تعتبر حماية البيئة، بجميع عناصرها من ماء وهواء وتربة وكائنات حية، واحدة من أبرز القضايا العالمية الراهنة، باعتبار أن هذه الحماية هي في جوهرها حماية للانسان. وقد أولت الجمهورية العربية السورية القانون البيئي اهتماماً ملحوظاً، بسبب خاصية الإلزام التي يتمتع بها وما يتضمنه من حظر وقيود وضوابط متنوعة تهدف بمجموعها الى توجيه السلوك البشري وفقاً لمتطلبات الحماية البيئية.
على الصعيد الدولي، التزمت سورية بمعاهدات بيئية كثيرة، كاتفاقيات التنوع البيولوجي والأراضي الرطبة وحماية طبقة الأوزون وتغير المناخ ومكافحة التصحر، واتفاقية بازل بشأن التحكم في نقل النفايات الخطرة والتخلص منها عبر الحدود، واتفاقية برشلونة بشأن حماية البيئة البحرية بصيغتها المعدلة وعدد من البروتوكولات المتصلة بها، واتفاقية ماربول لمنع التلوث من السفن، واتفاق حفظ حوتيّات البحر المتوسط والبحر الأسود والمنطقة الأطلسية المتاخمة، واتفاقية الاستعداد والتصدي للتلوث النفطي، واتفاقية منع التلوث البحري بالمخلفات والمواد الأخرى، وغيرها من الاتفاقيات الدولية البيئية ذات الأهمية العالمية.
وتطبق التشريعات والأنظمة الوطنية والمشاريع والبرامج الوطنية لتنفيذ هذه المعاهدات. وهي تتناول برامج مكافحة التصحر ومكونات التنوع الحيوي وإقامة المحميات الطبيعية بمختلف أنواعها، ومشاريع وطنية بشأن التعامل السليم مع النفايات ومكافحة التلوث بمختلف أشكاله ومصادره، وحماية البادية والأحراج وتنظيم الصيد البري والبحري، ومراقبة النشاطات والمنشآت ذات التأثير البيئي، ووضع خطط واستراتيجيات لحماية البيئة ومواجهة الكوارث البيئية والتدريب على تنفيذها بفعالية. كما أقيمت دورات تدريبية داخلية وخارجية كثيرة لتقوية القدرات المحلية.
قوانين ضابطة
على الصعيد الداخلي، تغطي التشريعات البيئية المتنوعة النافذة جوانب البيئة المختلفة، ومنها:
- المرسوم التشريعي رقم 154 لعام 1961 المتعلق بتحديد مهام المديرية العامة للموانئ: وهو يشمل تنفيذ القوانين والأنظمة البحرية والتحري عن الحطامات والمقذوفات البحرية وضبط مخالفات السفن للقوانين والأنظمة البحرية وتأمين سلامة الأموال والأرواح في البحار وغيرها.
- قانون حماية الأحياء المائية الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 30 لعام 1964: يهدف الى حماية الأحياء التي تعيش في البيئة المائية من خلال تنظيم صيدها وفقاً لمتطلبات حمايتها. فيحدد وسائل الصيد المسموحة والمحظورة ومواصفاتها، ويحظر الاضرار ببيوض الأحياء المائية وفراخها، كما يحظر تسرب مخلفات المصانع والمواد الكيميائية في البيئة المائية. وينص على إخضاع بناء المصانع والمختبرات وتمديد مجاري النفط والمواد الكيميائية قرب المياه العامة لواجب الترخيص، الذي يحدد التدابير التي يجب مراعاتها لمنع الاضرار بالبيئة المائية. وفي واقع التنفيذ الفعلي لهذا المرسوم، تمت فعلياً الملاحقة القضائية لأشخاص مخالفين لأحكامه تم ضبطهم من قبل الضابطة السمكية، ومنهم من كان في حوزته وسائل صيد ممنوعة، واتخذت بحقهم الاجراءات القانونية.
- القانون رقم 10 لعام 1972: يهدف الى حماية المياه الاقليمية السورية والمياه الملاصقة لها من التلوث بالنفط ومخلفاته ومشتقاته أو بالزيوت الضارة الأخرى. والمسؤول عن التلوث محدد بالقانون وملزم بازالة التلوث على نفقته الخاصة، كما يلزم ربان السفينة بمسك سجل للزيت تدون فيه كافة الوقوعات ويخضع للتدقيق من قبل سلطات الموانئ في أي وقت.
- قانون تنظيم الصيد البري: ينظم صيد الطيور والحيوانات البرية، وتتناول أحكامه مثلاً تحديد النطاق المسموح فيه بالصيد ومواعيد صيدها تبعاً لأنواعها، وحظر استعمال وسائل صيد معينة، وحظر صيد بعض الكائنات مطلقاً أو خلال أوقات محددة، وإمكانية فرض حظر الصيد نهائياً في جميع أنحاء سورية بقرار يصدر عن وزير الزراعة، وإخضاع ممارسة الصيد البري أو حمل سلاح الصيد لواجب الحصول مسبقاً على ترخيص من وزارة الداخلية. وتنفيذاً لهذا القانون، صدرت عن وزير الزراعة ثلاثة قرارات يقضي كل منها بمنع الصيد لمدة خمس سنوات في جميع أنحاء سورية. وقد تم فرض عقوبات متنوعة بحق المخالفين لأحكام هذا القانون، شملت الغرامات وسحب رخصة الصيد ومصادرة الطرائد.
- قانون الأحراج رقم 7 لعام 1994: يهدف الى حماية المجتمع النباتي والبيئي المتكون من الأشجار والشجيرات والأدغال والبادرات والفسائل والأعشاب سواء أكانت نابتة بصورة طبيعية أم بمجهود بشري. وينص على إقامة محميات حراجية ومناطق وقاية، كما يتناول تنظيم استثمار الأحراج واستغلالها وإنتاجها والمحافظة عليها وتحسينها. وجرَّم القانون عدداً من الأفعال الضارة، كإضرام النار قصداً (أو التسبب بنشوب حريق) في الأراضي الحراجية أو المحميات أو مناطق الوقاية، وقطع أو اتلاف أو تشويه الأشجار والشجيرات، ودخول المحميات خلافاً للتعليمات، والرعي أو اطلاق الحيوانات في المحميات المحظور الدخول اليها، واصطحاب آلات أو وسائط خاصة بالقطع أو النقل داخل الأحراج، أو أي فعل آخر يضر بالغابات. ويتم ضبط المخالفات من قبل الضابطة الحراجية. وبصدد تطبيق هذا القانون، يمكن الاشارة على سبيل المثال إلى أن عشرات السيارات هي حالياً قيد الحجز بسبب ضبطها وهي تستخدم كوسيلة في القيام ببعض المخالفات، ويكون حجزها لمدة شهرين ولا يفك احتباسها إلا بالقضاء. كما ضبطت مخالفات دخول بعض الرعاة الى المحميات، فتمت مصادرة القطيع وإحالة المخالفين الى القضاء.
- قانون العقوبات تضمن أيضاً نصوصاً في مجال حماية البيئة، حيث جرم عدداً من الأفعال الضارة بالبيئة مثل إضرام النار في البساتين والمزروعات والأبنية والمصانع، والتسبب في انتشار الأمراض السارية أو الجراثيم الخطرة، وجرائم التعدي على مكونات التنوع الحيوي كقتل الحيوانات والنباتات أو تسميمها، وجرائم تتعلق بنظام المياه العامة مثل القيام بأعمال التنقيب عن المياه الجوفية أو المتفجرة من دون إذن رسمي أو تلويثها أو التعدي على ضفاف مجاري المياه والمستنقعات والبحيرات أو على حدود ممرات قنوات الري والتصريف.
- قانون السير يحدد شروطاً معينة في المركبات، مثل الاحتراق الكامل في المحرك وتصريف غاز العادم وفق ضوابط بيئية محددة، وحظر استخدام الوقود غير المرخص باستخدامه، وتزويد المركبات بأجهزة تنبيه ذات مواصفات محددة، وإخضاع المركبات بجميع أنواعها للفحص عند استعمالها للمرة الأولى وإخضاعها أيضاً للفحص الدوري والفجائي وعند إجراء أي تعديل جوهري في المركبة أو محركها. ويتم تنفيذ هذا القانون بشكل جيد، وتتولى عناصر الشرطة ضبط المخالفات. وقد فرضت غرامات في حالات كثيرة، وسحبت رخص السير من المركبات المخالفة، وتم تقديم متجاوزين للقضاء. وزودت دوريات شرطية بأجهزة لاجراء يتم بها فحص فجائي للسيارات العابرة في الطرقات في أي وقت، للتحقق من مراعاتها للضوابط المطلوبة وخاصة ما يتعلق بوجوب الاحتراق الكامل في المحرك وعدم تلويث الهواء. واتخذت فعلياً إجراءات قانونية بحق المخالفين الذين ضبطتهم هذه الدوريات، كحجز المركبات الى حين إزالة المخالفة. وطبقت سياسة البنزين الخالي من الرصاص وعممت على محطات الوقود.
وهناك تشريعات بيئية أخرى، كقانون حماية الثروة الحيوانية وقانون حماية الآبار الجوفية وقانون المقالع وقانون الحطام البحري والكوارث البحرية.
مركز أبحاث وهيئة عامة
في إطار التطوير التشريعي والمؤسساتي، تم بموجب المرسوم التشريعي رقم 11 لعام 1991 إحداث هيئة متخصصة بشؤون البيئة هي الهيئة العامة لشؤون البيئة ومجلس أعلى للبيئة هو مجلس حماية البيئة. وأحدث بموجب المرسوم التشريعي رقم 16 لعام 1994 مركز الأبحاث العلمية والبيئية. وأضاف القانون رقم 50 لعام 2002 والمرسوم التشريعي رقم 71 لعام 2003 مهامّ أخرى إلى الهيئة والمجلس، مع تعديل في تشكيل كل منهما، لتطوير الاطار المؤسساتي ضمن سياسة التطوير والتحديث في سورية.
يمارس مركز الأبحاث العلمية والبيئية مهام عديدة تشمل القيام بالدراسات والأبحاث ورصد التلوث وحصر المشكلات البيئية المحلية ومتابعتها واقتراح الحلول المناسبة. وقد قدم المركز دراسات كثيرة تناولت مواضيع تلوث الهواء والنفايات الصلبة وغيرها، وقدم اقتراحات للتصدي لها تمت الاستفادة منها في الخطط والاستراتيجيات البيئية الموضوعة والمعتمدة.
أما الهيئة العامة لشؤون البيئة فتعمل على إرساء القواعد الأساسية لسلامة البيئة وحمايتها. ومن مهامها حصر المشكلات البيئية القائمة والمشاركة في الدراسات والأبحاث العلمية اللازمة لمعالجتها، وتقويم الأخطار الناتجة عن استعمال مختلف المواد التي تهدد سلامة البيئة، وتنمية الوعي البيئي، والرقابة البيئية على نشاطات الجهات العامة والخاصة للتحقق من مدى تقيدها بالشروط المطلوبة، وإعداد ما يلزم من تشريعات وأنظمة بيئية، وتدعيم العلاقات بين سورية والجهات الدولية في الشؤون والاتفاقيات ذات العلاقة بالبيئة.
وقد تحققت منذ إحداث الهيئة ايجابيات كثيرة، مثل إعداد الخطط والاستراتيجيات البيئية وتقييم الأثر البيئي للمنشآت، ومعالجة الشكاوى التي ترد إلى الهيئة بالتنسيق مع الجهات المعنية الأخرى. ونفذت ندوات ومعارض وورشات عمل وبرامج بيئية تستهدف التوعية، شاركت فيها منظمات شعبية كالشبيبة والطلائع والاتحاد النسائي. واعتبرت موافقة الهيئة العامة لشؤون البيئة شرطاً لمنح الترخيص اللازم باقامة أي من المنشآت المعتبرة ذات تأثير على البيئة. وبالفعل، لم تمنح الموافقة البيئية لطلبات كثيرة مقدمة الى الهيئة لعدم توفر الاشتراطات البيئية المطلوبة، وبالتالي لم يمنح الترخيص بها من الجهات المعنية. وقد منحت الهيئة موافقات على تأسيس جمعيات أهلية لحماية البيئة كان لها دور هام في مجال التوعية والتصدي للمشاكل البيئية.
مجلس حماية البيئة
السلطة العليا في ما يتعلق بالشؤون البيئية في سورية هي لمجلس حماية البيئة، الذي يقوم بدور أساسي في مجال التنمية المستدامة. وهذا واضح من خلال تشكيله ومهامه، اذ يرأسه رئيس مجلس الوزراء ويضم في عضويته وزراء الادارة المحلية والبيئة والصحة والداخلية والمالية والزراعة والاسكان والتعمير والكهرباء والنفط والثروة المعدنية والإعلام والسياحة والتربية والنقل والصناعة والشؤون الاجتماعية والعمل والري، بالاضافة الى رؤساء بعض المنظمات الشعبية والنقابات وغيرهم. ومن مهامه إقرار السياسة العامة لحماية البيئة والاستراتيجية الوطنية لها والخطط والبرامج الخاصة بها في إطار السياسة العامة للدولة، واعتماد الأنظمة البيئية والمعايير والمواصفات لعناصر البيئة والتلوث، واتخاذ قرارات بمنع أو توقيف أو فرض قيود على تشغيل أية منشأة أو نشاط يرى أنها تسبب ضرراً للبيئة أو خللاً في توازنها، والنظر في الأمور المتعلقة بالبيئة التي يعرضها وزير الادارة المحلية والبيئة على المجلس واتخاذ ما يلزم من القرارات والتوصيات بشأنها.
ومن الأمثلة العملية على دور هذا المجلس في تحقيق التنمية المستدامة قرار نقل إحدى المنشآت الاقتصادية الضخمة (معمل للاسمنت) الى خارج دمشق لمنع وقوع أضرار بيئية يمكن أن تنجم عن نشاطه، وإقراره الاستراتيجية الوطنية لحماية البيئة وتحديد دور كل وزارة في تنفيذها، واعتماده للمعايير والشروط البيئية المطبقة، وقراراته الصادرة في مسائل بيئية متنوعة.
وقد نص القانون رقم 50 لعام 2002 على مؤيدات تضمن الامتثال لأحكامه، كالعقوبات الجزائية التي يمكن أن تصل الى الاعدام في حال ارتكاب جريمة إدخال مواد خطرة الى البلاد بقصد التخلص منها ضمن بيئتها. كما نص القانون على مؤيدات مدنية، فكل من سبب ضرراً للبيئة بفعله أو بفعل الغير الذي هو مسؤول عنه أو بفعل الأشياء التي في حراسته مسؤول عن التعويض عن الضرر وإزالته وإعادة الحال الى ما كان عليه، والمسؤولية قائمة على خطأ مفترض. وأعطى القانون وزير الادارة المحلية والبيئة صلاحية إصدار قرارات تتضمن إلزام مستوردي المواد الكيميائية التي يثبت أنها ضارة بالبيئة بإعادتها الى مصدرها.
هذه صورة موجزة عن الواقع التشريعي البيئي في سورية، والجهود المبذولة من أجل حماية البيئة ودمج هذه الحماية في السياسة التنموية للبلاد ضمن إطار العمل على تحقيق التنمية المستدامة.
جورج عساف مدير الشؤون القانونية والادارية في الهيئة العامة لشؤون البيئة في الجمهورية العربية السورية.