حيوانات نادرة تكيفت مع بيئات خاصة في هذه الجزر التي دمغت نقطة تحوُّل في علم التاريخ الطبيعي
عماد فرحات
يتكون أرخبيل غالاباغوس من 15 جزيرة كبيرة ومئات الجزر الصغيرة الممتدة على "ضفاف" خط الاستواء في المحيط الهادئ، على بعد نحو ألف كيلومتر من غرب الاكوادور. ويبلغ مجموع مساحتها اليابسة 7844 كيلومتراً مربعاً.
هذه الجزر بركانية المنشأ، وتعد من أكثر المناطق البركانية نشاطاً في العالم. تحفّ بها غابات القرم (المنغروف)، وفيها جبال تتوجها فوهات بركانية يرتفع بعضها عن سطح البحر أكثر من 1500 متر. في المناطق الداخلية الساحلية، حيث تقل الأمطار، يتكون الغطاء النباتي أساساً من أشجار الزعرور والصبار والمسكيت ونباتات شائكة أخرى. وفي المرتفعات المعرضة لضباب كثيف ينمو غطاء نباتي مزدهر. ويتعدّل المناخ وحرارة المياه حول الجزر بتيار همبولت البارد الآتي من القارة القطبية الجنوبية.
لم تكن جزر غالاباغوس مأهولة عندما اكتشفها الاسبان عام 1535. وقد رابط فيها القراصنة في القرنين السابع عشر والثامن عشر حيث كانوا يهاجمون السفن الاسبانية العابرة وينطلقون منها للسطو على المدن الساحلية. ثم أصبحت مقصداً لصيادي الحيتان والفقم، الذين دأبوا على إمساك سلاحفها العملاقة ووضعها على سفنهم حيث كانت تبقى حية طوال أشهر من دون طعام ولا ماء. وهذا أدى الى تقلص حاد في أعدادها.
وفي العام 1835، قدم اليها عالم التاريخ الطبيعي البريطاني الشاب تشارلز داروين الذي كان في رحلة علمية وجغرافية حول العالم على متن السفينة "بيغل"، وأمضى في الجزر نحو ستة أسابيع يدرس الحياة الحيوانية فيها. وقد وفرت مشاهداته هناك المعطيات الرئيسية لنظريته حول تطوُّر الأنواع بالانتقاء الطبيعي.
تتميز جزر غالاباغوس بحياتها الحيوانية التي تشمل أنواعاً عديدة وأجناساً مختلفة في جزر منعزلة. وهي تنفرد بستة أنواع من السلاحف العملاقة (galapagos بالاسبانية، ومن هنا تسمية الجزر). وقد عثر داروين على هذه السلاحف التي تختلف احداها عن الأخرى الى حد يتيح معرفة الجزيرة التي تنتسب اليها. ومن الزواحف الأخرى نوعان فريدان من عظاءات الاغوانة الضخمة. لكل منهما أوجه شبه بالاغوانة الخضراء المعروفة في جنوب أميركا، لكنهما تكيّفتا الى حد كبير مع بيئات خاصة في الجزر حتى باتتا تشكلان فصيلتين مستقلتين. الاولى عظاءة برية تقيم في جحور، اعتادت العيش في الجزر القاحلة وتقتات بالصبار الشائك. والثانية عظاءة بحرية نادرة، لها ذيل مفلطح يساعدها على السباحة والغوص في مياه المحيط، وبراثن قوية تحفظ توازنها على سطح المياه، وخطم مثلَّم قصير يمكنها من كشط الطحالب عن الصخور.
ويعيش في الجزر 85 نوعاً مختلفاً من الطيور، بينها النحام (الفلامنغو) والغاق الذي لا يطير والحساسين والبطريق. وكثير من الطيور التي عثر عليها داروين، خصوصاً البرية، كانت من الأنواع المقيمة التي لا توجد في أي مكان آخر على الأرض. وثمة 13 نوعاً من "الدوري" (Finch) تكيفت مناقيرها مع ظروف بيئية مختلفة في الجزر.
يقطن هذه الجزر الاكوادورية نحو 14 ألف نسمة. وتزرع فيها الخضر والفواكه الاستوائية وشجيرات البن، ويزدهر فيها صيد أسماك التونة والأخفس والكركند الشائك. وتكثر أسود البحر في مياهها الزاخرة بأنواع كثيرة من الأسماك الساحلية. وقد صُنّف الجزء الأكبر من الجزر محمية للحياة الفطرية.
تخضع الجزر لادارة مشتركة تتولاها مصلحة منتزه غالاباغوس الوطني ومحطة تشارلز داروين للأبحاث. تقدم الأولى الحراس والمرشدين وتضبط السياح الكثيرين الذين تتزايد أعدادهم بشكل قد يهدد فرادة الجزر.
وتجري الثانية البحوث العلمية وتعد البرامج الحمائية، كما تعمل حالياً على إكثار السلاحف والعظاءات في الأسر ليتم إطلاقها لاحقاً في موائلها الطبيعية حفاظاً على هذه الأنواع الفريدة المهددة بالانقراض.
|