في المحيطات ما زالت مستمرة. وقد تمت دراسة الدمى الطافية والتيارات وطبقات المياه والأمواج والرياح التي تحركها. فعثر على الدمى الست الأولى في ألاسكا بعد عشرة أشهر على بعد 3200 كيلومتر من حاويتها. وساعد متطوعون في استكشاف الشواطئ بحثاً عن الدمى، علماً أن حطام السفن قد يجوب البحار لأكثر من ثلاثين سنة دون أن يصل الى الشاطئ.
وبين تموز (يوليو) وكانون الأول (ديسمبر) 2003، عرضت شركة "فيرست ييرز" التي صنعت الدمى جائزة بقيمة 100 دولار لكل شخص يعثر على دمية طافية في نيوانغلاند (شمال شرق الولايات المتحدة) أو كندا أو أيسلندا. وأعلنت افتخارها بجودة صناعتها، "فقد أثبتت هذه الدمى، المصممة لأحواض الاستحمام وليس لأعالي المحيطات، صلاحيتها للابحار ومتانتها وديمومتها".
واذ يثني الباحثون على المعلومات التي توصلت اليها الأبحاث، الا أنهم يعلمون أن هذه الدمى جزء صغير من كمية القمامة البحرية المتعاظمة. ورغم أن شركة "فيرست ييرز" تبادلت المعلومات مع شركة "نايكي" التي فقدت حاويات أحذية عام 1990، فان معظم الشركات لا تريد الكلام عن الحوادث. ويقدّر عدد الحاويات البحرية التي تفقد كل سنة بين ألفين وعشرة آلاف حاوية، يحوي بعضها حمولات خطرة.
كادر
كوارث "الذهب الأسود"
يُشحن نحو 60 في المئة من نفط العالم بواسطة ناقلات. ورغم عمليات تحديث اسطولها، فان استبدال الناقلات المفردة الهيكل بأخرى أكثر أماناً مزدوجة الهيكل سيستغرق نحو عقد من الزمن.
ويرتحل نحو 60 في المئة من نفط الاتحاد الأوروبي في ناقلات عبر سواحل البرتغال واسبانيا وفرنسا. وكثافة حركة النقل هذه تزيد احتمالات وقوع حوادث مأسوية. لكن معظم النفط الذي يراق على شواطئ أوروبا يأتي من تسريبات مقصودة وغير مشروعة من الناقلات نتيجة أعمال الصيانة والتنظيف.