خمسة عشر صنفاً من الخضار والفواكه الخالية من الكيماويات تصل أسبوعياً في سلة الى عتبة الباب. "هيلثي باسكيت" برنامج تسويق زراعي في لبنان يدعم التنمية الريفية من خلال تشجيع المزارعين على اعتماد سبل الزراعة العضوية وإيصال منتجاتهم مباشرة الى المستهلكين.
كأن جلاّ خصباً من جلول الأرض دخل بما زُرع فيه الى بيتك، في سلة قش كتلك المستعملة في قطاف الحقول. في السلة 8 الى 10 كيلوغرامات من خضار وفاكهة الموسم على أنواعها. ولاكتمال تلك "الزوادة" الغذائية القروية، أضيفت ربطة خبز "تنّور" ودزينة بيض بلدي طازج، وأحياناً نماذج مصغرة "مستحدثة" من باذنجان أو بندورة (طماطم) أو جزر أو ذرة.
"السلة الصحية" (Healthy Basket) تصل الى بيتك كل أسبوع لقاء اشتراك شهري بقيمة 66 دولاراً للحجم الصغير و100 دولار للحجم العائلي، بما فيه نفقات التوضيب والنقل والتسليم حتى عتبة الباب. أي انك تحصل شهرياً على 4 سلال تحوي نحو 40 كيلوغراماً من الخضار والفاكهة للحجم الصغير و60 كيلوغراماً للحجم الكبير.
يعرّف عنها البروشور الترويجي بأنها "سلة توفر تشكيلة واسعة ومتنوعة من خضار وفاكهة الموسم، طازجة ومزروعة وفق نمط الزراعة العضوية". هذا يعني أن تلك المنتجات لم تُستخدم في زراعتها الأسمدة الاصطناعية والمبيدات الكيميائية على أنواعها، ولا في ريّها مياه ملوثة. فالهدف الأساسي لتلك الزراعة توفير الغذاء السليم للانسان والحفاظ على سلامة بيئته، معتمدة على طرق وتقنيات زراعية لا تستنزف التربة ولا تضر بأنظمة البيئة، وتعزز التنوع في أصناف المنتجات، كما تستهدف تخفيض مستوى التلوث في مياه الري والتربة والهواء. وقد حازت "السلة الصحية" شهادة مصدّقة تحمل دمغة المؤسسة الهولندية "سكال" (SKAL)، إحدى أبرز المؤسسات التابعة للاتحاد الاوروبي والمعنية بمراقبة الانتاج الزراعي وفق المعايير والمقاييس الدولية المعتمدة في الاتحاد.
تتميز "السلة الصحية" عن ماركات المنتجات العضوية الأخرى المعروضة في السوبرماركت والمتاجر الخاصة في أنها ماركة غير تجارية. فهي ثمرة مشروع لفريق التنمية الريفية في كلية العلوم الزراعية والغذائية في الجامعة الأميركية في بيروت، لانشاء مؤسسة تعاونية لا تستهدف الربح، تؤمن الدعم المطلوب لتعزيز وتطوير أنماط الحياة الريفية، وجعل الزراعة استراتيجية معيشية يعتمد عليها المزارع لكسب رزقه والاستمرار في إنتاجه الزراعي. ومن خلال دعمها وتطبيقها للزراعة العضوية، تلتزم بتخفيض التلوث البيئي والذي بنتيجته تتحقق معالجة قسم كبير من التلوث الغذائي.
شراكة رابحة
السلة الصحية، وان لم تكن مشروعاً تجارياً مربحاً، إلا أنها "تؤسس شراكة تعاونية رابحة لكافة الأطراف المعنية والمشاركة فيها"، كما يصفها مدير المشروع الدكتور رامي زريق، الاستاذ في كلية الزراعة في الجامعة الأميركية وعضو فريق التنمية الريفية. ويضيف: "أعني بذلك الأطراف الثلاثة: المزارع والمستهلك والفريق القيّم على تطبيق الزراعة العضوية. فالمزارع يعاني صعوبة قصوى في تصريف منتجاته في وجه المضاربة، فتزداد خسارته ويزداد افتقاراً. والمستهلك لم يعد يثق بنوعية المنتجات الزراعية، والتي هي في غالبيتها نتاج زراعة مدمّرة للأرض والبيئة ونوعية الغذاء، بعدما أفسدتها الاستعمالات المفرطة للأسمدة الاصطناعية والمبيدات الكيميائية وتلوث مياه الري".
هكذا باتت السلة الصحية أداة لايصال منتجات عضوية من المزارع الذي لا يطلب الا تصريف منتجاته وتأمين معيشته، مباشرة الى المواطن المستهلك المعني بالغذاء السليم، من دون وساطة التاجر. من الأرض الى باب البيت مسافة تقطعها السلة في ظل مراقبة تقنية لأساليب الزراعة العضوية ولنوعية المنتجات وسلامتها. ويوفر الفريق العامل في برنامج التنمية الريفية الارشاد والدعم التقني للمزارع، وينظم الآلية التسويقية الكفيلة بتصريف منتجاته.
لهذا الهدف، اعتمد تسويق السلة على تطبيق "برنامج الزراعة المدعومة من المجتمع الأهلي"، الذي ينظم علاقة ملتزمة ومُلزمة بين مجموعة من السكان ومجموعة من مزارعين تبنوا طرق الزراعة العضوية، بحيث يلتزم الفريق الأول شراء محاصيل الفريق الثاني. فتنشأ الشراكة المنشودة بين المزارعين والمستهلكين في عملية انتاج الغذاء السليم والصحي، إذ يغطّي المساهمون مصاريف الزراعة ومعاش المزارع ويتلقّون في المقابل حصتهم من محصول صحي.
نحو أسواق جديدة
في تموز (يوليو) 2002، انطلقت السلة الصحية بعشرين مشتركاً التزموا شراء المنتجات الزراعية البيولوجية لمزارع واحد في بلدة اليمونة البقاعية. واليوم، تضم لائحتها التسويقية أكثر من 130 مشتركاً يشترون منتجات 45 مزارعاً موزعين في القرى اللبنانية، من عكار وزغرتا والبقاعين الشمالي والغربي الى الجنوب اللبناني.
المدير التنفيذي للسلة الصحية رجا يونس مرتاح لتوسع شبكتي الانتاج والتوزيع، رغم الأعمال المضنية للفريق التنفيذي الذي يقتصر على ستة موظفين، تتوزع مهامهم على تلبية المشتركين وتطوير الوسائل التنظيمية والتنسيق بين مختلف الأطراف وإدارة التوضيب والنقل والتوزيع والمحاسبة المالية وعملية التسليم المباشر التي تنجزها سيارة بيك ـ أب واحدة! ولكن في ظل ميزانية محدودة تكاد لا تغطي النفقات الادارية، لا تبقى لتطوير آلية التسويق أي ذخيرة. والعمل جار حالياً على فتح قناة تسويقية جديدة خارج لائحة المشتركين والمنتسبين لطرح منتجات السلة الصحية في التعاونيات الكبرى. وتم توقيع اتفاق مع تعاونية "مونوبري" أصبحت بموجبه شريكاً في عملية تسويق هذه المنتجات في لبنان.
أما الرؤية التسويقية الجديدة التي تدرسها الهيئة التنفيذية بالتعاون مع هيئة المساهمين، التي تضم ممثلين عن المشتركين والقيّمين والتقنيين والممولين، فهي تصدير منتجات السلة الصحية الى خارج لبنان، وعقد اتفاقات مع جهات رسمية وأهلية معنية بدعم الزراعة العضوية وترويج محاصيلها.
يقول رجا يونس: "نحن لسنا تجاراً، ولكن يتوجب علينا لننجح في مشروعنا أن نحسّن إدارة أعمالنا ونفعّل استراتيجيتنا التسويقية".