لو قرأ الهولنديون جميع المنشورات والرسائل التي ترسلها إليهم شركات الكهرباء حول الطاقة الخضراء، لصدقوا أنها ليست أغلى من الطاقة "الرمادية" المعتادة. لكن دراسة إحصائية اقتصادية أظهرت أن كلفة الطاقة المتجددة التي ترتبت على الحكومة عام 2002 هي بحدود نصف بليون يورو. وهذه ما زالت بداية الطفرة الكبرى للطاقة الخضراء.
لدى هولندا الآن نحو 1500 طاحونة هواء تبلغ طاقتها الإجمالية 600 ميغاواط. وهذا، على سبيل المقارنة، يزيد قليلاً عن طاقة المحطة النووية الصغيرة نسبياً والوحيدة في البلاد. ومع ذلك فان جميع طواحين الهواء لا تنتج إلا ثلث الكهرباء التي تنتجها المحطة النووية.
تخطط الحكومة الهولندية لزيادة طاقة الرياح ستة أضعاف بحلول 2010، و13 ضعفاً بحلول 2020. وسوف يتم بناء الكثير من طواحين الهواء الجديدة في البحر، مما يشكل عملية معقدة تستوجب قدراً كبيراً من الاستثمارات.
وقد أعد الباحث الجامعي بيتر لوكس دراسة خلص فيها إلى أن الحكومة ينبغي أن تنفق 23 بليون يورو من الإعانات الدعمّية حتى سنة 2020 لتمويل هذا المشروع.
من الصعب طبعاً تحديد سعر دقيق لأشياء مثل التغيرات التي تطرأ على طبيعة الأرض والتلوث الضوضائي (التوربينات الهوائية تصدر ضوضاء) والمنازل التي ستنخفض أسعارها بسبب قربها من "مزارع" الرياح. لكن هذا تماماً ما يحاول لوكس أن يفعله، بخبرته الواسعة كعالم جغرافيا اجتماعية - اقتصادية.
ما الذي يجعل الحكومة تمضي في مشروع مكلف جداً من شأنه أن يغير طبيعة الأرض الريفية إلى حد كبير، في حين أن ما ينتج عنه من زيادة في الطاقة لن يكفي لتلبية الطلب المتوقع على الكهرباء سنة 2020؟
الهدف هو إنقاذ كوكب الأرض بخفض انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون في الهواء. لكن النقطة الأولى في انتقاد لوكس هي أنه، ببناء المزيد من طواحين الهواء، سيكون على هولندا استيراد كمية أقل من الكهرباء من ألمانيا وفرنسا وبلجيكا. هكذا، ستنتج هذه البلدان كمية أقل من غازات الدفيئة، ولن تجني هولندا أي مكسب بموجب اتفاقية كيوتو.
الأحزاب اليسارية ترغب في رؤية طواحين الهواء تخفض استيراد الطاقة النووية. المحطات النووية لا تنتج ثاني اوكسيد الكربون. أما المحطات التي تعمل على الغاز فتنتج طاقة غالية الثمن مع انبعاث أقل نسبياً من ثاني أوكسيد الكربون، في حين ان المحطات التي تعمل على الفحم تنتج طاقة رخيصة الثمن ولكن مصحوبة بمستويات عالية من ثاني أوكسيد الكربون، وفي ذلك خيار بين النظافة والرخص. وهكذا، ليس من السهل إعطاء تقديرات حول خفض غازات الدفيئة باستعمال مزيد من طاقة طواحين الهواء.
في العام 2002، اشترت هولندا حقوق انبعاثات ثاني اوكسيد الكربون من بلدان مجاورة لقاء 5 يورو لكل 1000 كيلوغرام. وعندما تبدأ التجارة الحقيقية بحقوق الانبعاثات في الازدهار سترتفع الأسعار إلى حد كبير، مما قد يوفر على البلاد كثيراً من المال. لكن بما أن الرياح ليست على الدوام عاملاً مستقراً، فستكون هناك حاجة دائمة إلى محطات تقليدية وسريعة التشغيل كاحتياط. حين تكون الرياح خفيفة أو معدومة. وهنا أيضاً يصعب احتساب التكاليف الحقيقية لهذه المحطات، لكنها بالتأكيد ستبطل جزئياً الأرباح الناتجة عن شراء حقوق انبعاثات أقل. ويقدر لوكس أن 80 في المئة فقط من الطاقة المولدة من الرياح ستساهم بفعالية في خفض مشتقات الوقود الاحفوري.
في نهاية المطاف، سيكلف مشروع طواحين الهواء كثيراً من الأموال. وهو يغير الطبيعة التقليدية للأرض. وستكون المحصلة النهائية لانخفاض غازات الدفيئة في الهواء مخيبة للآمال مع تقلص استيراد الطاقة النووية. والنتيجة التي توصل إليها لوكس هي أن التكاليف ستكون أكثر من الفوائد بـ 11 ضعفاً.
قد تكون هناك مبالغة في هذا الرقم، ولكن بالتأكيد ثمة هوس قومي في هولندا في ما يتعلق بالطاقة الخضراء. وكثير من الناس يميلون إلى التصديق الأعمى لادعاءات شركات الطاقة التي تربح الكثير بفضل هذا القطاع النامي. ويقول المعترضون "الواقعيون" إنهم ليسوا ضد استعمال "الطاقة الخضراء" للحفاظ على سلامة البيئة، لكن المطلوب دراسة الانعاكاسات السلبية المحتملة لهذه البرامج على البيئة نفسها، ووضع حد لـ"الهوس الأخضر".