Thursday 21 Nov 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
مقالات
 
نهاد الكاخي لبنان: لماذا استبعدت وزارة البيئة الهضم اللاهوائي من استراتيجية النفايات؟  
أيار (مايو) 2004 / عدد 74
 "استراتيجية إدارة النفايات الصلبة المنزلية في لبنان"، التي صدرت عن وزارة البيئة، حاولت تبيان الطرق الواجب اتباعها لمعالجة موضوع النفايات. وقد تبين لنا، بعد قراءة متأنية لهذه الدراسة، أن الغموض والتردد يضعانها في خانة هي أقرب الى الأحجية منها الى الدراسة. والأسباب التي كوّنت لدينا هذه القناعة كثيرة.
تبدأ الدراسة بـ "المشكلة" التي تعاني منها منطقة بيروت والمتمثلة بثلاثة مصاعب هي: ارتفاع كلفة التشغيل ضعفين أو ثلاثة أضعاف عما يجب أن تكون عليه (والمقصود بكلفة التشغيل هي المبالغ التي تدفع للشركة الملتزمة معالجة النفايات في بيروت)، واعتماد الخطة في بيروت الكبرى بنسبة 80 في المئة على مطمر صحي وحيد قارب الامتلاء، ثم تدني نسبة التسبيخ إلى نحو 15 في المئة (من أصل 60 في المئة) وإعادة التدوير إلى 5 في المئة (من أصل 40 في المئة) وهي نسب "ضئيلة" حسب الوزارة.
وتعدد الدراسة أربع وسائل لتخفيف كمية النفايات التي يتم طمرها "لإطالة أعمار المطامر"، هي: المعالجة البيولوجية (تسبيخ هوائي أو هضم لاهوائي)، والمعالجة الحرارية (المحارق أو الترميد)، وإعادة الاستعمال والتدوير، وتخفيض كمية النفايات المنتجة.
وفور الانتهاء من تعداد هذه الوسائل الأربع، تقوم الدراسة باستبعاد معظمها إما مباشرة أو بطريقة غير مباشرة، فلا تبقى أي وسيلة يمكن إتباعها إلا التسبيخ، برغم الاعتراف بأن "رداءة نوعية المواد المسبخة بسبب الاعتماد على فرز غير كامل ما بعد عملية التجميع يسبب فقدان مصدر دخل"، أي انعدام الجدوى الاقتصادية.
أما سبب استبعاد تكنولوجيا "الهضم اللاهوائي" فترده الدراسة إلى الأسباب التالية: الحاجة إلى "فرز فعال للنفايات العضوية"، والحاجة إلى "تخمير إضافي للألياف الناتجة عنها في سبيل استعمالها في الزراعة"، وكلفة المعالجة المرتفعة نسبياً والبالغة 70-80 دولاراً للطن، و"الحاجة إلى تأمين أسواق لتصريف المخصب الزراعي السائل إلا إذا سمحت مواصفاته بالتخلص منه عبر شبكة الصرف الصحي". والأغرب من هذا كله ما وصفته الدراسة بـ "التأثير السلبي للإنبعاثات الهوائية من غازات الدفيئة (وتحديداً غاز الميثان) على مؤشر الاحتباس الحراري العالمي".
بالعودة إلى الموضوع الأول، يظهر جلياً أن وزارة البيئة تعتبر أن المبالغ المدفوعة إلى المقاول تزيد بضعفين أو ثلاثة أضعاف عما يجب أن تكون، أي أن المكلف اللبناني يدفع أكثر مما يجب بمرتين أو ثلاث. وبمعنى آخر، أن هناك هدراً كبيراً في المال العام. وبالرغم من هذا الهدر ما زال الفرز غير كامل، وهذا هو سبب فقدان مصدر الدخل المفروض تحقيقه من بيع المواد المسبخة. وبذلك تكون الوزارة الكريمة قد أفشت سرّين، الأول هو هدر المال العام، والثاني سوء التنفيذ. وهذان السران يشكلان برأينا إخبارين مهمين للنيابة العامة المالية، كان يجب أن يصلاها من الهيئات الرقابية التي فشلت على ما يبدو في اكتشافهما. فأين كانت وزارة البيئة خلال سنوات، وهي التي أشرفت، أساساً، على الخطة التي تشكو منها الآن؟
أما الموضوع الثاني، وهو استبعاد تكنولوجيا الهضم اللاهوائي للأسباب الخمسة المذكورة، فهو أمر يستحق التوقف أكثر قليلاً للأسباب التالية:
1. لقد ظلمت الوزارة تكنولوجيا الهضم اللاهوائي عندما اعتبرتها مكلفة، وهذا اتهام باطل لأن هذه التكنولوجيا هي في الواقع منتجة للمال.
2. ظلمت الوزارة تكنولوجيا الهضم اللاهوائي عندما اعتبرتها ذات تأثير سلبي على مؤشر الاحتباس الحراري، والحقيقة العلمية الثابتة أن الهضم اللاهوائي وسيلة تستعمل للحد من تسرب غاز الميثان بحرقه على الأرض، وعملية الحرق هذه تنتج الطاقة وتغير من التركيب الكيميائي لهذا الغاز، فتلغي الخطر الدفيئي الذي كان سيظهر حتماً لولا الهضم اللاهوائي. بمعنى آخر، الهضم اللاهوائي هو علاج للحد من انبعاثات غازات الدفيئة وليس سبباً في تكونها.
3. لقد قللت الوزارة من قيمة السماد العضوي السائل عندما فكرت في "التخلص منه" عبر شبكة الصرف الصحي، لأن هذا السائل يمكن، إذا ما أحسن إنتاجه واستغلاله، أن يصبح مصدراً مهماً للدخل، باعتماد التقنية ذاتها التي أفتت الوزارة الكريمة بوجوب استثنائها وهي الهضم اللاهوائي.
الهضم اللاهوائي، (anaerobic digestion) هي العملية التي تقوم خلالها أنواع مختلفة من البكتيريا بهضم المواد العضوية المتكونة من بقايا النبات والحيوان وتحويلها إلى خليط جديد من المواد المفيدة على الصعيدين البيئي والاقتصادي، وهي:
- الغاز الحيوي (biogas) وهو خليط غازي يشكل غاز الميثان نسبة الثلثين منه ويشكل ثاني أوكسيد الكربون معظم النسبة المتبقية، إضافة إلى مجموعة بسيطة من الغازات الأخرى كالنيتروجين والهيدروجين وكبريتيد الهيدروجين وأول أوكسيد الكربون وغيرها.
- سماد طبيعي سائل عالي الجودة يضاهي جميع أنواع الأسمدة المتوفرة، عضوية كانت أم كيماوية. ويمكن رش هذا السماد السائل ذي القيمة الغذائية العالية مباشرة في الحقول.
- محسن مثالي للتربة compost ذو نوعية ممتازة لا يمكن حتى مقارنته بالنوعية الرديئة المنتجة حالياً عبر عمليات التسبيخ الجارية.
ان استعمال الغاز الحيوي المنتج عبر الهضم اللاهوائي يمكن أن يشكل رافداً طاقوياً مهماً في بلد يدفع مئات ملايين الدولارات سنوياً ثمناً للبترول المستورد. أما ميزات السماد السائل، فهي: احتواءه على نسبة كثيفة من المغذيات كالنيتروجين والفوسفات والبوتاسيوم، وخلوه من معيقات الهضم كالهيدروجين والأوكسيجين، وخلوه من الجراثيم والديدان والحشرات الضارة، وتجانس مكوناته مما يسهل استهلاكه على النبات، وجودة نوعية الخضار والفواكه المنتجة من الأراضي المسمدة به.
الشق العضوي من النفايات المنتجة في لبنان يناهز 600 ألف طن سنوياً، وهذه الكمية يمكن أن تنتج، إذا ما أحسن أدارتها، ما يلي:
- 240 ألف متر مكعب من الغاز الحيوي.
- 450 مليون ليتر من السماد الطبيعي السائل.
- 80 ألف طن من محسن التربة الحقيقي.
إن إنتاج المواد المذكورة أعلاه يوفر للمجتمع اللبناني فرصة جني الثمار الآتية:
- خلق أكثر من 2000 وظيفة جديدة لإدارة مراكز الهضم والفرز والمعالجة والتدوير.
- خلق أكثر من 1000 وظيفة لدى القطاع الصناعي لتصنيع المعامل الجديدة.
- إفساح المجال أمام الزراعة اللبنانية للتحول إلى الزراعة العضوية والابتعاد عن الأسمدة الكيماوية التي استنزفت التربة اللبنانية على مدى عقود طويلة، وهذا تحول نوعي يفتح أمامها الأسواق الخارجية، في أوروبا خاصة.
- توفير مئات الآلاف من الأمتار المربعة من الأرض اللبنانية المطلوب الآن تحويلها إلى مطامر.
هذه "الثورة" لا يمكن تحقيقها بنجاح ما لم تعمد الدولة إلى وضع ملف ادارة النفايات بيد مجموعة متخصصة وقادرة على الإبداع. لقد أخطأت وزارة البيئة حين استبعدت تقنية الهضم اللاهوائي في معالجة النفايات. ومن الضروري اعادة النظر في استراتيجيتها، للوصول إلى خطة متكاملة لادارة النفايات تستفيد من التجارب العالمية الناجحة وتتناسب مع الأوضاع الطبيعية والاجتماعية والاقتصادية المحلية.
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.