أبوظبي ـ "البيئة والتنمية"
ينفش الذكر ريش عنقه ويطوي رقبته كحرف "ف" مميلاً رأسه إلى الخلف ليستقر بين جناحيه. ويبدأ في الجري بخطوات قصيرة وعنقه يتمايل يمنة ويسرة. إنها رقصة ذكر الحبارى لجذب الإناث.
إلا أن الحبارى هو في الحقيقة طائر خجول حذر، يعيش بعيداً عن الإنسان. وينتمي إلى فصيلة الكركيات، وهي طيور متوسطة إلى كبيرة الحجم يرواح وزنها بين 450 غراماً و19 كيلوغراماً. وتعرف منه ثلاث سلالات مميزة هي حبارى جزر الكناري في المحيط الأطلسي قبالة ساحل المغرب، والحبارى الأفريقية المنتشرة بين موريتانيا ومصر، والحبارى الآسيوية المنتشرة من شبه الجزيرة العربية حتى منغوليا. وتنتشر في كازاخستان غالبية أعداد طيور الحبارى الآسيوية المتكاثرة، ومعرفة أعدادها هناك تعتبر مؤشراً رئيسياً وهاماً لوضعها العام في القارة الآسيوية.
يفضل الحبارى العيش في المناطق الصحراوية الرملية حيث يساعده لونه الترابي في التمويه والتخفي، وتصبح فرصته أفضل لرؤية الخطر في المناطق المكشوفة. وهو يفضل الجري على الطيران، حيث يستطيع الجري بسرعة 10 كيلومترات إلى 15 كيلومتراً في الساعة ويطير بسرعة 65 كيلومتراً في الساعة. والحبارى طائر صامت نسبياً في الأحوال العادية. وتصدر الطيور البالغة قرقعة حادة للإنذار، وفي غير ذلك تقتصر الأصوات على نداء عميق يصدره الذكور في نهاية رقصات التزاوج.
يتكون غذاء طيور الحبارى من النبات، كالبذور والثمار الجافة وبراعم الزهور، كما أنها تصطاد لافقاريات مثل الخنافس والنمل والجراد والعناكب، إضافة إلى السحالي وأفراخ الطيور المعششة على الأرض.
لدراسة نمط عيش الحبارى، قام المركز الوطني لبحوث الطيور في أبوظبي، التابع لهيئة أبحاث البيئة والحياة الفطرية وتنميتها، بتتبع نحو 50 طائراً من الحبارى الآسيوية لدى هجرتها بين شبه الجزيرة العربية والصين. واتضح أن الحبارى يهاجر جنوباً في فصل الشتاء من مناطق تكاثره في أواسط آسيا والصين ومنغوليا وباكستان والعراق وإيران وبعض أنحاء شبه الجزيرة العربية. وتبدأ الهجرة إلى مناطق الاشتاء في تشرين الأول (أكتوبر)، لتعود الطيور إلى مواطنها الأصلية في شهري آذار (مارس) ونيسان (أبريل).
الملاحظ أن هذه الطيور تعيش في مجموعات من 4 إلى 8 أثناء الهجرة، وتتفرق خلال موسم التكاثر الذي يمتد في الغالب بين شباط (فبراير) وأيار (مايو). فتتناثر إناث الحبارى بحيث تفصل مئات الأمتار بين العش والآخر. وخلال هذه الفترة لا تغادر الأنثى عشها سوى مرتين في الصباح والمساء بحثاً عن الطعام لمدة نصف ساعة تقريباً. وتحضن عدداً من البيض يراوح بين واحدة وست بيئات، لمدة 22 أو 23 يوماً. وعندما تفقس الأفراخ تقوم الأم برعايتها حتى يغطيها الريش، فتصبح قادرة على الطيران من عمر شهرين. وهي تبلغ مرحلة النضج الجنسي بعد إكمال عامها الأول.
وتعد الثعالب والجوارح الكبيرة أخطر المفترسات الطبيعية للحبارى. ويدافع الحبارى عن نفسه من هجمات الصقور بتمديد جناحيه وقائمتيه، وقد يفرز مادة غروية لاصقة على الصقر حينما يطارده، فان إصابته تداخل ريشه وتعذرت عليه المطاردة، وان أخطأته انهارت مقاومة الحبارى أمام قوته بعد فترة وجيزة. ويتعرض نحو 42 في المئة من الأعشاش للافتراس. لكن الأنثى تستطيع تعويض البيض الذي افترس، إنما بعدد أقل.
إلا أن الخطر الأكبر على هذه الطيور هو الإنسان، الذي ما زال يعتبرها طريدة للصيد، وخصوصاً بواسطة الصقور. هذا الصيد أوصلها مؤخراً إلى حافة الانقراض في شبه الجزيرة العربية. فهذه الرياضة التي كانت تمارسها نخبة قليلة، أصبحت الآن واسعة الانتشار في دول الخليج العربي، وأصبح الصقر الذي يمكن شراؤه بمبلغ يصل إلى 500 دولار في متناول الكثيرين. وقد أظهرت دراسات المركز الوطني لبحوث الطيور في أبوظبي أن أعداد الحبارى تتناقص سنوياً بنسبة 12 في المئة، وأن 73,5 في المئة من النفوق ناتجة عن القنص والسلب من الأعشاش. وتشكل هذه الأرقام مؤشراً واضحاً على أن المستوى الحالي للقنص والأسر سيؤدي إلى انقراض الحبارى في المستقبل القريب. وإذا استمر الوضع كما هو، فيتوقع تناقصها بنسبة قد تصل إلى 21 في المئة سنوياً، مما يعني انخفاض أعدادها إلى النصف كل نحو خمسة أعوام.
وبغية الحد من تناقص أعداد الحبارى، اعتمدت الإمارات العربية المتحدة، وبلدان أخرى كالمملكة العربية السعودية، برامج الإكثار في الأسر. إلا أن هذه التقنية لا تحافظ على التنوع الوراثي بكامله، خصوصاً للحبارى الآسيوية التي تهاجر مسافات بعيدة. وبالتالي لا يمكن الاكتفاء بهذه البرامج للمحافظة على سلوك هجرتها. لذا يتم إطلاقها، بعد إكثارها في الأسر، بهدف إعادة توطينها وتعويض النقص في أعدادها. فتستخدم أعداد محدودة من الحبارى الآسيوية، لها الصفات الوراثية للمجموعات الباقية في البرية والمهددة بالانقراض، للحفاظ على موروثات المجموعات المقيمة في المناطق المعنية.
يقترن بقاء هذه الطيور الرائعة بتوفير مناطق وبيئات ملائمة. لذا يجب وضع خرائط تفصيلية لمناطق تكاثر الحبارى المهاجرة والمقيمة، وعلى ضوئها تتخذ إجراءات لحمايتها عبر تنظيم مواسم الصيد وتحديد مناطقه. ويبقى مصيرها الحبارى مرهوناً أيضاً بجدية التزامات الدول ببنود اتفاقية منع الاتجار بالأنواع الحيوانية والنباتية المهددة بالانقراض، من خلال تعزيز الرقابة على استيراد وتصدير الحبارى.