القوانين اللبنانية، قديمها وحديثها، احتاطت لأهم أمور البيئة. فلو طبقت لتجنبنا الحالة المأسوية التي تهدد البيئة اليوم. لقد اختصرت المؤسسة الوطنية للتراث بلوحة معبرة للغاية، استخدمتها في حملة اعلامية، ما أصاب ويصيب البيئة في لبنان من هدم وتشويه وتلويث وتقبيح، بحراً أو جبلاً، ظهرت فيها فتاة رائعة الجمال شوهت وجهها القروح وقبحته الأمراض خلال خمسين عاماً من الاستقلال، بينما غزوات الغرباء منذ ستة آلاف عام لم تحقق هذه الإنجازات التي تمت على أيدي بعض المواطنين.
وهنا نموذج عن بعض القوانين البيئية وكيفية التحايل عليها وحتى تجاهلها من قبل حيتان المال والسياسة الكبار والصغار منهم.
عبدالله زخيا
نظّم قانون الأحراج لعام 1949 وتعديلاته استغلال الاحراج بشكل يحافظ على استمراريتها وعلى حماية التربة والمياه والمواقع السياحية، فاخضع القطع ولو لشجرة حرجية واحدة لرخصة مسبقة تأميناً للحفاظ على التربة والمياه الجوفية والصحة العامة، ومنع قطع الأشجار الصمغية، والعقوبة تشمل الحبس والغرامة واعادة التحريج.
وبتاريخ 1/8/1996 صدر القانون 558 الذي أعلن احراج الملك العام والبلديات محميات، فمنع كل الأعمال التي تؤدي إلى الأضرار بتوازناتها تحت طائلة الحبس حتى ثلاث سنوات وخمس سنوات في حال الحريق.
اما على الأرض، فالأحراج تقطع من دون ترخيص وبحماية سياسية. وقد تدنى لبنان الأخضر إلى 3% من مساحته. وإذا استمر هذا الوضع فسيصبح "لبنان الأخضر" بعد خمس عشرة سنة اسماً بدون مسمى، كما جاء في دراسة لمنظمة الغذاء والزراعة الدولية. وقطع الأحراج مستمر في العديد من المناطق على يد جيش جرار من المرتزقة بحماية اكثر من مسؤول سياسي، ويستشري بصورة خاصة في منطقة المتن ومنطقة عكار بحماية سياسية تعطل مفعول القوانين. وتمتاز هاتان المنطقتانباحراج صمغية نادرة بنوعيتها وقدمها.
حماية الثروة الحيوانية
إن قانون الصيد البري يمنع استعمال الدبق والشباك واستعمال آلة تسجيل صوت العصافير والطيور ويحمي الأعشاش والبيض وصغار الطيور ويمنع صيد الطيور النافعة ويحدد الأنواع الممنوع صيدها. ولكن الصيد العشوائي مستمر، وقد صدر مؤخراً قانون جديد للصيد تحديثاً للقانون القديم، فتشدد في الحماية وضاعف العقوبات ونص على وجوب إخضاع الصياد للفحص وحصوله على شهادة.
أما على ارض الواقع فالصيد مستمر حتى في المناطق التي أعلنها أصحابها مناطق محمية كما هو حاصل في التلة الخضراء في البقاع، وقد أصبحت حمراء بفضل الصيادين، وكثيراً ما نرى في عداد الصيادين وقد زاد عددهم على عدد الطرائد عناصر من قوى الأمن التي أوكل إليها تطبيق القانون.
حماية المياه
اعتبر القرار رقم 144 لعام 1925 المياه ملكاً عاماً، بما فيها المياه الجوفية والينابيع والأنهر والبحيرات والغدران ومجاري المياه والشلالات الصالحة لتوليد الطاقة، وكل من يتعدى عليها عقوبته الحبس عملاً بقانون العقوبات.
والقوانين المتعاقبة،ولا سيما المرسوم 8735 الصادر عام 1974، منعت تلويث المياه وتصريف أو رمي المياه المبتذلة أو المراحيض أو النفايات المنزلية والصناعية الصلبة والسائلة بأية طريقة كانت، لا سيما بواسطة الآبار ذات الغور المفقود، في مجاري المياه وجوف الأرض والبحر والشاطئ والأنهر والغدران وفي جوارها وجوار الينابيع قبل معالجتها، تحت طائلة الحبس سنتين.
ولكن، وبحسب دراسات عديدة، فان 80% من المياه إما ملوثة وإما معرضة للتلوث، وأهمها بحيرة القرعون. والتلوث الأكثر انتشاراً يتم بواسطة الآبار ذات الغور المفقود للحفر الصحية والمعامل والمصانع. وبعض القرى تستعمل الوديان مكباً للمياه المبتذلة. اما القوى الأمنية فهي تغض النظر عن هذه المخالفات لقاء بدل يختلف باختلاف المناطق والمدن. وقد امتدت المخالفات إلى أعالي الجبال كما حصل في أعالي جبال كسروان، حيث تلوث نبع اللبن ونبع العسل اكثر من مرة.
حماية الأملاك البحرية
عملاً بالقرار رقم 144/1925، فان ملكية الأملاك العامة البحرية لا تكتسب بفعل الزمن ولا تباع.
وعملاً بالمرسوم رقم 4810 لعام 1966، الذي نظم الشواطئ اللبنانية، لا يجوز تخصيص جزء من الشاطئ للاستثمار إلا إذا كان ذا صفة عامة وله مبررات سياحية أو صناعية وان لا يكون عائقاً لوحدة الشاطئ.
وقانون العقوبات في مواده 733 و735 و736 و748 و764 نص على جرائم وعقوبات بحق من اقدم على ردم أو هدم أو تخريب أو إتلاف أملاك عامة أو تلويثها أو استخرج منها نباتاً أو تراباً أو حجارة أو حصى أو رملاً أو خلافها.
ومع ذلك فإن اكثر من خمسة ملايين متر مربع من الأملاك العامة البحرية وعشرة ملايين متر مربع من الأملاك النهرية مقرصنة، وهي بحالة تمدد مستمر بحجة ترميم القديم منها. ورغم مرور اكثر من عشر سنوات على نهاية الحرب فلا تزال الدولة عاجزة عن استعادة الملك المغتصب وتطبيق القانون على المغتصبين، وكأن همها الوحيد هو كيفية تشريع هذا الاغتصاب.
التنظيم المدني
نص قانون التنظيم المدني على مبادئ عامة لتنظيم المدن والقرى وللتوازن بين التقدم المدني وحماية الطبيعة والمناظر، ولكنه لم يطبق وعمت الفوضى، وأتى قانون تسوية مخالفات البناء يشرع هذه الفوضى، وسبقه قانون "طابق المر"، فأصبحت قرانا ومدننا تتميز بالبشاعة والمواطنون ينتهزون الفرص لمزيد من المخالفات طمعاً منهم بمزيد من التسويات. وكما صرح وزير الأشغال العامة السابق المرحوم علي حراجلي فإن المسؤولين عن هذه المخالفات هم قوى الأمن والبلديات ومكاتب التنظيم المدني.
ومن اللافت أن المقاهي والمطاعم المخالفة والمتعدية على الملك العام تجد حصانة تسمح لها بالمزيد باستضافتها المميزة لمسؤولين سياسيين وحتى أمنيين، ولا يشذ عنهم سوى محافظ بيروت المهندس يعقوب الصراف الذي، فضلاً عن تطبيقه القانون على الجميع، يرفض ارتياد هذه المطاعم. وشذوذه المزدوج هذا يستحق الذكر والتقدير، لا سيما وانه يعرضه للإقصاء عن وظيفته.
حماية النظافة العامة
إن المرسوم الاشتراعي الرقم 8735 لعام 1974، المعروف بقانون النظافة العامة، وضع جميع القيود والشروط المتوجبة للمحافظة على النظافة العامة وعلى المناظر من مضار النفايات والأنقاض والمياه المبتذلة ولصق الإعلانات وخلافها. ومع ذلك فالنفايات منتشرة في الجبال والوديان والطرقات وشاطئ البحر، وهي ترحب بالسواح، والحل مؤجل بانتظار توافق قراصنة المال والسياسة على حصة كل منهم في هذه النفايات لأنها مصدر غنيمة.
الحماية من المقالع والكسارات
لو طبقت التشريعات القديمة، وهي تقضي بالابتعاد ألف متر عن مصادر المياه وتجمع خمس بيوت سكن وبتحديد الارتفاع وكيفية ونوعية المتفجرات وإعادة تأهيل الأرض، لكانت كارثة المقالع والمرامل التي تعمل كلها خلافاً للقانون أصغر كثيراً من الحجم التي هي عليه.
فضلاً عن ذلك صدرت مراسيم جديدة تأخذ بعين الاعتبار الانعكاسات البيئية وتفرض شروطاً جديدة لحماية البيئة، ولكن هذه التشريعات لم تطبق ولجأت الدولة إلى حيلة تمديد المهل الإدارية لعدة سنوات للاستمرار في المخالفات والتعديات. وعندما صدر مؤخراً مرسوم يقضي مجدداً بوقف التعدي، أصبحت المقالع تنبت كالفطر، فتعمل فترة وتتوقف فترة وتتحايل على القانون بحيلة الحصول على رخصة استصلاح الأراضي للزراعة، فلا الأرض استصلحت ولا المواقع أُهّلت كما يقضي القانون، واصبح جسم الوطن معاقاً وجريحاً بسبب هذه المقالع والمرامل.
تنظيم استعمال المبيدات والأسمدة الكيماوية
نظم قانون 11/78 تاريخ 24/4/1978 بيع وتعبئة وتوضيب وصنع ورش المبيدات ومنع استيراد المبيدات الممنوعة في بلد المنشأ وكل ما يضر بالصحة العامة.
أما المرسوم رقم 10659 تاريخ 21/9/1970 فقد أوجب مراقبة استيراد وإنتاج وبيع الأسمدة الكيماوية حفاظاً على الطبيعة وعلى صحة الإنسان، وانشأ لجنة مختصة بمراقبة الأسمدة في وزارة الزراعة. ولكن ضغط مستوردي الأدوية الزراعية عطل أعمال اللجنة المختصة بتطبيق المرسوم فعمت الفوضى في هذا القطاع.
هذا هو التشريع، أما في الواقع فلجنة الرقابة مشلولة والرقابة معدومة واللبناني معرض بشكل مستمر للتسمم البطيء.
تشريعات مختلفة
فضلا عن هذه القوانين، هناك تشريعات عديدة وأهمها تحمي البيئة من التلوث بالنفايات الضارة والمواد الخطرة (قانون 64/1988) وقانون تخفيف تلوث الهواء في قطاع النقل (قانون 341/2001) وقانون الحماية من انعكاسات الصناعات الخطرة والمضرة بالصحة والمزعجة (المرسوم الاشتراعي رقم 21/7 لعام 1932) وقوانين حماية التراث الثقافي (قرار رقم 166/1936) وحماية التراث الطبيعي (قانون 80/1939) ولم يطبق هذا القانون الا مرة واحدة بالمرسوم 434/1943 وقد حمى ثمانية مواقع، وقوانين إنشاء ثماني محميات، وعدة قرارات بحماية مواقع مميزة ومجاري الأنهر واحراج الدولة الصمغية.
ولكن رغم وفرة هذه التشريعات فإنها لا تطبق، وان طبقت فتطبق استنسابياً، والرقابة معدومة والبيئة في مهب المصالح.
عدم تطبيق القانون وتجهيل الفاعل
عدم تطبيق القوانين المتعلقة بحماية البيئة والأملاك العامة أو تطبيقها استنسابياً حسب الانتماء السياسي والحجم المالي للأفراد يتم بفعل لعبة تجهيل الفاعل.
فالقوانين موجودة والعقوبات رادعة ولكن دولة القانون والمؤسسات مفقودة، وقد حلت مكانها دولة القبيلة والغنيمة. والقانون لا يطبق على حيتان المال والسياسة الذين يقرصنون البيئة، وقد لجأت الدولة لحمايتهم إلى لعبة تجهيل الفاعل. رغم خطورة الجرائم البيئية ووعود خطاب القسم، فما زال المجرمون البيئيون مجهولي الهوية بالنسبة للدولة، مع أن أسماءهم أصبحت على كل شفة ولسان. فيبدو أن لدينا جرائم وليس لدينا مجرمون، وتجربة المدعين البيئيين فشلت كسابقاتها من التجارب وأصبحت الجرائم البيئية وكأنها في عداد الكوارث الطبيعية.
في فساد الإدارة وتسييس أداة التنفيذ
إذا اجتاز صدور القانون حواجز ألف ليلة وليلة فيبقى أن يجتاز تطبيقه حواجز الإدارات المختلفة. اجمع وزراء الإصلاح الإداري المتعاقبون على ما قاله المرحوم خاتشيك بابكيان: "ثمة أمر واحد واضح ومؤكد هو أن شيئاً لن يتحقق لا اليوم ولا في المستقبل المنظور(….) إذا بقيت الإدارة مسيسة، وبقيت انتماءاتها مشدودة بين رؤساء الطوائف والأحزاب وأرباب النفوذ والسلطة والمال".
وهذا الأمر يؤكده المفتش السابق لدى دائرة التفتيش المركزي ومحافظ الشمال السابق خليل الهندي في مداخلته في مؤتمر الإصلاح في لبنان المنعقد في 8/3/2002، وهو اعلم من غيره بهذا المرض، إذ قال ما معناه: سبب مراجعة السياسيين والمتنفذين له كان بنسبة 99,99 لتغطية مخالفة أو للقيام بمخالفة، وخلص إلى الاستنتاج ان الإدارة جاهلة وعاجزة وفاسدة ومفسدة للمواطن ومتخلفة ومسيسة.
وهكذا ان سبب الأمراض الوبائية التي تنخر جسم الإدارة وتمنع تنفيذ القوانين هي السياسة والسياسيون. فالإصلاح الإداري، وعمره يفوق العشر سنوات وقد استهلك اكثر من وزير، لم يتمكن من فك الارتباط بين الإدارة والسياسة والطائفية وحتى المذهبية، بل أدى إلى مضاعفة معدلات الرشوة باستمرار.
فهناك حلف غير مقدس بمباركة الدولة بين السياسي المفسد والموظف الفاسد، فالأول يحمي الثاني والثاني يؤمن له الخدمات وجلّها مخالفة للقانون. ان حماية البيئة والأملاك العامة تتطلب إعادة تأهيل الدولة لأنها مرتبطة بالتشريعات وبتطبيقها، والبيئة هي الأكثر تضرراً من تسييس الإدارة وفسادها، لأنها الغنيمة الأكبر.
وقد لاحظت من خلال تجاربي بأنه عندما أوكل إلى الجيش حماية الأحراج وتوقيف المرامل والمقالع ومنع الصيد وإزالة التعديات على مجاري المياه توقفت المخالفات والتعديات فوراً. وعندما أوكل الأمر مجدداً للقوى الأمنية عادت التعديات والمخالفات وتفاقمت.
كيف يمكننا أن نطالب المواطن الصالح الحفاظ على البيئة والدولة تعتبره مواطناً غبياً، وما عليه إلا أن ينضم إلى "المواطنين الأذكياء"، فيشترك في تقاسم المغانم البيئية ويلتحق بأحد السياسيين النافذين، وإلا عليه الهجرة في وطنه أو إلى أوطان الآخرين؟
إن القوانين موجودة ولكنها غير مطبقة، والخبرات متوفرة ولكنها مهمشة، والأموال متوفرة ولكنها معرضة للسرقة والهدر لان الدولة غائبة أو مغيبة أو متواطئة، والرقابة معدومة ودور المواطن مستبعد، وقد أقعده اليأس والاحباط.
لعبة شهرزاد ومشاريع القوانين
جميع قوانين البيئة خضعت وتخضع للعبة شهرزاد في مط الوقت، فيتم وضع مشروع القانون ولكنه يتعثر سنوات بين مجلس الوزراء واللجان النيابية ليصدر في النتيجة معاقاً بفعل تدخل المصالح السياسية والمالية كما حصل لقانون البيئة العام ومشاريع قوانين المحافظة على التراث الثقافي واستثمار الأملاك العامة وتسوية التعديات البحرية ومشروع قانون إعادة تنظيم وزارة البيئة وقانون المحميات وغيرها.
أمام ضغوط المؤسسات الدولية التي تقدم المساعدات المالية والخبرة والرأي العام والضغوط الداخلية الداعية إلى وقف استنزاف البيئة وتهديمها وتشويهها وتلويثها، أدخلتنا الدولة في لعبة تحديث القوانين على غرار شهرزاد في قصة ألف ليلة وليلة.
ابتدأت هذه الرواية سنة 1994 وما زالت مستمرة دون نهاية. في الليلة الأولى ضاع مشروع تحديث قانون حماية التراث الثقافي بين ادراج مجلس الوزراء ومجلس النواب، ومن ثم كان مرسوم تنظيم عمل المقالع والمرامل وخريطة للمناطق المحمية فاختفت الخريطة بعد عرضها على التلفزيون وأبطل المرسوم بعد تفخيخه من قبل وزير البيئة في حينه بإعطاء نفسه صلاحية الرخص بدلاً من المحافظ خلافاً للقانون، ومن تاريخ الليلة الأولى حتى ليالي اليوم تستمر مخالفات المقالع والمرامل ببدعة تجديد المهل الإدارية أو بالتحايل على القانون بحجة استصلاح الأراضي.
وتوالت الليالي وتوالت مشاريع القوانين، فوضع قانون البيئة العام عام 1994 ودفن بدون مراسم بعد مروره عشرات بل مئات الليالي في لجنة وزارية خاصة برئاسة وزير الداخلية، ثم عادت عام 1997 وزارة البيئة إلى وضع مشروع قانون جديد تاه بدوره في لجنة الإدارة والعدل النيابية، وكل هذه المشاريع أخضعت لعمليات جراحية انتهت أو قد تنتهي بجعلها معاقة قبل إقرارها.
صدر قانون حماية البيئة رقم 444/2002 بعد تسع سنوات من المخاض العسير وبعد تفخيخه بالمادة 66 التي أدخلت الاستنساب السياسي إليه، إذ أعطي وزير البيئة حق تعديل العقوبات والغرامات التي أقرتها أحكام مبرمة، خلافا لمبدأ فصل السلطات الذي اقره الدستور. وقد حرم هذا القانون الجمعيات البيئية من حق الادعاء رغم ان ذلك يشكل الوسيلة الفضلى لحماية البيئة.
ومن ناحية أخرى،فحتى ينفذ هذا القانون لا بد من إصدار مراسيم تطبيقية تناهز 25 مرسوماً وحتى الآن لم يصدر ولا مرسوم واحد. وإذا كانت مدة مخاض كل منها مشابهةلمدة القانون، فعلينا انتظار اكثر من قرنين لصدورها. وفي هذا الوقت يتم تنفيذ مشاريع عديدة قد يكون لها تأثير سلبي على البيئة، من دون إخضاعها لدراسة الانعكاسات البيئية التي اقرها القانون.
وفي ليالي أخرى كان دور الشاطئ، فوضع مشروع قانون لحماية فسحة بعمق ستين متراً لانتفاع المواطنين المجاني بها ومنعت الضغوط من داخل المجلس وخارجه من إقراره، وهو يرقد غير سعيد في إدراج المجلس. ثم كانت مشاريع قوانين تسوية التعديات على الأملاك البحرية التي أعيدت صياغتها مجدداً مع كل وزارة جديدة بشكل أسوأ من سابقاتها لأن كبار القراصنة للملك العام هم في داخل السلطة. وفي هذا الوقت وضعت الوزارات المتعاقبة عدة مشاريع قوانين لخصخصة الشاطئ ولكنها فشلت حتى اليوم بفضل تضافر المجتمع المدني وبفضل صدور قانون الشاطئ الحضاري في سورية الذي اعتبر وظيفة الشاطئ الاجتماعية هي تأمين انتفاع المواطنين به بالتساوي ومجاناً.
مصير قانون المحميات وقوانين بيئية أخرى، لا سيما مشروع قانون صلاحيات وزارة البيئة نفسها، لا تختلف عن مصير مشاريع القوانين التي سبقتها، فهي كلها خاضعة للعبة مط الوقت. وبانتظار صدور القانون تبقى الوزارة مهمشة ومعاقة لدرجة أن وزير البيئة الأستاذ فارس بويز اعتبر إسناد وزارة البيئة إليه هي بمثابة عقاب، ويبدو ان العقاب متبادل. وإذا لجأت شهرزاد القصة إلى لعبة مط الوقت كي تنتصر الحياة على الموت، فشهرزاد الدولة تمط الوقت لتدمير الوطن وإعاقة الحياة باستنزاف البيئة.
وان كان الوضع البيئي قد أصبح مأسوياً،فعلينا ألاّ نيأس ولا نكلّ عن الشكوى والمراقبة والنقد والاحتجاج والتشهير حتى تدرك الدولة ان البيئة هي ثروة الوطن المستدامة وأن حياة وصحة المواطن هما حق من حقوق الإنسان، وهذه الحقوق مرتبطة بصحة البيئة وجمالها. علينا أن نقتبس من ثورة الحجارة ثورة الحناجر والأقلام حتى ننتقل من دولة القبيلة والغنيمة والعقيدة إلى دولة القانون والمؤسسات والعلم، حماية للبيئة السليمة التي نعيش فيها والتي هي حق من حقوق الانسان.
المحامي عبـدالله زخيا عضو سابق في لجنة حقوق الانسان في الأمم المتحدة ورئيس لجنة البيئة في نقابة المحامين في بيروت والمسؤول عن البيئة في المؤسسة الوطنية للتراث وفي الجمعية اللبنانية لحقوق الانسان.